Lebanon



Lebanon Lebanon
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية  >>

القوانين السارية

منذ 12 يوليو/تموز 2006، ينخرط لبنان وإسرائيل في أعمالٍ عدائيةٍ متواصلةٍ وعنيفة كانت الغالبية العظمى من ضحاياها في لبنان وإسرائيل من المدنيين وينظُم القانون الإنساني الدولي الطريقة التي يجب على أطراف النزاع المسلح التصرف بموجبها أثناء العمليات العدائية. وقد وُضع القانون الإنساني الدولي في الأصل لحماية المدنيين وسواهم من غير المحاربين من مخاطر النزاع المسلح. ولا يتناول هذا القانون شرعية دوافع المتقاتلين في حمل السلاح واللجوء إلى العنف.

والنزاع المسلح بين إسرائيل وحزب الله محكومٌ بمعاهداتٍ دولية إضافةً إلى قواعد القانون الإنساني الدولي العرفي. وتستند القواعد العرفية على ما استقر من سلوك الدول، وهي ملزمة لجميع أطراف النزاع المسلح سواءٌ كانوا دولاً أم جماعاتٍ مسلحة لا تحمل صفة الدولة. وتضع المادة المشتركة الثالثة من اتفاقيات جنيف لعام 1949 (وإسرائيل طرفٌ فيها) معايير الحد الأدنى لجميع أطراف النزاع الذي ينشب بين دولةٍ عضو في الاتفاقيات (كإسرائيل) وبين طرفٍ ليس بدولةٍ (كحزب الله).>111 لكن إسرائيل أكدت في مناسباتٍ كثيرة منذ بدء الأعمال العدائية على أنها تعتبر نفسها في حالة ردٍّ على ما تقوم به الدولة اللبنانية ذات السيادة، وليس على ما يقوم بع حزب الله فقط. كما أنها أثارت ادعاءات بشأن مشاركة إيران وسوريا.

ولا تعتمد الملاحظات التوضيحية للجنة الدولية للصليب الأحمر على الإعلان الرسمي للحرب أو على الاعتراف بحالة الأعمال العدائية لتقرير وجود نزاع مسلح بين دولتين تسري عليه اتفاقيات جنيف. بل أن الوجود الفعلي للنزاع المسلح بين دولتين عضوين في الاتفاقيات يجعل هذه الاتفاقيات سارية المفعول على نحوٍ تلقائي. ومن هنا فإن أية أعمالٍ عدائية بين القوات الإسرائيلية والقوات اللبنانية تقع ضمن إطار اتفاقيات جنيف كاملةً.

وبموجب هذا، وبغية تقدير مدى قانونية الهجمات أو القصف الجوي أو المدفعي أو الصاروخي، فإن مجموعتي القواعد متماثلتين من حيث الجوهر. وقد جرى تقنين كثير من هذه القواعد في البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، والمعروف رسمياً باسم "البروتوكول المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة" (البروتوكول الأول). ومع أن لبنان وسوريا صادقتا على البروتوكول الأول، فإن إسرائيل وإيران لم تصادقا عليه.

لكن كثيراً من أحكام البروتوكول، إن لم يكن معظمها، تعتبر متعلقةً بالقانون الدولي العرفي. ويصح ذلك خاصةً على القواعد المتعلقة بمجرى الأعمال العدائية ذات الصلة بهذه الدراسة. وبالنتيجة، فهي ملزمةٌ لجميع أطراف النزاع.

وقد برز كثيرٌ من الأمور المتعلقة بالقانون الإنساني الدولي خلال القتال العنيف في جنوب لبنان، وكذلك فيما يتعلق بقصف سلاح الجو الإسرائيلي للمناطق المأهولة. وأما الأسئلة الأوثق صلةً بهذا التقرير فتتعلق بمبدأ التمييز (القضايا المتعلقة بالإحتياطات الواجب اتخاذها عند شن الهجمات، إضافةً إلى تناسب الهجمات وعدم عشوائيتها)، وتتعلق أيضاً بالحماية التي يحظى بها عمال الإغاثة والأشخاص المشاركون في عمليات حفظ السلام، وكذلك بواجب طرفي النزاع في اتخاذ جميع الإحتياطات المعقولة لحماية السكان المدنيين والأهداف المدنية الواقعة تحت سيطرتهم من آثار الهجمات. وفي هذا الصدد، يجب على جميع الأطراف (وإلى الحد الممكن) تجنب وضع الأهداف العسكرية ضمن المناطق كثيفة السكان أو بالقرب منها، وإبعاد المدنيين والأهداف المدنية الواقعة تحت سيطرتهم عن الأهداف العسكرية. وبوجهٍ خاص، يتوجب على الأطراف الامتناع تماماً عن استخدام وجود الأشخاص المحميين بقصد جعل نقاطٍ أو مناطق معينة أو أفراداً عسكريين محصنين من العمليات الحربية. فاستخدام الدروع البشرية جريمة حرب.

