Israel, the Occupied West Bank, and Gaza Strip, and Palestinian Authority Territories


اسرائيل والسلطة الفلسطينية Israel,  and Palestinian Authority
معرض صور عن العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي في جنين

الحقوق محفوظة لـ بيتر بوجارت من HRW
  
جنين: العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي
الخسائر في صفوف المدنيين
وحالات القتل غير المشروع في جنين


  • تقديم حول الحالات التي وثقتها الووتش
  • بعض الحالات 1
  • بعض الحالات 2
  • من هذا التقرير :
    البيان الصحفي|| هذا التقرير || الملخص || التوصيات
    اقرأ ايضا
    مركز العاصفة: دراسة حالة لانتهاكات حقوق الإنسان في منطقة الخليل
  • و بالانجليزية
  • إطلاق النار على هاني أبو رميلة في 3 أبريل/نيسان

    قضى هاني أبو رميلة البالغ من العمر تسعة عشر عاماً ليلة الثاني من أبريل/نيسان في بيت جدته، وعندما وصلت القوات الإسرائيلية إلى مخيم جنين واندلعت نيران القتال في حوالي الساعة الرابعة من صباح يوم 3 أبريل/نيسان، هرع إلى بيت والديه وأبلغ أباه بأن الدبابات وصلت إلى مشارف المخيم. ثم قرر العودة إلى مدخل البيت لمراقبة ما يفعله الجنود الإسرائيليون. وتوضح زوجة أبيه هالة أبو رميلة كيف قُتل هاني في حوالي الساعة الخامسة والنصف من صباح ذلك اليوم، قائلةً:
      كان الإسرائيليون قد وصولوا لتوهم، وأراد هاني أن يفتح بوابة البيت الرئيسية ليرى ما يحدث بالخارج. وحينئذٍ (عندما كان يفتح البوابة) أطلقوا النار عليه في ساقه، فبدأ يصرخ، وعندما حاول النهوض والعودة إلى البيت، أطلقوا النار عليه في بطنه وصدره.
    وقد حاولت ممرضة تقيم على مقربة منهم أن تخف لنجدة هاني عندما سمعت صوت الصراخ، ولكنها قتلت هي الأخرى على أيدي الجنود الإسرائيليين (انظر ما يلي). ثم طلبت الأسرة سيارة إسعاف قامت بنقل جثة هاني إلى المستشفى. ولكن نظراً لشدة القتال لم تتمكن أسرة هاني من التوجه إلى المستشفى للإعداد لترتيبات الجنازة، فدفن هاني في مقبرة جماعية مؤقتة وراء المستشفى. 2 وقد ذكرت أسرته أنه لم يكن مسلحاً وقت مقتله، ولم يكن عضواً في أي جماعة فلسطينية مسلحة؛ ومن المعتاد، حينما يُقتل أحد الفلسطينيين المقاتلين فإن عائلته تفتخر بأن قريبها القتيل كان عضواً في جماعة مسلحة مقاومة للاحتلال، ولا تحاول إنكار تاريخه النضالي.
    وقد أرشدت أسرة أبو رميلة منظمة مراقبة حقوق الإنسان إلى المنزل القريب الذي احتله جنود القوات الإسرائيلية في أثناء الهجوم على جنين، والذي يعتقد أن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار منه على هاني أبو رميلة. ويقع هذا البيت على بعد نحو مائة متر من بيت أبو رميلة على الجانب المقابل من نفس الشارع، وتظهر منه بوضوح على مدى البصر بوابة بيت أبو رميلة التي قُتل هاني أمامها.

