Iraq



Iraq Iraq
  

الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >>

I. ملخص

عشت في بغداد ثمانيةً وخمسين عاماً، وهذه هي المرة الأولى التي أغادرها. إن تركي العراق أشبه باقتلاع جذوري. لقد ولد جميع أطفالي هناك، لكنني أخرجتهم معي جميعاً؛ أبنائي الستة عشر وأحفادي أيضاً. لم يعد بوسعنا الخروج إلى الشارع بعد أن خنقوا ابن شقيق زوجتي. لم يعد العيش في العراق ممكناً أبداً. تركت بيتي وأثاثي كله، لكني لم أترك سيارتي لأنها سرقت منذ سنة. لم نكن نعرف أين نذهب، فقد كان هدفنا هو الخروج وحسب، للنجاة بأنفسنا وبأطفالنا.
- لاجئ فلسطيني، مخيم طريبيل على الحدود العراقية،
   30 أبريل/نيسان 2006.


شهد الوضع الأمني لما يناهز 34000 لاجئاً فلسطينياً في العراق تدهوراً حاداً منذ سقوط حكم صدام حسين في أبريل/نيسان 2003. وتقوم جماعات مسلحة، جلّها من الشيعة، باستهداف هذه الأقلية التي يغلب عليها الطابع السني. فهم يهاجمون مبانيهم، ويقتلون عشراتٍ منهم، ويتوعدونهم بالأذى إن لم يغادروا العراق فوراً. وفي خضم العنف السياسي والإجرامي في العراق، تم استهداف الفلسطينيين أكثر من الأقليات الأخرى بسبب الاستياء من المكاسب التي حصلوا عليها إبّان حكم صدام حسين، وكذلك للاشتباه بأنهم يناصرون المقاومة.

تتحمل الحكومة العراقية شطراً كبيراً من المسؤولية عن محنة الفلسطينيين في البلاد. ويساهم عناصر وزارة الداخلية في ما يصيب الفلسطينيين من اعتقالات تعسفية وتعذيب وقتل وحالات "اختفاء". ورغم تمتعهم بصفة اللاجئين، فإن فلسطينيي العراق يخضعون إلى شروط تسجيل جديدة شديدة الوطأة تفسح المجال أمام العداوة البيروقراطية. وعلى النقيض من المواطنين العراقيين المعرضين للخطر، والذين يتمكن معظمهم من إيجاد ملجأ خارج البلاد، فليس أمام الفلسطينيين مكانٌ يفرون إليه. فدول المنطقة (مع استثناءاتٍ قليلةٍ عارضة) تغلق حدودها بإحكامٍ أمام الفلسطينيين الفارين من العراق. ولا يكاد المجتمع الدولي يفعل شيئاً لتخفيف هذه المحنة.

لقد أضحى اللاجئون الفلسطينيون في العراق هدفاً للعنف والمضايقات والطرد من المنازل عقب سقوط الحكومة العراقية عام 2003 على يد قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة. حيث دأب مهاجمون مجهولون على إطلاق أسلحتهم الهجومية وقذائف الهاون على أماكن سكن الفلسطينيين، وإلقاء القنابل داخل بيوتهم. ولعل من الأسباب الهامة للعداوة قيام الحكومة العراقية السابقة بتقديم السكن المدعوم للفلسطينيين، وغالباً على حساب المالكين الشيعة الذين كانت الحكومة تدفع لهم بدلات إيجار زهيدة. وفور سقوط حكومة صدام، قام المالكون الشيعة بطرد المستأجرين الفلسطينيين.

