اقترب لبنان كثيراً في عام 2008 من خوض حرباً أهلية ثم تراجع، فالتوترات المستمرة بين المعارضة التي يتزعمها حزب الله والمجموعات الموالية للحكومة انفجرت على شكل اقتتال فعلي في شهر مايو/أيار الماضي. لكن مختلف الفرقاء توصلوا في 21 مايو/أيار في قطر إلى اتفاق سياسي مهد الطريق لانتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، واستئناف عمل البرلمان. إلا أن الاتفاق لم ينجح في إرساء أساس لإصلاحات حقيقية، واستمرت بالتالي حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتتال المتقطع.
وحالة الإفلات من العقاب بقيت سائدة مع المسلحين الذين نادراً ما يخضعون للمحاسبة جراء اعتداءاتهم على المدنيين. وتستخدم قوات الأمن القوة لانتزاع الاعترافات، خصوصاً من المشتبه بهم أمنياً. ولا يزال اللاجئون الفلسطينيون الذين خرجوا من مخيم نهر البارد يعيشون في ظروف بائسة بانتظار إعادة إعمار المخيم. كما أن القوانين اللبنانية لا تزال تميز ضد النساء حيث تنكر عليهن حق منح جنسيتهن لأطفالهن أو أزواجهن، هذا فضلاً عن أمور أخرى. وتتعرض عاملات المنازل الوافدات للاستغلال وسوء المعاملة من قبل أرباب العمل مع فرص ضئيلة بالحصول على حقهن.
ورغم التعهدات التي أطلقتها الحكومة الجديدة، لا تزال أسر الذين يقدرون بحوالي 17,000 "مفقود" خلال وبعيد الحرب الأهلية اللبنانية المدمرة التي دارت بين عامي 1975 و1990، بانتظار الحصول على معلومات عن مصير ذويهم.
الاقتتال الداخلي
اندلع الاقتتال في 7 مايو/أيار بين المعارضة بزعامة حزب الله وأطراف الموالاة، وقتل خلاله ما لا يقل عن 71 شخصاً في غضون أسبوعين. وارتكب مقاتلو الطرفين، المعارضة والموالاة، أعمالاً تعتبر انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي، بما فيها الاعتداء على المدنيين والممتلكات. واستولت مجموعات من فصائل المعارضة (حزب الله، حركة أمل، الحزب القومي السوري الاجتماعي) بقوة السلاح على أجزاء من بيروت. كما هاجموا وأطلقوا النار على مراكز إعلامية تابعة لتيار المستقبل. وفي المقابل لجأ مؤيدون لفصائل الموالاة (تيار المستقبل، الحزب التقدمي الاشتراكي) إلى العنف في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، بما في ذلك قتل مقاتلي المعارضة الذين توقفوا عن القتال في حلبا شمال لبنان.
وفشل الاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه في 21 مايو/أيار في معالجة الانتهاكات المرتكبة خلال الاقتتال. كما استمرت الصدامات المتقطعة لثلاثة أشهر أخرى في البقاع والشمال، مخلفةً وراءها ما لا يقل عن 40 قتيلاً في طرابلس. وفيما خلا استثناءات جد محدودة، فشلت السلطات القضائية اللبنانية في محاسبة الذين ارتكبوا الهجمات ضد المدنيين.
تركة الحروب الماضية
بعد أكثر من سنتين على نهاية الحرب بين إسرائيل وحزب الله، لم يقم أي من الطرفين (إسرائيل والحكومة اللبنانية) بأي تحقيق في انتهاكات قوانين الحرب التي ارتكبها الطرفان المتحاربان.
ولا تزال القنابل العنقودية غير المتفجرة التي خلفتها إسرائيل والتي يصل عددها إلى مليون قنبلة بعد عمليات القصف التي شنتها خلال الحرب الأخيرة، ولا تزال هذه القنابل تلحق الأذى بالمدنيين، حيث ذكر المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام أنها قتلت في عام 2008 شخصين وجرحت 35 آخرين، مما رفع عدد ضحايا القنابل العنقودية بعد الحرب إلى 42 قتيلاً و282 جريحاً. وتواصل إسرائيل رفضها بإعطاء أية تفاصيل عن المواقع التي استهدفتها بالقنابل العنقودية.
وفي يوليو/ تموز 2008 حدثت عملية تبادل بين إسرائيل وحزب الله تم خلالها مبادلة جثامين 200 مقاتل لبناني وفلسطيني قتلوا خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي وخمسة أسرى لبنانيين أحياء، بينهم سمير القنطار، مقابل جثماني جنديين إسرائيليين كان حزب الله قد اختطفهما في يوليو/تموز 2006.
