V. "التطهير العرقي" في غرب دارفور

وثقت هيومن رايتس ووتش في هذا التقرير نموذجاً من خروقات حقوق الإنسان في غرب دارفور تصل إلى مستوى سياسة حكومية "بالتطهير العرقي" لجماعات عرقية، هي بالتحديد الفور والمساليت، من مناطق سكنهم.114 وقد وصلت مصادر موثوقة أخرى، ولاسيما منسق الإغاثة الطارئة في نظام الأمم المتحدة والمنسق المقيم السابق لنظام الأمم المتحدة في السودان، موكيش كابيلا، إلى مزاعم مشابهة.115

ورغم أن "التطهير العرقي" غير معرف رسمياً في القانون الدولي، فإن لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة عرفت التعبير بأنه "سياسة هادفة تعتمدها مجموعة عرقية أو دينية لإزالة السكان المدنيين من مجموعة عرقية أو دينية أخرى من مناطق جغرافية معينة بوسائل عنيفة ومثيرة للرعب...ويبدو أن هذا الهدف هو احتلال أرض لاستبعاد المجموعة أو المجموعات التي وقع عليها فعل التطهير".116

وتوضح لجنة الخبراء معنى "التطهير العرقي" كما حدث في يوغسلافيا السابقة:

ومن الوسائل التي اعتمدت لإزاحة السكان المدنيين من المناطق الإستراتيجية المذكورة آنفاً: القتل الجماعي والتعذيب والاغتصاب وأشكال أخرى من الاعتداء الجنسي؛ والأذى الجسدي الشديد للمدنيين؛ وسوء معاملة السجناء المدنيين وأسرى الحرب؛ واستخدام المدنيين كدروع بشرية؛ وتدمير الملكيات الشخصية والعامة والثقافية؛ والنهب والسرقة والسطو على الملكيات الشخصية؛ ومصادرة الأراضي؛ والتهجير القسري للسكان المدنيين..."117

وقد اعتبرت الأمم المتحدة مراراً التطهير العرقي انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي، وطالبت بمحاكمة مرتكبيه.118 إن الإساءات الفردية التي تميز عمليات التطهير العرقي هي جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

ووجدت هيومن رايتس ووتش أدلة قطعية على أن حكومة السودان سعت بشكل منسق وبوسائل عنيفة إلى إزالة السكان المساليت والفور من أجزاء واسعة من دارفور في عمليات تصل إلى مستوى التطهير العرقي. الغارات الموجهة ضد المدنيين وحرق القرى والقتل الجماعي الذي يطال أفراداً واقعين تحت سيطرتهم والتهجير القسري للسكان وإتلاف مخازن الأغذية وموارد الرزق ونهب الماشية على يد قوات الحكومة والجنجويد، ليس مجرد سياسة أرض محروقة أو عنصر في إستراتيجية محاربة التمرد. يبدو أن الهدف هو إزالة هذه الجماعات العرقية من مناطق واسعة وإعادة توزيع هؤلاء السكان وإسكانهم بشكل رئيسي في جوار البلدات التي تسيطر عليها الحكومة حيث يمكن تجميعهم وحجزهم والسيطرة عليهم.

كما أن منع حكومة السودان المساعدات الإنسانية عن هؤلاء الناس في ظروف بات فيها هؤلاء معتمدين بالكامل على الإغاثة، يمكن اعتباره جزءاً من إستراتيجية تهدف إلى إضعاف وربما تدمير قسم كبير من النازحين ومنع عودتهم إلى قراهم الأصلية. وقد تدهور الوضع جراء احتلال بعض مناطق الفور والمساليت وإعادة توطين الجنجويد وجماعات عرقية عربية فيها. إن التركيب العرقي للمنطقة سيتغير بشكل دائم ما لم تتم معالجة التهجير الواسع النطاق الذي جرى وعكسه بصورة فورية.

إن النتائج العامة التي توصلت إليها هيومن رايتس ووتش بشأن التطهير العرقي معروضة لاحقاً. ولا بد من تحريات مستقلة وموضوعية، كالتي تقوم بها بعثة خبراء من الأمم المتحدة، لتحديد المسئولية الجنائية الفردية عن التطهير العرقي، بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ذات الصلة.

أولاً، إن حكومة السودان مسئولة عن تجنيد وتسليح قوات ميليشيا والمشاركة في غارات مشتركة معها لتصبح الأداة الرئيسية في الغارات على السكان المدنيين وتهجيرهم. وكما هو موثق هنا وفي أماكن أخرى، فإن الجيش السوداني وقوات الميليشيا مسئولة عن جرائم ضد الإنسانية وعن جرائم حرب وانتهاكات أخرى للقانون الإنساني الدولي.

ثانياً، إن الغارات التي شنتها الحكومة السودانية وقوات الميليشيا على قرى الفور والمساليت تتم وفق نماذج واضحة وقد نفذت بعمليات منسقة ومخطط لها. لم تتم مهاجمة القرى عشوائياً، بل كان يتم إخلاء مناطق واسعة عبر عمليات استمرت عدة أيام أو تكررت عدة مرات حتى تم طرد السكان في النهاية. وحين كانت هيومن رايتس ووتش في دارفور هوجمت 14 قرية جنوب غرب جينينا وأحرقت في يوم واحد، في 27 مارس/آذار. وفي الشهر نفسه، أخلت الحكومة والجنجويد وأحرقت عشرات القرى في منطقة ميلبيدا، قرب الحدود مع تشاد، وأحرقوا ثماني قرى في يوم واحد في أوائل مارس/آذار. وقد مسحت هيومن رايتس ووتش منطقة تبلغ مساحتها حوالي 60 كم2 أو 25 ميلاً مربعاً، ورأت أن المنطقة، التي كانت فيما مضى مأهولة وكثيفة الزرع، مهجورة بالكامل.

