Egypt



مصر Egypt
  

<<previous  |  index  |  next>>

4. آلام ومخاطر اللامساواة في نظام الطلاق

عندما تطلب المرأة في مصر الطلاق فقد يستغرق الأمر سنوات عديدة في المحاكم التي ينوء كاهلها بالقضايا العالقة المتكدسة فيها، والتي تتسم بالتحيز وعدم الكفاءة. ورغم أن الملايين من النساء المصريات يطلبن الطلاق كل عام، فلا يتم البت بصورة نهائية إلا في عدد محدود من دعاوى الطلاق. فعلى سبيل المثال، في عام 2002 رُفعت 5252 قضية طلاق أمام محكمة القاهرة، ولكن بحلول شهر يناير/كانون الثاني من العام التالي لم تكن المحكمة قد بتت إلا في 62 قضية منها فقط.90 وتدفع المرأة المصرية ثمنا باهظا لهذا التأخير لأن المرأة فقط هي التي تحتاج إلى الالتجاء إلى المحكمة طلبا للطلاق. وإذا كان العديد من المسؤولين الحكوميين يرون هذا التأخير نتاجاً ثانوياً حتمياً لتكدس النظام القضائي وشدة انشغاله بالقضايا، فإن التأخير الروتيني يمثل اختبارا في القدرة على التحمل للعديد من النساء اللاتي يبحثن عن مخرج من موقف مؤلم وقد ينطوي على مخاطر عليهن. كما أن تعليق المرأة على هذا الحال، وهي لا تدري إن كان سيحكم لها بالطلاق في آخر المطاف أم لا، يحول بينها وبين مواصلة حياتها ورسم مسار لها تحقق من خلاله الأمان والسعادة في المستقبل.

وجدير بالذكر أن طبيعة النظام القضائي في مصر بقدمه وأعبائه الثقيلة تطيل هذا التأخير.  فالقاضي في مصر ينظر في 60 إلى 70 قضية يوميا في المتوسط؛91 ونتيجة لذلك، أصبح من المعتاد تأخير الجلسات وبطء إجراءات الفصل في القضايا. فمثلا عندما زارت منظمة هيومن رايتس ووتش محكمة زنانيري المدنية للأحوال الشخصية وشؤون الأسرة في ضاحية شبرا في 17 يونيو/حزيران 2004، كان هناك أكثر من 100 قضية على قائمة أعمال قاض واحد في ذلك اليوم. وقال محامون متخصصون في شؤون الأحوال الشخصية لمنظمة هيومن رايتس ووتش إن التأخير يزداد تعقيدا بسبب عدم التزام القضاة بمواعيد العمل الرسمية إلا فيما ندر.92 وكثيرا ما تنتظر النساء اللاتي يطلبن الطلاق ومحاموهن أياما في المحاكم حتى يمثلوا أمام القاضي، ليكتشفوا في كل مرة أن القضية تأجلت من جديد بسبب عدم وجود القاضي. ويلاحظ أن تعدد مسؤوليات القضاة الذين ينظرون في قضايا الطلاق يؤدي إلى تفاقم المشكلة؛ فمثلا نجد أن القضاة يضطلعون بدور هام في رقابة الانتخابات، سواء انتخابات مجلس الشورى أو مجلس الشعب، وهي مهام من المعروف أنها تؤدي إلى إحداث المزيد من التأخير.

كما يرجع التأخير أيضا إلى وجود طائفة واسعة من القوانين والإجراءات التي استحدثت في دعاوى الطلاق، والمتجذرة في الأفكار المتعصبة ضد المرأة والمبغضة لها؛ إذ إن جهود التوفيق والإصلاح الإجباري بين الزوجين، التي لا يُلجأ إليها إلا عندما تسعى المرأة لإنهاء زواجها، تجعل المرأة في وضع تُعامل فيه معاملة الأطفال، فضلاً عما تقتضيه من التأخير. كما أن هناك عددا من القوانين، مثل القانون الذي يجعل النفقة مشروطة بطاعة المرأة لزوجها، يتيح للرجل تعطيل إجراءات الطلاق؛ فعادة ما يقدم الزوج طعنا في حيثيات الطلاق المقدمة من الزوجة، وقبل صدور قانون سنة 2004 الذي ينص على إنشاء محاكم الأسرة93، كان الزوج يستطيع الطعن في طلب الطلاق المقدم من الزوجة، على مختلف المستويات حتى مستوى محكمة النقض. وقد أقر القضاة بأن ذلك النظام كان عرضة للاستغلال من جانب الأزواج الذين لا يضمرون خيرا. فعلى سبيل المثال، تحدث أحد القضاة - طالباً عدم الإفصاح عن اسمه - عن الجدول الزمني المعتاد في مثل هذه الحالات على النحو الآتي:

