Jordan



Jordan Jordan
  

ملخص

"لماذا الأردن؟" حير هذا السؤال أبو حمزة التبوكي، وهو مواطن سعودي يزعم أن عناصر من الأمن الأميركي اعتقلوه في أفغانستان في ديسمبر/كانون الأول 2001، ثم قاموا باستجوابه في باكستان، ثم نقلوه جواً على متن طائرة خاصة إلى الأردن. ولأنه ليس أردنياً ولا تربطه أية صلة ماضية بالأردن، فلم يفهم لماذا تم إرساله إلى هناك. وسأل التبوكي في تدوينة أرسل بها إلى معارفه في الأردن بعد الإفراج عنه: "لماذا لم أُرحّل إلى أميركا مثلاً ما دام الذين اعتقلوني من الأمريكان؟"

وما عرفه التبوكي هو أن الأردن يملك خيارات أوسع بكثير بمجال الاستجواب المصحوب بالإساءات، وهذا لكي يتم استجوابه "بحرية أكبر"، على حد قول أحد المسؤولين الأميركيين.

وطبقاً للتبوكي فقد شملت أساليب الأردنيين "الإرهاب والخوف والتعذيب والضرب والإهانات والشتائم والتهديد بتعرية أعضائي واغتصابي". ولم يكن التبوكي هو الوحيد الذي واجه هذه الإساءات. فبناء على تحقيقاتنا في الأردن وفي أماكن أخرى، بما في ذلك مقابلات مع عدة محتجزين سابقين، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن التبوكي كان من بين 14 سجيناً أرسلتهم الولايات المتحدة للأردن للتحقيق معهم وربما لتعريضهم للتعذيب.

ومنذ عام 2001 وحتى 2004 على الأقل، خدم سجن دائرة المخابرات العامة بمثابة سجّان بالوكالة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (السي آي أيه)، إذ كان يستضيف السجناء الذين أرادت الاستخبارات الأميركية على ما يبدو أن تخرجهم من مجال الإجراءات المتبعة، ثم يُرحل بعضهم فيما بعد للاستخبارات المركزية الأميركية مجدداً. وقد تجاوز الأمر مجرد التحفظ على هؤلاء الرجال، إذ استخدم محققو دائرة المخابرات العامة الأردنية عليهم أساليب أكثر قسوة من التي تم الاستدلال على استخدام الاستخبارات المركزية لها – حتى الآن – في عمليات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها. وتم احتجاز السجناء – في أغلب الأحوال – لعدة شهور لدى دائرة المخابرات العامة، وفي حالة واحدة على الأقل، لمدة تجاوزت العامين.

مقر دائرة المخابرات العامة في وادي السر، وفي الصورة مركز الاحتجاز الذي يتم فيه احتجاز المشتبهين الإرهابيين المُرحلين استثنائياً.© 2006 غوغل

وفيما لا يمكن التأكد من الرقم الفعلي لعمليات النقل، فقد خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن 14 سجيناً على الأقل من غير الأردنيين تم إرسالهم من الولايات المتحدة للاحتجاز لدى الأردن أثناء فترة الأعوام الثلاثة هذه، وربما يكون الرقم الحقيقي أكبر بكثير. وفيما تسلمت دول قليلة أخرى أشخاصاً رحلتهم إياها الولايات المتحدة ترحيلاً استثنائياً في الأعوام القليلة الماضية (أي نقلتهم إليها دون اتباع إجراءات قانونية رسمية)، فلا توجد دولة معروف عنها احتجازها لعدد كبير كهذا، قدر الأردن.

ولدى هيومن رايتس ووتش معلومات تتمتع بالمصداقية تشير إلى أن السجناء يشملون خمسة يمنيين على الأقل، وثلاثة جزائريين و إثنين سعوديين وموريتاني وسوري وتونسي وأكثر من شخص من الشيشان. كما قد يشمل هؤلاء الأشخاص رجل آخر من اليمن وشخص ليبي وآخر من أكراد العراق وكويتي ومصري أو أكثر ومواطن إماراتي.

