X. استجابة المجتمع الدولي

في يوليو/تموز 2004، أي بعد سنةٍ من هجوم الحكومة السودانية الكبير الذي قُصفت فيه عشرات آلاف القرى شمال دارفور وأحرقت، اتخذ مجلس الأمن الدولي القرار الأول من أربعة قرارات اتخذها بشأن دارفور.249ودعا القرار1556 الحكومة السودانية إلى "الوفاء بالتزاماتها في نزع سلاح ميليشيات الجانجاويد واعتقال ومحاكمة قادتها ومساعديهم الذين حرضوا على انتهاكات القانون الدولي وغير ذلك من الفظائع وارتكبوها". ويخلص القرار إلى التهديد باتخاذ تدابير أخرى "من بينها التدابير الواردة في المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة...".250

لم تحرك الحكومة ساكناً من أجل تنفيذ القرار، وازدادت الأوضاع سوءاًُ. وعلى الرغم من صدور قرارين آخرين كان من بينهما القرار القاضي بإنشاء اللجنة الدولية للتحقيق في جرائم دارفور، لم يفرض مجلس الأمن أية عقوبات على الحكومة السودانية طيلة تسعة أشهر. ثم جاء القرار 1593 في 31 مارس/آذار 2005 فأحال الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية.251 ومثل هذا القرار صدمة حقيقية للحكومة السودانية التي توقعت أن يستخدم حلفائها في مجلس الأمن حق النقض ضده. ولعل هذه الإحالة التي جاءت بعد تقرير لجنة التحقيق الدولية هي الإجراء الحقيقي الوحيد من جانب مجلس الأمن الذي حمل إشارةً إلى أن التجاهل لن يكون من نصيب الجرائم المرتكبة في دارفور.

لكن السودان، إلى يومنا هذا، لم يشر إلى استعداده للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، والظاهر أنه لا يتعرض إلا إلى ضغوط سياسية بسيطة من جانب دولٍ أخرى لحمله على التعاون مع المحكمة.

وجاء القرار 1591 في 29 مارس/آذار ليزيد من قلق الحكومة السودانية إذ فرض عقوبات تقضي بحظر سفر وتجميد حسابات عدد من الأشخاص الذين جرى تحديدهم بصفتهم "يعرقلون عملية السلام ويمثلون خطراً على استقرار دارفور والمنطقة، [و] يرتكبون انتهاكات للقانون الإنساني الدولي أو لقانون حقوق الإنسان، أو غير ذلك من الفظائع". كما وجهت العقوبات أيضاً لتشمل أشخاصاً خرقوا حظر الأسلحة أو كانوا مسئولين عن "طلعاتٍ جوية هجومية". لكن العقوبات لم تكن ذات أثر رجعي، فهي لم تشمل إلا الأفعال التي أعقبت صدور القرار، فكانت بالتالي نوعاً من التهديد بعواقب الإساءة في المستقبل ولم تكن عقاباً على إساءات الماضي.252 لكن قرار العقوبات لا يكاد يتجاوز كونه لفتةً رمزية، وذلك عائدٌ إلى انقسامات يعاني منها مجلس الأمن. كما أن لجنة العقوبات التي سوف تصادق على فرض العقوبات على الأشخاص وفق توصيات لجنة الخبراء تشهد انقساماً كبيراً أيضاً؛ فحلفاء السودان فيها (روسيا والصين والجزائر) يقيمون عقباتٍ من شأنها عدم فرض العقوبات على أي شخص إطلاقاً.

وحتى ديسمبر/كانون الأول 2005، يظل الوضع في السودان حرجاً، وما من ريب في أن حالة "التطهير العرقي" سوف تتعمق ما لم يمارس ضغط دولي كبير على الحكومة السودانية. وعلى المجتمع الدولي المنقسم، ومجلس الأمن خاصةً، اتخاذ مزيد من التدابير وزيادة الضغط على الحكومة السودانية في دارفور (وفي المنطقة عموماً) للحيلولة دون استمرار الانتهاكات واسعة النطاق والخطيرة لحقوق الإنسان.

وثمة عناصر ثلاثة بالغة الأهمية من أجل حماية المدنيين وتحقيق الأمن وعودة الأشخاص المشردين إلى ديارهم في آخر المطاف، وهي: إنشاء آلية واقعية لنزع سلاح الميليشيات التي تساندها الحكومة وغيرها من الجماعات المسلحة المسئولة عن انتهاك حقوق الإنسان؛ ووضع حد لحالة الإفلات من العقاب وضمان المحاسبة على ما جرى من إساءات؛ ودفع تعويضاتٍ أو ما يماثلها من التدابير التعويضية لمن تعرضت حقوقهم للانتهاك. والحكومة السودانية ملزمة بمعالجة هذه القضايا سواء تم التوصل إلى اتفاق سلام مع المتمردين أو لا.

 




249 أقر مجلس الأمن ستة قرارات تتعلق بالسودان بين يوليو/تموز 2004 ومارس/آذار 2005. واثنان من هذه القرارات يتعلقان أساساً بمفاوضات السلام بين الشمال والجنوب وبقوة حفظ السلام الخاصة بتلك الاتفاقية (القرار 1574، نوفمبر/تشرين الثاني 2004؛ والقرار 1590، مارس/آذار 2005)، وهما يذكران دارفور عرضاً. أما القرارات الخاصة بدارفور فهي: القرار 1556، يوليو/تموز 2004؛ و1564، سبتمبر/أيلول 2004؛ و1591 و1593، مارس/آذار 2005.

250 قرار مجلس الأمن 1556 (2004).

251 قرار مجلس الأمن 1593 (2005).

252 قرار مجلس الأمن 1591 (2005).