وتعد "حصانة المدنيين" و"التمييز" من المبادئ الأساسية في القانون الإنساني الدولي.>112 ويوجب هذان المبدآن، وفي جميع الأوقات أثناء النزاع، التمييز بين المحاربين والمدنيين، واستهداف المحاربين فقط.

ويحظر في جميع الأحوال شن هجماتٍ مباشرة ضد المدنيين، فهذه جريمة حرب إن ثبت التعمد. وعلى أطراف النزاع الامتناع أيضاً عن التهديدات أو الأفعال العنيفة التي تكون غايتها الأولى إرهاب السكان المدنيين.>113 كما يُحظر أيضاً "هجمات الردع ضد السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين".>114

وبمعزلٍ عن الحظر المفروض على الهجمات ضد السكان المدنيين والأهداف المدنية، فإن القانون الإنساني الدولي يحظر الهجمات العشوائية سواءٌ من خلال الاتفاقية أو من خلال القانون العرفي.>115 والهجمات العشوائية هي الهجمات غير الموجهة إلى أهدافٍ عسكرية. وهي الهجمات التي تستخدم أساليب أو وسائل قتالية لا يمكن توجيهها إلى هدفٍ عسكريٍّ محدد؛ أو الهجمات التي تستخدم أساليب أو وسائل قتالية لا يمكن تحديد تأثيرها وفقاً لما يفرضه القانون الإنساني الدولي. وفي كلٍّ من هذه الحالات يكون من طبيعة هذه الهجمات إصابة الأهداف العسكرية والأهداف المدنية والمدنيين من غير تمييز.>116

ويشير تعبير "وسائل" قتالية عموماً إلى الأسلحة المستخدمة، بينما يشير تعبير "أساليب" إلى طريقة استخدام هذه الأسلحة.

ويتصل الحظر المفروض على قصف مناطق بأكملها بمبدأ التمييز. فأي هجومٍ، سواءٌ كان من خلال القصف الجوي أو الوسائل الأخرى، يعامِل معاملة هدفٍ عسكريٍّ واحدٍ عدداً من الأهداف العسكرية المتمايزة والمنفصلة بوضوح والموجودة في مدينة أو بلدة أو قرية أو أية منطقة تضم حضوراً مماثلاً للمدنيين والأهداف المدنية، يعتبر هجوماً عشوائياً محظوراً.>117

وبالمثل، وإذا أطلق أحد الأطراف المتحاربة هجوماً دون أن يحاول التسديد على هدفٍ عسكري محدد، أو بطريقةٍ تستهدف إصابة المدنيين بصرف النظر عن ما ينجم عنه من قتلى أو جرحى، فإن عمله يرقى إلى الهجوم العشوائي.

أما الهجوم العشوائي المتعمد الذي ينتج عنه مقتل مدنيين أو جرحهم أو إضرارٌ بالأهداف المدنية على نحوٍ يتجاوز بوضوح ما يتوقع من منفعة عسكرية ملموسة ومباشرة، فهو جريمة حرب.>118

ويقتضي القانون الإنساني الدولي اتخاذ أطراف النزاع الحيطة المستمرة أثناء العمليات العسكرية لحقن دماء المدنيين واتخاذ جميع الإحتياطات المعقولة لتجنب الخسائر التبعية في أرواح المدنيين (أو تقليلها إلى الحد الأدنى)، إضافةً إلى تجنب إصابتهم أو الإضرار بالأهداف المدنية.>119 وفي ملاحظاتها الملزمة على البروتوكول الأول، توضح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن مطلب اتخاذ جميع الإحتياطات "المعقولة" يعني، من بين أشياء أخرى، أنه يجب على من يطلق الهجوم اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتحديد الهدف بوصفه هدفاً عسكرياً مشروعاً، وذلك "في الوقت المناسب لحقن دماء المدنيين إلى أقصى حد ممكن".>120