    إطلاق النار على الممرضة فدوى جمال في 3 أبريل/نيسان

    كانت فدوى جمال، وهي ممرضة عمرها سبعة وعشرون عاماً من مدينة طولكرم، تزور أختها في مخيم جنين للاجئين إبان عمليات الاجتياح الإسرائيلي. وفي مساء الثاني من أبريل/نيسان شعرت فدوى وأختها رفيدة جمال بالقلق من احتمال هجوم القوات الإسرائيلية على جنين؛ فذهبتا إلى المستشفى الرئيسي لإحضار كميات من مستلزمات الإسعافات الأولية "استعداداً لتقديم العون لمن يحتاجه" حسبما قالت رفيدة. واستيقظت فدوى ورفيدة جمال مبكراً صباح يوم 3 أبريل/نيسان على أصوات انفجارات شديدة وعلى صرخات هاني أبو رميلة الذي أصيب بجراح بالغة على مقربة منهما (انظر ما تقدم). فارتدت فدوى زي التمريض الأبيض الذي يحمل شعار الهلال الأحمر، وخرجت من البيت مع أختها رفيدة بقصد مساعدة الجريح. وحسب ما قالته رفيدة، فقد التقت المرأتان بمجموعة صغيرة من الشبان الفلسطينيين غير المسلحين أمام منزلهما حيث كانوا يحاولون أيضاً مساعدة هاني الجريح، فتوقفتا لتبحثا معهم أفضل وسيلة للمضي في مساعدته. وهنا فتح الجنود الإسرائيليين النار على المجموعة فجرحت رفيدة وقتلت أختها فدوى؛ وروت رفيدة ما حدث قائلةً:
      قبل أن أفرغ من حديثي مع الرجال بدأ الإسرائيليون يطلقون النار. فأصبت برصاصة في أعلى فخذي، ووقعت فانكسرت ركبتي، وحاولت أختى [فدوى] أن تأتي لمساعدتي، فأطلقوا النار عليها في بطنها. قلت لها إنني جرحت، فردت بأنها جرحت هي أيضاً. ورددتُ الشهادة، ثم أُصيبت [فدوى] بطلق ناري في القلب ... كان الجنود الإسرائيليون قريبين منا جداً ويستطيعون سماعنا ورؤيتنا. وكنا على مرأى واضح منهم، لكنهم ظلوا يطلقون النار علينا فأصبت برصاصة أخرى في ساقي الأخرى.
    ونظراً لكثافة النيران الإسرائيلية لم يكن بالمستطاع توصيل أي مساعدة إلى رفيدة الجريحة وفدوى التي كانت تحتضر. وكان تيسير دمج زوج رفيدة البالغ من العمر أربعين عاماً عند بوابة منزلهما، ولكنه لم يستطع الوصول إلى زوجته الجريحة. وروى تيسير دمج كيف أطلق الجنود الإسرائيليون النار عليه بينما كان يحاول إنقاذ زوجته، التي اضطرت في آخر الأمر إلى أن تزحف لتصل إلى مأمن من الرصاص المنهمر؛ قال: كنت واقفاً إلى جانب الشباك وسمعت زوجتي تنادي على سيارة إسعاف، فخرجت محاولاً إحضار بعض العون لهما. ولكنهم (الجنود الإسرائيليين) كانوا يطلقون النار علي، فانبطحت أرضاً في الشارع. وزحفت عائداً إلى سيارة واقفة أمام منزلي. وقذف الجنود قنبلة علي فاصطدمت بالسيارة، وأصاب الانفجار السيارة فجريت عائداً إلى البيت، فأطلقوا النار علي مرة أخرى، ثم دخلت العمارة وأغلقت البوابة.