الحالات العادية [التطليق للضرر] تستغرق أربعة أو خمسة أشهر. أما لو كان الزوج بالخارج فإنها تستغرق وقتا أطول، حيث نعطيه مهلة ثلاثة أشهر [للرد على إنذار المحكمة له]. وإذا أراد الزوج أن يبقيها [أي الزوجة] معلقة، فيمكنه اللجوء إلى محكمة النقض [للطعن]، وهو ما قد يستغرق عدة سنوات.94

ومن المؤسف جدا أن تواجه المرأة التي تسعى لتطليقها من زوجها نظاماً قضائياً متحيزاً على هذا النحو، حيث أن كل النساء اللاتي التقت بهن منظمة هيومن رايتس ووتش لم يلجأن إلى المحاكم إلا بعد أن أعيتهن الحيلة. وكما قال أحد المحامين، فإن "المحاكم تُستخدم كملجأ أخير. فالمرأة تتحمل كل شيء لسنوات قبل الذهاب إلى المحكمة".95

الصلح الإجباري

وصلت إلى درجة عدم القدرة على التحمل، حتى لو حاولت الدنيا كلها الإصلاح بيننا.

ـ هدى حليم، 37 سنة، القاهرة، 27 يونيو/حزيران 2004.

يتعين على المرأة التي تطلب التطليق للضرر أو الخلع أن تخضع بأمر من المحكمة لمحاولة الإصلاح بينها وبين الزوج بدعوى الحفاظ على كيان الأسرة،96 الأمر الذي يأخذ وقتاً طويلاً ويعتبر عبئاً ثقيلاً. أما الرجل الذي يريد تطليق زوجته فلا يُطلب منه مطلقا الدخول في أي محاولات للصلح. والنتيجة المنطقية لذلك هي أن اشتراط المحكمة ضرورة قيام المرأة، والمرأة فقط، بمحاولة التصالح مع الزوج له مؤدىً يبعث على القلق، وهو أن المرأة فقط، وليس الرجل، هي التي قد تهدم كيان الأسرة. أما قرار الرجل بتطليق زوجته فهو قرار مستقل لا راد له، ولا يتقيد أبدا بفكرة الحفاظ على كيان الأسرة.

وفي حالة الطلاق للضرر، إذا رفضت المحكمة طلب الطلاق وعادت المرأة إلى تقديم الشكوى مرة ثانية ثم عجزت عن تقديم دليل كاف على الضرر، يجب على القاضي أن يبعث بحكمين لمحاولة الإصلاح بين الزوج والزوجة. فإذا لم يتمكنا من ذلك، فعليهما أن يرفعا تقريرا إلى القاضي يوضحان فيه ما يعتقدان أنه سبب الخلل في العلاقة بين الزوجين. وبناء على هذا التقرير تحكم المحكمة بالطلاق وتحدد مقدار التعويض الواجب على الطرف الذي يعتبر مخطئا في حق الآخر.97 وهكذا فإن الحكمين يتمتعان بقدر ضخم من النفوذ على نتيجة القضية.

وفي حالة الخلع، توجد إجراءات أخرى خاصة للصلح98؛ وحسبما قال أحد المسؤولين بالنيابة العامة، فإن هذه العملية تبدأ عادة بذهاب المرأة إلى المحكمة طلبا للتطليق بالخلع، مع استعدادها لرد مهرها والتنازل عن كل حقوقها المالية الأخرى. وتحاول المحكمة الإصلاح بين الزوجين لمدة أقصاها ثلاثة أشهر؛ فإذا باءت هذه الجهود بالفشل ندبت المحكمة حكما من أسرة الزوج وآخر من أسرة الزوجة. وفي حالة وجود أطفال تحاول المحكمة الصلح بين الزوجين مرتين، مع ضرورة مرور 30 يوما بين المحاولتين.99

