التطورات في مجال حقوق الإنسان الدفاع عن حقوق الإنسان دور المجتمع الدولي
التطورات في مجال حقوق الإنسان

  بموت الرئيس حافظ الأسد يوم العاشر من يونيو/حزيران الماضي، والذي تولى زمام السلطة عام 1970، انتهى فصل من فصول التاريخ السوري. سارع حزب البعث بعدها إلى ترتيب الترفيع السياسي والترقية العسكرية لنجله بشار ابن الرابعة والثلاثين، سامحاً للمواطنين بالاختيار بين التصويت بنعم أو لا فقط في استفتاء رئاسي على مرشح وحيد أجري يوم العاشر من يوليو/تموز. كما أدخلت تعديلات سريعة على الدستور السوري بهدف تخفيض السن الدنيا المطلوب توفرها في الرئيس. وهكذا تم انتخاب بشار الأسد بنسبة 97.27 بالمائة من الأصوات. وكان طبيب العيون الذي تلقى تدريبه في بريطانيا قد رفع قبل ذلك إلى منصب القائد العام للقوات المسلحة، كما تم انتخابه زعيماً لحزب البعث. في خضم الاحتجاجات حول احتمال بداية حكم سلالي في سورية من قبل الأقلية العلوية، أعرب الكثير عن أملهم، رغم ذلك، في أن يبعث الرئيس الجديد الحياة في المجتمع المدني في سورية، الذي أصابه الجمود والأسن على مدى عقود طويلة من حكم الحزب الواحد. كانت أجهزة الإعلام السورية، قبل وفاة الرئيس الأسد، قد روجت على نطاق واسع لحماس بشار الأسد تجاه تعميم تقنية المعلومات الحاسوبية (فقد كان يرأس جمعية الحاسوب السورية)، كما روجت لحملاته ضد الفساد الرسمي المستشري، مما بعث الآمال في أن يتصدى بشار، حين يصير رئيساً، لقضايا الإصلاح السياسي إضافة إلى الإصلاح الاقتصادي.

في لبنان المجاور، كان للمعارضين لهيمنة سورية الطويلة على ذلك البلد آمالهم الخاصة بهم، حيث دعوا مرات عديدة إلى إعادة تقييم العلاقات الثنائية غير المتكافئة، وإلى استعادة السيادة الكاملة. لم تكن وفاة الأسد وحدها، بل أيضاً انسحاب إسرائيل العسكري من جنوب لبنان المحتل في وقت سابق في مايو/أيار الماضي، هو الذي شجع المنتقدين والناشطين اللبنانيين، خصوصاً طلبة الجامعات، وجرَّأهم على المطالبة المباشرة والعلنية بانسحاب القوات العسكرية والأمنية السورية من بلادهم.
ومع توقف مفاوضات السلام الإسرائيلية - السورية مرة أخرى، بقيت مرتفعات الجولان، التي ضمتها إسرائيل عام 1981، تحت الاحتلال، واستمرت الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية هناك.
وعلى الرغم من انتقال منصب الرئاسة إلى رئيس جديد، استمر حرمان السوريين من حقوقهم المدنية والسياسية. فقد قيدت القوانين والممارسات بشدة حرية التعبير والتجمع وتشكيل الجمعيات؛ وبقيت وسائل الإعلام المحلية والوصول إلى شبكة الإنترنت تحت سيطرة الدولة؛ كما بقيت على حالها السلطات غير المحدودة التي تتمتع بها قوات الأمن بموجب قانون الطوارئ النافذ في سورية منذ عام 1963. أما ممارسات الاعتقال التعسفي والتعذيب فلا توجد أي ضوابط فعالة تحول دون وقوعها؛ وظلت السجون المدنية والعسكرية، بما في ذلك سجن تدمر سيئ الصيت في صحراء تدمر، ظلت مغلقة في وجه المراقبين المستقلين؛ واستمر حرمان الأقلية الكردية من حقوقها الأساسية، بما في ذلك حق الجنسية لعشرات الآلاف منهم. ولم يجرؤ أحد داخل القطر على المناداة بالعدالة ومساءلة المسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين بخصوص الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، بما في ذلك المذبحة التي تعرض لها نحو 1100 من السجناء العزل في سجن تدمر عام 1980، وكذلك الهجوم العسكري على مدينة حماه عام 1982 الذي أدى إلى مقتل الآلاف.