وفي 4 أغسطس/ آب، تعهدت الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري باتخاذ خطوات للكشف عن مصير المواطنين اللبنانيين وغير اللبنانيين الذي فُقِدوا خلال الحرب الأهلية (1975-1990) وما بعدها، وبتصديق الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. إلا أن الحكومة لم تتخذ أية خطوات عملية للكشف عن المقابر الجماعية أو لجمع المعلومات عن المفقودين. ولا يزال مصير اللبنانيين وغير اللبنانيين المقيمين في لبنان الذين اختفوا على يد قوات الأمن السورية مجهولاً حتى الآن. وقد جمعت منظمات حقوق الإنسان اللبنانية قائمة تضم 640 ضحية لعمليات الاختفاء القسري على يد القوات السورية في لبنان. ويذكر أن لجنة رسمية مشتركة سورية لبنانية تشكلت في مايو/أيار 2005 للتحقيق في هذه القضايا، لكنها لم تنشر أية نتائج حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
التعذيب وسوء المعاملة وأحوال السجون
ذكر عدد من اللبنانيين أنهم تعرضوا للضرب والتعذيب أثناء التحقيق معهم في عدد من مراكز الاحتجاز، مثل جهاز مخابرات الجيش في وزارة الدفاع، وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، ومراكز الاحتجاز التابعة لمكتب مكافحة المخدرات في بيروت وزحلة، إضافة إلى بعض مخافر الدرك. وتجدر الإشارة إلى أن القانون اللبناني يحظر التعذيب، لكن الإفلات من العقاب على سوء المعاملة والتعذيب أثناء الاعتقال لا يزال سائداً.
كما أن الشروط السائدة في السجون ومراكز الاحتجاز لا تزال سيئة، حيث يعتبر الازدحام المفرط وغياب الرعاية الطبية الملائمة من المشاكل الدائمة فيها. وقد لقي 21 شخصاً على الأقل حتفهم في السجن خلال عام 2008. وفتحت وزارة الداخلية في أغسطس/آب 2008 تحقيقاً في مزاعم سوء المعاملة في السجون اللبنانية، بعد ادعاءات عامة بالفساد وإساءة معاملة السجناء. ولم يتم الإعلان بعد عن نتائج هذه التحقيقات حتى تاريخه.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول قدمت وزارة العدل مشروع قانون يقضي بإلغاء عقوبة الإعدام.
اللاجئون الفلسطينيون
لا يزال اللاجئون الفلسطينيون يخضعون لقيود واسعة النطاق في السكن والعمل رغم الجهود المحدودة التي بذلتها السلطات لتخفيف بعض القيود على العمل. كما أن فلسطينيي مخيم نهر البارد، الذي دمر إثر معارك عام 2007 بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام المسلح، يعيشون حالياً في ظروف بائسة بانتظار إعادة بناء مخيمهم. وقد طالبت الحكومة اللبنانية في يونيو/حزيران المانحين الدوليين بتقديم 445 مليون دولار لإعادة إعمار المخيم، لكن لم يتم الالتزام سوى بمبلغ 113 مليون دولار حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.
ووافقت السلطات اللبنانية في أغسطس/آب على إصدار بطاقات هوية مؤقتة للاجئين الفلسطينيين في لبنان دون أية وثائق قانونية. ويفترض بهذا القرار أن يحسن الوضع القانوني لما لا يقل عن 3,000 فلسطيني في لبنان كانوا يعيشون سابقاً في خوف مستمر من الاعتقال.
اللاجئون العراقيون
يقدر عدد العراقيين الذين يعيشون في لبنان بحوالي 50 ألف نسمة. وتعترف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بجميع العراقيين من وسط وجنوب العراق الذين يطلبون اللجوء في لبنان بأنهم لاجئون دون الحاجة إلى إثبات ذلك. إلا أن لبنان لم يمنح اعتراف المفوضية العليا باللاجئين العراقيين أي مفعول قانوني، وهو يعامل الغالبية العظمى منهم كمهاجرين غير شرعيين يخضعون للتوقيف. وقد تراجع عدد العراقيين المعتقلين في لبنان خلال عام 2008 بعد إطلاق سراح أكثر من 200 عراقي بين مارس/آذار وسبتمبر/أيلول كجزء من عملية تنظيم وضع المواطنين الأجانب في لبنان.