وعلى أطراف النزاع دائماً اتخاذ الإحتياطات في تحديد الأهداف وفي تخطيط الهجوم وتنفيذه. وكجزءٍ من عملية التحديد، عليهم فعل كل ما بإمكانهم للتحقق من أن الهدف المختار هدفٌ عسكري؛ أي أن تكون مهاجمته أمراً مشروعاً.>121 وإذا قام شكٌّ في الطبيعة العسكرية أو المدنية للهدف المحتمل، فلابد من أن يتوخى التقييم دقةً خاصةً حتى يبدد (وإلى أقصى حدٍّ ممكن) أية شكوك بشأن الطبيعة المدنية للهدف أو للشخص المستهدف. والأهداف العسكرية هي الأهداف التي، وبحكم طبيعتها أو موقعها أو غايتها أو استخدامها، تساهم مساهمةً فعالة في الأعمال العسكرية، والتي يمثل تدميرها الكلي أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تحييدها "مكسباً عسكرياً واضحاً".>122 لكن على الأطراف المتحاربة أن تفعل كل ما في وسعها لإلغاء الهجوم أو تعليقه إذا أتضح لها أن الهدف ليس هدفاً عسكرياً. وينطبق الأمر عينه إذا كان من الممكن توقع أن يتسبب الهجوم في أضرارٍ تبعيةٍ مفرطة.>123

ويقرر القانون الإنساني أيضاً أن على المهاجم، وإذا كان له أن يختار بين أكثر من هدف عسكري يوفر له كل منها المكسب العسكري عينه، اختيار الهدف الذي يُتوقع أن ينجم عن مهاجمته أقل خطرٍ على المدنيين والأهداف المدنية.>124

وبشكلٍ عام، يحظر توجيه الهجمات ضد ما يكون بطبيعته هدفاً مدنياً، كالبيوت والشقق السكنية وأماكن العبادة والمستشفيات والمدارس والمعالم الثقافية، إلا إذا كانت تستخدم لغاياتٍ عسكرية.

وليس من شأن حقيقة وجود استخدامات مدنية للهدف أن تجعله محصناً من الهجوم. فمن الممكن استهدافه إذا كان يقدم مساهمةً "فعالةً" في النشاطات العسكرية للعدو، أو إذا كان تدميره أو الاستيلاء عليه أو تحييده يقدم "مكسباً عسكرياً واضحاً" للطرف المهاجم ضمن الظروف السائدة وقت الهجوم.

لكن، وفيما يخص هذه الأهداف ذات "الاستخدام المزدوج"، فإن على المتقاتلين اختيار وسائل هجوم تتفادى إيقاع الضرر بالمدنيين والأهداف المدنية أو تقلله إلى الحد الأدنى. وعلى وجه الخصوص، فإن على المهاجم اتخاذ جميع التدابير الممكنة لإلغاء الهجوم أو تعليقه إذا أتضح له أن من شأن الإصابات المدنية المتوقعة أن تفوق أهمية الهدف العسكري. وتقنن المادة 57 من البروتوكول الأول هذا المبدأ من مبادئ القانون العرفي.>125

وتحدد ملاحظات اللجنة الدولية للصليب الأحمر على المادة 57 سلسلةً من العوامل التي يجب أخذها بالحسبان عند تطبيق مبدأ التناسب على الآثار التبعية للهجوم الواقعة على المدنيين والأهداف المدنية:

يعتمد الخطر الذي يتعرض له السكان المدنيون والأهداف المدنية على عوامل كثيرة: موقعهم (ضمن هدفٍ عسكري أو في جواره)، والمنطقة (إمكان وقوع انهيارات أرضية أو فيضانات، إلخ)، ودقة الأسلحة المستخدمة (كثرة التشظي أو قلته، والاعتماد على مسار المقذوف، والمدى، والذخيرة المستخدمة، إلخ)، والمهارات الفنية للمقاتلين (الإسقاط العشوائي للقنابل عند عدم القدرة على إصابة الهدف المقصود).>126