واستمر النفي السياسي للعديد من السوريين في الخارج؛ وحُرم من اكتساب الجنسية السورية أطفال بعض الممنوعين من العودة، وأصبحوا في حالات معينة في حكم الأشخاص عديمي الجنسية لأنهم لا يحملون جوازات سفر. وما برحت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" تتلقى معلومات عن منفيين سوريين أُلقي القبض عليهم واحتُجِزوا ثم أُجبِروا على مغادرة البلدان التي كانوا يقيمون ويعملون فيها لأنهم كانوا، بحكم الضرورة، يحملون جوازات سفر مزورة. وعند كتابة هذا التقرير، لم تكن قد صدرت عن الحكومة أية مبادرات علنية لمعالجة هذه القضية السياسية والإنسانية الرئيسية، التي أثرت في حياة عائلات بأكملها، بما في ذلك النساء والأطفال.

واستمر احتجاز المئات من السوريين والفلسطينيين والسجناء السياسيين الآخرين، لكن الحكومة لم تعلن أرقاماً رسمية. في 27 يونيو/ حزيران أرسلت منظمة العفو الدولية خطاباً إلى الرئيس المنتخب بشار الأسد، قدرت فيه عدد السجناء السياسيين بألف وخمسمائة سجين، منهم حوالي ثمانمائة من أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين" أو المتعاطفين معها، لكن من ضمنهم أيضاً مؤيدون لحزب البعث المؤيد للعراق، وكذلك شيوعيون يعتقد أنهم محتجزون في سجن تدمر. كما يضم سجن صيدنايا 560 سجيناً آخر، إضافة إلى مائتين محتجزين في مراكز اعتقال أخرى وفي سجن النساء في دوما، بحسب ما أوردته منظمة العفو الدولية.
وفي تطور إيجابي، أُطلق سراح سجناء سياسيين، بمن فيهم نشطاء في مجال حقوق الإنسان، قبل وفاة حافظ الأسد وبعدها. فقد قيل إن اثنين من أعضاء حزب العمل الشيوعي، هما فاتح جاموس وعبد الكريم أصلان، اللذان أمضيا ستة عشر عاماً وثمانية عشر عاماً على التوالي في السجون، قد أطلق سراحهما قبيل وفاة حافظ الأسد. كما ذكرت تقارير أن ستة عشر معتقلاً سياسياً أردنياً قد أطلق سراحهم في مارس/ آذار الماضي، وأطلق سراح سبعة عشر معتقلاً آخرين خلال الأشهر اللاحقة، وأخلي سبيل ثلاثة من جماعة الأخوان المسلمين في مايو/ أيار. وقد أكد منفيون سياسيون سوريون أن "عشرات" من المعتقلين السياسيين أطلق سراحهم خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز، بمن فيهم أعضاء في جماعة "الإخوان المسلمين" وثلاثة أردنيين من ضمنهم خالد عوض الذي أمضى اثني عشر عاماً في السجن بتهمٍ سياسية؛ ومنهم أيضاً الصحفي فيصل علوش، العضو في حزب العمل الشيوعي، والذي أطلق سراحه بعد أن أمضى خمسة عشر عاماً في السجن؛ إضافة إلى عضوين في حركة "التوحيد"، وهما قائدها العسكري سمير الحسن، والناشط السني اللبناني هاشم منقاره، الذي أطلق سراحه بعد قضاء خمسة عشر عاماً في السجن.
أما حملة القضاء على الفساد التي بدأها حافظ الأسد وواصلها ابنه فقد أدت إلى اعتقالات وإدانات صدرت ضد مسؤولين كبار، كما أدت إلى حالة انتحار مزعومة. ففي العاشر من مايو/ أيار، طُرد رئيس الوزراء السايق محمود الزعبي من حزب البعث على أساس مزاعم بالفساد. وكان قد أزيح من منصبه في السابع من مارس/ آذار في أعقاب اتهامه بسوء الإدارة، ومنع من مغادرة البلاد. وقالت وزارة الداخلية يوم 21 مايو/ أيار إن الزعبي قتل نفسه حين توجه قائد شرطة دمشق إلى منزله ليسلمه أمراً قضائياً للمثول أمام المحكمة. ولم يسِر في جنازة الزعبي لا رئيس الدولة ولا أي من وزراء الحكومة.
وانتقدت مجموعة مكونة من حوالي ثلاثين من شخصيات المعارضة السورية في المنفى، تطلق على نفسها اسم "لجنة التنسيق من أجل الديمقراطية في سورية" ـ انتقدت حملة محاربة الفساد في بيان لها نشرته يوم 10 يونيو/حزيران صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن. وادعى هؤلاء المنفيون الذين كان من ضمنهم سركيس سركيس وأديب الحوراني ويوسف عبدلكي، أن الهدف الحقيقي للحملة إنما كان القضاء على خصوم بشار الأسد والتخلص منهم. كما دعت المجموعة إلى إلغاء قوانين الطوارئ، وبيان مصير "المختفين"، وإلى حرية التعبير والتعددية السياسية.