وغالبية الرجال الذين جلبتهم الولايات المتحدة إلى الأردن كان قد تم اعتقالهم مبدئياً في مكان من اثنين: إما باكستان، وعلى الأخص في مدينة كراتشي، أو جورجيا، من ممر بانكيسي. وتناقلت التقارير أن أحدهم تم احتجازه لثلاثة أشهر في سجن أميركي في العراق قبل نقله إلى الأردن، فيما تم احتجاز كثيرين غيره فيما بعد في سجون سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في كابول أو في قاعدة باغرام الأميركية العسكرية في أفغانستان.

ويشمل هؤلاء السجناء خمسة رجال محتجزين حالياً في خليج غوانتانامو في كوبا، وهم رمزي بن الشبه، وحسن بن حتش، وعلي الحاج الشرقاوي، وجمال المرعي ومحمد ولد صلاحي، وكذلك رجل آخر يُعتقد أنه رهن الاحتجاز السعودي. أما ابن الشيخ الليبي، المحتجز حالياً في ليبيا، فكان على الأرجح محتجزاً في الأردن لبعض الوقت. والأماكن الحالية لبعض السجناء السابقين هي غير معروفة أو مؤكدة، وإن كان من المرجح أنه قد تم إعادة بعضهم إلى بلدانهم الأصلية.

وأثناء الاحتجاز لدى دائرة المخابرات العامة في أواخر عام 2002، كتب أحد هؤلاء السجناء، وهو علي الحاج الشرقاوي، مذكرة طويلة يصف فيها المحنة التي خاضها. وتم تهريب المذكرة – التي وضع عليها الشرقاوي بصمة إصبعه – إلى خارج السجن في عام 2003. وفيها يصف الشرقاوي تعرضه للاحتجاز كسجين سري وإخفاؤه في زنازين سرية. وتصف المذكرة – بما يتفق مع ما قاله سجينان آخران بدائرة المخابرات العامة في ذلك الحين – كيف كان محققو المخابرات العامة "يضربوني بطريقة تتجاوز كل الحدود".

وجاء في المذكرة أيضاً: "هددوني بالكهرباء والثعابين والكلاب. ثم قالوا إذا كنت تريد [أن] تقتل شهيداً فهذا بعيد عليك، سنجعلك ترى الموت... وهددوني باللواط".

وقال الشرقاوي فيما بعد لمحاميه في غوانتانامو إن محققي المخابرات العامة الأردنية عرضوه للتعذيب بأسلوب يُدعى الفلكة، وفيها يتعرض السجناء لفترات ضرب مطولة على أخمص أقدامهم. وقال إنه بعد ضرب المحققين له، كانوا يستأنفوا الاستجواب معه، ويهددوه بالصعق بالكهرباء إذا لم يقدم معلومات. وأضاف لمحاميه قائلاً إنه حين تفقد ممثلون عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر مركز احتجاز دائرة المخابرات العامة، كان يتم إخفاءه بعيداً عن أعينهم.

ونفس السجينان اللذان تحدثا مع الشرقاوي أثناء احتجازه في دائرة المخابرات العامة، تحدثا أيضاً مع حسن بن حتش. وقالا إن حتش وصل إلى مركز احتجاز المخابرات العامة بعد عدة شهور من وصول الشرقاوي، وعانى من نفس المعاملة المنطوية على الإساءة.

وقال أحد سجناء دائرة المخابرات العامة السابقين لـ هيومن رايتس ووتش: "تعرض كل من هم رهن احتجاز دائرة المخابرات العامة تقريباً للضرب بالعصي". وأضاف: "تعرض النزلاء للضرب على أقدامهم. وكانوا يقومون بهذه العملية في القبو. وتعرضت للضرب مرتين، لكن الشرقاوي والحتش والجداوي [سجين سعودي تم ترحيه ترحيلاً استثنائياً إلى الأردن] كانوا يتعرضون للضرب أكثر مني بكثير".