    أما زوجتي فزحفت عائدة إلى البوابة الرئيسية؛ وكنت أراقبها من النافذة، ثم خرجت، وكان إطلاق النار مستمراً طوال الوقت. سحبتها داخل البيت، وحاولت إيقاف النزيف قدر استطاعتي لأنها كانت تنزف بغزارة. وبعد نصف ساعة من اتصالنا وصلت سيارة إسعاف أخيراً ونقلتها إلى المستشفى.
    وأصرت رفيدة جمال على أنه لم تكن هناك أي نيران فلسطينية في المنطقة المجاورة مباشرة للموضع الذي جرحت فيه هي وأختها، وأنهما كانتا "بعيدتين عن المعركة" الدائرة بين الجنود الإسرائيليين والمقاتلين الفلسطينيين. وإصابة أحد العاملين في مجال الخدمات الطبية بعيداً عن منطقة القتال أمر يتعين التحقيق فيه للاشتباه في كونه جريمة من جرائم الحرب.

    إطلاق النار على المدني عماد المشارقة في 3 أبريل/نيسان

    في حوالي الساعة التاسعة من صباح يوم 3 أبريل/نيسان كان فاضل المشارقة البالغ من العمر اثنين وأربعين عاماً يقف في الشارع قرب منزله مع أخويه وأمه، وهم يشاهدون المراحل المبكرة من اجتياح الجيش الإسرائيلي لمخيم اللاجئين. فرأوا زياد عمرو زبيدي، وهو عضو قيادي في الجماعة الفلسطينية المسلحة "كتائب شهداء الأقصى"، يخرج من أحد المنازل ليلقى حتفه على الفور تقريباً برصاص الجنود الإسرائيليين المتمركزين في أحد البيوت القريبة. ويقول فاضل المشارقة الذي شهد إطلاق النار إن عمر زبيدي لم يكن يحمل سلاحاً وقت إطلاق النار عليه، ولم تبذل أي محاولة لإلقاء القبض عليه.
    وحاول فاضل المشارقة استدعاء سيارة إسعاف لنقل جثمان زبيدي، ولكنه لم يستطع الاتصال بالمستشفى بتليفونه المحمول. وفي هذه الأثناء كان عماد المشارقة البالغ من العمر تسعة عشر عاماً، وهو مدني غير مسلح، يحاول الوصول إلى جثة زبيدي ليجذبها بعيداً عن الشارع. ورأى فاضل الجنود الإسرائيليين يطلقون النار على أخيه عماد: "حاول عماد أن يجذب جثة زياد من الشارع، ولكنهم (الجنود الإسرائيليين) أطلقوا النار عليه في ساقه. وعندما حاول أن ينهض مرة أخرى عاجلوه برصاص في رأسه. وبعد نصف ساعة وصلت سيارة إسعاف وأخذت الجثتين إلى المستشفى. عماد كان مدنياً غير مسلح وكان يرقب معي ما يجري هناك". وإطلاق النار في واضحة النهار على المدني غير المسلح عماد المشارقة أمرٌ يتعين التحقيق فيه لاحتمال كونه جريمة من جرائم الحرب. ولا بد من إجراء تحقيق منفصل للتثبت من الملابسات الحقيقية التي اكتنفت وفاة المقاتل الفلسطيني زياد زبيدي.

