Human Rights Watch Human Rights Watch
Syria World Report 2002
التطورات في مجال حقوق الإنسان
المدافعون عن حقوق الإنسان
دور المجتمع الدولي
سوريا
التطورات في مجال حقوق الإنسان

شنت حكومة الرئيس بشار الأسد في أغسطس/آب حملة من الإجراءات الصارمة ضد دعاة الإصلاح الذين يتسمون بتوجههم السلمي ولكنهم يجهرون بآرائهم، موجهة بهذه الحملة رسالة مفادها أنها لن تسمح بانفتاح سياسي إلا بشروطها وحسب جدولها الزمني الخاص بها. وألقت السلطات القبض على أبرز منتقدي الحكومة وغيرهم من الناشطين في دوائر الحوار المستقلة أو محافل المجتمع المدني، التي ظهرت مع سعي السوريين لنيل الحريات التي ظلوا محرومين منها في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد الذي استمر ثلاثين عاماً. ويمثل إلقاء القبض على هؤلاء الأشخاص رجوعاً عن الاتجاه نحو مزيد من الانفتاح في دولة ظلت ردحاً طويلاً تحت سيطرة حزب البعث الاشتراكي العربي الحاكم والمؤسسات التي يسيطر عليها، حيث جاءت في أعقاب مجموعة من التطورات الإيجابية، مثل إطلاق سراح حوالي 600 من السجناء السياسيين بموجب عفو رئاسي عام في نوفمبر/تشرين الثاني 2000، والإعلان في يناير/كانون الثاني 2001 أن قانون الطوارئ النافذ منذ عام 1963 تم "تجميده" وأنه لم يعد سارياً، وإطلاق سراح نزار نيوف في مايو/أيار 2001، الذي كان آنئذ آخر المسجونين من دعاة حقوق الإنسان. وبالإضافة إلى ذلك، خففت الحكومة مبدئياً بعض الضوابط المفروضة على الصحافة، ولكنها أصدرت في سبتمبر/أيلول قراراً صارماً جديداً لتنظيم الصحافة وغيرها من المطبوعات في إطار استراتيجية أوسع للسيطرة على التعبير الذي ينطوي على النقد.

وقد بدأت حملة الإجراءات الصارمة بالقبض على مأمون الحمصي وهو عضو مستقل بالبرلمان، يوم 9 أغسطس/آب. وكانت السلطات قبل ذلك لا تعترف بالاعتقالات ولا تقدم لها مبرراً، إلا أن وزارة الداخلية في هذه الحالة أكدت إلقاء القبض على الحمصي يوم 10 أغسطس/آب قائلةً إن قائمة المطالب السياسية التي أعلنها يوم 7 أغسطس/آب مع بدء قيامه بالإضراب عن الطعام في مكتبه تمثل "محاولة لتغيير الدستور بوسائل غير مشروعة، ومحاولة لمنع السلطات من تنفيذ واجباتها المنصوص عليها في القانون، ومحاولة للإضرار بالوحدة الوطنية وتشويه صورة الدولة وإهانة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية". كما زعمت الوزارة أن الحمصي عليه متأخرات ضريبية تصل إلى حوالي مليون دولار أمريكي، وأنه كان قد أطلق دعوته إلى إجراء تغييرات سياسية تتراوح ما بين إلغاء قانون الطوارئ وفرض تدابير مشددة لمكافحة الفساد، للإيهام بأنه "ضحية سياسية، في حين أنه في حقيقة الأمر شخص متهم بجرم. وفي 30 أكتوبر/تشرين الثاني بدأت محاكمة الحمصي في المحكمة الجنائية بدمشق وكانت لا تزال مستمرة في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني. وفي الأول من سبتمبر/أيلول ألقت السلطات القبض على رياض الترك البالغ من العمر واحداً وسبعين عاماً، وهو رئيس المكتب السياسي للحزب الشيوعي غير المعترف به، ولعله أشهر سجين سياسي سابق في سورية. وذكرت مصادر رسمية أنه اعتقل "وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات السوري". وأفادت صحيفة "الثورة" الحكومية الصادرة يوم 5 سبتمبر/أيلول أن رياض الترك "عبر عن آراء تتعدى على الدستور وتخالف القانون العام وتشوه صورة الدولة". وبحلول منتصف نوفمبر/تشرين الثاني كان الترك لا يزال محتجزاً، وذلك حسبما أفادت الأنباء انتظاراً لمثوله أمام محكمة أمن الدولة التي لا تتوافق إجراءاتها مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، ومنها الحق في الاستئناف أمام محكمة أعلى.