ويمكن اعتبار الإصابات الناجمة عن الحوادث، كحالة وجود المدنيين داخل المواقع العسكرية، نتائج عرضية لمهاجمة الهدف العسكري (وهي تدعى "أضراراً تبعية")؛ لكن لابد من إظهار الاهتمام بالتحقق من وجود المدنيين وتجنب الخطر الواقع عليهم أو تقليله. وكما تقول ملاحظات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن "القاعدة الذهبية الواجب إتباعها" عند اتخاذ قرار بشأن تناسب الهجوم هي "واجب حقن دماء المدنيين وتجنب الأهداف المدنية أثناء القيام بالعمليات الحربية". ولابد دائماً من اتخاذ الإحتياطات لحماية المدنيين حتى عندما يخدم الهدف غايةً عسكرية. وعلى الأطراف المتحاربة أيضاً اتخاذ جميع الإحتياطات المعقولة لتقليل الإضرار بالمدنيين والأهداف المدنية والامتناع عن الهجوم الذي من شأنه إلحاق ضررٍ غير متناسب بالمدنيين أو عدم التمييز بينهم وبين المقاتلين.

ويكون خرق المعايير المقررة أعلاه جريمة حرب عندما يكون خرقاً خطيراً. ويبين نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية السلوك الذي يعتبر من جرائم الحرب بموجب القانون العرفي. ويشمل ذلك التقنين ما يدعى "بالخروقات الخطيرة" لاتفاقيات جنيف، وغير ذلك من الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي إضافةً إلى الانتهاكات الخطيرة للمادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف.

والمهم في النزاع الحالي على نحوٍ خاص هو أن الأفعال التالية تمثل جرائم حرب:

  • جعل السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين غير المشاركين في الأعمال العدائية على نحوٍ مباشر هدفاً للهجوم؛

  • جعل الأهداف المدنية (أي الأهداف التي هي ليست أهدافاً عسكرية) هدفاً للهجوم؛

  • مهاجمة الأهداف والأشخاص المشاركين في المساعدة الإنسانية أو في مهمة حفظ السلام؛

  • إلحاق خسائر عارضة في أرواح المدنيين، أو إصابة المدنيين، أو الإضرار بالأهداف المدنية بشكلٍ يكون مفرطاً على نحوٍ واضح عند مقارنته بالمكسب العسكري المتوقع الملموس والمباشر؛

  • الاستخدام المتعمد للمدنيين والأهداف المدنية لحماية القوات والتجهيزات العسكرية من الهجوم.




    [111] اتفاقية جنيف الأولى "لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان"؛ اتفاقية جنيف الثانية "لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار"؛ اتفاقية جنيف الثالثة "بشأن معاملة أسرى الحرب"؛ اتفاقية جنيف الرابعة "بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب".

    [112] المواد 48 و51.2 و52.2 من البروتوكول الإضافي الأول.

    [113] المادة 51.2 من البروتوكول الإضافي الأول.

    [114] المادة 51.6 من البروتوكول الإضافي الأول.

    [115] المادة 51.4 من البروتوكول الإضافي الأول.

    [116] المادة 51.4  (أ) من البروتوكول الإضافي الأول.

    [117] المادة 51.5 (أ) من البروتوكول الإضافي الأول.

    [118] نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، المادة 8 (2) (ب) (4)، جرائم الحرب المتعلقة بالخسائر التبعية المفرطة في الأرواح، أو بالإصابات، أو الأضرار.

    [119] المادة 57 من البروتوكول الإضافي الأول.

    [120] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، "ملاحظاتٌ على البروتوكولين الإضافيين"، ص 681 - 682.

    [121] المادة 52 من البروتوكول الإضافي الأول.

    [122] المصدر السابق.

    [123] المادة 57.2 من البروتوكول الإضافي الأول.

    [124] المادة 57.3 من البروتوكول الإضافي الأول.

    [125] المادة 57.2 (ب) ("الإحتياطات أثناء الهجوم") من البروتوكول الإضافي الأول.

    [126] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ملاحظات على البروتوكولات الإضافية، ص 684.


    <<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية  >> August 2006
  •