ثالثاً، الكثير من الغارات كانت تتم وفق أساليب متشابهة: دعم جوي بالقصف والاستطلاع من قبل القوات الجوية السودانية، يليها هجوم بري من قبل القوات الحكومية والجنجويد. وقد أعطي هؤلاء الأخيرين سلطة ضمنية وصريحة على المناطق التي تم إخلاؤها. الجنجويد يقومون على عمل نقاط التفتيش على الطرق الرئيسية وينظمون حركة البضائع والناس.

رابعاً، يبدو أن الهدف من غارات الحكومة والميليشيا على قرى الفور والمساليت هو تنفير السكان من مواصلة السكن في قراهم. فمن أصل 14 قرية فتشتها المنظمة، هناك 11 قرية محروقة بالكامل – بما في ذلك حجار سليمان وتيربيبا وسانيابي وتيرتي ونيالتيتا (قريتان منفصلتان) وأبوجي وخير واجد وكينيميجي. هناك ثلاث قرى أخليت بسبب الحريق: دريديدا وبريدا وأونياناتا. وفي كل القرى التي تمت زيارتها، وجدنا أن مخازن الطعام تعرضت لنهب وإحراق منهجي حتى وإن بقيت بضعة أكواخ من العشب، المعروفة باسم توكل، واقفة. كل ما هو ضروري لتخزين وإعداد الطعام – القدور والصحون وكاسات الشاي – كان محطماً.

خامساً، لقد نشرت قوات الميليشيا المدعومة من الحكومة في القرى المدمرة وحولها، لمنع النازحين من العودة. وتواصل الميليشيات مهاجمة المدنيين النازحين بعد هروبهم إلى المخيمات والمستوطنات، يضربون النساء والأطفال الذين يحاولون مغادرة المستوطنات لجمع الحطب والطعام أو غير ذلك من المواد الضرورية للحياة، وأحياناً يقتلونهم؛ وتعرضت النسوة للاغتصاب. والرجال الذين يقطنون المخيمات والبلدات التي يسيطر عليها الجنجويد تعرضوا للتعذيب والقتل. والأفراد الذين حاولوا العودة إلى قراهم، حتى بعد دفع المبالغ المالية إلى الجنجويد للسماح لهم بفعل ذلك، تعرضوا للهجوم مرة أخرى رغم ذلك. وهناك أيضاً تقارير تتحدث عن انتقال عائلات عناصر ميليشيا الجنجويد إلى مناطق الفور والمساليت.

إن هذه العناصر مجتمعة، تعطي أدلة دامغة على وجود سياسة حكومية للتطهير العرقي في دارفور.




114 في حين أن نموذجاً مشابهاً قد يكون واقعاً في شمال دارفور، في موطن الزغاوة، إلا أن مجال هذا التقرير يقتصر على غرب دارفور. وللمزيد من المعلومات عن الانتهاكات في موطن الزغاوة في شمال دارفور، الرجاء مراجعة تقرير هيومن رايتس ووتش دارفور تحترق.

115 انظر موجز عن أزمة دارفور: التطهير العرقي، مكتب المنسق الإنساني للأمم المتحدة المقيم في السودان بتاريخ 25 مارس/آذار 2004 لدى هيومن رايتس ووتش؛ البيان الصحفي للأمم المتحدة، "السودان: مبعوث يحذر من التطهير العرقي مع دعوات مجلس الأمن لوقف إطلاق النار"، نيويورك، 2 أبريل/نيسان 2004.

http://www.un.org/apps/news/story.asp?NewsID=10307&Cr=sudan&Cr1 (تم الاطلاع في 4 مايو/أيار 2004).

116 تقرير بعثة الخبراء التابعة للأمم المتحدة المشكلة عقب قرار مجلس الأمن 780 (1992)، القسم 3 ب على موقع:

http://www.his.com/~twarrick/commxyu4.htm#par129. تعليقاً على الوضع في يوغسلافيا السابقة، تقول البعثة: "هناك ما يكفي من الأدلة على أن ممارسات "التطهير العرقي" لم تكن عارضة ولا متقطعة ولم ترتكب من قبل جماعات أو عصابات مبعثرة من المدنيين الذين لم تتمكن قيادة صرب البوسنة من ضبطهم. الواقع أن نماذج السلوك وطريقة تنفيذ هذه الأعمال واستمراريتها لوقت طويل والمناطق التي حدثت فيها تجتمع كلها لتكشف أن لدى السلطات العليا هدفاً ومنهجية وبعض التخطيط والتنسيق. أكثر من ذلك، يقوم بهذه الأعمال أشخاص من كل فئات الشعب الصربي في المناطق المذكورة: أعضاء من الجيش والميليشيا والقوات الخاصة والشرطة والمدنيين. وأخيراً، تشير البعثة إلى أن هذه الأعمال غير القانونية غالباً ما يتم الترحيب بها من قبل مرتكبيها على أنها أعمال إيجابية ووطنية.

117 المصدر السابق.

118 انظر قرارات مجلس الأمن 771 (1992) و780 (1992) و808 (1993) و820 (1993) و941 (1994)، وقرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة 64/242 و47/80.