IX. مسئولية الدولة عن الجرائم التي يرتكبها عناصر الميليشيات

ما أن اتخذت الحكومة السودانية قرارها بعدم استخدام قواتها البرية التي تضم عدداً كبيراً من أبناء دارفور حتى صارت بحاجةٍ إلى قواتٍ بريةٍ أخرى: ألا وهي الميليشيات. وهناك توثيقٌ شامل للصلات بين الحكومة السودانية والميليشيات التي يطلق عليها اسم الجانجاويد عامةً؛ كما تحدثت عنها منظماتٌ كثيرة (من بينها هيومن رايتس ووتش)، منذ أوائل 2004.247 ورغم استمرار إنكار القيادة السودانية مسئوليتها عن أفعال الميليشيات، تظل الحكومة السودانية هي المسئول الأخير عما ترتكبه الميليشيات من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، إضافةً إلى الجرائم التي ارتكبتها القوات المسلحة السودانية منذ عام 2003.

وبموجب القانون الدولي، تتحمل الحكومة السودانية مسئولية الجرائم الدولية التي ارتكبتها جماعات الميليشيات إذا أمكن بيان أن للدولة "سيطرة عامة" على الميليشيات. وهذا المعيار ساري المفعول بصرف النظر عما إذا كان عناصر الميليشيا منخرطين، أو مرتبطين رسمياً، في قوات الدفاع الشعبية أو حرس الحدود أو غيرها من القوات "الرسمية" شبه العسكرية، أو كانوا ميليشياتٍ قبلية ذات صلة فضفاضة بالحكومة التي تنسق نشاطها مع بقائها عاملةً تحت القيادة المباشرة "لعقداء" القبائل.

وفي القرار الخاص بقضية تاديتش، أجابت الغرفة الاستئنافية في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة على سؤالٍ يتعلق بدرجة السيطرة الحكومية المطلوبة لبيان "السيطرة العامة" على النحو التالي:

حتى تنسب الأفعال التي تقوم بها جماعةٌ عسكرية أو شبه عسكرية إلى الدولة، يجب إثبات ممارسة الدولة سيطرةً عامة على تلك الجماعة، لا عن طريق تمويلها وتسليحها فحسب، بل عن طريق تنسيق نشاطها أيضاً ومساعدتها في التخطيط العام لنشاطاتها العسكرية، وعند ذلك فقط يمكن تحميل الدولة مسئوليةً دولية عما ترتكبه هذه الجماعة. لكن، وفضلاً عن ذلك، لا ضرورة لأن تكون الدولة قد أصدرت (سواءٌ إلى رئيس الجماعة أو أفرادها) أوامر بارتكاب أعمال معينة تخرق القانون الدولي. (الفقرة 131)

وقالت المحكمة أيضاً:

ويمكن تقرير وجود السيطرة التي يتحدث عنها القانون الدولي عندما يكون للدولة (أو لطرف من أطراف النزاع ضمن إطار نزاع مسلح) دورٌ في تنظيم أو تنسيق أو تخطيط الأعمال العسكرية [ورد التشديد في النص الأصلي] لجماعة الميليشيا، إضافةً إلى تمويلها وتدريبها وتجهيزها أو تزويدها بالدعم العملياتي. وعند ذلك يمكن النظر إلى الأفعال التي تقوم بها الجماعة أو أفرادها بصفتها أفعالاً صادرة عن أحد أجهزة الدولة بصرف النظر عن وجود أوامر محددة صادرة عن الدولة تتعلق بارتكاب كل فعل من هذه الأفعال بعينه. (الفقرة 137)248




247 انظر تقارير هيومن رايتس ووتش، وتقارير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بدارفور المقدمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، على الرابط: http://www.un.org/News/dh/sudan/com_inq_darfur.pdf.

248 "النيابة العامة ضد تاديتش"، ("بريجيدور")، قضية رقم: IT-94-1-A، المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، الغرفة الاستئنافية، 15 يوليو/تموز 1999، الفقرة 131.