وكثيرا ما ينظر إلى الحكمين اللذين تعينهما المحكمة في جلسات الإصلاح على أنهما منحازان ضد المرأة. فتقول عزة سليمان مديرة مركز المساعدة القانونية للمرأة المصرية: "بدلا من محاولة حل المشاكل بين الزوجين، فإنهما يحاولان الضغط على الزوجة للتنازل عن الدعوى".100 أما منى ذوالفقار، عضو المجلس القومي للمرأة والمحامية التي كان لها دور في صياغة الإصلاحات التي أدخلت عام 2000 على قوانين الأحوال الشخصية التي أدت إلى استحداث نظام الخلع، فتعترف بأن هناك مشاكل في تنفيذ الإجراءات الجديدة، حيث توضح قائلة: "إنهم [القضاة] يخلطون بين تعيين الحكمين في القضايا التي تطلب فيها المرأة طلاقا عاديا، وقضايا الخلع. ففي حالة الطلاق العادي يجب على الحكمين أن يتوثقا من أن المرأة تستحق الطلاق. أما في حالة الخلع، فإذا رفضت المرأة الرجوع للزوج فلا يجب تأجيل القضية. أي أن جلسات التحكيم يجب ألا تستغرق أكثر من شهرين".101

ويلاحظ أن النص على أن طلب الطلاق من جانب المرأة يجب أن يخضع تلقائيا لجهود الصلح ترجع جذوره إلى فكرة متحيزة ضد المرأة، وهي أنها غير قادرة على اتخاذ قرارات عقلانية بشأن الاختيارات المهمة في حياتها. ونظرا للأسباب الاجتماعية والقانونية العديدة التي يناقشها هذا التقرير، فإن المرأة في مصر عموما لا تلجأ إلى الطلاق إلا كملاذ أخير عندما لا يصبح هناك أدنى أمل في إنقاذ الزواج. وكما أشرنا من قبل، فإن الإصلاح الإجباري يعني معاملة المرأة وكأنها غير راشدة، ويعني حرمانها من اتخاذ القرارات التي تخصها كبالغة.

وكشفت المقابلات التي أجرتها منظمة هيومن رايتس ووتش عن أن العديد من القضاة ومسؤولي الحكومة وآخرين في سلك القضاء يتبنون جميعا النظرة الاجتماعية السائدة عن المرأة بأنها ناقصة عقل بطبيعتها وأنها شبيهة الطفل. ومما يعضد من برنامج التوفيق والإصلاح الإجباري أحادي الجانب الاعتقاد بأن المرأة تميل إلى أن تسلك سلوكا اندفاعياً، والتوصيف التقليدي لها بأنها بطبيعتها مترددة وهوائية ومتقلبة الأطوار، وتحتاج إلى التوجيه والحماية. فكما قال أحد وكلاء النيابة بالقاهرة، يعتبر التوفيق والإصلاح أمرا ضروريا نظرا لما يلي:

قد تتسرع المرأة في رفع دعوى الطلاق وقد لا تكون حريصة على الحفاظ على كيان الأسرة. ولذلك فعلى المحكمة أن تقوم بهذا الدور وتتدخل. الرجل أكثر حكمة وعقلانية من المرأة. فمشاعر المرأة قد تغلب على عقلها.102

وعن رأيها في التأخير الناجم عن مساعي الإصلاح الإجباري، قالت امرأة لمنظمة هيومن رايتس ووتش:

يجب أن يكون هناك تغيير قضائي. فالقضايا لا ينبغي أن تستغرق أربع أو خمس أو ست سنوات. ويجب أن يحدث ذلك على الفور. لماذا الإصرار على الإصلاح؟ يجب التيسير على المرأة. فالانتظار يطول جدا قبل النطق بالحكم.103

كما أن الوساطة الإجبارية تثير قضايا مهمة بالنسبة لضحايا العنف المنزلي اللاتي يسعين لوضح حد للحياة الزوجية. فالمرأة المعرضة للاعتداء في زواجها والتي تسعى للطلاق لا تستثنى من مسألة الوساطة. لكن عددا من الخبراء يتفقون على أن الوساطة "عملية تتطلب توازن القوى بين المشاركين فيها"، ومن ثم فإنها "ليست أسلوبا مناسبا لحل نزاعات العنف المنزلي، وهي الظاهرة التي تعكس التفاوت الحاد في القوة بين الجاني والضحية".104 وفي ظل هذه الظروف، قد تؤدي الوساطة في واقع الأمر إلى تكريس عدم المساواة وإغماط حق ضحايا العنف المنزلي.