ثم اعتقلت السلطات يوم 6 سبتمبر/أيلول رياض السيف، وهو عضو آخر بالبرلمان وأحد دعاة الإصلاح السياسي الذين يجهرون بآرائهم. وذكر محاميه أنه اتهم لاحقاً بالعمل على تغيير الدستور بوسائل غير مشروعة، والتحريض على الفتنة الدينية، وتشكيل جمعية سرية، وتنظيم اجتماعات هدامة وتجمعات تهدف إلى إحداث الفوضى. وقبل اعتقال السيف بيوم واحد كان مئات من الأشخاص قد حضروا "منتدى الحوار الوطني"، وهو تجمع سياسي أسبوعي يستضيفه السيف في بيته. وكان السيف قد أوقف عقد هذا المنتدى في مارس/آذار ولم يستأنفه إلا في سبتمبر/أيلول بعد أن ظل طوال هذه الفترة عاجزاً عن الحصول على إذن رسمي. كما كان قد خطط لإنشاء حزب سياسي جديد تحت اسم "حركة السلام الاجتماعي" الذي يتضمن برنامجه إنهاء قبضة حزب البعث على السلطة السياسية. وفي فبراير/شباط استجوبته النيابة بشأن الأهداف المقترحة للحزب، وتردد أنها اتهمته بتهديد الدستور و"محاولة إثارة فتنة طائفية". وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول بدأت محاكمة السيف في المحكمة الجنائية بدمشق، وكانت لا تزال مستمرة في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني. كما ألقي القبض على سبعة آخرين من النشطاء وسجنوا فيما بين 9 و12 سبتمبر/أيلول، ومنهم الاقتصادي البارز عارف دليلة، أحد الأعضاء المؤسسين للجان غير الحكومية لإحياء المجتمع المدني، وغيرهم من المشاركين في حركة المحافل المدنية، وهم المحامي حبيب عيسى والمهندس فواز تيللو وحسن سعدون وحبيب صالح. وكان اثنان بين المقبوض عليهم، هما حبيب عيسى والطبيب وليد البني، حاضرين في الاجتماع التأسيسي لجمعية حقوق الإنسان المستقلة بسورية يوم 2 يوليو/تموز، والطبيب كمال لبواني العضو في مجلس إدارة لجان الدفاع عن حقوق الإنسان. وكان عيسى أيضاً عضواً بهيئة الدفاع التي تولت قضايا البرلمانيين المعتقلين، وكان قد تحدث قبل إلقاء القبض عليه عن هذه القضايا في قناة الجزيرة الفضائية القطرية. وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني كان السبعة جميعاً ينتظرون محاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة.

