Iraq



Iraq Iraq
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >>

IV. حرب 2003 ورد الفعل تجاه فلسطينيي العراق

إننا خائفون دائماً. وعلينا حراسة منازلنا ليل نهار. نحن ننتظر حدوث أمرٍ ما، وكلما طال بقاؤنا هنا كلما زاد حدوث ذلك الأمر احتمالاً. لماذا ننتظر؟ نحن لا نريد البقاء هنا بكل صراحة. نحن نريد الذهاب إلى بلدٍ آخر ونحتاج مساعدةً عاجلة من الأونروا.

صحيحٌ أننا كنا نشعر بالأمان عندما كان صدام هنا، لكننا لم نكن نعيش في الجنة كما يتخيل البعض. أنظروا إلى بيوتنا؛ إنها غير صالحة لمعيشة أسرنا، وهذه هي المنازل الأفضل من بين منازلنا. فبإمكاننا أن نريكم منازل أسوأ منها بكثير حيث يعيش الأطفال بجوار مياه الصرف. وفي الشتاء، تصل المياه في بيوتنا حتى الركبة بسبب عدم وجود صرف صحي.

صحيحٌ أن الحكومة العراقية أجبرت العراقيين في الماضي على تأجير منازلهم لنا بمبالغ منخفضة، لكن ذلك ليس ذنبنا. وفي ذلك الوقت [1958 - 1963]، عندما كان عبد الكريم قاسم15 هنا، كنا ندفع 5 دنانير شهرياً. وقد كان ذلك مبلغاً محترماً، لكنه فقد قيمته تدريجياً وخاصةً بعد عام 1991 بفعل العقوبات والضائقة الاقتصادية وصار عديم المعنى. لم ترفع الحكومة العراقية قيمة الإيجار، ونحن نستطيع أن نفهم سبب إحساس مالكي البيوت بالغضب. لكن تلك ليست بالطريقة المناسبة للتعامل مع هذه المشكلة. من فضلكم أوجدوا حلاً لنا قبل أن يقع أمرٌ خطيرٌ حقاً.16

وبمجرد سقوط الحكومة في أبريل/نيسان 2003، بدأ فلسطينيو العراق وغيرهم ممن لا يحملون الجنسية العراقية (كالأكراد الإيرانيين، والسودانيين، والصوماليين، وغيرهم) يتعرضون لمضايقاتٍ شديدة وهجماتٍ عنيفة، إضافةً إلى الإخلاء القسري من منازلهم. والظاهر أن للمضايقات والعنف سببين رئيسيين: الأول هو غضب العراقيين إزاء ما يرونه معاملةً تفضيلية للفلسطينيين من جانب الحكومة (يشعر كثيرٌ من العراقيين الفقراء بالغضب من الحكومة العراقية لأنها قدمت السكن المدعوم للاجئين الفلسطينيين وتركتهم هم يتدبرون أمورهم بأنفسهم)؛ والثاني هو محاولات مالكي المنازل (ومعظمهم من الشيعة) استعادة عقاراتهم التي أجبرتهم الحكومة على تأجيرها للفلسطينيين مجاناً بالمعنى الفعلي.

الهجمات والتهديدات

اشتكى الفلسطينيون العراقيون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش عقب سقوط حكومة صدام حسين عام 2003 مباشرةً من الهجمات التي تعرضت لها بيوتهم، ومن التهديدات ومختلف أشكال المضايقة من جانب العراقيين. وقد رافقت الهجمات شتائم تنبئ بكره الفلسطينيين بسبب ما تلقوه من معاملةٍ تفضيلية في ظل صدام حسين وتدعو إلى طردهم من العراق.

