|
الأنفال هي حملة عسكرية من ثماني مراحل أسفرت عن القتل العمد لخمسين ألفا على الأقل ، وربما مائة ألف من الأكراد. استخدمت القوات العراقية في حملة الأنفال أسلحة كيماوية مرات عديدة ضد الأكراد. وقد استمرت حملة الأنفال من أواخر فبراير/شباط إلى أوائل سبتمبر/أيلول 1988. وقع الاختيار على الضحايا الذين كان منهم نساء وأطفال وشيوخ لأنهم كانوا أكرادا بقوا في مسقط رأسهم في أراض خارج نطاق المناطق التي تحكمها بغداد. وأسفرت تحريات وتحقيقات منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان في عامي 1992 و1993 عن تصنيف الأنفال كجريمة إبادة جماعية ضد جانب من السكان الأكراد العراقيين في شمالي البلاد.
من هم المتهمون الذين يحاكمون؟
ستحاكم المحكمة العليا العراقية ستة متهمين، كانوا يتولون مناصب رئيسية إبان حملة الأنفال. وهؤلاء المتهمون هم (بترتيب مناصبهم في ذلك الوقت):
علي حسن المجيد، أمين سر مكتب الشمال لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان مخولاً صلاحيات خاصة يمارسها على شمالي العراق تعادل صلاحيات الرئيس.
سلطان هاشم أحمد، القائد العسكري للحملة؛
صابر عبد العزيز الدوري؛ رئيس الاستخبارات العسكرية؛
حسين رشيد التكريتي، نائب قائد العمليات بالقوات المسلحة العراقية؛
طاهر توفيق العاني، محافظ الموصل؛
فرحان مطلق الجبوري، مسؤول الاستخبارات العسكرية في شمالي العراق.
وقد تم إسقاط التهم الموجهة إلى صدام حسين إثر إعدامه في 30 ديسمبر/كانون الأول 2006.
وجميع المتهمين الستة موجهة إليهم تهم ارتكاب الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية. وتتضمن التهم القتل العمد، والاسترقاق، والحبس وغيرها من أشكال الحرمان المادي من الحرية على نحو حاد، باعتبارها جرائم ضد الإنسانية. واتهامات جرائم الحرب تتضمن التوجيه العمدي لهجمات ضد سكان مدنيين، والتوجيه العمد لهجمات ضد مبانٍ ذات أغراض ثقافية ودينية وطبية وتعليمية وغيرها من الأغراض التي لا تستخدم في العمليات العسكرية، وتدمير والاستيلاء على الملكية على نحو لا تستدعيه مجريات النزاع المسلح.
ما هي أهمية محاكمات الأنفال؟
خلافا لمحاكمات الدجيل التي اختتمت منذ وقت قريب والتي كانت تتعلق بعمليات قتل مروعة في قرية واحدة، ترقى جرائم الأنفال إلى مستوى الجرائم الجماعية. وعلى الرغم من تسميتها بالنزاع مع الميليشيات الكردية المعروفة باسم البشمرجة، فالأنفال تضمنت عمليات إعدام جماعية واختفاء عشرات الآلاف من المواطنين الأكراد العاديين – رجال ونساء وأطفال. استخدمت القوات الحكومية أسلحة كيماوية ودمرت حوالي ألفي قرية. واضطر مئات الآلاف من أهالي القرى إلى النزوح.
وتشمل التهم الموجهة إلى صدام حسين الإبادة الجماعية التي تعتبر أخطر الجرائم الدولية. وإثبات المسئولية الجنائية الفردية التي يتحملها صدام حسين سيتطلب من ممثل الادعاء تقديم أدلة قوية على أن صدام حسين قصد بالتحديد القضاء على المجني عليهم بسبب كونهم أكرادا. وحيث أنها جريمة جماعية، سيلزم تقديم أدلة من أماكن متعددة للجريمة. ومن شأن هذه العوامل أن تطرح تحديا حقيقيا أمام المحكمة العليا العراقية التي برهنت على قصور فادح في سير المحاكمات في قضية الدجيل (أنظر أيضا السؤال الثامن).
ما هي الأفعال التي تشكّل جريمة الإبادة الجماعية؟
إن ارتكاب الأفعال التالية على نطاق واسع، مقترنا بقصد القضاء على الأكراد بالتحديد، كليا أو جزئيا، بسبب انتمائهم العرقي، يشكل جريمة إبادة جماعية: القتل وإلحاق ضرر بدني أو معنوي جسيم وتعمد فرض ظروف معيشة محسوبة على أساس أن تؤدي إلى تصفيتهم جسديا، وفرض تدابير تهدف إلى منع ولادة أطفال، ونقل الأطفال قسرا من مجتمعهم.
