نريد أن نعيش كبشر
قمع النساء والبنات في غرب أفغانستان



أفغانستان
ِAfghanistan


واقرأ
ملخص | توصيات | هوامش
عودة الوضع السوي إلى أفغانستان يجب أن تستتبع استعادة حقوق النساء الأفغانيات ... ولن تكون حقوق المرأة في أفغانستان موضوعاً قابلاً للتفاوض.
-كولن باول، وزير خارجية الولايات المتحدة، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2001
أبواب المدارس فقط مفتوحة، وكل ما عدا ذلك ممنوع.
- امرأة من حيرات، 16 سبتمبر/أيلول 2002
ليس لدينا في حيرات جميعها أكثر من عشرة نساء يعملن في المكاتب الحكومية ... وحالياً لا يحق للنساء العمل، ويواجهن مشاكل في الزواج، ويرغبن بالالتحاق بالمدارس وألاّ يتحجبّن بالبراقع أو الشوادير. حدثت بعض التغييرات منذ [سقوط نظام] الطالبان، ولكن جميعها تغييرات رمزية، وليس لها جذور عميقة. لقد ازداد الضغط على النساء، ولا يمكنني أن أخبرك بأشياء محددة، لأن النساء لا يتواجدن في كافة الأماكن، ولكن يمكنني القول بإن النساء قد فُصلن من أعمالهن بعد انعقاد مجلس اللويا جيركا. إن ما تعنيه حقوق المرأة في مجتمعنا، هو الالتحاق بالمدرسة الابتدائية وحتى الجامعة، وهذا كل ما يتوفر لهن من حقوق.
- أحد سكان حيرات، 13 سبتمبر/أيلول 2002
القيادة هنا تعاملنا بطريقة سيئة جداً، ولا تختلف كثيراً عن الطالبان.
- امرأة من حيرات، 16 سبتمبر/أيلول 2002

I. ملخص

عندما أُطيح بنظام طالبان في آواخر العام 2001، شعرت كثيرات من النساء الأفغانيات بالتفاؤل. فطالبان -الذين لم يتمتعوا بأي شعبية في المدن الأفغانية، وفي نهاية الأمر أصبحوا محط كراهية كافة الأفغان تقريباً- كانوا مكروهين بصورة خاصة من قبل النساء الأفغانيات. وكان لسقوط الطالبان والوعد بحلول السلام وتسلم حكومة شرعية مقاليد السلطة، أن أطلق الأمل بأن النساء والبنات الأفغانيات سيتمتعن قريباً بحقوق وحريات أكبر. وقد وعدت الجهات الدولية من كافة أنحاء العالم، بتحقيق تحسينات في معيشة النساء والبنات الأفغانيات اللاتي عانين لفترة طويلة، وتحملّن بعض أسوأ الإساءات من نظام الطالبان ومن تأثير الحرب التي امتدت لثلاثة وعشرين عاماً.

كانت النساء الأفغانيات يكافحن منذ فترة طويلة للحصول على حقوقهن وحرياتهن الكاملة، ومما لا شك فيه أن أوضاعهن في عهد نظام الطالبان كان أسوأ من أي عهد أخر في التاريخ الحديث. مع هذا، وبعد سنة من سقوط نظام الطالبان، ما زالت النساء والبنات في أفغانستان يواجهن قيود كبيرة وانتهاكات لحقوقهن الإنسانية، إذ جرى في مناطق عديدة، استبدال المسؤولين الذين عينهم نظام الطالبان بأمراء حرب، وعناصر شرطة، ومسؤولين محليين، تتشابه مواقفهم بخصوص المرأة مع مواقف الطالبان. وفي بعض مناطق البلاد احتفظ المسؤولون الذين أداروا السياسات المناهضة للمرأة في عهد الطالبان، بمناصبهم حتى الآن. وقد أدى هذا الأمر إلى إعادة فرض القواعد الاجتماعية القمعية التي عادة ما يكون لها آثار مدمرة على المرأة. إن هذه التقييدات تُضعف بصورة كبيرة أهم الحقوق الأساسية للنساء والبنات في العديد من مناطق أفغانستان، ومن ضمن ذلك تهديد أمنهن الشخصي.

