Tunisia



Tunisia Tunisia
  

الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية

I. ملخص

أجريت مؤخراً مقابلات مع ثلاثة من السجناء المفرج عنهم فكشفت النقاب عن تفاصيل جديدة عن سياسة العزل القاسية واللاإنسانية التي تمارسها السلطات التونسية؛ وهذه المقابلات، التي أجريت مع ثلاثة رجال أمضوا نحو 11 عاماً رهن الحبس الانفرادي، دون انقطاع تقريباً، جاءت لتؤكد نتائج1 خلصنا إليها من قبل بشأن احتجاز نحو أربعين من السجناء السياسيين، معظمهم من زعماء حزب النهضة" الإسلامي المحظور في تونس، في عزلة طويلة الأمد؛ وهي أن مثل هذا الاحتجاز:

  • يشكل انتهاكاً سافراً للقوانين المحلية التونسية والمعايير الدولية التي تحكم معاملة السجناء.

  • يُمارس بصفة مطردة في نظام السجون التونسي بأكمله، على نحو يظهر أنه يأتي في إطار سياسة تُنتهج وتُنفَّذ على الصعيد الوطني.

  • لا يرجع لدواعٍ جزائية مشروعة، وإنما لرغبة في معاقبة زعماء النهضة المسجونين، وتحطيم روحهم المعنوية، في إطار القمع المستمر لأي مظهر من مظاهر حركتهم، سواء داخل السجون أم خارجها.

    وبالرغم مما طرأ على معاملة السجناء المعزولين من بعض أوجه التحسن خلال السنوات الأخيرة، فما برحت السلطات تعزلهم عن أي اتصال مع بقية نزلاء السجن؛ أما السجناء المحتجزون قيد الحبس الانفرادي فهم يُحبسون في زنزاناتهم طيلة 22 ساعة على الأقل يومياً؛ ويتناولون جميع وجباتهم في زنزاناتهم. بل حتى فترات التريض اليومية القصيرة التي يُسمح لهم بقضائها في فناء السجن، وفترات ذهابهم للحمام للاغتسال الأسبوعي تجري بمعزل عن بقية السجناء. وباستثناء المسؤولين في السجن، لا يتصل هؤلاء السجناء اتصالاً مباشراً بأي إنسان إلا أثناء الزيارات العائلية القصيرة؛ بل حتى عندئذٍ، لا يرون أي سجناء آخرين أو أقارب سجناء آخرين، وإنما الحراس المرابطين على مقربة منهم، الذين كثيراً ما يدونون ملاحظات أثناء تحدث السجناء مع ذويهم.

    ولئن كان معظم السجناء المعنيين يرزحون تحت الحبس الانفرادي، فثمة آخرون يُحتجزون فيما يمكن وصفه بالعزل في مجموعات صغيرة، حيث يشتركون في زنزانة أو جناح مع ثلاثة نزلاء آخرين على الأكثر، ولكنهم بخلاف ذلك معزولون عن بقية نزلاء السجن. وفي كلتا الحالتين، يحرم السجناء من الأنشطة الحرفية والثقافية، ويواجهون قيوداً مفرطة فيما يتعلق بمواد المطالعة والرسائل؛ وكثيراً ما تفتقر زنزاناتهم للإضاءة والتهوية الكافية.

    ولا تزال السلطات التونسية ترفض حتى الاعتراف باحتجاز السجناء في عزلة صارمة وطويلة الأمد عن غيرهم من النزلاء، أو تحديد القانون المحلي الذي يجيز مثل هذا الأسلوب. كما أن المقابلات الجديدة تناقض ما ادعته الحكومة مؤخراً من أنها وضعت بعض السجناء في عزلة بناء على طلبهم؛ بل إن السلطات احتجزتهم في عزلة على كره منهم، وبدون تقديم أي تفسير رسمي، أو إبلاغم بطول فترة العزل، أو بكيفية الطعن في قرار عزلهم. وهذا الطابع الاستبدادي للعزل غير المحدد بأجل يضاعف من معاناة السجناء وذويهم. وقد احتج العديد من السجناء على هذا العزل بالفعل، وقاموا بالإضراب عن الطعام عدة مرات للمطالبة باحتجازهم مع بقية السجناء.

    وفي تقريرها الصادر في يوليو/تموز 2004، خلصت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى نتيجة مؤداها أن "الظروف الحقيقية التي يكابدها النزلاء في الحبس الانفرادي الطويل الأمد – من غياب التفاعل الاجتماعي الطبيعي، ومنبهات ذهنية معقولة، والتعرض للعالم الطبيعي – يمكن أن تلحق ضرراً بصحتهم العقلية؛ كما أنها تمثل انتهاكاً لتحريم المعاملة أو العقوبة القاسية، واللاإنسانية والمهينة، وقد ترقى في بعض الأحيان إلى مستوى التعذيب"؛ وهي نتيجة أكدتها من جديد المقابلات التي أجرتها المنظمة مع السجناء المفرج عنهم مؤخراً.