ولإثبات وقوع إبادة جماعية، سيتعين على ممثل الادعاء أن يبرهن على ارتكاب بعض أو كل الأفعال المبينة أعلاه وعلى أنها وقعت بقصد معين وهدف يتمثل في القضاء على جانب من السكان الأكراد العراقيين.
كم عدد الناس الذين يؤدي قتلهم إلى اعتبار عمليات القتل جريمة إبادة جماعية؟
في عمليات الإبادة الجماعية السابقة (مثلا المحرقة والإبادة الجماعية للأرمن والروانديين)، كان عدد عمليات القتل هائلا. هذا الحجم الكبير للقتل في حد ذاته أسهم في إقامة الدليل على أن القتل ارتكب بسبب المعتقدات الدينية للضحايا أو انتمائهم العرقي. ومع ذلك، ليس هناك حد عددي معين ينبغي تخطيه لاعتبار عمليات القتل الواسعة النطاق جريمة إبادة جماعية. فالإبادة الجماعية تشمل القضاء على "جزء" أو "كل" الجماعة المستهدفة.
استهدفت حملة الأنفال الأكراد العراقيين الذين يعيشون في المناطق الريفية الشمالية من البلاد التي اعتبرتها الحكومة "مناطق محظورة". وبالنسبة لحملة الأنفال، هناك أدلة خلاف مجرد العدد تدل على أن الأكراد كانوا مستهدفين بسبب انتمائهم العرقي.
كيف نعرف أن عمليات القتل حدثت ضد الأكراد الريفيين بسبب كونهم أكرادا؟ ألم تكن الأنفال عملية مناهضة للتمرد؟
دأبت الحكومة العراقية على الاعتداء على أكراد العراق منذ السبعينات. وكانت حملة الأنفال ذروة هذه الاعتداءات. وقد تحدثت بغداد مرارا عن الأكراد بوصفهم تهديدا للأمة. حاولت الحكومة "تعريب" المناطق التي يقطنها الأكراد وذلك بتشجيع المزارعين العرب المهاجرين على الانتقال إلى هذه المناطق. أرادت أن تفعل ذلك لأن المنطقة واقعة من الناحية الاستراتيجية بالقرب من الحدود الإيرانية.
وبعد عام 1980، وبدء الحرب الإيرانية العراقية التي استغرقت ثمانية أعوام، حصل الأكراد في الشمال على مزيد من السلطة على المنطقة ووثقوا علاقاتهم بإيران. وبحلول عام 1986 عقد الأكراد اتفاقية سياسية وعسكرية رسمية مع طهران. شعرت الحكومة العراقية بأن المنطقة ليست آمنة فبدأت حملة الأنفال، وتعرض جميع الأكراد المقيمين في "المناطق المحظورة" للقمع الذي صاحب الحملة.
ما هي الأدلة القائمة على أن الجرائم التي ارتكبت ضد الأكراد كان الهدف منها القضاء عليهم كجماعة؟
استحدثت الحكومة العراقية "المناطق المحظورة" المزعومة في العراق مع أمر بإعدام كل من وجد مقيما في هذه المناطق. وتتمثل حدود هذه المناطق في المناطق الواقعة في شمالي العراق التي لا يقطنها تقريبا سوى الريفيين الأكراد.
والادعاء بأن الذين قتلوا أو أزيحوا من "المناطق المحظورة" كانوا متمردين أو متعاطفين مع المتمردين ليس جديرا بالتصديق لأن صغار الأطفال كانوا من ضمن عشرات الآلاف من ضحايا حملة الأنفال. وعلاوة على ذلك، لم تستثن الحكومة العراقية أحدا بسبب الولاء السياسي؛ فقد تعرض أيضا الأكراد الذين كانوا موالين للحكومة لتهديد الأسلحة الكيماوية.
ادعت الحكومة أن الأكراد ساندوا إيران في الحرب الإيرانية العراقية. ولكن حتى لو كان ذلك صحيحا، فهو لا يبرر حجم القتل في المناطق المحظورة، وعلى الأخص قتل النساء والأطفال والرجال الذين لم يشاركوا في أعمال الحرب. لقد قتلوا لأنهم كانوا أكرادا.