ليست الحكومة الأفغانية المركزية في موقع يسمح لها بعد بحماية حقوق الإنسان للنساء والبنات، خصوصاً خارج العاصمة كابول. وقد أقرت الجهات الدولية المعنية بأن مساعدتها ستكون حيوية على المدى القصير. إن عدم قدرة المجتمع الدولي على تحقيق التزاماته نحو النساء في أفغانستان يهدد الوعود التي نشأت بخصوص عهد ما بعد نظام الطالبان. وقد زال وهم الكثير من النساء حول إعادة البناء والمسيرة السلمية التي انطلقت بسقوط نظام الطالبان وعقد اتفاقية بون في ديسمبر/كانون الأول 2001. [1]

إن المنطقة الأكثر إثارة للقلق في مجال حقوق المرأة هي منطقة حيرات الواقعة في غرب أفغانستان، والتي كان لها في السابق تقاليد ثقافية وأدبية متحررة، وتاريخ في تعليم البنات. ولكن تحت حكم الحاكم المحلي ، إسماعيل خان، عانت حريات التعبير والتجمّع والتنقّل والحرية بالمساواة والعمل والتعليم والكرامة الجسدية، من تدهور مستمر خلال العام 2002. [2] وفي حين أن الوضع أفضل بالتأكيد مما كان عليه في عهد الطالبان -إذ تتمتع البنات والنساء بإمكانية أفضل في تحصيل التعليم، ولا يتعرضن للضرب في الشوارع على يد السلطات- إلاّ أن العديد من القيود التي وضعت في عهد الطالبان ما زالت في مكانها. وكما يوضح هذا التقرير، ما زالت كافة نواحي حياة النساء والبنات تحت الحراسة في حيرات فعلياً.

بالنسبة للنساء والبنات في حيرات، فإن كل قرار يتخذنه في حياتهن اليومية يمثّل خطراً أو تحدياً من قبل حكومة إسماعيل خان: الأماكن التي يمكن لهن ارتيادها، وكيفية الوصول إليها، ومع من يمكن لهن الذهاب، وماذا يمكن لهن أن يلبسن. لا يتاح للمرأة في حيرات الوصول إلى الأماكن العامة إلاّ في أضيق الحدود، إن كان ذلك في مكان العمل، أو المنظمات المدنية، أو الميادين الأخرى التي يمكن لها المشاركة من خلالها في الحوار العام. وإذا أرادت المرأة أن تغادر بيتها للوصول إلى إي من الميادين المتاحة -مثل المدرسة، والعمل (في إحدى الوظائف القليلة المتاحة للمرأة)، أو إحدى المنظمات المدنية التي تسيطر عليها الحكومة، أو ببساطة للذهاب إلى السوق- عليها التغلّب على عقبات كبيرة في رحلتها من أجل التنقّل بحيث لا تتعرض للمضايقة، أو الاعتقال، أو أن تجبر على الذهاب إلى المستشفى والخضوع لفحص "عفّة" ينطوي على إذلال. وحالما تصل إلى المكان التي تقصده، عليها أن تراعي في حديثها وسلوكها ومظهرها، الأوامر والقيود التي فرضها إسماعيل خان، والتي لا يمكن لها تحديها. وعند عودتها إلى بيتها، لا تتوفر لها أي حماية من العنف أو الإساءات التي قد تُرتكب من أحد أفراد الأسرة -بل أن هروبها من المنْزل قد يتسبب، في معظم أرجاء البلاد، باعتقالها ومقاضاتها. كما لا يمكنها أن تعارض قرار أحد ذكور الأسرة بخصوص ممن ستتزوج، أو ما إذا كان يمكنها الالتحاق بالمدرسة أو العمل. وهي عملياً مهمّشة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

عبّرت نساء وبنات عديدات لمنظمة هيومان رايتس ووتش، عن رغبة كبيرة في المشاركة في الحياة المدنية والسياسية للبلاد، وفي التمكّن من التحدّث بحرية في المجالين العام والخاص. كما يرغبن في المشاركة في الخطاب السياسي وأن يكون لهنّ صوت في القرارات الحكومية -وخصوصاً القرارات التي تؤثر عليهن. وحالياً فإن إسماعيل خان لا يسمح للنساء أو الرجال بالمشاركة في معظم عملية صنع القرار، ولكن القمع يقع بصورة مضاعفة على النساء اللاتي يواجهن القمع السياسي العام الذي يقوم به نظام إسماعيل خان، والقمع المحدد ضد النساء. هناك ميادين قليلة جداً متاحة للمرأة في حيرات، وهذه الميادين المفتوحة تخضع لرقابة شديدة من قبل إسماعيل خان. ويقرر إسماعيل خان ووكلاؤه -كلهم تقريباً من الرجال- القواعد التي تحكم حياة النساء والبنات.