ومنذ ذلك الحين استمرت ظروف اللاجئين الفلسطينيين في العراق بالتدهور. وأدى تفجير 22 فبراير/شباط 2006 الذي دمر واحداً من أقدس الأضرحة الشيعية، وهو جامع الإمام العسكري في سامراء، إلى موجةٍ من القتل الطائفي لازالت مستمرةً حتى اليوم. حيث هاجم مسلحون قيل بأنهم من الشيعة أماكن سكن الفلسطينيين في بغداد فقتلوا عشرة منهم على الأقل كان بينهم شقيقا الملحق الفلسطيني السابق في بغداد، واللذين اختطفا من منزل والدهما يوم 23 فبراير/شباط ثم وجدا مقتولين في أحد برادات الجثث بعد يومين. وعشية تفجير سامراء، قتل أشخاصٌ مجهولون سمير خالد الجيّاب، وهو فلسطيني في الخمسين، بأن ضربوه على رأسه بالسيف وأطلقوا عليه أكثر من 20 طلقة. وفي 16 مارس/آذار، قام مسلحون مجهولون في حي الشعلة ببغداد بخنق الحلاق الفلسطيني محمد حسين صادق البالغ 27 عاماً حتى الموت، إضافةً إلى اثنين من العراقيين السنة.

وفي أواسط شهر مارس/آذار، وزعت جماعةٌ مقاتلة تدعو نفسها " سرايا يوم الحساب" منشورات في مناطق سكن الفلسطينيين متهمةً إياهم بالتعاون مع مجموعات المتمردين. وقالت تلك المنشورات: "ننذركم بأننا سنطردكم جميعاً إذا لم تغادروا المنطقة نهائياً خلال عشرة أيام". وقد أدت حوادث القتل والتهديد به إلى جعل الفلسطينيين يعيشون "حالة صدمة" كما يقول مفوض الأمم المتحدة السامي للاجئين. كما دعت تلك الحوادث رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس والمفوض السامي للاجئين أنطونيو غوتيريس إلى مناشدة الرئيس العراقي جلال الطالباني التدخل لوقف أعمال القتل بحق الفلسطينيين. ومازال الذعر يحيط بتجمعات الفلسطينيين في بغداد، وهناك آلافٌ من فلسطينيي العراق يتلهفون لمغادرته. ومازال القتل مستمراً، فقد أفادت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عن مقتل ما لا يقل عن ستة فلسطينيين عراقيين في بغداد وعن تجدد تهديدات القتل الموجهة إلى الفلسطينيين في الأسبوعين الأخيرين من شهر مايو/أيار.

ولم تفعل الحكومات العراقية في مرحلة ما بعد صدام شيئاً يذكر لحماية الفلسطينيين العراقيين (الذين منحوا جميع حقوق المواطنين ما عدا المواطنة الفعلية وحق التملك). كما ساهم بعض العناصر داخل الحكومة مساهمةً فعلية في انعدام الأمن الذي يعيشونه. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2005، دعت وزيرة الهجرة والمهجرين الحكومة إلى إبعاد جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى غزة متهمةً إياهم بالمشاركة في الأعمال الإرهابية. وقد تلقت هيومن رايتس ووتش إفاداتٍ متطابقة من فلسطينيين عراقيين تتحدث عن قيام جهات تابعة لوزارة الداخلية بمضايقة اللاجئين الفلسطينيين في العراق وممارسة التمييز بحقهم واستهدافهم بالاعتقال واتهامهم بالإرهاب. وتحدث فلسطيني احتجز ثمانيةً وستين يوماً في قاعدة الكوت العسكرية جنوب بغداد عن التعذيب الذي يعتقد أنه تعرض له لمجرد كونه فلسطينياً: كان الحرس يدخلون غرفة الاحتجاز ويسألون عن "الفلسطيني"؛ وكانوا يضربونه بانتظام ويعرضون قضيبه للتيار الكهربائي. وقد قال محامي مجموعة من الفلسطينيين اعتقلوا في مايو/أيار 2005 بتهمٍ تتعلق بالإرهاب أن موكليه تعرضوا للضرب بالسلاسل الحديدية وللصدمات الكهربائية ولحرق الوجه بالسجائر، ووضعوا في غرفةٍ تغمرها مياهٌ مكهربة. كما اعتقلت وحدات الحرس الوطني العراقي في أبريل/نيسان 2005 فلسطينياً في الخامسة والسبعين من العمر؛ ومازال الرجل "مختفياً"، مع وجود شكوك بقيامهم بقتله أثناء الاحتجاز.