    إطلاق النار على محمد حواشين في 3 أبريل/نسيان

    سمعت عالية زبيدي والدة زياد عمرو زبيدي، العضو في "كتائب شهداء الأقصى"، في إذاعة القدس خبر مقتل ابنها ونقل جثته إلى المستشفى. وعلى الرغم من أن بيتها بعيد عن المستشفى، وأن قتالاً ضارياً كان يدور في المخيم آنذاك، فقد قررت الذهاب إلى المستشفى لترى جثمان ولدها. وفي الطريق عبر مخيم اللاجئين التقت بالعديد من الناس الذين قدموا لها التعازي لفقدها ابنها. وقال محمد حواشين البالغ من العمر أربعة عشر عاماً إنه يعتبر زياد عمرو زبيدي بطلاً، وأصر على الذهاب إلى المستشفى مع عالية رغم اعتراضاتها: "كل الناس في المنطقة نصحوني بعدم مواصلة السير إلى المستشفى لما في ذلك من خطر شديد. ولكنني أصررت على الذهاب، إلا أني لم أطلب من أحد أن يأتي معي. وقد أصر اثنان من الصبية على أن يتبعاني... وظللت أقول لمحمد أن يرجع، ولكنه أصر قائلاً إنه يريد أن يرى زياد بنفسه".
    وقبل أن تصل عالية زبيدي ومحمد حواشين إلى المستشفى بقليل، وجدا ساتراً ترابياً أقامه مسلحون فلسطينيون في محاولة لتعطيل دخول قوات الجيش الإسرائيلي إلى المخيم؛ وما كادا يصعدان فوقه حتى انطلقت النيران الإسرائيلية نحوهما، مما أدى إلى إصابة محمد حواشين بجرح قاتل:
      عبرت [الساتر الترابي] فسمعت صوت إطلاق النار. وتطايرت الرصاصات لتمر بيني وبين الصبيين... وبعد أن خطونا مترين رفع [محمد] يده وصرخ طالباً النجدة. ولم يكن باستطاعتي أن أفعل شيئاً للصبي، فجريت إلى سيارة الإسعاف وقلت لهم أن ينسوا ابني المتوفى ليساعدوا الصبي... ولكنهم كانوا خائفين لأن الجنود كانوا يطلقون النار على أي شخص يعبر الحاجز الترابي. ثم انطلق طاقم سيارة الإسعاف لإحضار الصبي، ولكنه كان قد توفي. وكان قد أصيب برصاصتين في رأسه.
    وجدير بالذكر أنه في وقت إطلاق النار كان محمد حواشين والنساء والأطفال الذين كانوا معه قد خرجوا أصلاً من مخيم جنين للاجئين، وكانوا يسيرون في منطقة مكشوفة وراء المستشفى. واستخدام النيران الحية، المصوبة على مجموعة من النساء والأطفال الموجودين خارج منطقة القتال الدائر، أمرٌ لا يمكن تبريره بحجة الضرورة العسكرية، مما يمثل انتهاكاً خطيراً لأعراف الحرب ويتطلب إجراء تحقيق مستفيض.

    إطلاق النار على أحمد حمدوني في 3 ابريل/نيسان

    كان أحمد حمدوني البالغ من العمر خمسة وثمانين عاماً وحده تقريباً في منزله عندما اندلع القتال في مخيم جنين للاجئين لأن أسرته كانت قد انتقلت إلى منطقة أخرى في جنوب جنين قبل ذلك بيومين. وعندما وصل القتال إلى منطقته في حوالي الساعة 3 من مساء يوم 3 أبريل/نيسان انتقل إلى منزل جار آخر متقدم في السن، وهو رجاء الطوافشي البالغ من العمر اثنين وسبعين عاماً؛ وكان حوالي خمسة وعشرين من الأقارب موجودين مع الرجلين المسنيْن في أول الأمر، ولكن في حوالي الساعة 5 مساء كان هؤلاء الأقارب قد غادروا المنزل تاركين العجوزين وحدهما.
    وبعد أن فرغ الرجلان من صلاة المغرب فوجئا بالجنود الإسرائيليين يداهمون المنزل. ويذكر رجاء الطوافشي كيف قتل الجنود جاره عقب اقتحامهم المنزل:
      بعد أن انتهينا من الصلاة أطلقوا [أي الجنود الإسرائيليين] النار على بوابة بيتي فانخلع أحد مصراعيها وتطاير إلى داخل الغرفة؛ ولما وقفت أطلقوا النار علي، فرفعت يدي؛ ثم أطلقوا قنبلة صوت بالداخل، ثم اقتحم الجنود المنزل مدججين بالبنادق؛ وقفت ويداي مرفوعتان، وكان [أحمد حمدوني] ورائي. وكان [أحمد حمدوني] محني الظهر لكبر سنه؛ وقد ارتاب منه الجنود [بسبب انحناءة ظهره] فأطلقوا النار عليه على الفور. قلت لهم إنه رجل عجوز، وحاولت مساعدته. فأمرني الجنود بالخروج من الغرفة. ثم شرع الجنود يفتشون المبنى كله بطوابقه الثلاثة، دافعين أمامهم الطوافشي تحت تهديد السلاح: "وضع الجندي فوهة البندقية في ظهري، وفتشوا البيت وهم يدفعونني أمامهم". وبينما كان الجنود يفتشون الطابق العلوي ومعهم الطوافشي، سقطت قذيفة من قذائف الجيش الإسرائيلي على الأرض فكادت تصيب المجموعة. فنزل الجنود إلى أسفل ووضعوا في أيدي الطوافشي قيوداً من البلاستيك، ثم قيدوه إلى كرسي بجوار جثة جاره التي كانوا قد غطوها بسجادة.
    ويوضح الطوافشي كيف ظل على الكرسي طوال الليل قائلاً:
      قيدوا يدي وقدمي ووضعوني على المقعد، وقيدوني إليه بشريط من البلاستيك لفوه حول صدري ورجلي. وأحضروا بطانية وغطوني بها. كنت أشعر بالعطش فطلبت منهم بالعبرية بعض الماء، فقالوا لا. وبعد فترة أردت الذهاب إلى دورة المياه، فأمروني الصمت. كنت أعاني ولكن لم يساعدني أحد. وبقيت على المقعد من السابعة مساء حتى الخامسة صباحاً، ثم جاءوا وفكوا وثاقي وأخذوا البطانية. ثم اقتاد الجنود الطوافشي إلى خارج المنزل تحت تهديد السلاح وأمروه بتفقد بيوت أربعة من الجيران قبل أن يتركوه يرجع إلى بيته في آخر الأمر
    (أنظر ما يلي لمزيد من المناقشة حول الاستخدام القسري للمدنيين في أثناء عملية جنين).

