Iraq



Iraq Iraq
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >>

III. خلفية: اللاجئون الفلسطينيون في العراق

كان العراق، كما هو حال الأردن وسوريا ولبنان ومصر، من البلدان التي استضافت أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين منذ الحرب العربية الإسرائيلية في 1948 – 1949 التي سببت تهجيراً واسعاً للفلسطينيين من إسرائيل.1 وعلى خلاف الدول الأخرى، لم يوقع العراق اتفاقيةً مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) التي أنشئت عام 1949 إذ فضل معالجة احتياجات اللاجئين الفلسطينيين بنفسه. ولا توجد إحصائياتٌ دقيقة لعدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق، لكن معظم صناع السياسة، بمن فيهم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين والسلطات العراقية، يقدرون عددهم قبل الحرب في عام 2003، بأربعةٍ وثلاثين ألفاً.2

ويمكن تقسيم هؤلاء إلى أربع مجموعات رئيسية: (1) اللاجئون الذين فروا أو طردوا أثناء حرب 1948 – 1949؛3 (2) الذين فروا أو طردوا أثناء حرب 1967؛ (3) الذين فروا أو طردوا من الكويت ودول عربية أخرى في أعقاب حرب الخليج عام 1991 عندما أثار تأييد ياسر عرفات العلني لغزو العراق للكويت مشاعر معادية للفلسطينيين؛ (4) عدد كبير من فلسطينيي الدول العربية الأخرى الذين جاؤوا إلى العراق للعمل أو استقروا فيه.

وتعيش الغالبية الساحقة من فلسطينيي العراق في العاصمة بغداد. وقبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، كان قرابة 4000 فلسطيني يقيمون في مدينة الموصل الشمالية. كما كان نحو 700 فلسطيني يقيمون في مدينة البصرة الجنوبية.4 وتقيم نسبةٌ كبيرة من فلسطيني العراق في الأحياء التالية ببغداد: المشتل، وبغداد الجديدة، والسلام، والدورة، والكرادة الشرقية، والبتاوين، والزعفرانية، والبلديات، والحرية؛ إضافةً إلى وجود عددٍ منهم في منازل خاصة موزعة في أنحاء المدينة. ويقطن معظم الفلسطينيين في مبانٍ قليلة الارتفاع بنتها الحكومة العراقية. وتتخذ بعض الأسر مباني حكومية ملجأ لها (كالمدارس السابقة). ففي حي الزعفرانية مثلاً، كانت ثماني أسر تقطن في مدرسة كانت للمكفوفين، كما كانت ثماني أسر أخرى تقطن في ملجأ سابق للأيتام. وهناك أسر فلسطينية تستأجر منازل خاصة في بعض الأحياء.5

لقد قاتل الجيش العراقي في المنطقة الممتدة من حيفا إلى جنين أثناء حرب 1948 – 1949. وعند انسحابه اصطحب عدداً من اللاجئين الفلسطينيين (وهذا ما يفسر كون كثير من العائلات الفلسطينية في العراق تنحدر من حيفا الموجودة في إسرائيل الآن). وقد قامت الحكومة العراقية بإسكان آلاف اللاجئين الفلسطينيين في المدارس ومعسكرات الجيش كتدبيرٍ عاجل. وسرعان ما بدأت تبني "أنظمة إيواء" مؤقتة لإسكانهم. وفي السبعينات أقامت الحكومة لهم مجمعاتٍ سكنية مزودة بالخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصرف الصحي. لكن شروط المنازل المؤقتة كانت سيئة، كما أن المساكن التي بنتها الحكومة لم تكن كافيةً لاستيعاب النمو السريع في أعداد الفلسطينيين. واستجابةً لحاجة هؤلاء إلى السكن، بدأت الحكومة العراقية استئجار منازل خاصة من أجلهم وإسكانهم فيها مجاناً. ويقدر أن 63% من اللاجئين الفلسطينيين في العراق استفادوا من هذا الإسكان الذي وفرته الحكومة.6