التمييز بين النساء: السلطة التقديرية للقضاة والمكانة الاجتماعية الاقتصادية

الضرر بالنسبة لامرأة ما ليس ضررا بالنسبة لأخرى. فبعض النساء يتقبلن الضرب والإهانة على سبيل الدعابة، وبعضهن لا يتقبلن ذلك.

ـ القاضي عبد الرحمن محمد، المفتش القضائي الأول، القاهرة، 25 يونيو/حزيران 2004.

على الرغم من أن المرأة يحق لها قانونا طلب الطلاق، فلا يزال القضاة يمارسون قدرا كبيرا من السلطة التقديرية عند منح الطلاق للضرر، وكثيرا ما يطالبون بتقديم برهان ملموس على وقوع الضرر. أي أن رفع دعوى طلاق لا يعني التطليق فورا. ففي حالات الطلاق للضرر يقع على الزوجة عبء إثبات الضرر؛ ولما كان القانون لا يضع تعريفا محددا لما يمثل الحد الكافي من الضرر الذي يستدعي الطلاق، فإن القضاة كثيرا ما يمنحون الطلاق بصورة تنطوي على التمييز، استنادا إلى العديد من التفسيرات الذاتية للضرر، منها الربط بين الخلفية الاقتصادية والاجتماعية للمرأة وبين قدرتها على التسامح وتحمل العنف.

وقد أخبر العديد من المحامين المصريين منظمة هيومن رايتس ووتش أن القضاة يميلون إلى اشتراط وجود حد أعلى من الضرر في حالة المرأة الأمية أو الريفية، بافتراض أن الإيذاء الجسدي أو تعدد الزوجات، على سبيل المثال، جانب عادي من حياتها ولا يستدعي الطلاق بالضرورة. وإذا كانت الصور الأخف من الإيذاء الجسدي ليست كافية لإثبات الضرر في حالة المرأة الفقيرة، فإن المرأة الثرية كثيرا ما تعتبر أكثر تأثرا بالإيذاء لتعودها على أسلوب أفضل في المعاملة. وهذا التحليل الذاتي للضرر ينطوي على القول بوجود بعض أشكال العنف ضد المرأة أو غيره من الممارسات المهينة التي يتسامح فيها القانون في ظروف معينة. ويقول المفتش القضائي الأول بمصر:

يحتاج القاضي إلى أن يقرر وجود الضرر [وفق القانون] بناء على مكانة المرأة الاجتماعية ومستواها التعليمي ووضعها الاقتصادي. وعند إصدار الحكم يحتاج القاضي إلى تحديد حيثيات حكمه؛ فالقاضي بحاجة لأن يعرف المجتمع الذي يعيش فيه".105

وجدير بالذكر أن ممارسة سلطة التقدير القضائي على هذا النحو ليست بلا سند قانوني؛ فالقانون الذي يحكم مسألة التطليق للضرر ينص صراحة على أنه "إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما"106. وهذا القانون الذي يكتسي طابع الحياد بين الجنسين يؤثر تأثيراً مباشراً على النساء الساعيات للطلاق، إذ يتوجب عليهن وحدهن تقديم أدلة على الضرر لإنهاء زواجهن. وفي نهاية المطاف، يجيز القانون للقضاة التمييز بين النساء تبعاً للطبقات الاجتماعية والاقتصادية اللاتي ينتمين إليها، مما يمثل انتهاكاً واضحاً لحق تكفله وتصونه المعايير الدولية، ألا وهو الحق في المساواة أمام القانون.

وفي مقالة ثاقبة تتناول بالتفصيل العراقيل القانونية التي تواجه المرأة المصرية المسلمة الساعية للطلاق، توضح أمينة شميس أن اختلاف المواقف القضائية تجاه ما يمثل الضرر والمتغيرات التي يمكن أن يأخذها القاضي في الحسبان عند تقدير الضرر الواقع على نساء من طبقات مختلفة ليست تقويضا لمبدأ العدل القضائي فحسب، ولكنها قد تؤدي أيضا إلى صدور أحكام قضائية متضاربة تدمر أي  معنى لإمكانية التنبؤ القضائي.107 كما أن غياب إمكانية التنبؤ القضائي في حالة إثبات الضرر يمثل رادعاً آخر للنساء الساعيات لطلاق الضرر. وتعلق أمينة شميس على طبيعة هذا القانون الذي يثير القلق وينطوي بطبيعته على التمييز بقولها:

هذا القانون، الذي يترتب عليه أن المرأة في الطبقة الدنيا قد تتحمل من الإيذء أكثر مما تتحمله المرأة في الطبقة العليا، يقوم على المنطق القائل بأن العنف إذا شاع صار عدلا. فمثلا، قد يحكم القاضي بأن القدر المعتدل من العنف الجسدي نحو الزوجة قد لا يعد ضررا بين الفئات الريفية التقليدية، حيث أن العرف والأيديولوجية السائدة تعطي الزوج مثل هذا الحق؛ إلا أن نفس القدر من العنف في بيوت الطبقة الوسطى قد يعد إفراطا. ويلاحظ أن تحديد مستوى العنف الذي يمكن أن يتحمله الأفراد "عادة" في فئة اجتماعية معينة يعد أمرا إشكاليا بوجه خاص في مجتمع يتسم "بالحراك الاجتماعي" كما في مصر، حيث لا يظل وضع المرء الحالي وطموحاته على ما هو عليه بالضرورة.108

قوانين الطاعة

يمثل وجود قوانين الطاعة في مصر عقبة أخرى أمام إمكانية حصول المرأة على الطلاق أسوة بالرجل؛ ففي مصر، كما في غيرها من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمكن للزوج أن يرفع دعوى طاعة على زوجته إذا غادرت بيت الزوجية بدون إذنه.109 فإذا رفضت المرأة العودة إلى بيت الطاعة دون تقديم طعن يوضح الأسباب القانونية لعدم طاعتها زوجها خلال 30 يوما من استلام إنذار الطاعة، فإنها تعتبر "ناشزاً"، ويسقط حقها في النفقة إذا ما طلقت.110 وعلى ذلك، فإن المرأة التي تفكر في رفع دعوى طلاق تكون فرصتها محدودة في مغادرة بيتها إذا كانت تريد الاحتفاظ بحقوقها المالية. وحتى عام 1967، كان يُسمح للشرطة باستخدام القوة لإعادة المرأة إلى بيت الزوجية تحت وصاية زوجها. وإذا كانت الشرطة الآن لم تعد تستطيع استخدام القوة على هذا النحو، فقد دأب الأزواج على استخدام قوانين الطاعة كأداة لمنع المرأة من طلب الطلاق.

وتُعتبر الطاعة أمراً واجباً على الزوجة باعتباره مقابلاً يترتب على توفير الزوج للضروريات الأساسية كالمسكن والمأكل؛ إذ إن الطاعة مقابل الإعالة لها جذور ترجع إلى عقد النكاح في الإسلام على الرغم من أن هذه "المبادلة" لم يعد منصوصا عليه صراحة في قسيمة الزواج المستخدمة في مصر اليوم. ووفقا لهذه المبادلة، تكون الطاعة حقاً للزوج على زوجته، وتكون له السلطة التامة لاتخاذ القرار في البيت مقابل إعالة الأسرة ماديا.111 وهكذا فإن الطاعة مقابل الإعالة المادية تسمح بمعاملة المرأة وكأنها سلعة، ولا تزيد عن الأطفال في استقلالها الذاتي إلا قليلا. وقد أوضح أحد أساتذة الجامعة ذلك بقوله:

الطاعة مسألة خطيرة، لأنها تعطي الزوج السلطة الكاملة تقريبا على الزوجة. فالطاعة لا تعني فقط أن الزوجة عليها طاعة كل ما يأمرها زوجها به، ولكنها يمكن أيضا أن تعني أن الزوجة ربما تحتاج إلى أن تخمن ما يريده زوجها، وأن تستجيب لكل أهوائه، تفاديا للتوبيخ القضائي أو الجسماني.112

وجدير بالذكر أن إنذار الطاعة في ذاته لا يمنع المرأة من الحصول على الطلاق، إلا أن الرجل كثيرا ما يستخدمه كأداة لإذلال الزوجة، وتعطيل إجراءات الطلاق والتنصل من دفع النفقة.113 وهكذا تُستغل قوانين الطاعة لمنع المرأة من طلب الطلاق، وتمثل نموذجا للسلطة القاهرة التي يمارسها الرجل على المرأة في الشؤون الأسرية. وقد أخبر أحد المحامين منظمة هيومن رايتس ووتش - طالباً عدم الإفصاح عن اسمه - أنه يتخذ إنذار الطاعة وسيلة للمضايقة عندما يوكله زوج للترافع في قضية طلاق مرفوعة من جانب زوجته: "أفعل ذلك [تقديم شكوى طاعة] لمضايقتها وإرهاقها".114