    قتل المقاتل الفلسطيني منذر الحاج في 3 أبريل/نيسان

    أصيب منذر الحاج، وهو مقاتل فلسطيني عمره اثنان وعشرون عاماً، بجراح يوم الأربعاء 3 أبريل/نيسان وهو أول يوم لعملية الاجتياح. فحمله بعض المقاتلين الآخرين من مكان ما إلى سلم المسجد الكائن بالطابق الأعلى بمستشفى الرازي، وهو مستوصف خيري يقع على بعد كيلومترين من مخيم جنين. فرقد الحاج، الذي كان مصاباً بجروح متعددة وغير مسلح، على سلم المسجد يطلب النجدة.
    وفي هذه الأثناء كان هشام سمارة، وهو طاه بالمستشفى، يعمل في مطبخ بالطابق العلوي في الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، عندما سمع شخصاً يستغيث متألماً. فاستدعى سمارة ممرضتين للذهاب معه، ونزل إلى المسجد ليبحث عن مصدر الصوت. وعندما وجد الثلاثة رصاصاً وزجاجاً محطماً على الأرض لم يخلعوا أحذيتهم واتجهوا إلى نوافذ المسجد، وهناك رأوا الحاج ملقى على عتبة سلم المسجد. وكانت هناك دبابة من دبابات الجيش الإسرائيلي في الشارع على بعد حوالي ستة أمتار. وحاول سمارة والممرضتان الوصول إلى الجريح الملقى على بعد ثلاثة أو أربعة أمتار من باب المسجد الخارجي.
    أخذنا حجاب إحدى الممرضتين لنجعل منه راية بيضاء لففتها على عصا، وفتحت باب المسجد ومددت ذراعي بالعصا والحجاب خارج الباب. وبينما كنت ماداً ذراعي بالخارج سمعت دوي انفجار شديد يصم الآذان. ولم يدرِ سمارة سبب هذا الصوت، لكنه سحب يده وانتظر. وبعد حوالي خمس عشر دقيقة حاول هو والممرضتان مرة ثانية، لكنهم أجبروا هذه المرة على الرجوع بسبب النيران التي أطلقتها الدبابة. بمجرد أن أخرجت يدي بدأت الدبابة تطلق دفعات من الرصاص كانت كثيفة جداً. وحاولنا بالطبع أن نتحدث إلى الجريح طوال تلك الفترة، وحاولنا أن نجعله يزحف ليصل إلينا. فكان أحيانا يقول "لا أستطيع أن أسمعكم"، وأحياناً يقول"لا أستطيع، لا أستطيع". كانت يداه الاثنتان مكسورتين، ولم يكن يستطيع أن يحركهما. وكان السلم ملطخاً بدم كثير.
    وعلى مدى ما يترواح بين ساعة ونصف وساعتين بعد ذلك، بذل طاقم المستشفى ثلاث محاولات على الأقل للوصول إلى الحاج، الذي ظل يجرجر نفسه شيئاً فشيئاً نحو سلم المسجد. فحاول طبيبان يرتديان الزي الأبيض ويحملان أعلاماً بيضاء الخروج من باب المسجد، لكنهما أجبرا على الرجوع لدى سماعهم دوي انفجار آخر شديد. وحاول آخرون إلقاء حبل إلى المصاب ليجر نفسه إلى مأمن لكنهم أخفقوا؛ لأنه لم يستطع أن يحرك يديه بما يكفي للإمساك بالحبل. ونادت أسر الجيران على طاقم المستشفى ترجوهم أن يفعلوا شيئاً، وحاول بعضهم الوصول إلى الرجل بأنفسهم ولكنهم يئسوا بعد أن وجدوا أنفسهم في مواجهة نيران الدبابة. واتصل طاقم المستشفى باللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان لحثها على التدخل. وجدير بالذكر أن ما قاله سمارة في المقابلة أيده د. محمود أبو عليه الطبيب الباطني بالمستشفى في مقابلة أخرى منفصلة؛ حيث قال لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان
      "كان أمراً فظيعاً لنا ألا نستطيع مساعدته؛ فهذا من المفترض أن يكون عملنا".
    ولم تجدِ كل هذه الجهود شيئاً؛ وكان الحاج آنذاك ملقى على جانبه على سلم المسجد ورأسه مستقر فوق يديه. ووصف سمارة لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان كيف أُطلقت النار على الحاج من اتجاه الدبابة مباشرة، حيث قال:
    أطلقت الدبابة النار عليه فدخل الرصاص في ظهره. كانت زخة من الطلقات، ولم تكن نيران الدبابة الثقيلة. وبدا الصوت وكأنه صوت إطلاق سلاح يدوي مثل إم-16. إننا متأكدون أنها جاءت من الدبابة لأنه كان أمامها مباشرة.
    وأفاد سمارة أنه بينما كان هناك تبادل لإطلاق النار في وقت مبكر من صباح ذلك اليوم، فلم يكن هناك تبادل لإطلاق النار في منطقة المستشفى وقت إطلاق النار على الحاج ومقتله. وقد أيدت أقواله سمر قصراوي الممرضة بالمستشفى، عندما أجرت معها منظمة مراقبة حقوق الإنسان مقابلة منفصلة. وفي آخر الأمر تمكن سبعة من العاملين بالمستشفى من الوصول إلى جثة الحاج ووضعها في مشرحة مؤقتة، حيث ظلت تحت الثلج والمراوح الدائرة ثلاثة أيام، حتى تم رفع حظر التجول وتمكنت أسر الحاج من تسلم الجثة لدفنها.
    وجدير بالذكر أن الحاج بعد أن أطلقت عليه النار ولم يعد معه سلاح أصبح عاجزاً عن القتال، بمعنى أنه لم يعد يقوم بدور فاعل في القتال؛ ولا يجوز حرمان المقاتلين الجرحى الذين لم يعودوا يشاركون في القتال من الرعاية الطبية، ولا يعتبرون في هذه الحالة أهدافاً عسكرية مشروعة. ومن ثم فإن قتل الحاج بعد إصابته بجراح وبعد أن أصبح أعزل يرقى إلى حد القتل العمد، وهو ما يمثل خرقاً جسيماً لاتفاقيات جنيف، ومن ثم يعد جريمة من جرائم الحرب.