تهدف الكثير من القواعد إلى المحافظة على الفصل بين الجنسين، وهذا يؤثر على النساء والبنات بصورة مختلفة عن الرجال جراء استثناء النساء والبنات من هيئات صنع القرار، ومن النشاطات المدنية والثقافية، ومن العمل، ومن التعليم المتساوي. وكذلك فإن تبعات انتهاك هذه القواعد مختلفة ما بين النساء والبنات وبين الرجال. فالنساء والبنات اللاتي قمن بتحدّي هذه السياسات تعرضّن لتأنيب عام وتأنيب شخصي من قبل المسؤولين الحكوميين، واتهمن بارتكاب تصرفات "غير إسلامية"، وهي تهمة خطيرة في مناخ تسوده العودة إلى الأصولية. كما مُنعن من التحدث علناً أو التحدث مع الصحفيين عن حقوق المرأة، كما تعرضن للفصل من أعمالهن أو للتهديد بالفصل من العمل. إن مشاركة النساء في جهود إعادة الإعمار مقيدة بشدة، مما لا يترك لهن سوى أمل ضئيل في مشاركة سياسية أوسع مستقبلاً.

لا تتاح للنساء والبنات سوى حرية ضئيلة للتنقل في حيرات. وعلى العكس مما كان عليه الوضع في عهد الطالبان، يمكن للنساء والبنات مغادرة منازلهن أثناء النهار دون مصاحبة أحد أقاربهن الذكور (مَحرَم). ومع ذلك، من غير المسموح لهن المشي أو ركوب السيارة بصحبة رجل من غير أقاربهن، حتى وإن كان سائق سيارة عمومية. وهناك حالياً فصيل شرطة متخصص بالقيام بدوريات في مدينة حيرات لاعتقال الرجال والنساء الذين يظهرون معاً ويشتبه بأنهم من غير الأقارب أو غير متزوجين. وفي هذه الحالة يقاد الرجل إلى مكان احتجاز؛ بينما تقاد المرأة أو البنت إلى المستشفى حيث تخضع لفحص طبي إجباري للتحقق ما إذا كانت قد قامت باتصال جنسي منذ فترة وجيزة. وعندما تغارد النساء والبنات الشابات منازلهن، يجب عليهن لبس برقع أو شادور، وهو يعيق قدرتهن على المشي والرؤية؛ وإذا خرجن من المنْزل دون هذا اللباس فقد يتعرضن للمضايقة أو التهديد من قبل الشرطة والأفراد الآخرين. وعلى العكس من إيران المجاورة، لا يسمح للنساء بقيادة السيارات أو الدراجات الهوائية، (وحتى إذا سُمح بذلك، فسيكون من المستحيل عليهن القيادة بينما هن يلبسن البراقع). وكذلك فإن وسائل المواصلات العامة تكاد تكون غير موجودة، وإن وجدت فهي غير كافية، مما لا يترك للنساء والبنات سوى وسائل قليلة للوصول إلى المدارس والعمل والسوق، أو لتلقّي العلاج الطبي.

تميّز حكومة حيرات ضد النساء في الحق في العمل، فهناك وظائف قليلة متاحة للنساء، وتضع الحكومة الكثير من القيود على هذه الوظائف. كما وضع إسماعيل خان ضغوطاً كبيرة على النساء كي يمتنعن عن العمل مع المنظمات الدولية غير الحكومية، أو مع الأمم المتحدة، رغم أن هذه الوكالات بحاجة للنساء لإدارة العديد من برامجها للمساعدات الطارئة وإعادة الإعمار. وكذلك يُحظر على النساء حظراً كاملاً ركوب السيارات مع رجال أجانب أو الاجتماع معهم على انفراد. وقد اعتُقلت امرأة واحدة على الأقل من حيرات، وجرى احتجازها، بسبب إقامة اتصالات مع رجال أجانب خلال عملها مع منظمة دولية. وفي الوقت ذاته، لم تُوجَّة أي دعوة تقريباً لأي امرأة للعمل في حكومة حيرات. وبدلاً من ذلك، حثّ إسماعيل خان النساء على العمل في المنْزل أو كمعلمات في مدارس البنات. ويقوم المسؤولون الحكوميون بمضايقة كل من يتخطّى هذه الحدود الضيقة.