وعندما أدت العقوبات الدولية المفروضة بعد حرب 1991 إلى إضعاف الاقتصاد العراقي مسببةً تضخماً هائلاً، جمدت الحكومة الإيجارات التي كانت تدفعها لمالكي المنازل التي يسكنها الفلسطينيون، وذلك على غرار كثيرٍ من المدفوعات الحكومية. وفي أواخر التسعينات، صار مالكو المنازل، وأغلبهم من الشيعة، يتلقون مبالغ زهيدة جداً كأجور للمنازل التي يسكنها الفلسطينيون (وقال  العديد من الفلسطينيين الذين تحدثت هيومن رايتس ووتش إليهم عام 2003 بأن إيجارات بيوتهم، التي كانت تدفعها الحكومة، لم تكن تعادل أكثر من دولار أمريكي واحد في الشهر). ويمنع القانون العراقي المالك من إنهاء علاقة الإيجار.7 وبالتالي فإن المالكين الذين أجبروا على تأجير بيوتهم للفلسطينيين مقابل مبالغ تافهة قد جردوا من تلك العقارات عملياً. وفي عام 1999، حاول عددٌ من المالكين الشيعة في حي الطبجي ببغداد حل مشكلة الإيجار عن طريق القضاء. لكنهم خسروا القضية.8

لكن ترتيبات الإسكان المواتية التي تمتع بها الفلسطينيون لم تكن السبب الوحيد في عداء بعض العراقيين لهم. ففي سبيل تعزيز صورته كقائدٍ عربي، أعلن صدام حسين عام 2001 عن تشكيل قوة شبه عسكرية جديدة هي "جيش القدس" بهدف "تحرير" القدس. وكان الذكور العراقيون ممن بلغوا سن التجنيد، وخاصةً من الشيعة والأكراد، غالباً ما يجبرون على "التطوع" للخدمة في تلك القوة. كما كان صدام حسين يمنح علناً تعويض "الشهيد"، والذي يعادل 25000 دولار، لأسر الفلسطينيين الذين ينفذون تفجيرات انتحارية، وكذلك مبلغ 10000 دولار لأسر غيرهم من الفلسطينيين الذين قتلوا في الانتفاضة.9 وكانت التقارير تشير إلى أن العراقيين والذين يعانون من نظام العقوبات الصارم، أبدوا الاستياء من قرار صدام حسين بإرسال مليار يورو كمساعدةٍ للفلسطينيين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.10

وكانت الحكومة العراقية تعفي الفلسطينيين من الخدمة العسكرية، بما في ذلك الخدمة في جيش القدس، لكنها كان تخضعهم لبعض القيود. فمنذ عام 1950، منحت الحكومة الفلسطينيين العراقيين وثائق السفر الخاصة باللاجئين دون إعطائهم جوازات سفر عراقية.11 وقد بقي من وفدوا في أعقاب حرب 1948 – 1949 وأحفادهم المولودين في العراق مسجلين بصفة لاجئين، ولم يصبحوا مواطنين. (كان ذلك هو الممارسة السائدة في بلدان الشرق الأوسط باستثناء الأردن الذي منح اللاجئين الفلسطينيين الجنسية الأردنية).12 وقد جعلت وثائق السفر الخاصة باللاجئين من سفر العراقيين إلى الخارج أمراً شديد الصعوبة؛ كما أخضع الفلسطينيون العراقيون إلى نفس القيود المفروضة على السفر إلى الخارج والتي فرضتها الحكومة العراقية على جميع العراقيين في التسعينات، وذلك من قبيل دفع 400,000 دينار عراقي (قرابة 200 دولار) للحصول على تأشيرة خروج. وفي أوائل عام 2000، أعلنت حكومة صدام حسين عن سياسةٍ جديدة تتضمن منح الفلسطينيين المقيمين في البلاد منذ 1948 حق الملكية العقارية في بغداد.13 لكن الفلسطينيين العراقيين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أثناء إعداد هذا التقرير قالوا أن القيود القانونية التي تمنعهم من تسجيل المنازل والسيارات والخطوط الهاتفية بأسمائهم ظلت ساريةً حتى عام 2002.14





1 انظر مثلاً بيني موريس، "ولادة قضية اللاجئين الفلسطينيين، 1947 - 1949"، (كامبردج: منشورات جامعة كامبردج، 1988)؛ بيني موريس، "العودة إلى ولادة قضية اللاجئين الفلسطينيين"، (كامبردج: منشورات جامعة كامبردج،2004).

2 انظر "استهداف الفلسطينيين في العراق"، وكالة أنباء الأمم المتحدة، 5 مايو/أيار 2006، (يورد تقدير الحكومة العراقية لعدد اللاجئين الفلسطينيين بـ 34000)؛ وأيضاً المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، "الفلسطينيون يغادرون المخيم الصحراوي باتجاه بغداد"، 26 مايو/أيار 2004، (يقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق بـ 34000 إلى 42000). وقد تراوحت تقديرات عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق قبل نزاع عام 2003 بين 34000 و90000. انظر اللجنة الأمريكية للاجئين، "تقرير العراق 2002"، (قدر عدد اللاجئين في العراق بـ 34000)، و"اللاجئون الفلسطينيون في العراق"، إدارة شؤون اللاجئين، منظمة التحرير الفلسطينية، 1999، (قدر عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق بـ 92000). وقد توصلت حملة تسجيل قامت بها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بعد حرب 2003 إلى تسجيل 23000 لاجئ فلسطيني في بغداد، لكنها أقرت بأن العدد الفعلي للاجئين الفلسطينيين في العراق كان أعلى من ذلك بكثير.

