الولايات المتحدة الأمريكية
USA
Report

الولايات المتحدة


الجزء التالي
الجزء السابق
المحتويات
  

الولايات المتحدة الأمريكية:
"نحن لسنا العدو"
جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين ومن يُظَن أنهم من العرب أو المسلمين
بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول

تاريخ لهجمات رد الفعل ضد العرب والمسلمين في أمريكا

قبل 11 سبتمبر/أيلول بوقت طويل كانت الفكرة النمطية الشائعة التي تصور العربي أو المسلم على أنه "إرهابي" قد رسخت في الذهن الأمريكي وأذكت نار التحيز ضد العرب والمسلمين. وأدى ذلك التحيز أحياناً إلى ارتكاب بعض الجرائم بدافع الكراهية، وخصوصاً بعد أعمال العنف التي تُنسب بالحق أو بالباطل إلى إرهابيين من العرب أو المسلمين. وفي ضوء تاريخ ردود الأفعال العنيفة المعادية للعرب والمسلمين في الولايات المتحدة قبل 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، كان من أيسر اليسر توقع جرائم الكراهية التي أعقبت أحداث ذلك اليوم. وينبغي للمسؤولين الحكوميين أن يدركوا أن ثمة خطراً في وقوع رد فعل عنيف معاد للعرب أو للمسلمين في أي وقت يتم فيه الربط بين الإرهاب وبين هاتين الطائفتين.

ولم يقتصر هذا العنف على أبناء جنسية واحدة أو معتنقي ديانة واحدة. فمن بين من تعرضوا للهجوم أشخاص لا جريرة لهم إلا أن مظهرهم يوحي ـ على الأقل بالنسبة لبعض الأمريكيين ـ بأنهم من الشرق الأوسط، أو من العرب أو المسلمين. فقد تعرض مواطنون من جنوب آسيا على سبيل المثال للاعتداء في كثير من الأحيان؛ وكذلك أشخاص ممن يوحي مظهرهم بأنهم مسلمون، على الرغم من وجود مسلمين بين أبناء جميع الأجناس والجماعات العرقية والجنسيات. إلا أنه في إطار العنف المدفوع بالكراهية في الولايات المتحدة باتت كلمة "مسلم" مرادفاً لشخص شرق أوسطي أو عربي. وأُضيف الرجال من أبناء طائفة السيخ الذين يعتمرون العمامة إلى فئة الإرهابيين "العرب" دون تمييز وتعرضوا بدورهم للاعتداءات. ومجمل القول أن طائفة من الأحداث التي وقعت في التاريخ الأمريكي أدت إلى نشوء قالب عنصري جديد، وهدف للتحيز، والخوف، وجرائم الكراهية، يتمثل في الأشخاص "الشرق أوسطيين، أو العرب، أو المسلمين" أو من يوحي مظهرهم بأنهم من هؤلاء. وبغرض الاختصار سنشير في هذا التقرير إلى هذا العنف على أنه معاد للعرب وللمسلمين مع إدراكنا التام لاختلاف الضحايا وتنوعهم.(26)

التوترات في الشرق الأوسط في السبعينيات والثمانينيات

لم تتابع الهيئات الحكومية، وكذلك المنظمات غير الحكومية، سواء العربية أم الإسلامية، حوادث الجريمة المرتكبة بدافع التحيز في السبعينيات،(27) إلا أن بعض النشطاء العرب والمسلمين يشيرون إلى الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 وما صاحبها من حظر نفطي على أنهما نقطة البداية لتزايد التحيز ضد طائفتيهم في الولايات المتحدة والعداء لها.(28) ووصف أحد الأمريكيين العرب من ديربورن بولاية ميشيغان التغير في توجهات الرأي العام إزاء العرب الأمريكيين بعد عام 1973 قائلاً: "فجأة صرنا نُحمَّل المسؤولية عن أمور لا شأن لنا بها، ولا سيطرة لنا عليها، بل وربما لم نؤيدها أصلاً."(29) ويقول النشطاء إن هذا العداء زاد خلال أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1979. ويقول ألبرت مخيبر، الرئيس السابق "للجنة الأمريكية العربية لمناهضة التمييز"، وهي أقدم منظمة للحقوق المدنية للعرب الأمريكيين، "كان الإيرانيون مستهدفين بجرائم الكراهية في ذلك الوقت... وكذلك العرب الأمريكيون، والعرب والإيرانيون ليسوا شيئاً واحداً..."(30)