استخفاف إسماعيل خان بحقوق الإنسان

كانت استجابة إسماعيل خان للنقد الموجه إليه بسبب سجله في مجال حقوق الإنسان بصورة عامة، وحقوق المرأة تحديداً، أنه أنكر ارتكاب أي انتهاكات، وادّعى بأن لدى الأفغان "قيم" مختلفة لحقوق الإنسان. [3] وعادة ما يشير في الخطابات العامة والمقابلات مع وسائل الإعلام، إلى الحاجات الإنسانية والتنموية، وينتقد من يحتجّون على وضع حقوق الإنسان ويصفهم بأنهم لا يهتمون بالحاجات اليومية الضرورية لبقاء الأفغان، وما إذا كانوا آمنين من الجريمة ولديهم ما يكفي من الطعام. [4] ولكن ليس هناك أي سبب يدعو للاعتقاد بأن التنمية وإعادة البناء لا يمكن أن تُنفذ والقيام في الوقت ذاته بحماية حقوق الإنسان واحترامها. وهذا الأمر هو من مسؤوليات إسماعيل خان وكل القادة الآخرين، في أفغانستان أو أي بلد آخر.

علاوة على ذلك، وكما تشير النساء الأفغانيات ومسؤولو المنظمات غير الحكومية، لا يمكن للتنمية وإعادة الإعمار أن تتواصلا بصورة سليمة، دون مشاركة كافية من النساء -خصوصاً في شغل الوظائف في الحكومة المحلية، والمنظمات غير الحكومية، ومكاتب الأمم المتحدة. وتعتمد برامج المساعدات الإنسانية والتنموية على النساء في تحديد المساعدات المطلوبة، والتحقّق من أنها تصل إلى النساء والأطفال، وكذلك في إدارة البرامج التي تستهدف النساء - على سبيل المثال، البرامج المخصصة للأمهات والأرامل. ولكن إسماعيل خان أوضح أنه يعارض عمل النساء مع المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة، ولم يبذل أي جهد يُذكر لتشجيع مشاركة الإناث في الحكومة (أو حتى أي مشاركة مستقلة).

كثيراً ما يستخدم إسماعيل خان الكلام المخادع حول المرأة -إذ يثني على حقيقة أنه بإمكان المرأة الالتحاق بالمدارس، في حين يخبرهن بأن عليهن عدم استخدام ما اكتسبنه من تعليم في العمل مع المنظمات الأجنبية، أو المشاركة في الحوار العام حول حقوقهن. ولا يمكن للنساء الاستفادة من إعادة الإعمار والتنمية أو من التعليم ما لم تتوفر لهن الحرية في اتخاذ القرارات الخاصة بعملهن ومشاركتهن في المجتمع المدني. وهذا أمر مستحيل في حيرات تحت حكم إسماعيل خان.

التأثير على عودة اللاجئين إلى ديارهم

من الممكن أن يكون التمييز الشديد ضد النساء والبنات قد أدى إلى امتناع بعض اللاجئين عن العودة إلى ديارهم. فقد تحدثت عدة نساء من حيرات ممن عُدنَ مؤخراً من إيران وباكستان، لمنظمة هيومان رايتس ووتش عن الحريات الأساسية التي تخلين عنها عند عودتهن، ومن ضمنها قيادة السيارات، والنقاشات السياسية في الجامعة، وممارسة الرياضة، والاستماع للموسيقى، والخروج من المنْزل دون البرقع أو الشادور. كما قالت بعض النساء لمنظمة هيومان رايتس ووتش، بإن قرار عودتهن من إيران يعود، جزئياً على الأقل، إلى المعلومات حول تخفيف القيود عن المرأة في حيرات. وعلى سبيل المثال، قالت لنا خياطة من حيرات كانت عادت إليها بحدود إبريل/نيسان 2002، "سمعت أن وضع النساء في حيرات تغيّر تماماً، وأنه بإمكان النساء الخروج من البيت والعمل. وعندما سمعت ذلك قررت أنه من الأفضل لي أن [أغادر إيران] وأعود إلى بلدي، ثم ليتمكن طفلي من الالتحاق بالمدرسة". [5] ولكن ما زالت النساء يواجهن قيوداً كبيرة بخصوص الأماكن التي يمكن لهن العمل بها في حيرات.