وقد أجرت منظمة هيومن رايتس ووتتش مقابلات مع العديد من النساء اللاتي تلقين إنذارات بالطاعة من أزواجهن، الأمر الذي يعطل عملية الطلاق. وفي هذه الظروف، يكون على المرأة أن تقدم معلومات عن سبب تركها بيت الزوجية بدون إذن الزوج. فعندما عادت ندا شعبان البالغة من العمر 24 عاما إلى بيت أسرتها بعد أن جاء زوجها بزوجة ثانية لتعيش معهما، أرسل لها زوجها إنذارا بالطاعة. وقالت ندا شعبان:

رفع قضية الطاعة في 13 يونيو/حزيران [2004]. وهذه هي المرة الرابعة التي تتأجل فيها قضيتي [قضية الطلاق]. والآن عليّ أن آتي بشهود ليثبتوا أنه جاء بامرأة ثانية إلى البيت حتى تسقط دعوى الطاعة".115

أما منى عنان البالغة من العمر 31 عاما فقد تسلمت إنذارا بالطاعة بعد أن غادرت بيتها بدون إذن زوجها، حيث ذهبت إلى بيت أبيها مع طفلها البالغ من العمر ثماني سنوات لأن زوجها (الذي اقترن بزوجة ثانية) لا يعولهما ماديا. وقالت منى عنان إنه "كان يعطينا جنيها واحدا في اليوم [0.16 دولار] لمصاريف البيت". وعلى الرغم من عدم تكفل الزوج بها (أي ما يفترض أنه المقابل الطبيعي لطاعة الزوجة) فقد رفضت المحكمة طعنها في إنذار الطاعة، الأمر الذي أسقط حقها في الحصول على النفقة الشرعية.116

أحكام قضائية لا تنفذ

إذا لم تنفذ [الأحكام القضائية]، فإن العملية القضائية برمتها "تذهب أدراج الرياح" [بالإنجليزية]، بما في ذلك جهود القضاة والأطراف التي ظلت سنوات تناضل من أجل الوصول إلى هذا الحكم.

ـ حسام أبو يوسف، نائب بمجلس الدولة، القاهرة، 25 يونيو/حزيران 2004.

تدرك المطلقات في مصر أن الحصول عل الطلاق ليس إلا نصف المحنة؛ فالكابوس القانوني والبيروقراطي الذي تعيشه المرأة للحصول على الطلاق كثيرا ما تليه عملية محبطة عند تنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بالنفقة وإعالة الأطفال، حيث تجد الكثيرات من المطلقات أنفسهن معدمات بسبب تقاعس الحكومة عن تنفيذ هذه الأحكام. وقد أوضحت فايزة كمال البالغة من العمر 59 عاما لمنظمة هيومن رايتس ووتش وضعها كضحية لسوء المعايير الخاصة بالتنفيذ قائلة:

لا أستطيع العمل؛ لأنني مصابة بالروماتيزم. كانت ابنتي في الثالثة من العمر عندما ذهبت لأول مرة للمحكمة طلبا للنفقة. والآن عندها سبع سنوات. وقد بلغ إجمالي النفقة [المتراكمة] 4800 جنيه [780 دولارا]، لكنه يأبى أن يدفعها. المفروض أن يدخل السجن، لكن هذا لم يحدث. فاضطررت لإخراج البنت الصغيرة من المدرسة لأني لا أقدر على دفع المصاريف... ومنذ شهر لم أستطع شراء أدويتي... فإما أن أشتري الدواء وإما أن أصرف على ابنتي؛ فأختار أن أصرف عليها.117

وقد تقضي المرأة عدة سنوات في محاولة العثور على الزوج السابق لتنفيذ الحكم القضائي. فإذا اعتبر الزوج السابق مفقودا، لا تجد المرأة قدراً يُذكر من المساعدة من الشرطة أو من أي سلطة حكومية أخرى. وإذا لم تكن المرأة تعرف عنوان زوجها على وجه التحديد كي ترسل إليه المحضر، فالنتيجة أنها تحرم من المبلغ المقرر لها بحكم المحكمة.