ويعتقد النشطاء من الأمريكيين العرب أيضاً أن "فضيحة الرشى العربية" التي وقعت عام 1980 زادت حدة التصورات النمطية السلبية الشائعة بخصوص العرب.(31) وقد تمثلت تلك الفضيحة في عملية فيدرالية لكشف الفساد السياسي تخفى خلالها موظفون اتحاديون في هيئة شيوخ أثرياء وعرضوا رشىً على بعض الساسة. وبعد "فضيحة الرشى العربية"، مثلما أشار أحد الأمريكيين العرب "صار كل العرب أشراراً. وُضع الجميع في سلة واحدة. وبات كل عربي ذلك القاتل الفظيع، المروع، ذا الأنف المعقوف. لم يعد أهلاً للثقة."(32) ويعزو مؤسسو "اللجنة الأمريكية العربية لمناهضة التمييز" القوة الدافعة وراء إنشاء اللجنة إلى الأثر الدعائي السلبي الذي أحاط بهذه الفضيحة.(33)

وفي عام 1985 وقع حادثا خطف طائرة شركة تي دبليو إيه. في الرحلة رقم 847 على أيدي متشددين من الشيعة في 14 يونيو/حزيران، وخطف سفينة الركاب الإيطالية أكيلي لاورو على يدي أحد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وأعقبت الحادثين موجة من الجرائم العنيفة ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة. ففي 11 أكتوبر/تشرين الأول عام 1985 قُتل المدير الإقليمي لمكتب "اللجنة الأمريكية العربية لمناهضة التمييز" في جنوب كاليفورنيا، أليكس عودة، عندما انفجرت قنبلة خارج الباب الأمامي لمكتبه.(34) وكان عودة ظهر في اليوم السابق في التلفزيون المحلي حيث نفى ضلوع منظمة التحرير الفلسطينية في خطف السفينة.(35) وأُلقيت قنابل حارقة على مكتب "اللجنة الأمريكية العربية لمناهضة التمييز" في العاصمة واشنطن بعد شهرين من مقتل عودة.(36) وقبل مقتل عودة بشهرين أدى انفجار قنبلة خارج مكتب "اللجنة الأمريكية العربية لمناهضة التمييز" في بوسطن إلى إصابة شرطي كان يحاول نزع فتيلها.(37) وخلال الفترة نفسها فُجرت قنبلة أنبوبية في مسجد بهيوستون (مما سبب خسائر قيمتها 50 ألف دولار)،(38) وهُشمت نوافذ "المعهد الإسلامي" في ديربورن بولاية ميشيغان،(39) وتعرض مسجد في بوتوماك بولاية ماريلاند للتخريب.(40) وفي اليوم الذي هاجمت فيه الولايات المتحدة ليبيا عام 1986 تعرض خمسة من الطلاب العرب في جامعة سيراكيوز للضرب، وكان مهاجموهم يرددون أثناء ذلك نعوتاً معادية للعرب.(41) كما تعرضت للتخريب أيضاً بعض المنشآت التجارية التي يملكها أمريكيون من أصل عربي في ديربورن بولاية ميشيغان للتخريب في أعقاب الهجوم على ليبيا.(42)

حرب الخليج

أدى نشوب أزمة الخليج في أغسطس/آب عام 1990 إلى موجة عارمة من جرائم الكراهية التي تستهدف العرب والمسلمين في شتى أنحاء الولايات المتحدة. وقد سجلت "اللجنة الأمريكية العربية لمناهضة التمييز" أربعاً من جرائم الكراهية التي تستهدف العرب في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أغسطس/آب عام 1990، أي قبل بدء الأزمة.(43) وسجلت 40 جريمة في الفترة من أغسطس/آب حتى بداية الحرب في 16 يناير/كانون الثاني عام 1991. وخلال الأسبوع الأول للحرب سجلت اللجنة 44 جريمة أخرى.(44)