وصدرت دعوة أخرى للإصلاح السياسي وحقوق الإنسان في بيان نشرته صحيفة "السفير" اليومية اللبنانية في سبتمبر/ أيلول، ووقعه تسعة وتسعون مثقفاً وفناناً وآخرين بارزين يقيمون في سورية والخارج. وطالب البيان السلطات بإلغاء قانون الطوارئ، وإصدار عفوٍ عام عن جميع السجناء السياسيين، والسماح بعودة المنفيين السياسيين، والاعتراف بالحق في حرية التجمع وحرية الصحافة والرأي. تضمنت قائمة الموقعين الروائي عبد الرحمن منيف، والشاعر أدونيس، وأستاذ الفلسفة صادق العظم. وكان من ضمن النداءات السابقة افتتاحية صحيفة الحياة اليومية الصادرة في لندن التي دعت إلى إطلاق الحريات الفكرية والصحفيّة، ونداء أصدره في يوليو/تموز إبراهيم أبو دقّة، مستشار رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات لشؤون حقوق الإنسان، دعا فيه لإطلاق سراح الفلسطينيين المعتقلين. ومن بيروت، دعا بطرس حرب، النائب في البرلمان اللبناني، إلى "فتح الملفات" الخاصة بحوالي مائتي لبناني يُشتبه في أنهم مسجونون في سورية، ظل بعضهم معتقلاً من دون محاكمة لفترة تزيد عن خمسة عشر عاماً. كما دعا الفرع الأردني للمنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى إطلاق سراح تسعة وستين أردنياً، بالإضافة إلى سجناء لبنانيين وفلسطينيين.
وفي تطور إيجابي آخر، سُمح لحوالي 75 صحافياً أجنبياً بممارسة حرية أكبر مما كان مسموحاً به في السابق في إرسال تقاريرهم من دمشق أثناء تشييع جنازة حافظ الأسد. كما أمر بشار الأسد باتخاذ إجراءات تيسر سبل الوصول إلى شبكة الإنترنت عن طريق توصيلها إلى المكاتب؛ كما أنشئ مقهيان للإنترنت على الأقل في دمشق، أحدهما في مكتبة الأسد الوطنية والآخر في مطار دمشق الدولي. غير أن مؤسسة الاتصالات السلكية واللاسلكية السورية، وهي المزود الوحيد لخدمات الإنترنت في البلاد، لا تزال تمنع الوصول إلى مواقع المواد الإسرائيلية ومواقع المعارضة السورية على شبكة الإنترنت ـ مثل اللجنة السورية للحقوق ومركزها لندن ـ ولا تزال تخضع البريد الإلكتروني للمراقبة. وقال غسان اللحام، نائب رئيس جمعية الحاسوب السورية، في مؤتمر صحفي عقد في بيروت يوم 15 أبريل/نيسان "لدينا في سورية 5000 مشترك، معظمهم شركات ومؤسسات حكومية. ونحن نعمل على زيادة العدد إلى 20000 مشترك بحلول نهاية العام". وأضاف أن مؤسسة الاتصالات السلكية واللاسلكية ستظل المزوِّد الوحيد لخدمات الإنترنت في البلاد. وقالت صحيفة "ديلي ستار" البيروتية اليومية، في عددها الصادر يوم 17 أبريل/ نيسان، إن المشترك الواحد في سورية يدفع 2400 ليرة سورية (حوالي خمسين دولاراً أمريكياً) مقابل استقبال خمسة عشر ساعة من خدمات الإنترنت شهرياً، وأضافت أنه تم تشكيل لجنة "لدراسة إمكانية السماح لشركة خاصة بدراسة طلبات الذين يريدون الوصول إلى شبكة الإنترنت في سورية".