وعلى سبيل المثال، روت نظيمة سليمان، وهي امرأةٌ في الخمسين تقيم في حي الحرية ببغداد، أن 15 رجلاً مسلحاً جاؤوا إلى منزلها يوم سقوط بغداد وقالوا لأسرتها: "هذا المنزل ملكٌ للعراقيين؛ وأنتم لا تملكون شيئاً. لقد كان صدام يحميكم. اذهبوا الآن واطلبوا من صدام أن يعطيكم بيتاً آخر". وبعد يومين من ذلك التهديد، أي في 11 أبريل/نيسان 2003، ألقى أشخاصٌ مجهولون قنبلتين داخل منزل نظيمة فدمروه وقتلوا حفيدتها ذات الأشهر السبعة راوند محمد سليمان. كما جرح ثلاثةٌ من أبنائها وثلاثةٌ من أبناء عمومتها جراحاً خطيرة استدعت نقلهم إلى المستشفى.17

وقد أبلغ فلسطينيون آخرون عن حدوث تهديداتٍ وهجماتٍ مماثلة في أنحاء متفرقة من بغداد. وهو ما تبينه الحالات التالية.

يروي مرتضى م، وهو سائق سيارة أجرة يسكن في "بنايات الفلسطينيين" التي تضم حوالي 80 أسرة فلسطينية في حي الزعفرانية ببغداد، كيف جاء أربعة رجال مسلحين إلى المجمع السكني يوم 22 أبريل/نيسان ودخلوا المدرسة. وقد صد السكان الفلسطينيون الهجوم بإطلاق النار على المسلحين. لكن مدنيين مجهولين جاؤوا إلى المجمع محتجين وصائحين: "اتركوا الزعفرانية كما تركتم فلسطين".18

وروى سمير، وهو خباز يسكن في "بنايات الفلسطينيين" في حي البلديات، أن مسلحين جاؤوا إلى المجمع السكني بعد سقوط بغداد بخمسة أيام، وكانوا يصيحون مطالبين الفلسطينيين بالرحيل ويحملونهم مسؤولية الحرب. كانوا يصيحون: "أنتم السبب"، "لقد أعطاكم صدام مليون يورو ولم يعطنا شيئاً". ثم انتقل سمير مع أسرته إلى حي الحرية، لكنه تعرض للهجوم ثانيةً من قبل مسلحين جاؤوا يحتجون خارج مركز اللاجئين ويقولون للفلسطينيين أن "يخرجوا".19

أما محمد، وهو موظف جمارك يعيش مع أسرته في شقةٍ بأحد "بنايات الفلسطينيين" الثلاثة في حي التأميم ببغداد (وهي تؤوي 45 أسرة فلسطينية)، فتحدث كيف تعرضوا لعشرة أيام من التهديدات وإطلاق النار قبل أن يقرروا الفرار يوم 21 أبريل/نيسان 2003. وقال محمد لهيومن رايتس ووتش:

"كانوا يحملون بنادق كلاشنكوف ويطلقون النار على المباني. كنا في الداخل، وكانوا يدخلون إلى ممر المبنى أحياناً... لقد كانوا سكارى. وكانوا يهددوننا قائلين بأنهم سيجلبون القنابل، ويقولون: ’سنحرقكم‘. ’نريد أن ترحلوا. هذا البلد لنا. كنتم تحبون صدام، وهو قد ذهب الآن‘".20

طرد الأسر الفلسطينية من منازلها

قال كثيرٌ من الأسر الفلسطينية العراقية التي تحدثت هيومن رايتس ووتش إليها عام 2003 أن التهديدات والمضايقات والعنف الذي كان يحدث أثناء النزاع على الإيجار هي السبب الرئيسي لمغادرتهم بغداد أو لانتقالهم إلى أحياء أخرى ضمن المدينة. وقد بدأ طرد اللاجئين الفلسطينيين من منازلهم بمجرد بدء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة تقريباً. وفي كثيرٍ من الحالات، قام مالكو المنازل المسلحون من الشيعة بطرد مستأجريها؛ أما في حالاتٍ أخرى فقد حاول عراقيون مسلحون طرد الفلسطينيين من المنازل الحكومية بغية الاستيلاء عليها لأنفسهم.