في أكتوبر/تشرين الأول 2002، كان السيد شاه محمد عائداً من إيران إلى حيرات برفقة زوجته وطفلتية الصغيرتين، وقال لأحد الصحفيين، "أتينا إلى هنا آملين بأن الأمور ستتغيّر. إن تلك الأفكار حول إجبار النساء على لبس البرقع، على سبيل المثال، هي هراء. نحن مسلمون جيدون والإسلام موجود في قلوبنا". [6] وأضافت السيدة طيبة، زوجته، "إن إظهار الوجه هو أمر عادي. إذا توجّب علينا لبس تلك الأشياء فسوف نعود إلى إيران". [7]

حقوق النساء والبنات في أفغانستان عموماً

تتميز إساءات إسماعيل خان لحقوق النساء والبنات بالشدّة. فوفقاً لمسؤولة تعمل في الأمم المتحدة ومع المجموعات النسائية في كافة أرجاء أفغانستان، "حيرات هي أسوأ إقليم [من ناحية وضع النساء] في أفغانستان". [8] وبالرغم من سوء الوضع في مدينة حيرات، فعلى الأرجح أن الوضع في المناطق الريفية من الإقليم أسوأ.

أورد مسؤولو الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية أنه في حين يتميّز الوضع في حيرات بالسوء، إلاّ أنه ليس وضعاً فريداً، وأن القيود على النساء والبنات تزداد من جديد في كل أنحاء أفغانستان. وخلال الأشهر الإثني عشرة الأخيرة، وثّقت منظمة هيومان رايتس ووتش إساءات خطيرة لحقوق الإنسان ضد النساء والبنات من قبل أمراء الحرب في كافة أنحاء أفغانستان.

في كابول، بدأت فرق الأمر بالمعروق والنهي عن المنكر بالعمل بعد أن أُعيد ترتيبها (وقد أعيد تسميتها وأصبحت [فرق فرض] "التعاليم الإسلامية"). فهناك فريق يتكون مما يقارب تسعين امرأة يعملن تحت سلطة وزارة الشؤون الدينية، يقمن بمضايقة النساء في شوارع كابول بسبب "السلوك غير الإسلامي"، مثل استخدام طلاء الوجه للزينة، وفي بعض الحالات يتبعن النساء إلى بيوتهن لتوبيخ أزواجهن أو أهلهن. وقد تحدثت بعض النساء عن تعرضهن للمضايقة أو التهديد من قبل رجال لا يتمتعون بأي صفة رسمية، وذلك لتخليهن عن بعض النواحي المتعلقة بقواعد اللباس التي فرضها نظام طالبان. [9] وفي أكتوبر/تشرين الأول، قالت امرأة لمنظمة هيومان رايتس ووتش أن الشرطة أوقفتها في أحد شوارع كابول وهي برفقة أخيها، واحتجزتهما لفترة قصيرة إذ اتُهِما بأنهما عاشقان. [10]

وفي خارج كابول، تعرّضت النساء والبنات لتهديدات خطيرة فيما يخص أمنهن الشخصي، ومن ضمن ذلك، العنف الجنسي. وفي الشمال، ارتكبت ثلاث قوى متنافسة إساءات ضد المدنيين الباشتون، ومن ضمن ذلك اغتصاب عائلات بأكملها وبنات صغيرات بلغت أعمار بعضهن أربعة عشر عاماً. [11] وفي الجنوب، أثناء عملية تشكيل مجلس اللويا جيركا في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران، وجه القادة المحليون تهديدات للنساء المرشحات، وسمحوا لقواتهم بمضايقة النساء والبنات في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. [12] وأثناء اجتماعات مجلس اللويا جيركا، عمد أمراء الحرب من كافة أنحاء أفغانستان إلى مراقبة وتهديد أعضاء الوفود من النساء. [13] وكذلك في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران، وحول مدينة مزار الشريف الشمالية، ساهم التنافس بين الفصائل التابعة للقادة المحليين المختلفين، باعتداءات استهدفت النساء العاملات في برامج الإغاثة، واغتصاب نساء وأطفال في مخيمات المهجّرين التي أُقحمت بالنِزاع العسكري. [14] إن التهديد بهذا النوع من العنف، يؤدي بحد ذاته، إلى حرمان النساء والبنات من حقوق الإنسان الأساسية، ومن المشاركة الكاملة في إعادة بناء بلدهن.[15]

