United Arab Emirates



United Arab Emirates United Arab Emirates
  

IV. عمال البناء المهاجرون في الإمارات

يمثل المواطنون نسبةً لا تتجاوز 20 في المئة من بين السكان المقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذين يبلغ عددهم أربعة ملايين ومئة ألف نسمة.6 ويشكل العمال المهاجرون وأفراد أسرهم الغالبية العظمى من بقية السكان. ففي عام 2005، كان في البلاد 2738000 عامل مهاجر يمثلون 95 في المئة من القوة العاملة في القطاع الخاص بالإمارات.7 ويعتمد اقتصاد الإمارات العربية المتحدة كليةً على العمال الأجانب.

ويعمل العمال المهاجرون في القطاع الخاص بدولة الإمارات بموجب كفالة من مواطني الدولة في إطار عقود عمل مدتها من عام إلى ثلاثة أعوام قابلة للتجديد. ويتعين على العامل المهاجر (ومرافقيه من أفراد أسرته) مغادرة البلاد بمجرد انقضاء أجل تصريح العمل الصادر له، ما لم يُجدد ذلك التصريح، بغض النظر عن عدد السنوات التي قضاها مقيماً في الإمارات.

وكان قطاع النفط يمثل عادة القوة المحركة لاقتصاد الإمارات العربية المتحدة، غير أن النمو الاقتصادي توسع في مجالات أخرى خلال السنوات الخمس الأخيرة. وفي عام 2005، كان إنتاج النفط الخام يمثل 35.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث نما بنسبة 2.1 في المئة مقارنة بالسنة السابقة،8 بينما سجل معدل النمو في القطاعات الأخرى في الفترة نفسها مستوى لافتاً للنظر يبلغ 11 في المائة. ويرتبط نمو الاقتصاد ارتباطاً وثيقاً بالقطاعات ذات العمالة الكثيفة، ففي عام 2005، زاد معدل نمو تجارة الجملة والتجزئة وأنشطة المطاعم والفنادق بنسبة 15 في المائة، وقطاع التصنيع بنسبة 13.9 في المائة، كما بلغ معدل النمو في كلٍ من القطاع المالي وقطاعي التأمين والعقارات 12 في المائة.9 وقد أثار النجاح الاقتصادي كثيراً من الاهتمام بالإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي أدى إلى تزايد معدلات تدفق الاستثمارات الدولية، وأخذت الدولة تتحول إلى مركز تجاري واستثماري رئيسي في الشرق الأوسط. وقد قال الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في الآونة الأخيرة إن "دبي نموذج لما يمكن أن يتحقق برغم التطورات السلبية الأخرى في المنطقة. انظروا إلى دبي التي حققت نمواً هائلاً في فترة قصيرة من الزمن."10

ويُعد قطاع البناء، في ظل الطفرة العمرانية في الإمارات العربية المتحدة، ولاسيما في إمارة دبي، أحد القطاعات التي تقود النمو الاقتصادي في البلاد (حيث نما بنسبة 10 في المائة في عام 2005)، كما أنه من بين أكبر أسواق البناء في العالم وأسرعها نمواً. وحفز النمو في قطاع التشييد نمو اقتصاد الإمارات العربية المتحدة ككل، حيث ساهم بنسبة 8 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة وبنسبة 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للقطاعات غير المرتبطة بالنفط في عام 2005.11 وتفيد دراسة لحكومة دبي بأن المساهمة المطلقة لقطاع البناء في دبي في الناتج المحلي الإجمالي تسجل ارتفاعاً مطرداً، حيث حققت زيادة نسبتها 23 في المائة خلال الفترة من 2000 إلى 2004 ومعدلاً سنوياً للنمو يبلغ 5 في المائة.12 ومن ضمن مشروعات البناء التي اكتملت في عام 2004 أُقيمت 1436 فيلا، و393 مبنى تجارياً، و290 من المباني الصناعية ومباني الترفيه والخدمات.13 ومن بين الملامح البارزة لأنشطة التشييد في دبي بناء مشروعات واسعة النطاق مثل مجمع إعمار مارينا الذي يضم 190 مبنى سكنياً جديداً شاهق الارتفاع فضلاً عن أعلى برج في العالم وهو برج دبي.14

