Jordan
الاردن



  


تكـريماً للقــتلة:
حرمان ضحايا جرائم "الشرف" من العدالة في الأردن

ملخص || التوصيات

ملخص


في عام 2003 طعن رجل ابنته 25 طعنة قاتلة لأنها أبت أن تخبره أين كانت في فترة غيابها عن بيتها التي دامت ثلاثة أسابيع؛ وفي عام 2002 قتل رجل أخته بعد أن رآها "تحادث رجلا غريبا في حفل زفاف"؛ وفي عام 2001 قتل رجل آخر أخته "بعد أن رأى رجلا خارجا من منزلها". ولم يحدث في أي من هذه الحالات، ولا في عشرات غيرها من حوادث القتل بدافع "الشرف" التي وقعت في الأردن في السنوات الأخيرة أن قضى الجاني أكثر من ستة أشهر في السجن. ومن المؤسف أن أعمال القتل العنيفة والاستجابة المتهاونة لها ليست بالأمر الاستثنائي.

فلا يزال قتل البنات والنساء اليوم على أيدي أقربائهن الذكور دفاعاً عن "الشرف" في الأردن، وفي كثير غيره من بلدان البحر المتوسط والعالم الإسلامي، من أكثر التهديدات البدنية انتشارا ضد النساء ؛ كما أنه أكثر صور العنف المنزلي تطرفا، وهو جريمة قائمة على تميز الرجل وسلطانه وعلى التبعية الاجتماعية للمرأة. وعلى الرغم من عدم ارتفاع الأعداد المطلقة لحوادث القتل (وإن كان من المرجح أن تكون أرقام الوقائع المبلغ عنها أقل مما يحدث في الواقع)، فإن أصداءها تتجاوب في كافة جنبات المجتمع. ويمثل القتل دفاعاً عن "الشرف" أشد العواقب المأساوية للتمييز بين الجنسين الضارب بجذوره في شتى أنحاء المجتمع، وأوضح مثال عليه.

إن حياة المرأة في الأردن تصبح مهددة إذا قامت بفعل "غير أخلاقي أو مشين"، كالتحدث إلى رجل ليس بزوجها أو لا تربطها به قرابة دم - حتى في الأماكن العامة - أو الامتناع عن إخبار واحد من أقرب أقربائها الذكور أين كانت ومع من، أو الزواج برجل لا ترضى به أسرتها - أي إجمالاً لإتيانها أو الاشتباه في إتيانها فعلاً جرى العرف على اعتباره مجلبة للعار على نفسها ومن ثم على أسرتها. وقد يعتدي الأقرباء الرجال على المرأة المتهمة بذلك بضربها أو إطلاق النار عليها أو طعنها أو سوى ذلك من صنوف الإيذاء البدني، بموافقة أفراد أسرتها وموافقة قطاعات عريضة من المجتمع عموماً. ونادرا ما تقوم الشرطة بالتحقيق في حوادث القتل بدافع "الشرف"، وقلما تتخذ أي مبادرة لمنع وقوع هذه الجرائم، وعادة ما تتعامل مع القتلة على أنهم معذورون. كما درجت الشرطة على إجبار النساء المهددات على الخضوع لفحص طبي مؤلم ومهين لإثبات عذريتهن بناء على طلب أسرهن للتأكد من سلامة بكارتها.

ويتنهي الحال بنساء كثيرات مهددات من جانب أفراد أسرهن بالسجن حماية لهن؛ ومؤدى هذه الأوضاع المقلوبة في الواقع هو أن يظل الكثيرون من مرتكبي أعمال القتل دفاعاً عن "الشرف" أحرارا طلقاء، بينما يؤول المطاف بالمرأة المهددة بالاعتداء إلى السجن. وقد تحدثت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى بعض النساء اللاتي مكثن في السجن زهاء عشر سنوات، واللاتي تنوي بعضهن بالفعل البقاء في السجن إلى أن توافي المنية من يهددونهن من أفراد أسرهن أو يغادروا البلاد. ولا يوجد في المملكة الأردنية الهاشمية قانون يعطي الرجل الحق في قتل قريبة له يعتقد أنها ألحقت العار بالأسرة، لكن جرائم القتل دفاعاً عن "الشرف" في الأردن نادراً ما تؤدي إلى صدور حكم بالسجن لمدة تزيد على سنة، كما يمكن تخفيف الحكم إلى ستة أشهر بموجب المادة 98 من قانون العقوبات إذا تنازلت أسرة المجني عليها عن الدعوى المقامة ضد الجاني. بل إنه من الشائع أن يخرج القاتل من قاعة المحكمة حرا فور إدانته، حيث يكون قد اعتراف طواعية بالجريمة وقضى ستة أشهر أو أكثر في الحبس على ذمة المحاكمة. وإذا كانت هناك بعض الدلائل على تزايد حساسية هذه القضية في السنوات الأخيرة، فإن المحاكم ما برحت تقبل بصفة معتادة عذر القاتل بأنه أقدم على فعلته بسبب "سورة الغضب" و"نقص الأهلية" - حتى عندما تقع الجريمة بعد مرور أسابيع على الفعل المشين المزعوم - ولا تزال مستعدة للنظر إلى أبسط بادرة توحي باستقلالية المرأة على أنها استفزاز يلطخ شرف الأسرة.

