دور المجتمع الدولي
الأمم المتحدة في الثالث من مايو/أيار، اليوم العالمي لحرية الصحافة، وجهت منظمة اليونيسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة) الأنظار إلى محنة دعاة حقوق الإنسان في سورية بأن منحت نزار نيوف، الذي كان يمضي عقوبة السجن لمدة عشر سنوات على الرغم من تدهور حالته الصحية، جائزة غيليرمو كانو العالمية لحرية الصحافة. الاتحاد الأوروبي مرة أخرى، لم تكن حقوق الإنسان مدار الاهتمام الرئيسي في العلاقات الأوروبية مع سورية. فقد استمر الاتحاد الأوروبي في إجراء محادثات مع دمشق بهدف التوصل إلى اتفاقية شراكة بحلول عام 2010، وفقاً لما صرح به مارك بيريني، رئيس البعثة الأوروبية في دمشق. وقبل جولة مباحثات جرت في دمشق في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1999 واستمرت يومين، صرح بيريني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن حقوق الإنسان ستكون "جانباً هاماً من الاتفاقية"، وأنه ستجري مناقشتها خلال هذه الاجتماعات أيضاً. لكنه بدا وكأنه يخفف من حدة هذه الرسالة بقوله: "إن الاتحاد الأوروبي، الذي تتلخص أهدافه المعلنة في تعزيز استقرار سورية وازدهارها، يجب أن يضع في حسبانه المخاوف المشروعة لدى السلطات السورية من وقوع مشاكل اجتماعية في أعقاب الإصلاحات". وفي خطاب ألقاه يوم 17 يوليو/ تموز أمام مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني في لندن، نوَّه وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية بيتر هين بانتقال السلطة إلى بشار الأسد بصورة "سلسة جداً"؛ وأضاف الوزير قائلاً: "أعتقد أنه، على مدى السنة الماضية، أرست بريطانيا وسورية دعائم علاقة جديدة بين البلدين. إنني أرحب بالتزام الرئيس [بشار] الأسد بإجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادية، وبالتزامه بخيار السلام الاستراتيجي. وستسعى بريطانيا، باعتبارها صديقاً قديماً لسورية، لمساعدتها في كلا المجالين". الولايات المتحدة الأمريكية بقيت علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع سورية فاترة في أحسن الأحوال، وذلك رغم استمرار جهود حكومة كلينتون لتحقيق اتفاقية سلام مع إسرائيل، بما في ذلك اللقاء الذي تم في جنيف يوم 26 مارس/آذار بين الرئيس كلينتون والرئيس حافظ الأسد، والذي يعتقد الكثيرون أنه باء بالفشل. كما ظلت سورية على قائمة الدول التي تعدها الولايات المتحدة "إرهابية"، مع أن المبادلات التجارية بين البلدين عام 1999 بلغت ما مجموعه 172.67 مليون دولار من الصادرات الأمريكية إلى سورية، و94.9 مليون دولار من الصادرات السورية إلى الولايات المتحدة، وذلك طبقاً لما نشره قسم التجارة الخارجية في مكتب الإحصاء الأمريكي. أما وزارة الخارجية الأمريكية فقد انتقدت سورية وامتدحتها معاً في تقريرها حول "أنماط الإرهاب العالمي" لعام 1999، والذي نشر في أبريل/نيسان 2000. فقد ذكر التقرير أن سوريا "ما برحت توفر ملاذاً آمناً ودعماً لعدة جماعات إرهابية يحتفظ بعضها بمراكز تدريب ومرافق أخرى على الأراضي السورية. فالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، التي يتزعمها أحمد جبريل، وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، مثلاً، لها مقار في دمشق. إضافة إلى ذلك، منحت سورية طائفة واسعة من الجماعات الإرهابية ـ بما في ذلك حماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية ـ امتيازات لإقامة مقار لها أو لإيوائها في مناطق في وادي البقاع اللبناني خاضعة