وحتى عام 2004، كان بالإمارات ما يزيد على 500 ألف من عمال البناء المهاجرون، وتفيد تقديرات هيومن رايتس ووتش بأن عدد عمال البناء المهاجرين وصل في عام 2005 إلى 600 ألف على الأقل.15 ومع تركز قسط وفير من أنشطة البناء في دبي، بلغ عدد العمال المستخدمين في هذا القطاع وحده في تلك الإمارة 304983 عاملاً في عام 2005.16 ومن بين 5938 شركة على وجه الإجمال كانت تعمل في مجال البناء في دبي في عام 2005،17 كانت الأغلبية الساحقة (76 في المائة) شركات صغيرة تستخدم أقل 20 عاملاً.18 ولا تتوفر إحصاءات بخصوص توزيع العمال حسب بلدانهم الأصلية، إلا إن المعلومات المتاحة تفيد بأن أغلبية عمال البناء المهاجرين في الإمارات العربية المتحدة وافدون من الهند وباكستان وبنغلاديش وسري لانكا.19

وأكدت سفارات البلدان المصدرة للعمالة أن العمال المهاجرين العاملين في قطاع البناء كلهم من الذكور، وأن أغلبهم يُستقدمون من المناطق الريفية في بلدانهم، وأنهم عادة أميون. وكان عمال البناء الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش لإعداد هذا التقرير كلهم ذكوراً أميين وتتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً، وكانوا قد دفعوا رسوماً تتراوح بين 2000 و3000 دولار أمريكي لوكالات التوظيف المحلية في بلدانهم للحصول على كفالة للعمل في الإمارات العربية المتحدة. وعادةً ما يتعاقد عمال البناء المهاجرون على العمل بموجب عقود قابلة للتجديد تتراوح مدتها بين عام وثلاثة أعوام مقابل أجر شهري يتراوح بين 106 و250 دولاراً أمريكياً؛ وفي المتوسط يتقاضى عامل البناء المهاجر 175 دولاراً في الشهر (يبلغ متوسط دخل الفرد في الإمارات العربية المتحدة 2106 دولارات في الشهر).20

وعند وصول عمال البناء المهاجرين إلى دولة الإمارات ترتبط جوانب كثيرة من حياتهم ارتباطاً وثيقاً برب العمل. فأصحاب العمل يؤوون عمال البناء في مساكن على غرار قاعات النوم الخاصة بالطلبة على مشارف المناطق الحضرية (تُعرف عموماً بمعسكرات العمل)، وعادةً ما يوفر أصحاب العمل لعمالهم الطعام أو بدلاً مالياً للتغذية (من بين الرجال الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أفاد البعض بأن صاحب العمل يتيح لهم تناول الطعام في مقصف، بينما قال آخرون إنهم يتلقون بدل تغذية ويشترون وجباتهم ويعدونها بأنفسهم). كما أن شركات البناء ملزمة بموجب القانون بتوفير الرعاية الصحية لعمالها في الحالات الطارئة، سواء بتوفير الرعاية الطبية المباشرة من خلال تعيين أطباء ضمن موظفيها، أو بمنح العمال بطاقة صحية تتيح لهم استخدام المستشفيات المملوكة للحكومة.

وخلال زيارات لأكبر معسكرين للعمل في دبي، وهما معسكرا القوز وسونابار، زار باحثو هيومن رايتس ووتش ست مؤسسات تؤوي عمال البناء. وكان المسكن في أغلب الأحوال يتألف من غرفة صغيرة (12 قدماً في تسعة أقدام) يعيش فيها قرابة ثمانية عمال معاً. ويمثل ثلاثة أو أربعة من الأسرة المعلقة المزدوجة الأثاث الوحيد في كل غرفة. ويستخدم العمال حمامات مشتركة خارج غرفهم لقضاء الحاجة والاغتسال.