وقد أخبر المحامون منظمة هيومن رايتس ووتش مرارا أن المحضرين المكلفين بإخطار الزوج بجلسة المحكمة أو حكم النفقة كثيرا ما يأخذون رشاوى مقابل التجاوز عن واجباتهم؛ فالمحضر المرتشي يخطر المحكمة أنه لم يعثر على المذكور. وكما قال المحامي ياسر عبد الجواد: "من السهل على الزوج أن يهرب، ومن السهل على الزوج أن يدفع الرشاوى، والحكومة لا تضع أولوية لتنفيذ الأحكام القضائية، حيث أنها تعطي الأولوية للأمن القومي لا للأمن المدني".118 كما قال أحد القضاة الذين التقت بهم منظمة هيومن رايتس ووتش - طلب عدم التصريح باسمه - إن المحضرين "سرطان" يفت في عضد العملية القضائية برمتها.119 وقد بلغت المشكلة حداً خطيراً حسب ما قال محام آخر للمنظمة:

البعض ينصحون "بالحرص على الذهاب إلى محام منفذ". وحينما يستفسرون عن معنى ذلك، يأتيهم الرد بأنه "هو المحامي الذي يستطيع تنفيذ الأحكام [القضائية]".120

ولم تكد الحكومة المصرية تبذل أي جهود لضمان عدم تعرض المحضرين للفساد. وقد رفض رئيس الرقابة القضائية، الذي يشرف على إدارة المحضرين، أن يعطينا أي معلومات عن الإجراءات التي تتخذها إدارته للرقابة على عمل المحضرين ومعاقبة من يثبت فساده. وعلى الرغم من مواجهته بالروايات العديدة التي تلقتها منظمة هيومن رايتس ووتش، فقد أصر على قوله:

إننا نختار الأشخاص المناسبين [المحضرين] من خلفيات مناسبة؛ وهم أناس متعلمون. وهناك جدية في التعيين. وليس هناك من حل سوى تعيين الأشخاص المناسبين وإعطائهم رواتب جيدة.121



[90] ريم ليلى، "مسألة عائلية"، الأهرام ويكلي، 16-22 يناير/كانون الثاني 2003 [على الإنترنت]

http://www.weekly.ahram.org.eg/2003/621/fe1.htm

(تاريخ زيارة الموقع: 21 مايو/أيار 2004).

[91] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع قاض، القاهرة في الأول من يوليو/تموز 2004.

[92] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع محام، القاهرة، 17 يونيو/حزيران 2004. مواعيد عمل القضاة في القاهرة من 8:30 صباحا حتى انتهاء جلسات اليوم، التي تنتهي عموما في حوالي الخامسة مساء، وذلك من السبت إلى الخميس. مقابلة تليفونية أجرتها منظمة هيومن رايتس ووتش مع المحامية ميرفت أحمد أبو تيج، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

[93] قانون رقم 10 لسنة 2004، بإصدار قانون إنشاء محاكم الأسرة. انظر الجزء الخاص بإنشاء محاكم الأسرة.

[94] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع قاض، القاهرة، في الأول من يوليو/تموز 2004.

[95] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع المحامي محمد زيدان، سوهاج، 24 يونيون/حزيران 2004.

[96] المواد من السابعة إلى الحادية عشرة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 تنص على تعريف دور الحكم في إجراءات التطليق للضرر، ومسؤوليته ومهمته. أما المواد 18-20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 الخاص بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية فتنص على تعريف دور الحكم في إجراءات الخلع، ومسؤوليته ومهمته. فتنص المادة 20 على أن المحكمة "لا تحكم... بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين، وندبها لحكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما، خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر...".

[97] إذا وجد الحكمان أن الإساءة كلها كانت من جانب الزوج، فإنهما يقترحان التطليق بطلقة بائنة دون المساس بشيء من حقوق الزوجة المترتبة على الزواج والطلاق؛ أما إذا وجدا أن الإساءة كلها كانت من جانب الزوجة، اقترحا التطليق نظير بدل مناسب تدفعه الزوجة. وإذا كانت الإساءة مشتركة، اقترحا التطليق دون بدل، أو ببدل يتناسب مع نسبة الإساءة؛ وإن تعذرت معرفة المسيء، اقترح الحكمان تطليقاً دون بدل. وإذا اختلف الحكمان في الرأي، تعين المحكمة حكماً ثالثاً. المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، المادة 10(2).

انظر أيضا: أمينة شميس، "عقبات أمام تطليق المسلمات في مصر". ملف خاص رقم 1 عن المرأة في ظل الشريعة الإسلامية، خريف 1996، ص 61.

[98] تنص المادة 20 من قانون إجراءات الأحوال الشخصية (رقم 1 لسنة 2000) على  أن المحكمة "لا تحكم... بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين، وندبها لحكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما، خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر...".