ويسعى دعاة حقوق المرأة في الأردن إلى تعديل القوانين التي تحمي أفراد الأسرة الذين يقتلون دفاعاً عن "الشرف"، إلا أن مجلس النواب عرقل هذه الجهود، مثلما عرقل مقترحات تشريعية أخرى تفتح الباب أمام إعطاء المرأة مكانة مساوية لمكانة الرجل في القانون الأردني. وفي الوقت نفسه، نجد أن التزامات الأردن بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان تقضي بمعاملة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في ظل القانون وبحماية السلامة البدنية للمرأة.
    وفي يوليو/تموز 2003 زارت منظمة هيومن رايتس ووتش الأردن وأجرت مقابلات مع عدد من النساء المهددات بالقتل على أيدي أقربائهن - وكلهن محبوسات في مركز الجويدة لإصلاح وتأهيل النساء في عمان، الذي يعد الملاذ الوحيد لهن - ومع عدد من مسؤولي الحكومة ودعاة حقوق الإنسان وضباط الشرطة والقضاة والشخصيات السياسية الإسلامية. ووجدت المنظمة أنه على الرغم من تأييد بعض أعضاء الحكومة الأردنية والأسرة المالكة للإصلاح، فإن قضية جرائم "الشرف" في الأردن لم تُحل بعد، وباتت بحاجة إلى إجراء عاجل. ومنذ مارس/آذار 2004، وردت بلاغات عن مقتل 4 نساء في الأردن لأسباب تتعلق "بشرف" الأسرة. ويبدأ هذا التقرير بوصف السياق الاجتماعي الذي تقع فيه جرائم "الشرف"، بما في ذلك وضع الفتيات والنساء كمواطنات من الدرجة الثانية في نظر القانون والعرف، وعدم الإبلاغ عن حالات العنف المنزلي بصورة وافية، وعدم وجود ملاذ أو ملجأ تحتمي به النساء المهددات، والاحترام الممنوح في كثير من الأحيان لمن يعترفون بقتل قريباتهم. ثم يقدم التقرير دراسة حالة عن أربع نساء مهددات من جانب أقربائهن، لبيان استمرار ضعف استجابة الحكومة لجرائم "الشرف"، وما يخلفه ذلك من أثر مدمر ومشلٍّ لحياة المرأة. وبعد أن يستعرض التقرير بدقة النصوص القانونية المتصلة بهذا الموضوع، يختتم بمجموعة من التوصيات المفصلة في هذا الصدد.
إن محاسبة الجناة وحماية النساء والفتيات يجب أن تكون من الأولويات العاجلة لدى المسؤولين الأردنيين؛ وتقتضي المحاسبة الحقيقية من الحكومة الأردنية القيام بتعديل أو إلغاء نصوص القانون الجنائي التي تعفي مرتكبي جرائم القتل دفاعاً عن "الشرف" من العقاب الشديد، والعمل الجاد على التصدي للتمييز المستمر في إطار منع الجرائم والاعتداءات المرتكبة دفاعاً عن "الشرف" والتحقيق فيها، وتحريك الدعوى الجنائية ضد مرتكبيها. وينبغي على السلطات القضائية بالأردن فرض العقوبات المناسبة على من يرتكبون جرائم "الشرف" وغيرها من صور العنف ضد النساء والفتيات، أو يؤيدونها، أو يتغاضون عنها. كما يجب توفير الملاذ الكافي لضحايا جرائم "الشرف" والمعرضات للخطر من جراء هذا اللون من العنف ولأطفالهن الذين يعلنهن. ويجب عدم وضع هؤلاء النساء رهن "الاحتجاز الوقائي" قسرا، كما يجب السماح لهن صراحة بالإقامة في ملاجئ منشأة خصيصا لإيواء ضحايا العنف المنزلي. ونظرا لأن جانباً كبيراً من التمييز الكامن وراء جرائم القتل بدافع "الشرف" وضعف استجابة الحكومة ضارب بجذوره في المجتمع، فإن التصدي الفعال لهذه المشكلة يقتضي أيضا إجراء التدريب المخصص لقطاعات معينة من الشرطة والقضاء، مع تنظيم حملات قوية للتوعية العامة.

ملخص || التوصيات