Lebanon



Lebanon Lebanon
  

مزاعم الخدعة

في 23 يوليو/تموز 2006، حوالي الساعة 11:15 مساءً، وفي خضم الحرب بين إسرائيل وحزب الله، هاجمت طائرات إسرائيلية بدون طيار في بلدة قانا سيارتي إسعاف عليهما بشكل ظاهر علامة الصليب الأحمر، وتحملان الأرقام 782 و777. وكانت على سطح السيارتين أضواءً تبين بوضوح شارة الصليب الأحمر وتطلق ضوءاً أزرق متقطعاً شديد الإضاءة. وكان طاقم السيارتين قد نقل لتوه ثلاثة مدنيين لبنانيين جرحى من عائلة واحدة (أحمد فواز /41 عاماً/، ووالدته جميلة /80 عاماً/، وابنه محمد /13 عاماً/) من السيارة ذات الرقم 782 إلى السيارة ذات الرقم 777، عندما أصابتهما الصواريخ. واستهدف الهجوم الأول السيارة ذات الرقم 777، وبعد دقائق قليلة أصاب الهجوم الثاني السيارة الأخرى، وأسفر عن جرح موظفي الصليب الأحمر الستة، وإصابة الجرحى الثلاثة بمزيد من الجروح. حيث فقد أحمد فواز إحدى ساقيه، بينما أصيبت والدته بشلل جزئي، ولا تزال طريحة الفراش إثر الضرر الذي أصاب أعصاب ساقها. كما أصيب الابن بعدة شظايا في رأسه. وقد نشرت معظم وسائل الإعلام صوراً واضحة للسيارة ذات الرقم 782 وقد اخترق صاروخ سقفها الذي يحمل شارة الصليب الأحمر.

أحمد فواز، فقد ساقه اليمنى في الهجوم الإسرائيلي على سيارتي الإسعاف في قانا. نديم حوري / هيومن رايتس ووتش –  2006©

جميلة فواز أصيبت بجروح في ساقها في الغارة الإسرائيلية التي استهدفت سيارتي الإسعاف في قانا، ولا تزال طريحة الفراش نتيجة تلك الجروح نديم حوري / هيومن رايتس ووتش 2006©

وبعد فترة قصيرة، في 3 أغسطس/آب، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرها الأول عن الحرب، "الضربات القاتلة"، الذي تضمن وصفاً للهجوم المذكور على سيارتي الإسعاف. وقد نوه التقرير إلى أن القانون الإنساني الدولي يحظر الهجمات التي تستهدف الأشخاص والأجسام التي تشارك في مهام المساعدة الإنسانية.

غير أن بعض المعلقين زعم أن الهجوم لم يكن سوى خدعة دبرها حزب الله. حيث أكد موقع "زومبيتايم" على شبكة الانترنيت، ومقره كاليفورنيا، أن الهجوم "لم يحدث أبداً". كما زعم أوليفر نورث، وهو مسئول سابق في إدارة الرئيس ريغان ومعلق محافظ حالياً، أن حملة "المعلومات المضللة" التي قادها حزب الله قد ضللت هيومن رايتس ووتش و"مصادر الأخبار السائدة" بخصوص الطبيعة الحقيقية للهجوم على السيارتين. وكتب نورث في صحيفة واشنطن تايمز في 3 سبتمبر/أيلول 2006 ما يلي:

إن العملية العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله في لبنان حافلة بالكثير من الأمثلة التي تبين كيف أصبحت المعلومات الكاذبة "أخباراً سائدة". ومن هذه الأمثلة الفاقعة الزعم المتداول على نطاق واسع في وسائل الإعلام الغربية بأن الطائرات الإسرائيلية استهدفت عن عمد قافلة سيارات الإسعاف التي تحمل بشكل واضح شارة الصليب الأحمر في قانا في 23 يوليو/تموز. ورغم أن الصور تُظهر بوضوح أن هذا الهجوم لم يحدث، إلا أن كلاً من منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش استخدمت الروايات المنشورة عن الهجوم كدليل على "جرائم حرب" إسرائيلية. بينما لم يتم الإصغاء إلى مواقع المدونات (مثل باورلاين وزومبيتايم)، التي وصفت هذه الحادثة بالمعلومات الكاذبة، لأنهم "متطرفين يمينيين. (التشديد من عندنا)1

ويشكك نورث في مصداقية إحدى الهجمات التي حظيت بأوسع تغطية خلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله. فقد تناقلت خبر الهجوم الإسرائيلي على سيارتي الإسعاف في قانا وسائل إعلام كبيرة مثل: هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) وتلفزيون الأخبار المستقل في بريطانيا، ومحطة تلفزيون MSNBC الأمريكية، بالإضافة إلى الصحف اليومية والأسبوعية، والبرقيات، ومن ضمنها نيويورك تايمز، وبوسطن غلوب، ولوس أنجلس تايمز، وأسوشيتد بريس، ومجلة تايم. كما تشكك مزاعم نورث، والمواقع الالكترونية التي استشهد بها، في مصداقية اللجنة الدولية للصليب الأحمر والصليب الأحمر اللبناني، وتتهمهم بالضلوع "بخدعة ضد إسرائيل". وقد حظيت هذه المزاعم بمزيد من المصداقية، عندما أعلن وزير الخارجية الأسترالي بأنه: "مما لا شك فيه أن هذا الحادث يمتلك كافة عناصر الخدعة"2.