وفي الأشهر السابقة على حملة الإجراءات الصارمة، أشار مسؤولون كبار إلى تزايد قلق الحكومة وعدم ارتياحها بشأن فتح الحوار العام. وفي 29 يناير/كانون الثاني قال وزير الإعلام عدنان عمران محذراً إن المناقشات المتعلقة بالإصلاح يجب أن تكون مسؤولة، واستهجن مصطلح "المجتمع المدني" واصفاً إياه بأنه "تعبير أمريكي". كما تناول الرئيس الأسد نفس هذا الموضوع في حوار نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" اليومية العربية في 8 فبراير/شباط، قال فيه إن المنظمات المدنية يجب أن تكون مكملة لمؤسسات الدولة و"معتمدة عليها"، و"ألا تنهض على أنقاضها"، وإن "تطور مؤسسات المجتمع المدني في سورية يجب أن يأتي في مرحلة تالية، ومن ثم فإن هذه المنظمات ليست من بين أولوياتنا".
وفي منتصف فبراير/شباط فرضت الحكومة قيوداً على المنتديات المدنية المستقلة، تنتقص من حرية التجمع غير المسبوقة التي كان النشطاء السوريون وأنصارهم يتمتعون بها. وورد أن الاجتماعات لم يعد بالإمكان عقدها بدون موافقة مسبقة من الحكومة، وتقديم قائمة بالمشاركين فيها، ونسخة من كلمات المتحدثين فيها. وفي مارس/آذار حذر الرئيس الأسد مرة أخرى من أن هناك مبادئ في سورية لا يجوز لأحد المساس بها، مشيراً إلى حزب البعث والقوات المسلحة وسياسات الرئيس حافظ الأسد. وأضاف قائلاً إن تحدي هذه الركائز يرقى إلى درجة الإضرار بالمصلحة القومية، وخدمة أعداء الأمة. ووجدت ملاحظات الرئيس صدىً لها في مذكرة داخلية لحزب البعث نشرت في مارس/آذار، حيث اتهمت على نحو ينذر بالشر المنظمات التي تسعى لإضعاف الدولة وتقزيم دورها بأنها تخدم أعداء الوطن بقصد أو بدون قصد.

وفي 22 سبتمبر/أيلول منيت حقوق الإنسان بنكسة أخرى عندما أصدر الرئيس الأسد قراراً مقيداً لتنظيم الصحف وغيرها من المطبوعات الدورية بالإضافة إلى أي مطبوعات أخرى في سورية، من الكتب حتى الملازم والملصقات. ويمنح هذا القرار الرئاسي رقم 50 لسنة 2001 السلطة التنفيذية، وعلى وجه الخصوص رئيس الوزراء ووزير الإعلام، صلاحيات تنظيم شؤون دور النشر والطباعة والتوزيع والمكتبات، وينص على عقوبات جنائية قاسية لأي انتهاك للقرار، من بينها غرامات باهظة والسجن لمدة أقصاها ثلاث سنوات.

وتسرد المادة 29 من القرار الموضوعات المحظورة، ومن بينها تفاصيل المحاكمات السرية، والمقالات والتقارير المتعلقة بالأمن القومي والوحدة الوطنية وتفاصيل أمن الجيش وسلامته وتحركاته وأسلحته وإمداداته ومعداته ومعسكراته، والمواد التي تؤثر على الحق في الخصوصية. وتجرِّم المادة 51(أ) نشر الأكاذيب والتقارير الملفقة، وتنص على توقيع عقوبة السجن من سنة إلى ثلاث سنوات و/أو غرامات باهظة على من ينتهك هذه المادة. وتضيف المادة بلغة فضفاضة وتعميم جارف أن الحد الأقصى من العقوبة سوف يفرض إذا ارتكبت هذه الأفعال بدافع سوء النية، أو إذا سببت قلاقل عامة، أو أضرت بالعلاقات الدولية، أو أساءت إلى كرامة الدولة أو الوحدة الوطنية أو الروح المعنوية للجيش والقوات المسلحة، أو أحدثت شيئاً من الضرر بالاقتصاد القومي والعملة الوطنية. كما يعاقب منتهكو المادتين 29 و51(أ) بإيقاف مطبوعاتهم لمدد تتراوح بين أسبوع وستة أشهر.

كما يحظر القرار "المطبوعات الدعائية" الممولة "بصورة مباشرة أو غير مباشرة" من الدول أو الشركات أو المؤسسات الأجنبية، مما يثير المخاوف من أنه قد يستخدم لاستهداف منظمات المجتمع المدني المستقلة التي تتلقى تمويلاً من الخارج. ويعاقب من يخالف هذا النص بالغرامة والسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وعام كامل.