محكمة الحريري
تواصل اللجنة الدولية التي عينتها الأمم المتحدة تحقيقاتها في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005 إضافة إلى بعض الاغتيالات السياسية الأخرى، لكن اللجنة لم تُسمِّ حتى الآن أي مشتبه بهم رسمياً. ومن المفترض أن يصدر تقريرها الأخير في 2 ديسمبر/كانون الثاني. ومن المرتقب أن تقوم المحكمة الخاصة بمحاكمة المسؤولين عن اغتيال الحريري، والتي تشكلت بقرار من مجلس الأمن الدولي في يونيو/حزيران 2007، بمباشرة عملها في عام 2009.
ولا يزال أربعة من رؤساء الأجهزة الأمنية والاستخبارات اللبنانية سابقاً، وهم العميد علي الحاج، والعميد ريمون عزار، واللواء جميل السيد والعميد مصطفى حمدان، إضافة إلى مدنيين اثنين هما أحمد ومحمود عبد العال، رهن الاعتقال دون توجيه اتهام لهم بعد توقيفهم في عام 2005 على خلفية الاشتباه بتورطهم في اغتيال الحريري. ووصفت مجموعة العمل الخاصة بالاعتقال التعسفي التابعة للأمم المتحدة استمرار احتجازهم دون تهمة على أنه "تعسفي" و"غير منصف".
وهناك مدني آخر، هو إبراهيم جرجورة، لا يزال قيد الاعتقال منذ يناير/كانون الثاني 2006 بتهمة تقديم معلومات كاذبة للجنة الدولية.
التمييز ضد المرأة
على الرغم من المشاركة الفاعلة للمرأة في مختلف جوانب نشاط المجتمع اللبناني، إلا أن قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الجنسية وقانون العقوبات فيما يخص العنف الأسري، لا تزال تحتوي على أحكام تمييزية ضدهن. ويشار إلى أن القانون اللبناني الحالي لا يسمح للمرأة بمنح جنسيتها لزوجها أو لأطفالها. ونتيجة لذلك، هناك آلاف الأطفال الذين ولدوا من أمهات لبنانيات وآباء أجانب محرومين تماماً من الحصول على التعليم والرعاية الصحية والإقامة.
ومن جانب آخر تتعرض عاملات المنازل الأجنبيات للاستغلال وسوء المعاملة من قبل أرباب عملهن، بما في ذلك ساعات العمل الطويلة، وعدم دفع الأجور، والقيود المفروضة على حريتهم. ويعاني الكثير من النساء المهاجرات من سوء المعاملة الجسدية والجنسية على يد أرباب عملهن في ظل جو يسوده الإفلات من العقاب. ويذكر أن ما لا يقل عن 45 من عاملات المنازل الأجنبيات لقين حتفهن في لبنان عام 2008، معظمهم مات انتحاراً أو أثناء محاولة الهرب.
الفاعلون الدوليون الرئيسيون
تتنافس العديد من الأطراف الدولية والإقليمية لممارسة نفوذها على لبنان.
وتعتبر فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي من الداعمين الرئيسيين للحكومة اللبنانية ويقدمون المساعدة لمجموعة كبيرة من البرامج، من ضمنها تدريب القوات المسلحة، والندوات الخاصة بمنع التعذيب، وأنشطة المجتمع المدني. إلا أن هذه الدول لا تستخدم نفوذها لحض لبنان على تبني إجراءات ملموسة لتحسين سجله في مجال حقوق الإنسان، كالتحقيق في المزاعم الخاصة بالتعذيب أو تبني قوانين تحترم حقوق اللاجئين والعمالة المهاجرة.
وعلى الصعيد الإقليمي، تمارس سورية وإيران والمملكة العربية السعودية تأثيراً قوياً على السياسة اللبنانية من خلال حلفائهم اللبنانيين. وقد تحسنت العلاقات السورية اللبنانية عام 2008، بعد ثلاث سنوات من التوتر، واتفق البلدان على إقامة علاقات دبلوماسية في 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إثر الوساطة الفرنسية. وبرزت قطر كوسيط قوي جديد بعد وساطتها الناجحة في إنهاء الاقتتال في مايو/ أيار.
ويواصل مجلس الأمن الدولي متابعته لتنفيذ القرار رقم 1559، الذي دعا الحكومة اللبنانية إلى بسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية. ولا تزال قوات حفظ السلام الدولية موجودة بأعداد كبيرة على طول الحدود اللبنانية الجنوبية.