وقال إبراهيم خليل إبراهيم لهيومن رايتس ووتش، وهو رجل أعمالٍ متقاعد في الستين من عمره فقد المنزل الذي يستأجره منذ 22 عاماً:

اغتنم العراقيون فرصة الحرب لإخراجنا من منزلنا. لقد جاؤوا منذ بداية الحرب، حيث كان المالكون مسلحين، وقالوا: ’اخرجوا من بيتنا. لم تعد هناك حكومة، ونحن نريد بيتنا. وسنضع الآن رصاصةً في رأس كل واحد منكم‘. كانوا يقصدون رأسي ورؤوس أولادي... فقلنا في أنفسنا أن هناك حرباً، وما من أحد يحمينا إن أرادوا قتلنا. وهكذا رحلنا. لم نكن وحدنا، فقد رحل كثيرٌ من الناس. لقد طردوا كل من لم يكن عراقياً مع عائلته... لم يعد لدينا من يحمينا بعد رحيل صدام.21

كما تركت أسرة خيرية شفيق علي شقتها العائدة للحكومة في بغداد بعد أن هددتهم مجموعاتٌ من الرجال الشيعة المسلحين جاءت أربع مرات إلى شقتهم: "هددوا بإفراغ أسلحتهم في رؤوسنا. وقد بدأوا [يأتون] يعد سقوط الحكومة؛ بعد أسبوعٍ من سقوطها تقريباً... وقد أطلقوا الرصاص على المنزل. وقالوا لنا: ’لقد رحل صدام، وأنتم لا تساوون شيئاً هنا. أنتم لا تملكون شيئاً في العراق، فإن أردتم الرحيل خذوا ملابسكم فقط‘".22

وقدم جهاد ج. البالغ 24 عاماً روايةً شبه مطابقة عن قيام مجموعة من المسلحين بإخلاء أسرته من منزلها المعفى من الأجرة في حي الطبجي ببغداد والذي كانت تسكنه منذ الثمانينات. فبعد يومين من سقوط حكم صدام حسين جاءت مجموعة من خمسة مسلحين فحطمت باب المنزل ودخلت:

"قالوا لنا بأن نخرج من المنزل وإلا قتلونا. وكانت أسلحتهم موجهةً صوبنا. وكانوا يطلبون منا مغادرة [العراق] ويقولون أن العراق بلدهم. وقد شتموا صدام قائلين أنه عذبهم بسببنا، وأشياء أخرى من هذا القبيل. ثم أمهلونا 24 ساعة للرحيل".23

حدثت حالات الإخلاء القسري للفلسطينيين في جميع أنحاء بغداد، بل طالت أيضاً الفلسطينيين القلائل الذين يسكنون منازل خاصة يدفعون أجورها حسب أسعار السوق. وقال وسام أ. لهيومن رايتس ووتش، وهو سائق رافعة يعيش مع زوجته وأطفاله الأربعة، أنه أجبر على مغادرة منزله المستأجر في حي الخضراء ببغداد حيث يقطن عددٌ قليلٌ من الفلسطينيين. وكان وسام يدفع إيجاراً كبيراً يبلغ 400000 دينار عراقي سنوياً (200 دولار). وقد تعرض منزله للحصار من قبل رجالٍ مسلحين ثلاث مرات، وكانوا يطلقون النار في الهواء مطالبين الأسرة بالرحيل. ورغم تمكن وسام مع أحد جيرانه الشيعة من إخافة المسلحين بإطلاق نيران أسلحتهما الآلية في الهواء، فقد قرر مغادرة المنزل بعد الهجوم الثالث في 25 أبريل/نيسان 2003.