    إطلاق النار على عطية أبو رميلة في 5 أبريل/نيسان

    عطية أبو رميلة البالغ من العمر 44 عاماً هو والد هاني أبو رميلة الذي قتل في أول أيام الاجتياح الإسرائيلي. فبينما كانت الأسرة نائمة في حوالي الساعة العاشرة من مساء يوم الخميس الموافق الرابع من أبريل/نيسان، أصابت نيران المدفعية الإسرائيلية بيتهم فجأة؛ فانتقل عطية وزوجته وثلاثة من الأطفال من غرف النوم المكشوفة إلى المطبخ حيث قضوا ليلتهم. وفي وقت الظهيرة تقريباً من يوم الجمعة دخل جنود إسرائيليون بيت جيرانهم، وحاولوا شق ممر لهم من بيت الجار إلى بيت أبو رميلة باستخدام المتفجرات، مما أحدث ضرراً بالغاً في المنزل ولكنهم لم يتمكنوا من شق فجوة بين البيتين. وفي حوالي الساعة الخامسة من مساء يوم الجمعة، ذهبت هالة، زوجة عطية، إلى غرف البيت لتفقد ما لحق بها من الدمار، فوجدت قذيفتين إسرائيليتين لم تنفجرا في إحدى الغرف.
    وانزعج أبو رميلة مما أبلغته به زوجته عن مدى الدمار الذي لحق بالبيت، فقرر العودة ليتفقد الأمر بنفسه على الرغم من اعتراضات زوجته. وبعد دقيقتين سمعت هالة زوجها يستغيث طالباً النجدة بشيء من الصعوبة، فهرعت هي وأطفالها إلى الغرفة حيث وجدته واقفاً وقد أصيب بجراح خطيرة. وألقى عطية نظرة أخيرة على زوجته وأولاده ثم سقط منهاراً؛ وعندئذ لاحظت زوجته جرحاً في رأسه ناجماً عن طلق ناري. وقد قام باحثو منظمة مراقبة حقوق الإنسان بفحص الغرفة التي أطلقت فيها النار على عطية، ووجدوا أن المنزل القريب الذي احتله جنود الجيش الإسرائيلي في أثناء عملية جنين - وهو نفس المنزل الذي انبعثت منه النيران التي أدت لمقتل هاني ابن عطية في الثالث من أبريل/نيسان - يمكن رؤيته بوضوح من المكان الذي كان عطية واقفاً فيه عند إطلاق النار عليه. ويلاحظ أن مسار الطلقات، الذي يتبين بتتبع خط سير الطلقات عبر النافذة إلى الحائط خلف عطية، يشير إشارة مباشرة إلى المنزل الذي كان الجنود الإسرائيليون يحتلونه.
    واستدعت هالة سيارة إسعاف لكن جنود الجيش الإسرائيلي لم يسمحوا للسيارة بالمرور: بدأت أصرخ وأطلب أن ينادي أي شخص سيارة إسعاف. وجاءت السيارة ولكنها منعت من الوصول إلينا. وكان عطية ما زال يتنفس في ذلك الوقت. ولكن لم تكن هناك أي مساعدة ولا أي سيارة إسعاف. لم أستطع الخروج من البيت لأن القناصة الإسرائيليين والدبابات الإسرائيلية كانوا في كل مكان. وكنا طوال هذا الوقت نزحف على الأرض.
    وتوفي عطية متأثراً بإصابته الناجمة عن طلق ناري في غضون ساعة:
    بعد كل محاولاتي لإحضار أي شخص لمساعدتنا رجعت إلى الجثة، وبدأت أتفحصها فتأكدت أنه مات، فأغلقت عينيه وفردت يديه. وأغلقت الباب لأنني لم أرد أن يرى أطفالي أباهم ميتاً. وكان عطية قد وعد الأطفال بأن يشترى لهم بعض الحليب قبل موته، فظل الأطفال يسألون أين الحليب... وقضيت الليلة بأكملها مع الأطفال في غرفة واحدة، ولم يغمض لي جفن. وفي منتصف الليل عدت إلى الغرفة وغطيته ببطانية.
    وظلت هالة وأطفالها الثلاثة محبوسين في منزلهم لا يستطيعون الفرار بسبب القتال. وبعد إطلاق النار على الزوج عصر الجمعة، قامت هالة بكسر زجاج إحدى النوافذ في خلفية المنزل وفكرت في القفز منها، لكن الجيران حذروها من أن النافذة عالية ومن الخطر القفز منها؛ وفي صباح السبت ربطت بعض الملاءات معاً وأدلت بها طفلها البالغ من العمر سبع سنوات إلى الأرض ليذهب في طلب النجدة. فذهب الطفل إلى أقاربه يخبرهم بموت والده، فجاءت أم عطية المسنة إلى المنزل وهي تولول غير عابئة بالخطر وتصرخ قائلة "هاني، عطية". اضطرت الأسرة للبقاء في المنزل خمسة أيام أخرى قبل أن يعلن الجيش الإسرائيلي أن على جميع المدنيين مغادرة المنطقة لأنهم على وشك القيام بنسف المخيم؛ فغادرت الأسرة المنزل. وفي اليوم التالي، أي بعد أسبوع من مقتل عطية، تمكنت سيارة إسعاف أخيراً من انتشال جثته.

    إطلاق النار على عبد الناصر غريب في 5 أبريل/نيسان

    عبد الناصر غريب (الذي يعرف أيضاً باسم عبد الناصر أبو حطاب) رجل يبلغ من العمر ثمانية وثلاثين عاماً كان يعاني من اضطرابات نفسية. ويقع منزل أسرته على أطراف مخيم جنين. وفي حوالي الساعة الثانية من مساء يوم الجمعة الموافق 5 أبريل/نيسان أصابت النيران الإسرائيلية منزله، فأصيب في أول الأمر والده محمود غريب (أبو حطاب) البالغ من العمر خمسة وستين عاماً، الذي قال: في الساعة الثانية من ظهر يوم الجمعة، فوجئنا بالمنزل المجاور لنا وقد احتله الجنود الإسرائيليون؛ دخل الجنود ثم بدأوا في إطلاق النار بصورة عشوائية. فأردت أن أغلق الباب للتأكد من عدم خروج الأطفال، ولكنهم أطلقوا علي قنبلة دخان.
    وأصيب محمود غريب بجرح في قدمه من القنبلة، لكن الأسرة لم تتمكن من مغادرة البيت بسبب النيران الشديدة بالخارج. وأخيراً كسروا نافذة في خلفية المنزل وأخرجوا الرجل الجريح من النافذة. وظل الرجل في منزل آخر في موقع أعمق من مخيم اللاجئين لمدة أسبوع بدون أي إسعافات طبية، مما تسبب في إصابة الجرح بتلوث جرثومي خطير.