للسيطرة السورية". إلا أن التقرير أشار أيضاً إلى أن الحكومة السورية "استمرت في تقييد الأنشطة الدولية لهذه الجماعات، موعزة لقادة المنظمات الإرهابية في دمشق، في أغسطس/ آب، بأن يمتنعوا عن القيام بأية أنشطة عسكرية، وأن يقصروا نشاطهم على المجال السياسي". وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1999، أعلن الرئيس كلينتون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك والرئيس الأسد وافقا على استئناف المفاوضات الإسرائيلية السورية من النقطة التي توقفت عندها في يناير/كانون الثاني 1996. وبدأت المحادثات في لقاءٍ تم في 15 ديسمبر/كانون الأول 1999 بين الرئيس كلينتون ورئيس الوزراء باراك ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع، تبعتها محادثات في شبردزتاون، بولاية ويست فيرجينيا، في الفترة من 3 إلى 11 يناير/ كانون الثاني 2000. وفي 17 يناير/كانون الثان،ي قالت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت: "في نهاية الجولة الأخيرة، اتُّفق على استئناف المحادثات الإسرائيلية السورية يوم 19 يناير/كانون الثاني. والطرفان يراجعان، منذ ذلك الوقت، وضع المحادثات ومسودة وثيقة العمل. أما مواقف الطرفين من الجولة الثانية فمختلفة حالياً، وسيكون هناك تأخير نتيجة ذلك. في هذه الأثناء وافق الطرفان على إرسال خبراء إلى واشنطن للالتقاء بنا وتزويدنا بتعليقاتهما بخصوص المسودة". ولم تتحقق أية نتائج حاسمة خلال اللقاء الذي جرى يوم 26 مارس/آذار بين كلينتون والأسد، وبدا، من طرف الولايات المتحدة على الأقل، وكأنه لم يكن متوقعاً تحقيق مثل هذه النتائج. في طريقه إلى الاجتماع، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي صامويل بيرغر في مؤتمر صحفي عقده يوم 25 مارس/آذار أثناء سفره على طائرة الرئاسة، إن الهدف من اللقاء "ليس محاولة التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وسورية"؛ كما قال: "إن لم يحدث أي شيء آخر [في جنيف] سوى أن يتشكل لدى الأسد وباراك والرئيس شعورٌ أفضل بأن مصالحهم قابلة للتوفيق أو غير قابلة للتوفيق، فإن ذلك سيكون مفيداً في رأيي؛ فكل واحد منهم سيتخذ قراراته بناء على ذلك". وأثناء الرحلة قدم مسؤول كبير في إدارة كلينتون، لم يُذكَر اسمه، معلومات عامة إضافية حول وجهة النظر الأمريكية، حيث قال: "أعتقد أنه من المهم بالنسبة للحكومة السورية أن تبين وتبرهن لشعب إسرائيل أنه إذا تخلى في الواقع عن جزء من مرتفعات الجولان أو عنها كلها... فإنه سيكسب من ذلك علاقة مختلفة نوعياً مع سورية، وهذا يتضمن تبادلاً حقيقياً لحوار على مستوى الشعبين، وكذلك على المستوى التجاري وغيره". وقد نشر البيت الأبيض هذه الملاحظات في النص الرسمي للمؤتمر الصحفي. وفي 8 مايو/أيار ألقى إدوارد ووكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، خطاباً أمام رابطة مناهضة التشهير في واشنطن أوضح فيه الموقفين الأمريكي والإسرائيلي من المفاوضات، حيث قال: "رغم الصعوبات، لم نيأس بالنسبة للمسار السوري لكن التفاوض على مستقبل مرتفعات الجولان أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر بالنسبة إلى إسرائيل. نحن ندرك أن الإسرائيليين والولايات المتحدة لن يقبلا إلا اتفاقاً يعزز أمن إسرائيل. في الوقت ذاته، يجب إيجاد طريقة لتلبية حاجات الجانب السوري أيضاً؛ فمن الخطأ البالغ افتراض أن السوريين لا يواجهون هم الآخرون مخاطر كبيرة في توجههم نحو السلام. بناءً على ذلك، فما دام كلا الطرفين، الإسرائيلي