كما أنذر كثيرٌ من مالكي الشقق التي يسكنها فلسطينيون سكانها بالإخلاء عقب سقوط حكومة صدام حسين مباشرةً قائلين بأنهم يريدون الحصول على إيجار شققهم وفقاً لسعر السوق. وروت فاطمة (اسم مستعار)، البالغة 42 عاماً والتي تقطن في مبنى من سبعة شقق في بغداد الجديدة وتشغله أسرٌ فلسطينية، كيف كانت تعيش مع ست أسر أخرى في شقةٍ تدفع الحكومة لمالكها إيجاراً سنوياً قدره 20000 دينار عراقي (10 دولار تقريباً). وبمجرد سقوط الحكومة، طالب المالك جميع الأسر الفلسطينية بالرحيل.24

وأجبر صابر جميل شاهين، وهو أبٌ لثلاثة أطفال يبلغ 36 عاماً، على ترك شقته المؤلفة من ثلاث غرف في حي المشتل عندما قام المالك بزيادة الإيجار من 20000 دينار عراقي (10 دولار) إلى 100000 دينار (50 دولار) بعد شهرٍ من الحرب: "قال للآخرين أنه يريد التخلص منا. لذلك قررت الرحيل قبل أن يحدث ما هو أسوأ".25

وتبعاً لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بغداد، فقد تعرض نحو 344 أسرة فلسطينية في بغداد تضم 1612 فرداً للطرد أو لمغادرة منازلها قسراً بين 9 أبريل/نيسان و7 مايو/أيار 2003.26 وقامت جمعية الهلال الأحمر العراقية، وغيرها من المنظمات الإنسانية، بتأمين إقامة مؤقتة لكثيرٍ من العائلات في مركزٍ مؤقت في نادي حيفا الرياضي بحي البلديات. وكان هذا النادي يوفر في 7 مايو/أيار 2003 إقامةً مؤقتة لحوالي 107 أسر تضم نحو 500 فرداً، وذلك في خيامٍ قدمتها جمعية الهلال الأحمر العراقية ونصبت في ملعب كرة القدم بالنادي.27 وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2003، بلغ عدد الفلسطينيين المشردين المقيمين في نادي حيفا الرياضي حوالي 1500 شخصاً يسكنون في 400 خيمة.28





15 رئيس وزراء العراق من 1958 – 1963.

16 حديثٌ جرى بين هيومن رايتس ووتش وبين مجموعة من الرجال الفلسطينيين في مأوى أقامته الدولة في حي الحرية ببغداد، 29 أبريل/نيسان 2003.

17 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع نظيمة سليمان في مخيم الرويشد بالأردن، 27 أبريل/نيسان 2003؛ مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عماد الدين عبد الغني محمد، حي الحرية، بغداد، 29 أبريل/نيسان 2003.

18 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع مرتضى م. في مخيم الرويشد بالأردن، 28 أبريل/نيسان 2003.

19 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع سمير في مخيم الرويشد بالأردن، 27 أبريل/نيسان 2003.

20 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد في مخيم الرويشد بالأردن، 28 أبريل/نيسان 2003.

21 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع إبراهيم خليل إبراهيم في مخيم الرويشد بالأردن، 27 أبريل/نيسان 2003.

22 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع خيرية شفيق علي في مخيم الرويشد بالأردن، 27 أبريل/نيسان 2003.

23 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع جهاد ج. في مخيم الرويشد بالأردن، 27 أبريل/نيسان 2003.

24 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع فاطمة في مخيم الرويشد بالأردن، 28 أبريل/نيسان 2003.

25 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع صابر جميل شاهين في مخيم الرويشد بالأردن، 28 أبريل/نيسان 2003.

26 منظمة التحرير الفلسطينية، اللجنة العامة، لجنة الإغاثة والمساعدات، "الأسر التي طردت من منازلها"، 7 مايو/أيار 2003، (موثقٌ لدى هيومن رايتس ووتش).

27 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عبد السلام يوسف عثمان، نادي حيفا الرياضي، حي البلديات، بغداد، 28 و29 أبريل/نيسان و7 مايو/أيار 2003.

28 لورانس سمولمان، "اللاجئون الفلسطينيون في بغداد"، الجزيرة، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2003.


<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >> September 2006