وبعد أن كان اللاجئون الفلسطينيون يتمكنون بسهولةٍ من تجديد إقامتهم في العراق فيما مضى، أصدرت وزارة الداخلية تعليماتها لهم بالحصول على تصاريح إقامة قصيرة الأجل معاملةً إياهم بوصفهم أجانب غير مقيمين بدلاً من معاملتهم كلاجئين معترفٍ بهم. كما أن إجراءات الحصول على الإقامة شاقةٌ ومرهقة، إذ تتطلب أن يُحضر اللاجئ الفلسطيني جميع أفراد أسرته إلى مكتب تابع لوزارة الداخلية بغية تجديد تصاريح الإقامة، وهو أمر قد يستغرق أياماً أو أسابيع. كما أن تصاريح الإقامة الجديدة تكون صالحةً لشهرٍ أو شهرين فقط.

ويواجه الفلسطينيون الذين يحاولون الفرار من العراق عقباتٍ أكبر بكثير مما يواجهه المواطنون العراقيون بمن فيهم أفراد الأقليات الأخرى المعرضون للخطر كالمندائيين والكلدان. حيث ترفض البلدان المجاورة كالأردن والكويت والسعودية وسوريا استقبالهم، ولا تسمح إسرائيل عموماً بعودتهم إلى أراضيها أو إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. أما فرص إعادة توطينهم في بلدانٍ أخرى فهي محدودة جداً.

لقد أدت الهجمات التي استهدفت اللاجئين الفلسطينيين العراقيين عام 2003 إلى تشريد الآلاف منهم داخلياً، إضافةً إلى فرار المئات إلى الأردن. وقد أغلق الأردن حدوده في البداية، ثم سمح بدخول عدة مئات منهم إلى مخيم الرويشد المعزول القاحل الذي يقع على مسافة 85 كم داخل الحدود الأردنية. أما بقية الفلسطينيين العراقيين فظلوا أكثر من سنتين في مخيم الكرامة الذي لا يقل قسوةً والواقع داخل المنطقة العازلة على الحدود العراقية الأردنية، إلى أن قامت السلطات الأردنية بإغلاقه عام 2005 ونقلهم إلى مخيم الرويشد. وخلال السنوات الثلاث الماضية، كان عدة مئاتٍ من الفلسطينيين بمثابة سجناء في مخيم الرويشد. وقد فضل قرابة 250 منهم العودة إلى الوضع الخطير الذي كانوا يعيشونه في العراق على البقاء في المخيم دون بارقة أمل بإيجاد حلٍّ لمحنتهم.

لقد بقيت مجموعةٌ من الفلسطينيين العراقيين يناهز عددها 200 شخصاً عالقةً على الجانب العراقي من الحدود مع الأردن منذ مارس/آذار حتى مايو/أيار 2006، بعد أن رفض الأردن إدخالهم وقامت قوات حرس الحدود العراقية بإعادتهم قسراً إلى الأراضي العراقية. وعلى إثر طلبٍ قدمه وزير خارجية السلطة الفلسطينية، سمحت سوريا لهؤلاء اللاجئين الفلسطينيين بدخول أراضيها ثم عادت فأغلقت حدودها أمامهم على الفور.

إن هيومن رايتس ووتش تدعو الدول المجاورة للعراق إلى فتح حدودها أمام اللاجئين الفلسطينيين القادمين من العراق ومنحهم نفس فرص النجاة من الاضطهاد والعنف المعمم التي تمنحها للعراقيين. إن أزمة اللاجئين الفلسطينيين الراهنة في العراق تستدعي حلاً إقليمياً، وعلى جميع دول المنطقة (بما فيها إسرائيل ودول الخليج) المساهمة في تحمل عبء قبول اللاجئين الفلسطينيين الفارين من العراق وإيوائهم. كما ينبغي على المجتمع الدولي كله مساعدة حكومات المنطقة والمساهمة في حمل ذلك العبء إما بالمساعدة المالية أو من خلال توطينهم في بلدان أخرى.



الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >> September 2006