    وكانت أسرة عبد الناصر غريب قد أخلت منزلها مع الجد، لكن عبد الناصر قرر أن يتخلف عنهم ليرعى المنزل. وفي يوم الأحد 7 أبريل/نيسان عاد ابن عبد الناصر البالغ من العمر ثماني سنوات إلى البيت ليطمئن على أبيه فوجده ميتاً بطلق ناري:
    رأيت أبي على الأرض... ووجدنا البيت كله محطماً من الداخل. وكان أبي في الغرفة الأمامية. كانت هناك ثلاث رصاصات في صدره وواحدة في رأسه. عمي طبيب، فطلب سيارة إسعاف، وحاول أن يأتي لأخذ الجثة، لكنه لم يستطع الوصول إلينا. كانت دبابات كثيرة تحيط بالمستشفى فلم يستطع مغادرتها. فتركنا الجثة أربعة أو خمسة أيام.
    وقد أخبر أحد جيران عبد الناصر أبو غريب منظمة مراقبة حقوق الإنسان أن الجيش الإسرائيلي أطلق النار على عبد الناصر: "كانوا [جنود الجيش الإسرائيلي] يطلبون منه [عبد الناصر غريب] أن يخرج. ولكن قبل أن يتمكن من الخروج أطلقوا عليه النار... سمعناه يصرخ مرتين ثم ساد الصمت".

    مقتل عفاف دسوقي في انفجار قنبلة في 5 أبريل/نيسان

    في حوالي الساعة 3:15 من مساء يوم الجمعة 5 أبريل/نيسان أمر جنود إسرائيليون أسمهان أبو مراد البالغة من العمر 29 عاماً أن تصحبهم لطرق باب منزل أسرة دسوقي التي تسكن بجوارها. وعندما خرجت رأت مجموعة من الجنود الإسرائيليين، أحدهم يحمل قنبلة ذات فتيل مشتعل ويثبتها في منزل دسوقي: "خرجت ورأيت أحد الجنود يحمل قنبلة كان فتيلها مشتعلاً. وقالوا لي "ضعي أصابعك بسرعة في أذنيك". فابتعد جميع الجنود عن القنبلة، ثم ألقاها أحدهم وبدأ الآخرون يطلقون النار على الباب". وأوضحت عائشة دسوقي البالغة من العمر سبعة وثلاثين عاماً، وهي أخت عفاف دسوقي التي كانت تبلغ من العمر اثنين وخمسين عاماً، كيف ذهبت أختها إلى الباب لتتفقد أمر الدخان وتفتح الباب للجنود، فقتلت في الانفجار الذي تلا ذلك:
    كنا في غرفة بالداخل ورأينا بعض الدخان. وكان الجنود يطلبون منا أن نفتح الباب. فذهبت أختي عفاف إلى الباب لتفتحه، وبينما كانت تفعل ذلك انفجرت القنبلة. ولما انفجرت بدأنا كلنا نصرخ وننادي على سيارة إسعاف، بينما كان الجنود يضحكون. ورأينا النصف الأيمن من وجههاً مشوهاً، كما كانت مصابة بجراح في جانبها الأيسر وذراعها الأيسر. لقد لقيت حتفها في الحال.
    وتدعم هذه الشهادة أسمهان أبو مراد، التي كانت بالخارج مع الجنود أمام الباب، وذلك في مقابلة منفصلة أجرتها معها منظمة مراقبة حقوق الإنسان، قالت فيها إن الجنود كان يضحكون بعد مقتل عفاف دسوقي: "بعد الانفجار سمعت أخواتها يصرخن ويستغثن طلباً لسيارة إسعاف، وكان الجنود يضحكون. ثم أمروني بالعودة إلى الداخل". وبعد الانفجار لم يدخل الجنود منزل عائلة دسوقي، وقالوا لأسمهان أبو مراد إنها تستطيع العودة إلى بيتها، ثم غادر الجنود الموقع. وفي أثناء هذه الواقعة لم يكن هناك قتال دائر أو إطلاق للنار في المنطقة المجاورة، ومن ثم فإن مقتل عفاف دسوقي بلا رحمة، وهي مدنية غير مسلحة، يمثل جريمة من جرائم الحرب.
    وحملت أسرة عفاف دسوقي جثتها إلى داخل المنزل وحاولت الاتصال مراراً بسيارة إسعاف: "كان معنا هاتف محمول، ولكنه كان يستقبل المكالمات الواردة فقط. وكلما اتصل بنا أحد كنا نطلب سيارة إسعاف، لكنه كان ممنوعاً [على سيارات الإسعاف أن تتحرك]". وظلت الجثة في المنزل من يوم الجمعة حتى الخميس التالي، عندما استطاعت الأسرة نقلها إلى المستشفى.