والسوري، حريصين على إيجاد سبيل للمضي قدماً ـ ونحن نعتقد أن هذا لا يزال هو الحاصل فعلاً ـ فإن الولايات المتحدة ستواصل جهودها لمساعدتهما". وتوفرت أدلة تشير إلى أن إسرائيل تستعد لحشد التأييد لتقديم مساعدة أمريكية لسورية فيما لو تم إبرام معاهدة سلام. فقد ذكر المراسل الدبلوماسي لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية اليومية يوم 26 مارس/آذار من جنيف أن السفارة الإسرائيلية في واشنطن كانت "تدرس إمكانية تقديم مساعدات أمريكية لسورية بعد توقيع اتفاق سلام بين سورية والدولة اليهودية". وقال المراسل إن "دبلوماسيين قدّروا أن البيت الأبيض يمكن أن يقنع الكونغرس بمنح سورية مجموعة من المساعدات، لكن هناك شكاً في إمكانية تقديم مساعدات عسكرية لسورية". وأضاف المراسل قائلاً: "إذا تم التوقيع على اتفاق مع سورية، فمن المتوقع أن تطلب إسرائيل من المجموعات اليهودية في الولايات المتحدة المساعدة في تأمين موافقة الكونغرس على تقديم صفقة مساعدات لسورية"؛ وقال إن "مصادر معلومات مشاركة في السعي لتأمين المساعدات عبر الكونغرس قالت إن صفقة مساعدات مشتركة لسورية وإسرائيل يمكن أن تحظى بموافقة الكونغرس لأنه سيكون من الصعب على أعضاء الكونغرس معارضة مثل هذه الصفقة". وأشار المراسل في مقاله إلى أن إسرائيل طلبت ما قيمته 17 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية لتمويل انسحابها من هضبة الجولان. وباستثناء إشارة في خطاب ألقته مادلين أولبرايت يوم 14 أكتوبر/ تشرين الأول 1999 إلى المدافع عن حقوق الإنسان نزار نيوف واصفة حالته الصحية بأنه "يشرف على الموت بعد أعوام من الحبس الانفرادي والتعذيب والإهمال"، فإن إدارة كلينتون لم تثر علناً ممارسات سورية في مجال حقوق الإنسان، بل أعربت عن رضاها عن الانتقال السلمي للسلطة إلى بشار الأسد. وحين سئلت قبل توجهها لحضور جنازة حافظ الأسد عما إذا كانت ستثير قضايا حقوق الإنسان، ألمحت أولبرايت إلى أنه من غير اللائق توجيه رسالة كهذه، وأضافت قائلة: "أرى أنه من المهم بالنسبة إلى الدكتور بشار الأسد... أن يتولى السلطة، وأن تتم عملية انتقال السلطة". وقالت أولبرايت: "يبدو، من خلال ما شاهدناه خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية... أن انتقال السلطة سيكون سلمياً؛ من المهم أن يكون كذلك". إلا إن أولبرايت علقت على استمرار الوجود العسكري السوري في لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي في مايو/أيار؛ ففي القاهرة مثلاً أدلت أولبرايت بملاحظة يوم 7 يونيو/حزيران أعربت فيها عن إعجابها "بالخطوة الشجاعة التي اتخذها رئيس الوزراء باراك حين سحب قواته من لبنان، وحين فعل ذلك تطبيقاً للقرار رقم 425" لمجلس الأمن؛ وأضافت أنه "من المهم جداً أن تنفذ جميع الأطراف المعنية التزاماتها تجاه القرار 425. وإنني آمل بقوة أن يبدأ الجيش اللبناني بالتحرك إلى جنوب لبنان، وأن يسيطر اللبنانيون على أراضيهم، وأن ترحل جميع القوات الأجنبية [عن لبنان]." وأضافت أن موضوع لبنان سيناقش خلال لقائها ذلك اليوم بوزير الخارجية السوري فاروق الشرع. وقالت "سنتحدث عن لبنان، وأعتقد أننا سنتحدث عن التأكد من أن كل طرف يوفي بالتزاماته طبقاً للقرار 425. وكما قلت سابقاً، فإن السوريين متعاونون [في هذا المجال]، وأعتقد أنه من المهم جداً أن تنفذ جميع الأطراف التزاماتها ـ وهذه التزامات دولية ـ لقد أوفى الإسرائيليون بها، وأنا أرى أنه سيكون أمراً حسناً إن فعل الآخرون جميعاً ذلك أيضاً". |
|