ففي لوس أنجيليس أتت حرائق على المنشآت التجارية الخاصة بأحد اللبنانيين الأمريكيين وأحد اليهود الإيرانيين.(45) وفي سنسناتي أُلقيت قنبلة حارقة على متجر يملكه أمريكي من أصل عربي.(46) وفي نيويورك تعرض رجل يبدو عربي الملامح للضرب بقنينة على أيدي عشرة رجال في قطار الأنفاق.(47) وفي بالتيمور هاجم أربعة أو خمسة رجال أحد اليهود البولينيزيين وحطموا نافذة سيارته صائحين "أيها العربي القذر".(48) وفي سان فرانسيسكو حطم مخربون نوافذ أربعة متاجر خاصة بالأمريكيين العرب.(49) وفي تولسا بولاية أوكلاهوما أُحرق منزل رجل عراقي الأصل.(50) وكانت التهديدات للعرب والمسلمين الأمريكيين في ديترويت من الكثرة بحيث استدعت من رئيس بلدية المدينة كولمان يانغ أن يطلب من حاكم ولاية ميشيغان تكليف قوات من الحرس الوطني بحماية العرب والمسلمين المقيمين في المدينة.(51)

ودفعت خطورة هذه الجرائم واتساع نطاقها المسؤولين العموميين إلى القيام بأول جهود للتصدي للعنف ضد العرب والمسلمين الأمريكيين. فقد دعا الرئيس جورج بوش بقوة لوضع نهاية للهجمات التي تستهدف الأمريكيين العرب بدافع الكراهية مشدداً في 24 سبتمبر/أيلول عام 1990 على أن "التهديدات بالقتل، والاعتداءات البدنية، والتخريب، والعنف الديني، والتمييز ضد العرب الأمريكيين لا بد أن تنتهي."(52) وفي كاليفورنيا اقترح نائب الحاكم ليو مكارثي تشريعاً بخصوص جرائم الكراهية يقضي بتشديد العقوبات المدنية والجنائية لمن يرتكب جريمة بدافع التحيز، مشيراً إلى أن "موجة جرائم الكراهية [الحالية] أكبر مما شاهدناه منذ الذروة الوحشية للكلو كلوكس كلان."(53) وفي لوس أنجيليس أصدر مكتب المدعي العام للمقاطعة بياناً يُذاع في وسائل الإعلام العامة يطلب من المشاهدين الاتصال بمكتب المدعي العام لمقاطعة لوس أنجيليس إذا نمى إلى علمهم وقوع أي جريمة ضد العرب أو المسلمين أو اليهود.(54) وفي شيكاغو ساعدت "لجنة العلاقات الإنسانية" أصحاب المتاجر من العرب والمسلمين على وضع لافتات تحذر من ارتكاب جرائم الكراهية.(55)

تفجير أوكلاهوما سيتي وانفجار طائرة شركة تي دبليو إيه في الرحلة رقم 800 في 19 أبريل/نيسان عام 1995 دمرت قنبلة مبنى ألفريد بي مورا الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي، بولاية أوكلاهوما، مما أدى إلى مقتل 168 شخصاً. وفي اليومين اللذين مرا قبل أن تعلن السلطات الاتحادية أن الحادث لم يكن وراءه إرهابيون أجانب افترض كثير من الأمريكيين أن منفذي الهجوم من الإرهابيين العرب.(56) وسجل "مجلس العلاقات الإسلامية"، وهو منظمة إسلامية للحقوق المدنية، تعرض المسلمين لما يزيد على 200 من حوادث المضايقة، والاعتداء، وإتلاف الممتلكات في الأيام التي أعقبت التفجير.(57)

ففي أوكلاهوما سيتي أُجهضت امرأة مسلمة كانت في شهرها السابع من الحمل، بعد أن أصابها قالب طوب اخترق نافذة بيتها في الصباح التالي ليوم التفجير.(58) وفي دار حضانة لأبناء المسلمين في تكساس رُوعت معلمة و60 تلميذاً عندما صاح قائد سيارة مارة في المعلمة قائلاً "هاك قنبلة لأجلك أيتها السيدة" ثم قذفها بكيس من علب المياه الغازية.(59) وفي مدينة نيويورك هدد مجهولون في اتصالات هاتفية بتفجير الشركات التي يملكها عرب ومهاجمة أسر أصحابها.(60) وفي ريتشاردسون بولاية تكساس تلقى أحد المساجد عشر مكالمات هاتفية تهديدية.(61) وبعد يوم واحد من التفجير، ومع بدء ورود أنباء هجمات رد الفعل، دعا الرئيس بيل كلينتون الأمريكيين إلى عدم التسرع في إصدار الأحكام من غير تروٍّ أو إلقاء تبعة الهجوم على أي دين.(62)