    إطلاق النار على عبد الكريم سعادة ووضاح شلبي في 6 أبريل/نيسان

    أسرة عبد الكريم سعادة البالغ من العمر سبعة وعشرين عاماً، ووضاح شلبي البالغ من العمر 38 عاماً جيران يسكنون على مقربة من المدخل الرئيسي لمخيم جنين للاجئين، حيث تقع إدارة المعسكر. وكان عبد الكريم سعادة يزور أسرة شلبي في حوالي الساعة 6 مساء يوم السبت 6 أبريل/نيسان عندما أدركت الأسرة أن الجنود الإسرائيليين دخلوا منزل أسرة سعادة المجاور. فذهبت أسرة شلبي إلى فنائهم الخلفي لتستطلع ما يدور بالمنزل المجاور، فقابلتهم مجموعة من الجنود الإسرائيليين الذين أمروهم بالخروج من منزلهم من الواجهة والمجيء لمنزل أسرة شلبي.
    فانتقل الأفراد السبعة عشر الموجودون في بيت أسرة شلبي جميعاً إلى بيت أسرة سعادة، وكان عبد الكريم سعادة ووضاح شلبي يحملان أطفالاً رضعاً؛ وعندما وصلت المجموعة إلى منزل أسرة سعادة طلب الجنود من الرجلين أن يعطيا الأطفال لزوجتيهما، وأمروا كل النساء والأطفال بالدخول إلى المنزل. وظل بالخارج عبد الكريم سعادة ووضاح شلبي وفتحي شلبي والد وضاح الذي يبلغ من العمر ثلاثة وستين عاماً.
    وأوضح فتحي شلبي، وهو الوحيد الذي نجا من الحادث، كيف قتل الجنود الإسرائيليون ابنه وجاره بعد فترة وجيزة، وذلك على ما يبدو لأنهم ظنوا خطأ أن مشد الظهر الذي يرتديه عبد الكريم سعادة حزام متفجرات: طلبوا منا أن نرفع قمصاننا ليتأكدوا من عدم وجود متفجرات، وكنا نقف في مواجهتهم، وكان بيني وبين ابني [وعبد الكريم] متر ونصف المتر، وبيننا وبين الجنود متران، وكان الجنود يقفون على ارتفاع منا بعض الشيء. وعندما طلبوا منا رفع قمصاننا لاحظوا شيئاً على جسد عبد الكريم، فتساءلوا فيما بينهم "ما هذا، ما هذا؟" وقد أخبرتني أخت عبد الكريم فيما بعد أنه كان يرتدي مشداً للتخفيف من آلام الظهر. كان اسم الجنديين غابي وديفيد؛ فقال غابي "اقتله، اقتله". أنا أفهم العبرية لأني عملت عشرين عاماً في إسرائيل... بدأوا يطلقون النار فسقطنا على الأرض، وكانت الساعة حوالي 6:15 مساء. ولم تكن الأرض مستوية وإنما مائلة. فانسابت دماء الآخرين بين رجلي، وكنت آخرهم على الجانب الأيسر وابتلت ثيابي بالدماء فظنوا أنني مت. كان هناك جنديان يطلقان النار علينا، لكن غابي كان يرأسهم.
      وبعد إطلاق النار علينا ظلوا أكثر من ساعة يفتشون المنزلين. وكانوا يمشون فوقنا لأننا كنا بين المنزلين بالضبط، فتظاهرت بالموت.
    وظل فتحي شلبي بلا حراك حتى غادر الجنود المكان، ثم تأكد من موت الرجلين قبل أن يهرول عائداً إلى بيته، حيث اختبأ حتى الرابعة صباحاً، وعندئذ لحق بأسرته في بيت سعادة. ثم قاموا بتغطية جثتي الرجلين ببطانية، وظلت الجثتان في مكانهما حتى 17 أبريل/نيسان عندما تمكن العاملون بالمستشفى من الوصول إليهما أخيراً ودفنهما عند المستشفى.
    وأكدت هذه الشهادة فتحية سعادة أخت عبد الكريم البالغة من العمر 30 عاماً في مقابلة منفصلة أجرتها معها منظمة مراقبة حقوق الإنسان، حكت فيها أن مجموعة كبيرة من الجنود دخلوا منزلهم، ثم أمروا أسرة شلبي الانتقال إلى منزل أسرة سعادة. ثم سمعت صوت طلقات النار من داخل المنزل:

      كان وضاح وعبد الكريم يحملان أطفال وضاح، فأمرهما الجنود أن يعطيا الأطفال لأميهما. ودخلت كل النساء إلى حجرة واحدة. وكان بعض الجنود لا يزالون بالداخل وبعضهم بالخارج. ثم سمعنا صوت الأعيرة بالخارج، فظن الجنود الإسرائيليون [داخل المنزل] أن بعض أفراد المقاومة يهاجمون، فاتخذوا مواقعهم داخل المنزل... وبدأ أحد الجنود يصيح "ديفيد، ديفيد"، ويقول شيئاً لم أفهمه.

    وبعد إطلاق النار توترت أعصاب الجنود داخل المنزل، ورفضوا السماح لأي فرد من أفراد الأسرة بالاقتراب من المنطقة التي أطلقت النار فيها على الرجلين، ورفضوا السماح لأحد الأطفال باستعمال دورة المياه قرب منطقة إطلاق النار. وعندما غادر الجنود المكان أوصدوا إحدى الغرف على الأسرة بأكملها وأمروها بألا تخرج: "كانوا يحاولون الترفق بنا لأنهم أدركوا ما فعلوه. فأغلقوا الأبواب والنوافذ، وأمرونا بالدخول إلى إحدى الغرف. طلبوا منا أن ندخل ونوصد الباب. وحاول الجنود من الخارج أن يربطوا الباب بقطعة حبل وجدوها حتى يبقى مغلقاً".
    وبعد أن تمكنت فتحية سعادة من الفرار من الغرفة وجدت أخاها وجارها ميتين بالخارج: "أخذت رأس عبد الكريم بين يدي وكان فيها ثقب كبير، وكان هناك ثقب كبير في رأس وضاح أيضاً".