وسرعان ما انضم إليهم المدافعون المخلصون عن قوات الدفاع الإسرائيلية والسياسة الإسرائيلية، مثل الدكتور آفي بيل من جامعة بار إيلان، مستخدمين مزاعم الخدعة للتشكيك بالتقارير الأخرى التي تحدثت عن الانتهاكات الإسرائيلية أثناء الحرب: "إذا ما نظر المرء إلى صور سيارتي الإسعاف المعنيتين، يبدو واضحاً أنهما لم تصابا بأي صاروخ، وأن الأضرار البادية عليهما قد حدثت قبل الحرب بزمن طويل... فكم من إدعاءات هيومن رايتس ووتش الأخرى ليست في الحقيقة سوى خدع، وذلك ما لا يمكن معرفته".

وقد اعتمد أنصار الخدعة في استنتاجاتهم على تحليل موقع زومبيتايم، الذي لم يقم محرروه بزيارة لبنان أبداً، بل توصلوا إلى هذا الاستنتاج عبر الصور والأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام. كما دعَّموا رفضهم للروايات التي تناقلتها وسائل الإعلام عن الهجوم بالمزاعم التالية:

  • أن الشيء الذي اخترق شارة الصليب الأحمر على سطح سيارة الإسعاف ليس صاروخاً إسرائيلياً. بل أن أنصار حزب الله قد نزعوا فتحة التهوية الدائرية الموجودة في سقف السيارة لتبدو وكأن صاروخاً اخترقها.
  • أن الهجوم لم يحدث في 23 يوليو/تموز كما ذكر، لأن الصور الملتقطة بعد أسبوع من الحادث تظهر وجود صدأ على سطح سيارة الإسعاف حيث أزالت الشظايا طبقة الطلاء عنها. فالصدأ لا يحدث بهذه السرعة "لاسيما في مناخ جاف كما هو مناخ لبنان في الصيف".
  • إن التقارير التي ذكرت حدوث "انفجار هائل" داخل سيارة الإسعاف غير صحيحة، وإلا لكانت الأضرار الناجمة أكبر بكثير. فالواجهة الزجاجية الأمامية لسيارة الإسعاف كانت محنية إلى الداخل (بينما المفروض أن تكون محنية إلى الخارج نتيجة الانفجار الهائل داخل السيارة). كما أن الهيكل المعدني للسيارة سليم بشكل عام، مما يدل على أن الأضرار أقل بكثير من السيارات التي استهدفتها إسرائيل في غزة. وتتحدث التقارير أيضاً عن نشوب "حريق شديد" داخل السيارة، وهو غير صحيح، لأن التجهيزات الموجودة داخل السيارة لم تحترق.
  • لا يمكن أن يكون صاروخ قد بتر ساق الرجل الموجود داخل سيارة الإسعاف لأن الحمالة الموجودة داخل السيارة تظهر في الصورة سليمة ولا يوجد أثر للدم عليها. كما أن الروايات الصحفية متناقضة، إذ يتحدث بعضها عن فقدان ساقه اليسرى، وتتحدث أخرى عن فقدان اليمنى، بينما يردد البعض الآخر أنه فقد كلتا الساقين. ورغم أن السيارتين قد تعرضتا للهجوم، فإن زاعمون الخدعة كانوا على ثقة من أنهم يحللون صور السيارة الصحيحة، التي تحمل الرقم 782، لأنها هي التي ذكر أنها كانت تنقل الرجل المصاب.
  • إن التقارير التي تحدثت عن إصابة رجال الإسعاف الستة غير صحيحة، حيث تظهر الصور الملتقطة بعد الهجوم وجود ضمادات على الأذن والجانب الأيمن لسائق إحدى سيارتي الإسعاف (قاسم شعلان)، في حين أنه ظهر بعد أسبوع دون ضمادات أو أية آثار للجروح.
  • إن سائقي السيارتين "متعاطفان بشكل واضح مع حزب الله ويمكن أن يكونا قد لفقا الحادث". حيث استشهد أصحاب مدونات الانترنيت بقول أحد أعضاء الصليب الأحمر اللبناني الذي لم يكن موجوداً عندما حصل الهجوم: "تقضي سياستنا بمساعدة أي إنسان يحتاج إلى المساعدة، سواء كان مدنياً، أو أحد رجال المقاومة أو جندياً إسرائيلياً"، ليؤكدوا أن استخدام تعبير "رجال المقاومة" بدلاً من "عناصر حزب الله" يظهر انحيازاً سياسياً لصالح الحزب وبالتالي استعداداً لتمثيل الخدعة.



1 "سادة التلاعب" أوليفر نورث، واشنطن تايمز، 3 سبتمبر/أيلول 2006.

2 "داونر يهاجم التغطية الإعلامية اللبنانية" ميشا شوبيرت، ذي إيج (أستراليا)، 1سبتمبر/أيلول 2006.