وفي يوم 17 يوليو/تموز عام 1996 انفجرت طائرة لشركة تي.دبليو.إيه. في الرحلة رقم 800 بعد قليل من إقلاعها من نيويورك ولقي جميع ركابها مصرعهم. وكما حدث في حالة تفجير أوكلاهوما سيتي، ترددت تكهنات علنية في وسائل الإعلام بأن إرهابيين من المسلمين أو العرب هم المسؤولون عن الانفجار.(63) وفي نهاية الأمر عُزي سقوط طائرة شركة تي دبليو إيه في الرحلة رقم 800 إلى عطل ميكانيكي.(64) وعلى الرغم من ذلك فقد تلقى "مجلس العلاقات الإسلامية" عشرة بلاغات تفيد بتعرض بعض المسلمين لحوادث مضايقة وتهديد بالعنف بدافع الغضب من المسلمين بعد انفجار الطائرة.(65)

11 سبتمبر/أيلول: توقعات ردود الفعل العنيفة

في ضوء جرائم الكراهية التي وقعت في إطار رد الفعل العنيف في الماضي صار كثير من العرب والمسلمين، ومن قد يُظَنُّ أنهم من العرب أو المسلمين، يخشون أن يصبحوا أهدافاً لردود الأفعال العنيفة كلما نُسب حادث إرهابي إلى العرب أو المسلمين. وقد عبرت عن ذلك الخوف تعبيراً حياً الرسائل التي بعث بها بعض المسلمين، والعرب، والسيخ إلى مجموعات التراسل بالبريد الإلكتروني الخاصة بطوائفهم في الساعات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وفيما يلي مقتطفات من بعض هذه الرسائل:
"برجا مركز التجارة العالمي كلاهما يحترقان. وفي الساعات (وربما الدقائق) القادمة سيبدأ توجيه أصابع الاتهام كما حدث بالضبط بعد حادث أوكلاهوما سيتي."(66)
    "أعتذر عن هذه الرسالة المرتجلة. لقد صُدمت إلى حد لا يُوصف حيث يمر بلدنا العظيم بأزمة لم يسبق لها مثيل. في هذا الوقت نقف وأيدينا مضمومة في أرداس (صلاة السيخ) من أجل جميع ضحايا هذا الهجوم الدنيء. إلا أنه... من الضروري ألا نصبح نحن كسيخ أمريكيين ضحايا لهذا الإرهاب... ما أعنيه شديد الوضوح، "برغم أننا قوم نحب السلام ولا صلة لنا على الإطلاق بـ... (أسامة بن لادن وغيره) فثمة أفراد قد لا يتبينون الفرق"... كل شخص موقفه مختلف في عمله أو مدرسته، لكن يجب ألا يخضع أحد لأي تحرش أو حتى مخاشنة من جانب زملائه."(67)
    "سمعنا كلنا بالتأكيد بالمأساة التي وقعت هذا الصباح... وغني عن القول أننا ندرك جميعاً أنه ما من مسلم عاقل يقر بمثل هذا العمل. وأنا إنما أكتب لأتأكد من أنكم تعون جميعاً بالأجواء التي ستنشأ لا محالة نتيجة لهذا الهجوم: نحن لسنا من البيض، نحن عرب... نحن مسلمون... سيموج هذا البلد ببعض المشاعر الجامحة 'الخطيرة' المعادية للعرب والمعادية للمسلمين... ولذا توخوا الحذر، وابقوا مع أسركم، وابتعدوا عن الشوارع ما لم تكن هناك ضرورة، وتابعوا أحوال أخواتكم واخوتكم."(68)
    "في هذا الوقت الذي تتكشف فيه الأحداث في نيويورك وواشنطن، نحث العرب والمسلمين على التحلي باليقظة وروح المبادرة في التصدي لما قد ينتج من رد فعل معاكس ضد جالياتنا، وممتلكاتنا، وأنفسنا."(69)


الجزء التالي
الجزء السابق
المحتويات