وحسب أقوال محتجز سابق آخر يزعم أنه كان محتجزاً في زنزانة مجاورة، فإن المشتبه الإرهابي رمزي بن الشبه كان من بين محتجزين نقلهم عملاء الولايات المتحدة إلى احتجاز دائرة المخابرات العامة. وقال المحتجز السابق لـ هيومن رايتس ووتش إن الشبه (الذي تم اعتقاله في باكستان في سبتمبر/أيلول 2002) كان محتجزاً لدى دائرة المخابرات العامة في أواخر عام 2002. وتناقلت التقارير أن الشبه قال إنه تم نقله جواً من قطر إلى الأردن، وإنه تعرض لتعذيب بالغ رهن الاحتجاز الأردني.

وتدعم سجلات الطيران التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش هذه المزاعم؛ إذ أن ثمة طائرات مدنية على صلة بالاستخبارات المركزية الأميركية، ومنها طائرات غالف ستريم وبوينغ 737 معروف استخدامها لنقل السجناء، قامت بعشرات الرحلات إلى الأردن أثناء الفترة ما بين عامي 2001 و2004. وتتزامن بعض هذه الرحلات تماماً مع المواعيد التي قال السجناء إنهم تم نقلهم فيها.

وقد أنكر مسؤولون رفيعو المستوى بدائرة المخابرات العامة على طول الخط احتجاز دائرة المخابرات العامة لأي سجناء تم تم نقلهم في ترحيل استثنائي من الولايات المتحدة إلى الأردن، وهذا في اجتماع مع هيومن رايتس ووتش في عمّان أواخر أغسطس/آب 2007. ونظراً لقوة الدليل القابل للتصديق الذي يُظهر نقيض هذه المزاعم؛ فإنكارهم هذا غير مقنع.

وقد أجرت هيومن رايتس ووتش الأبحاث المتعلقة بهذا التقرير منذ أغسطس/آب 2007 وحتى فبراير/شباط 2008 في الأردن. وقامت هيومن رايتس ووتش بإجراء مقابلات متعمقة مع ستة رعايا أردنيين قالوا إنهم تم احتجازهم لدى مركز احتجاز دائرة المخابرات العامة في عمان، وكانوا قد تحدثوا إلى السجناء الذين تم نقلهم في عمليات ترحيل استثنائي إلى احتجاز المخابرات الأردنية من طرف الولايات المتحدة.1 وتم احتجاز جميع هؤلاء الأشخاص على يد دائرة المخابرات العامة لفترات متفاوتة في الفترة بين أواسط 2002 وعام 2005. كما تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى محتجز سابق في غوانتانامو قال إنه أثناء احتجازه في غوانتانامو تحدث إلى سجناء رحلتهم الاستخبارات المركزية الأميركية إلى الأردن ترحيلاً استثنائياً. فضلاً عن أن هيومن رايتس ووتش تلقت معلومات مفيدة للغاية من محامين يمثلون محتجزين في غوانتانامو، بمن فيهم محتجزين كانوا قد تعرضوا للاحتجاز فيما سبق لبعض الوقت في الأردن. وأخيراً، قابلت هيومن رايتس ووتش أكثر من 12 أردنياً يزعمون أنهم تعرضوا للتعذيب بقسوة أثناء الاحتجاز رهن دائرة المخابرات العامة في نفس هذه الفترة الزمنية وقاموا بوصف أساليب التعذيب التي استخدمتها دائرة المخابرات العامة. وقد سعت هيومن رايتس ووتش كلما أمكن إلى ربط المعلومات المتوافرة من المقابلات مع السجناء بالروايات المكتوبة وسجلات الطيران وغيرها من مصادر المعلومات الثانوية.




1  حجبت هيومن رايتس ووتش أسماء المصادر أعلاه لضمان حمايتهم من أي عمليات انتقام محتملة. وتمت مقابلتهم في الأردن في شهور أغسطس/آب 2007 وأكتوبر/تشرين الأول 2007 وفبراير/شباط 2008.