    ورداً على تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الصادر في يوليو/تموز 2004، بشأن السجناء المحتجزين في عزلة طويلة الأمد، قال المسئولون الحكوميون إنه حافل بـ"الأخطاء" و"المعلومات غير الدقيقة"؛ ولكن السلطات لم تصدر منذ ذلك الحين أي معلومات تظهر عدم دقة أي من الادعاءات الواردة في التقرير، بالرغم من الالتماسات الشفهية والمكتوبة التي قدمتها هيومن رايتس ووتش للسلطات.

    وفضلاً عن ذلك، فإن واقعة اغتصاب سجين سياسي رهن الحبس الانفرادي، على ما يبدو، في يوليو/تموز 2004 تظهر إلى حد يصبح السجناء المعزولون نهباً للإيذاء والاعتداء، ويقعون فريسة سهلة للانتهاكات. وفي هذه الحالة - التي نتناولها بالوصف فيما يلي - سهَّل موظفو السجن الاعتداء على نبيل واعر باتخاذهم إجراءً أبعد ما يكون عن المعهود، وهو إدخال أربعة من سجناء الحق العام في زنزانته، فقام أحدهم باغتصابه بمساعدة الآخرين. ولم يكن واعر آنذاك من السجناء المحتجزين في عزلة طويلة الأمد، وإنما أودع قيد الحبس الانفرادي كإجراء تأديبي قصير الأمد. والظاهر أن السلطات هيأت الظروف لتعرض واعر للعنف الجنسي على أيدي زملائه في السجن بهدف الانتقام منه؛ فقد جاء هذا الإجراء في أعقاب مشادة كلامية بين واعر وسلطات السجن، لم تلبث أن تحولت إلى عراك بالأيدي.

    وتوضح محنة واعر، وبالأخص محاولة التستر عليها، عدم خضوع موظفي السجون إجمالاً لأي حساب أو عقاب على ما يقترفونه من صنوف الإيذاء والاعتداء، وهي مشكلة تتهدد السجناء المعزولين بوجه خاص؛ وهذا أمر لا ريب في صحته حتى وإن كانت أنباء وبلاغات الاغتصاب في السجون التونسية نادرة للغاية.

    وفي 20 أبريل/نيسان 2004، وفي إطار المساعي المستمرة التي تبذلها السلطات التونسية لتحسين صورة سياساتها المتعلقة بالسجون، قال وزير العدل وحقوق الإنسان التونسي بشير التكاري في مؤتمر صحفي "لا نرى مانعا في أن تزور المنظمات الدولية التي عرفت باستقلاليتها وحيادها مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولي السجون التونسية". 2 وقد مضى على ذلك نحو عام، ولا تزال المفاوضات مستمرة بين السلطات التونسية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ولم تتمخض بعد عن أي اتفاق بشأن برنامج لزيارات السجون؛ ولم يسمح لأي منظمات مستقلة بزيارة السجون التونسية منذ عام 1991. وفي أعقاب الالتماسات المتكررة من جانب منظمة هيومن رايتس للسماح لها بزيارة السجون، لم يصدر عن السلطات سوى رد غير مباشر في فبراير/شباط 2005، مؤداه أن ثمة مناقشات جارية مع منظمة أخرى، وهي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بشأن برنامج لزيارة السجون.3



    [1]هيومن رايتس ووتش، "تونس: الحبس الانفرادي الطويل الأمد للسجناء السياسيين"، تقرير لهيومن رايتس ووتش، المجلد 16، العدد 3 (ه)، يوليو/تموز 2004، على شبكة الإنترنت في http://hrw.org/reports/2004/tunisia0704/.

    [2]الأسوشيتد برس، « Les prisons tunisiennes peuvent être visitées par des organisations internationales, selon un ministre, »، 21 أبريل/نيسان 2004؛ انظر أيضاً Mongi Gharbi, “Promouvoir les droits de l’Homme dans toutes ses facettes,” La Presse(Tunis),، 21 أبريل/نيسان 2004، و« Pomme de discorde entre le ministère et

    [3]اتصال هاتفي أجرته هيومن رايتس ووتش مع توفيق الشابي، مستشار، السفارة التونسية، واشنطن دي سي، 28 فبراير/شباط 2005.


    الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية

    April 2005
  •