كما يشترط القرار حصول جميع الدوريات، بما فيها الدوريات الخاصة بالأحزاب السياسية المشكلة بصورة قانونية، على ترخيص مسبق بالنشر من رئيس الوزراء، الذي خُوِّل سلطة الامتناع عن إصدار التراخيص لما يراه من أسباب تتعلق بالصالح العام. لكن القرار استثنى المنظمات غير الحكومية والنقابات والاتحادات المهنية من هذا الشرط الخاص بالترخيص، ولو أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت المنظمات غير الحكومية التي ليس لها وضع قانوني رسمي سوف يسمح لها بنشر مجلات أو أي مطبوعات دورية أخرى.

وتنص أحكام أخرى في القرار، يرد تفصيلها في المادة 16، على قصر ملكية المطبوعات الدورية على العرب السوريين، الأمر الذي يوحي بأن أبناء الأقلية الكردية والأكراد عديمي الجنسية المولودين في سورية بالإضافة إلى الأجانب لا يحق لهم امتلاكها. كما تحرم تلك المادة تملك المطبوعات الدورية على أي شخص أدين بجرم جنائي أو جرد من حقوقه المدنية أو السياسية أو فصل من وظيفته، وهي عقوبات سبق أن فرضت على الكثيرين من منتقدي الحكومة السلميين الذين سبق أن سجنوا بتهم جنائية بعد محاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة. كما يشترط القرار حصول جميع المطبوعات الدورية على موافقة وزارة الإعلام قبل تغيير المالك أو المدير أو رئيس التحرير، ويشترط على موزعي وبائعي الدوريات الأجنبية تقديم نسخ للوزارة قبل توزيعها، الأمر الذي قد يمنع دخولها أو توزيعها إذا كانت تتعدى على السيادة الوطنية أو الأمن القومي أو تخدش الآداب العامة.

وظلت قضية اللبنانيين المودعين في الحجز سراً في سورية دون حل، ومن بين هؤلاء اللبنانيين أشخاص ألقت قوات الأمن اللبنانية أو السورية القبض عليهم في الأراضي اللبنانية، ثم "اختفوا" بعد ذلك على الرغم من اعتراف الحكومة السورية رسمياً بأنها تحتجز عشرات من السجناء. وفي 11 ديسمبر/كانون الأول 2000، نقلت السلطات السورية 54 سجيناً إلى لبنان، منهم 46 لبنانياً وثمانية فلسطينيين؛ وقال أحد اللبنانيين، واسمه خالد توفيق، إنه ظل حبيساً ثلاثة عشر عاماً. وبعد عدة أيام أخلى المدعي العام اللبناني سبيل مجموعة أخرى تضم 95 لبنانياً ظلوا مسجونين في سورية بسبب ما زعم من ارتكابهم جرائم جنائية على الأراضي السورية. وعلى الرغم من تأكيد الحكومة السورية مراراً أن هذا الملف قد أغلق الآن، فإن منظمات حقوق الإنسان اللبنانية تصر على أن هناك لبنانيين آخرين محتجزين في سورية دون اعتراف السلطات بذلك، بعضهم تمكن أقاربهم من زيارتهم خلال السنوات الماضية. ومن بين "المختفين" أيضاً 26 جندياً لبنانياً شوهدوا أحياء آخر مرة يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 1990، وهو اليوم الذي بدأت فيه القوات السورية قتالها ضد القوات الموالية للعماد ميشيل عون.
go up -أعلى الصفحة
  • البيان الصحفي
  • مقدمة الشرق الأوسط
  • الجزائر
  • المغرب
  • إيران
  • العراق وكردستان العراق
  • إسرائيل والسلطة الفلسطينية
  • مصر
  • السعودية
  • تونس
  • سوريا
  • اليمن



  • Human Rights Watch Home التقارير السابقة : 1999 |2000 |2001
    الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
    الصفحة الرئيسية

    Human Rights Watch