وضوح مظالم العمال المهاجرين

على مدى العامين الأخيرين، ركزت وسائل الإعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة جانباً كبيراً من انتباهها على مظالم عمال البناء. فلا يكاد يمر يوم دون أن تظهر في صحف الإمارات قصة عن تعرض العمال المهاجرين عموماً وعمال البناء خصوصاً للانتهاك والاستغلال. وتتضمن عينة من المقالات الإخبارية عناوين مثل "عمال محبوسون يهربون من مجمع سكني"، أو "وفاة عامل بناء – الحالة الثالثة في أسبوعين"، أو "عمال يحتجون للحصول على أجور متأخرة عن مدة تزيد عن تسعة أعوام"، أو "عمال تم التخلي عنهم يخشون تجاهل محنتهم".21

أما خارج الصحافة، ونتيجة لافتقار الإمارات عموماً إلى هيئات للمجتمع المدني (ولاسيما المنظمات غير الحكومية)، فلا وجود لأطراف غير حكومية تسد الفراغ الناجم عن غياب الحماية الحكومية ودفاع الاتحادات النقابية عن حقوق العمال المهاجرين في البلاد (يُناقش حظر التنظيمات العمالية أدناه في الجزء المعنون "غياب النقابات والمساومة الجماعية"). ولا وجود لأية منظمات تراقب قطاع البناء – أو أي قطاع آخر من قطاعات العمل – لإعداد التقارير عن الانتهاكات وتوثيقها بشكل منهجي وللدفاع عن حقوق العمال المهاجرين. وقد أدى هذا إلى وضع باتت فيه الحكومة وقطاع الأعمال الهيئتين الوحيدتين اللتين تتخذان القرارات في القضايا ذات الصلة بالعمل.

وأدى ما يتعرض له العمال من مظالم إلى احتجاجات علنية، وهي أمر لم يُسمع به في البلاد من قبل بالمرة تقريباً. وأدت مزاعم استغلال عمال البناء إلى عدد من المظاهرات، والإضرابات، بل وإلى أعمال شغب قام بها ألوف من عمال البناء في الآونة الأخيرة. وتفيد الإحصاءات الحكومية بأنه في الفترة من مايو/أيار إلى ديسمبر/كانون الأول 2005، وقع ما لا يقل عن ثمانية إضرابات كبيرة.22 وفي سبتمبر/أيلول 2005، سد ما يقرب من ألف من عمال البناء طريقاً رئيسياً في دبي مطالبين بأجورهم المتأخرة (انظر أدناه).23 وفي 21 مارس/آذار 2006، قام ألوف من عمال البناء بأعمال شغب في دبي مطالبين بتحسين ظروف العمل وزيادة الأجور.24 وفي واحدة من أكبر المظاهرات في البلاد هذا العام، قام ألوف من عمال البناء الذين يعملون لدى شركة "بيسيكس"، وهي شركة مقرها بروكسيل، بالإضراب يوم 16 مايو/أيار 2006 للمطالبة بزيادة أجورهم (كان أجرهم أربعة دولارات في اليوم) وتحسين ظروف العمل.25




6 "أربعة ملايين نسمة يعيشون في الإمارات العربية المتحدة"، صحيفة "إميريتس توداي" (دبي)، 31 يوليو/تموز 2006.

7 ضياء حديد، "ارتفاع أعداد المغتربين"، صحيفة "غلف نيوز"، 1 مايو/أيار 2006. انظر أيضاً خلفية: الإمارات العربية المتحدة، وزارة الخارجية الأمريكية، , http://www.state.gov/r/pa/ei/bgn/5444.htm (تاريخ الإطلاع: 25 مايو/أيار 2006).