[99] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع حسن عثمان وكيل نيابة القاهرة، القاهرة، السابع من يوليو/تموز 2004.

[100] مريز تادرس، "ما ثمن الحرية؟" الأهرام ويكلي، 7-13 مارس/آذار 2002 [على الإنترنت]

http://www.weekly.ahram.org.eg/2002/576/fe1.htm

تاريخ زيارة الموقع: 15 أغسطس/آب 2004.

[101] المرجع نفسه.

[102] المرجع نفسه.

[103] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع مروة مجيد، القاهرة، 13 يونيو/حزيران 2004.

[104] جنيفر ب. ماكسويل: "الوساطة الإجبارية بشأن الحضانة في مواجهة العنف المنزلي: مقترحات للمحاكم والوسطاء". محاكم الأسرة والمصالحة، العدد 37، يوليو/تموز 1999، ص 335.

[105] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع القاضي عبد الرحمن محمد، المفتش القضائي الأول، القاهرة، 25 يونيو/حزيران 2004.

[106] المادة 6، المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929؛ انظر أيضاً إنيد هيل: "محكمة!: دراسات في القضاء المصري" (لندن: إثيكا برس، 1979)، ص 81.

[107] أمينة شميس، "عقبات أمام تطليق المسلمات في مصر". ملف خاص رقم 1 عن المرأة في ظل الشريعة الإسلامية، خريف 1996، ص 63. تعرض شميس أمثلة عديدة للمبادئ المتناقضة المتعلقة بما يعتبر "ضرر"، وتتناول العديد من الأحكام القضائية التي تحاول (ولو بصورة إشكالية وغير متسقة) تحديد جوهر أنواع الضرر التي تجعل العشرة مستحيلة لدى الفئات النسائية العريضة.

[108] المرجع نفسه، ص 63.

[109] انظر المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، مادة 11 مكرراً ثانياً (2)؛ ترجع جذور قوانين الطاعة إلى أن الزوج في الإسلام عليه توفير الضروريات لزوجته من مأكل وملبس ومأوى مقابل طاعتها له. لمزيد من المعلومات عن شروط الطاعة في الشريعة الإسلامية انظر أميرة سنبل "المرأة والأسرة وقوانين الطلاق في التاريخ الإسلامي" (نيويورك: مطبعة جامعة سيراكيوز، 1966)، ص 280-285.

[110] انظر أمينة شميس، "عقبات أمام تطليق المسلمات في مصر". ملف خاص رقم 1 عن المرأة في ظل الشريعة الإسلامية، خريف 1996، ص 57-58.

[111] ناتالي برنار موجيرون وبودوان ديوبريه (محرران): "مصر وقوانينها" (نيويورك: كلوير للقانون الدولي، 2002)، ص 22-23.

[112] رنا لير لينهارد: "أحسنوا معاملة نسائكم: مقارنات ودروس من نموذج غير محكم عبر البحار"، المجلة القانونية لجامعة جنوب إلينوي، العدد 26، ربيع 2002، ص 405.

[113] تنص المادة 1 من القانون رقم 25 لسنة 1920، في قسمها الأول (في النفقة والعدة)، على أن النفقة "لا تجب...للزوجة إذا ارتدت، أو امتنعت مختارة عن تسليم نفسها دون حق، أو اضطرت لذلك بسبب ليس من قبل الزوج، أو خرجت دون إذن زوجها".

[114] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع محام، القاهرة، 17 يونيو/حزيران 2004.

[115] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع ندا شعبان، القاهرة، 14 يونيو/حزيران 2004.

[116] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع منى عنان، القاهرة، 13يونيو/حزيران 2004.

[117] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع فايزة كمال، القاهرة، 21 يونيو/حزيران 2004.

[118] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع المحامي ياسر عبد الجواد، مكتب المحامين العرب، القاهرة، السابع من يونيو/حزيران 2004.

[119] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع قاض، القاهرة، الأول من يوليو/تموز 2004.

[120] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع المحامية أمل عبد الحميد، مركز النديم لإعادة تأهيل ضحايا العنف، القاهرة، 19 يونيو/حزيران 2004.

[121] منظمة هيومن رايتس ووتش، مقابلة مع انتصار نسيم، المديرة بإدارة الرقابة القضائية، القاهرة، 25 يونيو/حزيران 2004.


<<previous  |  index  |  next>>December 2004