ما هي العقبات الأساسية التي ترى هيومن رايتس ووتش أنها قد تعرقل المحاكمة العادلة؟
راقبت هيومن رايتس ووتش محاكمات الدجيل وعاينت عدداً من مواطن الضعف في كيفية عمل المحكمة العليا العراقية.
وتتمثل مواطن الضعف فيما يلي: (1) افتقار شبه كامل إلى الدراية بالقانون الجنائي الدولي من قبل جميع المحامين والقضاة العراقيين الذين شاركوا في المحاكمات؛ (2) إدارة فوضوية وقاصرة أدت إلى مشاكل كبيرة في أداء المهام الإدارية الأساسية اللازمة لسير محاكمات بهذا الحجم بنزاهة؛ (3) الاستعانة بشهود مجهولين على نطاق واسع إلى حد أن المتهمين لم يمنحوا الحق في معارضة الأدلة ضدهم.
وتضافرت مواطن الضعف هذه مع التدهور الحاد للأجواء الأمنية في العراق مما أسفر عن مقتل ثلاثة من محاميي الدفاع وإحجام عديد من الشهود عن التقدم أمام المحكمة وقيود خطيرة شلت قدرة الدفاع على تحقيق واختبار الأدلة التي جمعها الادعاء.
وتساور هيومن رايتس ووتش بواعث قلق أخرى بشأن حقوق المتهمين في المحاكمة العادلة، تتصل على وجه التحديد بإجراءات محكمة الأنفال، ومنها التدخل السياسي. إذ قام كلٌ من رئيس الوزراء العراقي والوزارة بإبعاد رئيس المحكمة في 19 سبتمبر/أيلول 2006، وهذا بعدما أدلى بتصريحات بدت في صالح الدفاع. كما أثارت هيومن رايتس ووتش مخاوفها بشأن الاتهامات ذات الطبيعة الفضفاضة التي صعبت على المتهمين التحضير لدفاعهم. فضلاً عن أن المحكمة رفضت طلبات الدفاع باستجواب الشهود بواسطة بث الفيديو المباشر من سفارات بالخارج أو عبر تقديم منح بالحصانة لغرض التقدم بالشهادة. وبالنتيجة، لم يحضر سوى خمسة شهود من طرف الدفاع، أربعة منهم كانوا شهود عن المتهمين لم يدلوا بشهادات خاصة بموضوع الدليل المقدم أمام المحكمة.
ولإقامة العدالة، يجب أن تسير إجراءات المحاكمة بنزاهة. وبناء على مراقبة شاملة لسير المحاكمات الأولى أمام المحكمة العليا العراقية، تعتقد هيومن رايتس ووتش أن هذه المحكمة عاجزة حاليا عن المحاكمة العادلة والفعالة على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية طبقا للمعايير الدولية والقانون الجنائي الدولي الساري.
ما هي وجهة نظر هيومن رايتس ووتش عن توقيع عقوبة الإعدام على من تثبت إدانتهم؟
تعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام. ومن منظور حقوق الإنسان، تشكل عقوبة الإعدام جزاء قاسيا ولا إنسانيا. والاتجاه في القانون الدولي هو نحو إلغاء عقوبة الإعدام. ومهما كانت بشاعة الجرائم المنسوبة إلى المتهمين، فإن عقوبة الإعدام غير مبررة.
ما هو دور هيومن رايتس ووتش في توثيق حملة الأنفال؟
في عام 1992 بعد حرب الخليج، أرسلت هيومن رايتس ووتش فريقا من الباحثين إلى شمالي العراق. قام الفريق على مدى عدة أشهر بتحريات وتحقيقات شاملة. قابل أعضاء المنظمة حوالي 350 شخصا ممن نجوا من حملة الأنفال ومن شهود الحملة وقاموا بتحليل للتربة في مناطق استخدمت فيها الأسلحة الكيماوية. ولأغراض الحفظ والتحليل، سلم لهيومن رايتس ووتش 18 طنا من الوثائق الأمنية العراقية التي استولت عليها الميليشيات الكردية حينما غادرت قوات الأمن الحكومية المنطقة. وعلى أساس البحث الميداني وتحليل الوثائق، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن الأنفال تشكل جريمة إبادة جماعية. وفي عامي 1994 و1995، حاولت هيومن رايتس ووتش إقناع عدة حكومات مهتمة بحقوق الإنسان برفع دعوى على الحكومة العراقية بموجب أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها أمام محكمة العدل الدولية. وللأسف لم تثمر هذه المبادرة.