8 الإمارات العربية المتحدة: ملحق إحصائي، تقرير صندوق النقد الدولي بخصوص اقتصاد الدول رقم  06/256، يوليو/تموز 2006.

9 المصدر السابق.

10 أنيل بويرول،"كلينتون يتصدر المشيدين بدبي"، صحيفة "أرابيان بيزينيس" (دبي)،
 4 ديسمبر/كانون الأول 2005. http://www.itp.net/business/news/details.php?id=18919&category=arabianbusiness (تاريخ الاطلاع: 20 مايو/أيار 2006)

11 الإمارات العربية المتحدة: ملحق إحصائي، تقرير صندوق النقد الدولي بخصوص اقتصاد الدول رقم  06/256، يوليو/تموز 2006.

12 بلعيد رتاب وبدر الدين علي بخيت، "قطاع التشييد في دبي"، إدارة البيانات والأبحاث، غرفة تجارة وصناعة دبي، 2005، http://www.dcci.ae/content/doc/ResearchAndReports/Sectoral/Dubai-Construction-Sector-eng.pdf (تاريخ الاطلاع: 15 يونيو/حزيران 2006).

13 المصدر السابق.

14 المصدر السابق.

15 يفيد قطاع التخطيط بوزارة الاقتصاد بأن 512495 عامل بناء كانوا يعملون في الإمارات العربية المتحدة، انظر، http://www.uae.gov.ae/mop/UAE_figures/UAE_%2004_files/sheet010.htm (تاريخ الاطلاع: 31 مايو/أيار 2006). ونقلت صحيفة "غلف نيوز"، في 1 مايو/أيار 2006، عن وزارة العمل أن عدد العمال المهاجرين زاد بنسبة 17 في المائة في عام 2005 مقارنة بعام 2004.

16 رتاب وبخيت، "قطاع البناء في دبي".

17 المصدر السابق.

18 المصدر السابق.

19 ينتمي جميع عمال البناء المهاجرين الستين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش لإعداد هذا التقرير إلى هذه البلدان الأربعة.

20 "الطفرة النفطية ترفع متوسط دخل الفرد في الإمارات العربية المتحدة فوق مستوى 91000 درهم"، صحيفة "غلف نيوز" (دبي)، 13 مايو/أيار 2005، http://archive.gulfnews.com/articles/05/05/13/164713.html (تاريخ الاطلاع: 3 أكتوبر/تشرين الأول 2006).

21 سونيتا مينون، "عمال محبوسون يهربون من مجمع سكني"، صحيفة "غلف نيوز"، 17 مارس/آذار 2006؛ "وفاة عامل بناء – الحالة الثالثة في أسبوعين"، صحيفة "7 دايز" (دبي)، 14 فبراير/شباط 2006؛ وائل يوسف، "عمال يحتجون للحصول على مستحقات مدة تزيد على تسع سنوات"، صحيفة "خليج تايمز" (دبي)، 8 فبراير/شباط 2006؛ ضياء حديد، "عمال تم التخلي عنهم يخشون تجاهل محنتهم"، صحيفة "غلف نيوز"، 27 مارس/آذار 2006.

22 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع المقدم راشد بخيت الجميري، 21 فبراير/شباط 2006.

23 "عمال يسدون طريق الشيخ زايد؛ أوامر للشركة بأن تدفع أجورهم خلال 24 ساعة"، صحيفة "غلف نيوز"، 20 سبتمبر/أيلول 2005.

24 حسن م. فتاح "صيحة من الآسيويين في دبي من أجل حقوق العمل"، صحيفة "نيويورك تايمز"، 26 مارس/آذار 2006.

25 أنجيلا جيوفريدا وكونراد إيغبرت، "هل كان إضراب بيسيكس نقطة التحول للعمل في الإمارات العربية المتحدة"، صحيفة "كونستراكشن ويك" (دبي)، 27 مايو/أيار 2006.