DARFUR DESTROYED معلومات أساسية
    يعتبر دارفور أكبر أقاليم السودان، وهو يقع على حدوده الغربية مع ليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى. وقد انقسم دارفور منذ عام 1994 إلى ثلاثة أقسام هي الجنوب والغرب والشمال. وأما الجماعات العرقية المهيمنة في غربيّ دارفور فهي جماعتا المساليت والفور، وكثيراً ما توحد أفرادها عن طريق التزاوج بالعرب وبغيرهم من الأفارقة(1).

    ويعتبر غربي دارفور، الذي يزيد عدد سكانه عن 1.7 مليون نسمة(2)، إقليماً مختلط الأعراق، وإن كانت للجماعات الإفريقية الغلبة العددية فيه، ففي مقاطعتي جنينة وهبيلة تمثل طائفة المساليت غالبية السكان (60 في المائة) يعقبها العرب والأفارقة الآخرون وهم تحديداً من طوائف زغاوة، وإرينغا، وغمر، وداجو، وبورغو، وفور. والأغلبية لطائفة فور في زالينغي، وجبل مرة، ووادي صالح. وفي مقاطعة كولبوس يتكون نحو 50 في المائة من السكان من الغمر، و30 في المائة من الإرينغا، و15 في المائة من الزغاوة، و5 في المائة من العرب. وتمثل طائفتا فور ومساليت مجتمعتين غالبية سكان غربي دارفور. أما ما يسمى دار مساليت (وتعني 'ديار' أي وطن طائفة المساليت)(3) فتقع حول مدينة جنينة - عاصمة الولاية - وشمالاً وجنوباً بحذاء الحدود.

    ولأبناء طائفتي مساليت وفور، وغيرهم من المزارعين الأفارقة المستقرين في دارفور (أي من غير الرُّحَّل) تاريخ طويل من المنازعات حول الأراضي مع الرعاة من القبائل العربية، وفي المقام الأول مع أبناء قبيلتي بني حسين الذين يربون الجمال والأبقار في منطقة كبكبية في شمالي دارفور، وبني حلبة في جنوبيّ دارفور. وكانت مظاهر التوتر بين الطرفين لا ينفلت زمامها حتى السبعينيات بفضل وجـود آليات تقليدية لحل المنازعات، تؤكدها القوانين الموروثة من عهد الإدارة الأنجلومصرية المشتركة (1898-1956). ورغم نشوب نزاعات حول الموارد، فقد كان التفاوض بين زعماء المجتمعات المحلية كفيلاً بحلها(4). وليس من الصحيح ما تزعمه الحكومة السودانية من أن أحداث العنف الجارية حالياً ليست سوى استمرار للصراعات القَبَلية ذات الطابع الاقتصادي في المقام الأول، وهي التي طالما اندلعت في ذلك الإقليم.

    وقد تضافرت عدة عوامل في العقود الأخيرة، منها فترات القحط المديدة، والتنافس على الموارد المتضائلة، وانعدام الحكم الرشيد والديموقراطية، وسهولة الحصول على الأسلحة النارية، فازدادت إراقة الدماء في المنازعات المحلية، وازداد اصطباغها بالطابع السياسي(5). كما إن حكومة الرئيس عمر البشير قامت في عام 1994 بإعادة تنظيم إداري واسع النطاق في إقليم دارفور، منحت بمقتضاه أفراد الجماعات العرقية العربية مناصب جديدة في السلطة، وهو ما رأته طائفة مساليت، وكذلك طائفتا فور وزغاوة المجاورتان لها، بمثابة محاولة لتقويض دورها القيادي التقليدي وما تتمتع به مجتمعاتها المحلية في وطنها(6).

    ونشبت الاشتباكات الطائفية المسلحة في غربي دارفور وغيرها في عامي 1998 و1999 عندما بدأ العرب الرُّحل في النزوح مع قطعانهم نحو الجنوب قبل الوقت المعتاد لذلك النزوح(7). وفي غضون اشتباكات عام 1998 أُحرق ما يزيد على ستين قرية من قرى طائفة مساليت، وقرية عربية واحدة، كما قُتل فيها ما يقرب من تسعة وستين من أبناء مساليت وأحد عشر عربياً، ونزح أكثر من 5000 من أبناء الطائفة المذكورة، الذين فر معظمهم إما إلى بلدة جنينة أو إلى تشاد. ورغم الاتفاق على دفع التعويضات للجانبين، وهو الاتفاق الذي عٌقد عن طريق التفاوض مع زعماء القبائل المحلية(8)، فقد استؤنفت الاشتباكات من جديد عام 1999 عندما نزح الرعاة الرُّحل من جديد نحو الجنوب قبل الوقت المعتاد.

    واتسمت اشتباكات عام 1999 بالمزيد من سفك الدماء، إذ تعرض ما يزيد على 125 قرية من قرى طائفة مساليت للإحراق أو الإخلاء، بصورة كلية أو جزئية، وسقط عدة مئات من القتلى، كان من بينهم عدد من زعماء القبائل العربية. ودفعت الحكومة بالقوات المسلحة في المعمعة محاولةً قمع العنف، بل وعينت أحد العسكريين مسؤولاً عن الأمن العام، وخوّلت له تخطّي سلطة الجميع، حتى ولو كان حاكم ولاية غربيّ دارفور نفسه. وفي عام 1999 عقد مؤتمر مصالحة تم الاتفاق فيه على تعويض خسائر طائفة مساليت وخسائر العرب(9). وتعرض الكثير من المثقفين والأعيان من طائفة مساليت للاعتقال والحبس والتعذيب في المدن، في الوقت الذي بدأت فيه الميليشيات العربية التي تؤيدها الحكومة في مهاجمة قرى مساليت، وقد أدت هذه الاشتباكات أيضاً إلى قتل عدد من الزعماء والمدنيين العرب. وهكذا فإن مؤشر العنف كان يتجه للارتفاع بصورة مطردة.

<< السابق |   الفهرس التالي >>