3 بحث المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس في تهجير السكان العرب خلال حرب 1948 – 1949. وهو يقدم في عمله المحكم تواريخ وأسباب نزوح المدنيين العرب من 369 مدينة وبلدة وقرية في مختلف أنحاء فلسطين. ويورد موريس الأسباب "الحاسمة" التالية للنزوح: الطرد على يد القوات اليهودية؛ المغادرة بناءً على أوامر عربية؛ الخوف من هجمات اليهود أو من البقاء في مناطق القتال؛ الهجوم العسكري من جانب الوحدات اليهودية؛ الحرب النفسية التي شنتها الهاجانا/قوات الدفاع الإسرائيلية لحملهم على الفرار (والمعروفة باسم حملات "الهمس")؛ تأثير سقوط البلدات المجاورة أو نزوح أهلها. موريس، "ولادة قضية اللاجئين الفلسطينيين، 1947 - 1949"، الجزء 8.

4 "اللاجئون الفلسطينيون في العراق"، إدارة شؤون اللاجئين، منظمة التحرير الفلسطينية، 1999.

5 المصدر السابق.

6 المصدر السابق.

7 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ي. ج. في مخيم الرويشد للاجئين بالأردن، 29 أبريل/نيسان 2003. و "ي. ج." محامٍ فلسطيني عراقي قدم لهيومن رايتس ووتش شرحاً تفصيلياً للوضع القانوني للعقارات التي استأجرتها الحكومة العراقية لفلسطينيي العراق.

8 المصدر السابق.

9 انظر هيومن رايتس ووتش، "الاختفاء في لحظة: التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين"، (نيويورك: هيومن رايتس ووتش، 2002)، ص 100 – 101. وفي عام 2002، أبلغ أحد مسئولي جبهة التحرير العربية المرتبطة بالعراق المراسلين الصحفيين بأن صدام حسين قدم قرابة 20 مليون دولار أمريكي كمساعدةٍ للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ بدء الانتفاضة الثانية. قناة "Sky" التلفزيونية، 17 يوليو/تموز 2002.

10 "صدام يقول أن حل مشكلة الفلسطينيين يجب أن يتضمن حق اللاجئين بالعودة"، وكالة الأنباء الفرنسية، 16 يناير/كانون الثاني 2001.

11 "اللاجئون الفلسطينيون في العراق"، إدارة شؤون اللاجئين، منظمة التحرير الفلسطينية، 1999.

12 عباس شبلاق، "وضع إقامة اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم المدنية في البلدان العربية"، مجلة دراسات فلسطينية، المجلد 25، العدد 3 (ربيع 1996)، ص 38 – 39:

والظاهر أن مبدأين أساسيين، وإن كانا غير متوافقين بالضرورة، قد حكما مواقف الدول العربية المضيفة. المبدأ الأول هو التعبير عن التضامن والتعاطف مع اللاجئين. وقد تبين هذا عبر استعداد الحكومات العربية، نظرياً على الأقل، لمنح الفلسطينيين حق الإقامة رغم عدم منحهم الحقوق السياسية أسوةً بالمواطنين. أما المبدأ الثاني فكان الحفاظ على الهوية الفلسطينية من خلال الإبقاء على صفة اللاجئين مما يمنع إسرائيل من التهرب من مسؤوليتها عن محنتهم... وعادةً ما كانت [الدول العربية] تعارض حل مشكلة اللاجئين عبر التطبيع وإعادة التوطين. وكان الأردن استثناءً من ذلك الموقف إذ منحهم الجنسية الأردنية.

13 "السماح للفلسطينيين المقيمين في بغداد منذ 1948 بتملك المنازل"، وكالة الأنباء الفرنسية، 29 مارس/آذار 2000، (مستشهدةً بزيدان خلف الطائي، المدير العام لسجل الإسكان في بغداد).

14 وفقاً للمرسوم رقم 23 لعام 1992 الصادر عن مجلس قيادة الثورة العراقي.


<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >> September 2006