ومما يتعرض للهجوم أيضاً، مسألة إعادة الحق بالتعليم الذي يفاخر به الكثيرون. وقد تعرضت مدارس البنات لاعتداءات باستخدام الصواريخ، أو إنها تعرّضت لإحراق متعمّد في خمسة أقاليم على الأقل، وهي: قندهار، وساري بول، وزابول، ولوغار، وورداك. ولم تفعل القوات المحلية إلاّ القليل لمنع هذه الاعتداءات.[16]

وفي بعض المناطق، يقوم المقاتلون التابعون للمسؤولين الرسميين في الحكومة الحالية -أعضاء حزب الجماعة الإسلامية الموالون للجنرال محمد فهيم (وزير الدفاع)، أو للرئيس السابق برهان الدين رباني- بفرض القيود "الأخلاقية" التي وُضِعت في عهد طالبان، ومنها على سبيل المثال، منع النساء من الاستماع للموسيقى والرقص في الأعراس، وفي بعض الحالات جرى اعتقال الموسيقيين وضربهم. [17] وكما في حيرات، قام القادة في شمال أفغانستان بالضغط على النساء للامتناع عن العمل مع المنظمات الأجنبية.[18] يُشكّل هذا النوع من القمع الاجتماعي، الذي تفرضه القوات الحكومية في بعض المناطق، مصدر خوف للعديد من النساء، وذلك بسبب ما يحدث لهن الآن، وبسبب المضامين المستقبلية فيما إذا استمرت القيود على النساء والبنات بالتصاعد.

ضعف اهتمام الهيئات الدولية بحقوق الإنسان في أفغانستان

انتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقارير سابقة صدرت في العام 2002، الولايات المتحدة والدول الأخرى المنخرطة في الشأن الأفغاني، بالإضافة إلى بعثة الأمم المتحدة، لأنها لم تضع حقوق الإنسان في مكان متقدم على سلّم أولوياتها، وخصوصاً خارج مدينة كابول. وبينما تدل التحركات الجديدة من جانب الولايات المتحدة والأمم المتحدة على اهتمام جديد بحقوق الإنسان والقضايا الأمنية، إلاّ أن هذا الانتقاد ما زال سارياً في معظمه.

لقد عارضت الولايات المتحدة، والدول الأخرى المنخرطة في الشأن الأفغاني، الدعوات المتتابعة من قبل الحكومة الأفغانية، وبعثة الأمم المتحدة، وعدد كبير من المنظمات غير الحكومية، من أجل توسيع عمل القوة الدولية للمساعدة الأمنية (إيساف)، إلى خارج كابول -وهي قوة حفظ السلام التي فوضتها الأمم المتحدة للعمل في أفغانستان. إن القرار الجديد الذي اتخذته حكومتا الولايات المتحدة وبريطانيا لنشر المزيد من القوات خارج كابول للعمل في قضايا الأمن ونزع السلاح، إضافة إلى عرض الحكومة اليابانية للمساعدة في جهود مراقبة نزع السلاح، هي إشارات في موضع ترحيب. ولكن هناك الكثير مما هو مطلوب عمله لزيادة الحماية لحقوق الإنسان، ولتخفيف السيطرة على السلطة التي يتمتع بها أمراء الحرب الذين يحكمون أكثر أجزاء أفغانستان. [19] وحتى ديسمبر/كانون الأول 2002، ظلت القوات العسكرية التابعة للولايات المتحدة والتحالف الدولي في أفغانستان تواصل تنفيذ استراتيجية تعهد من خلالها بالأمن العام ووظائف الشرطة إلى القوات المحلية التي لها سجل فظيع في مجال حقوق المرأة. ولم تعرض أي من الحكومات المنخرطة في الشأن الأفغاني، تقديم موارد كافية لتوسيع جهود حفظ السلام أو تدريب الشرطة في كافة أنحاء البلاد، وذلك على الرغم من حقيقة أن معظم الأفغان والمسؤولين الدبلوماسيين يقرّون بأن هذه الخطوات هي متطلبات ضرورية لجهود إعادة الإعمار وحماية حقوق الإنسان، وعلى الرغم إيضاً من أن وضع حقوق الإنسان بائس في معظم أنحاء البلاد. وهناك معيقات تتعزز ذاتياً في هذه القضية: فالعديد من الدول الأوروبية تشترط في موافقتها على توسيع عمل القوة الدولية للمساعدة الأمنية (إيساف)، أن تتخلى الولايات المتحدة عن معارضتها لتوفير الدعم اللوجستي والاستخباراتي الضروري؛ في حين أن الولايات المتحدة تدعي أنها ستوفر المساعدة المطلوبة للدول الأخرى، فقط إذا تعهدت تلك الدول بإرسال قوات لتنفيذ العمل.