وعلى خلفية الانسحاب الإسرائيلي المتوقع من الجنوب اللبناني المحتل استخدم المواطنون اللبنانيون أساليب مختلفة متنوعة للاحتجاج على الهيمنة السورية على بلادهم. ففي 23 مارس/ آذار، مثلاً، كتب الصحفي جبران التويني، المدير العام لصحيفة النهار اللبنانية المستقلة ورئيس مجلس إدارتها، مقالاً افتتاحياً صريحاً تحت عنوان "كتاب مفتوح إلى الدكتور بشار الأسد"، الذي كان والده قد عهد إليه بالمسؤولية عن ملف العلاقات السورية اللبنانية. قال التويني في مقاله إن "كثيرين من اللبنانيين لا يرتاحون إلى النهج السوري في لبنان، ولا إلى 'الوجود' العسكري السوري في لبنان"، وإن هذا "يعني انزعاجاً من طريقة التعامل السوري مع لبنان، واشمئزازاً من هذا التعاطي ورفضاً له"؛ وقال إن لبنان ليس محافظة سورية. كما انتقد التويني "التدخل السوري المباشر في السياسة اللبنانية"، وقال إن اللبنانيين "يرفضون مبدأ البوسطة في الانتخابات واللوائح المركبة في الشام و'البركة' التي تأتي من فوق لتفرض على الشعب"، كما يرفضون "التوقيفات والموقوفين في سجون دمشق". وأضاف التويني قائلاً: "إن ثمة مخاوف لبنانية من السياسة السورية لم يبددها مرور الزمن، بل، للأسف، زادها تعميقاً من يعتبر أن سوريا هي في موقع الخصم والعدو، وعليك أن تواجه هذا الواقع لتتمكن من حل هذه المشكلة التي يجب حلها". وبعد ذلك بيومين شجب الرئيس اللبناني إميل لحود مثل هذه الدعوات واصفاً إياها بأنها "النغمة التي تتكرر كلما كنا على عتبة استحقاقات، وهو ما يُظهر أنها بدوافع إسرائيلية"؛ وأضاف لحود قائلاً: "نحن جميعاً نعرف أن مثل هذه الدعوات وتوقيتها لا تعكس الاهتمام بحماية سيادة لبنان واستقلاله".
وفي الشهر التالي اتخذت السلطات اللبنانية إجراءات صارمة تجاه المعارضين لسورية، وأحالت ثمانية منهم إلى المحاكم العسكرية. ففي 4 أبريل/نيسان ألقت السلطات اللبنانية القبض على طالبَين هما نعيم سمعاني ومارك شقير، إضافة إلى محامٍ يدعى مارون نصراني، واتهمتهم بتوزيع منشورات تنتقد الوجود السوري في لبنان. وقُدِّم هؤلاء للمحاكمة يوم 17 أبريل/نيسان أمام محكمة عسكرية وصدرت أحكام بتغريمهم لتوزيعهم منشورات مضرة بالحكومة وبعلاقتها ببلد شقيق. وفي يوم المحاكمة اشتبك بضع عشرات من الطلبة المتظاهرين أمام القصر العدلي مع الشرطة، مما أدى إلى إلقاء القبض على خمسة منهم وإحالتهم إلى محكمة عسكرية. قالت صحيفة "ديلي ستار" إن المتظاهرين "اشتبكوا مع الشرطة بقبضات الأيدي ورددوا شعارات معادية لسورية، وهتافات تقول: "سورية: اخرجي من هنا."
وفي يونيو/ حزيران، كتب التويني مقالاً افتتاحياً آخر، وجهه هذه المرة إلى وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، الذي كان صرح بأن الضغوط الآتية من الحملات الإعلامية والحكومات الأجنبية لن تؤدي إلى انسحاب القوات السورية التي قال إنها تحول دون اندلاع نزاع طائفي في لبنان. وقال التويني في مقاله: "يا معالي الوزير الشرع اسمح لنا أن نرفض جملةً وتفصيلاً كلامك وكلام بعض الأبواق اللبنانية التي تستعمل المبرر نفسه لتدافع عن وجود القوات السورية في لبنان". وأضاف التويني قائلاً: "من الطبيعي أيضاً أن يعتبر الوزير أنه لا يحق للصحافة أن تدعي تمثيل آراء المواطنين. فالصحافة في سوريا، كما هي الحال في كل الأنظمة المشابهة، لا تمثل الرأي العام بل تنطق برأي النظام الحاكم".

وبحلول شهر سبتمبر/ أيلول كان مجلس البطاركة المارونيين بقيادة البطريرك نصر الله صفير يطالب علناً بانسحاب القوات السورية، التي يسبب وجودها في لبنان حرجاً للبنانيين، حسبما قال؛ وفي بيان صدر في 20 سبتمبر/أيلول، قال مجلس البطاركة إن هيمنة سورية تشمل كافة المؤسسات، والإدارات، والدوائر الحكومية اللبنانية". وتعهد البطريرك بأن تستمر الجهود، قائلاً: "نحن لن نصمت خوفاً. ما من شيء يستطيع أن يوقف هذه الحملة، خصوصاً بعد انتهاء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان".

سوريا
Middle East And Noth Africa Women's Rights Algeria Egypt Iran Iraq And Iraqi Kurdistan Israel, the Occupied West Bank and Gaza Strip, and Palestinian Authority Territories Kuwait Saudi Arabia Syria Tunisia Yemen Download
الصفحة الرئيسية  || صفحة الشرق الأوسط  || اكتب لنا  || التقرير السنوي لعام 2000