أمّا بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة في أفغانستان (أوناما)، فلم تُخصّص اهتماماً كافياً بموضوع مراقبة حقوق الإنسان وحمايتها. وذلك على الرغم من الزيادة التي طرأت على أعداد الموظفين المعنيين بالمراقبة والحماية، إذ يتوفر حالياً موظف دولي واحد وموظفان أفغانيان للعمل في مجال حقوق الإنسان في كل مكتب إقليمي للأمم المتحدة، ولكن هذا التواجد غير كافٍ، إذ ليس بمقدور (أوناما) إجراء تحقيقات كبيرة، أو نشر مراقبين في العديد من المناطق. وتعتقد منظمة هيومان رايتس ووتش أنه يجب توسيع دور (أوناما) في حماية حقوق الإنسان وإجراء عمليات المراقبة والتحقيق اللازمة، توسيعاً كبيراً.

يتوقع العديد من الأفغان في حيرات وغيرها أن يعمل المجتمع الدولي على مواجهة أمراء الحرب مثل إسماعيل خان كما واجه نظام طالبان. وقد زالت أوهام العديد من الأفغان حيال الولايات المتحدة والأمم المتمحدة والقوات الدولية عموماً في أفغانستان، ويشعرون بالغضب نحوها الآن.

لا تتلقى مفوضية حقوق الإنسان في أفغانستان، والمفوضة بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان والتحقيق بشأن الانتهاكات، دعماً سياسياً وأخلاقياً كافياً من المجتمع الدولي، ومن ضمنه الأمم المتحدة، من أجل تنفيذ مهمتها بفاعلية. كما تعاني المفوضية من مشاكل كبيرة في توفّر الموظفين. كما يخشى العاملون في المفوضية من العنف السياسي الذي يؤثر على عملهم تأثيراً مباشراً (تلقى اثنان على الأقل من أعضاء المفوضية تهديدات بالعنف، ومن بينهما رئيسة المفوضية، سيما سامار). وكذلك فإن بعض الأفراد العاملين في المفوضية غير مدرّبين تدريباً كافياً لتنفيذ تحقيقات حول أوضاع حقوق الإنسان، أو الإشراف عليها. ولم تنفِّذ المفوضية حتى الآن أي نشاط لمراقبة حقوق الإنسان يشمل كافة أنحاء أفغانستان، ولم تجرِ أي تحقيقات هامة خارج العاصمة كابول، حيث أن قدراتها ضعيفة جداً خارج العاصمة. ويتوجب على الوكالات الدولية والدول المنخرطة في الشأن الأفغاني، بذل المزيد من الجهود لتمكين المفوضية من اكتساب الثقة بالنفس.

يتبع هذا الملخص مباشرة، قسم مخصص للتوصيات، كما نعرض في نهاية التقرير كيف يمكن إعادة مسيرة النهوض بحقوق الإنسان، ومن ضمنها حقوق النساء والبنات، إلى مسارها الصحيح.


ملخص | توصيات | هوامش