V. الجيش السوداني: تنفيذ سياسات مهاجمة المدنيين

بالتعاون مع الميليشيات والمسئولين المدنيين المحليين، يشكل الجيش السوداني الضلع الثالث من أضلاع مثلث الجهات المسئولة عن تخطيط وتنسيق وتنفيذ حملة الجرائم الدولية الضخمة في دارفور. ويبين سجل الجيش السوداني في دارفور أن الجرائم ضد المدنيين جزءٌ من سياسةٍ لا يمكن إلا أن تكون من صنع القيادة السياسية والعسكرية في الخرطوم.

إن للهيكلية العسكرية السودانية في دارفور تسلسلاً هرمياً واضحاً. فالقيادة العسكرية الغربية مسئولة عن عمليات الجيش في دارفور وقائدها العام مسئولٌ أمام رئيس أركان القوات المسلحة عباس عرابي. وعرابي مسئولٌ بدوره أمام وزير الدفاع الفريق بكري حسن صالح المسئول أمام الرئيس البشير الذي يحمل رتبة فريق أول وهو القائد العام للقوات المسلحة السودانية.

ويقع مقر القيادة الغربية للجيش والقوات المسلحة في مدينة الفاشر بشمال دارفور حيث تتمركز فرقة المشاة الأولى. وقال لنا اللواء محمد فازي، قائد الفرقة السادسة المتمركزة في الفاشر منذ يناير/كانون الثاني 2004 أن الفاشر هي مركز قيادة جميع عمليات الجيش في ولايات دارفور الثلاث.93 أما نيالا في جنوب دارفور فهي مقر فرقة المشاة رقم 16 العاملة بجنوب دارفور. لكن قائد القوة في نيالا مسئولٌ كما يبدو أمام مقر قيادة الجيش في الفاشر، وهو يتلقى أوامره منه.94 وتستقر ألوية للجيش في البلدات الكبرى في كل ولاية؛ ومنها تنتشر كتائب تتمركز في البلدات الصغيرة (لا يتطابق توزع القوات مع حدود الولايات بالضرورة). فعلى سبيل المثال، وفي المنطقة الشمالية الغربية من ولاية شمال دارفور، تتبع ثلاث كتائب للواء المتمركز في تاين: واحدة تتمركز في تاين نفسها، وتتمركز اثنتان في جرجيرا وكارنوي. أما في الجزء الجنوبي من ولاية شمال دارفور، فيتمركز لواء المشاة السابع في قبقابية وتشمل منطقة عملياته منطقة قبقابية وجنوبها وصولاً إلى السفوح الشمالية لجبل مرة. ويتمركز لواء المشاة رقم 96 في زالنجي ويغطي بقية مناطق السفوح الجنوبية لجبل مرة (وهذه منطقةٌ تابعةٌ لغرب دارفور من الناحية الإدارية) التي تتصل بمنطقة عمل الألوية المتمركزة في نيرتيت ومواقع أخرى.

ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش حتى اليوم من تحديد هويات جميع كبار ضباط الجيش السوداني الذين قادوا الهجمات في دارفور أو شاركوا فيها؛ لكن من المعتقد أن معظم جنود وضباط الجيش العاملين في شمال دارفور هم من فرقتي المشاة الأولى والسادسة التابعتين لأمرة مقر قيادة الجيش في الفاشر. أما في جنوب دارفور، ففرقة المشاة السادسة عشرة مسئولةٌ عن معظم عمليات الجيش حول نيالا (انظر أدناه).

وأما القوات الجوية فالظاهر أنها تدار من مركز قيادة موجود في الخرطوم. وينتقل طواقم الحوامات من ولايةٍ لأخرى.95 ويجري تنسيق الدعم الجوي وطلعات الطيران تنسيقاً وثيقاً مع القوات العسكرية البرية أثناء الهجمات. ويقول اللواء فازي إن شخصين فقط، هو والقائد الأعلى لعملية دارفور بأكملها، يمكن لهما إصدار الأوامر فيما يتعلق بحركة الحوامات.96

وقد يكون كثيرٌ من آمري الفصائل والكتائب والألوية والفرق العاملة في دارفور مسئولين عن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. وتركز الدراسة الواردة أدناه على هجومٍ كبيرٍ واحد وقع في جنوب دارفور أواخر 2004. وهي تبين السوية العالية من التخطيط والتنسيق للجرائم من قبل الجيش السوداني. لكن دور الجيش السوداني في هذا الهجوم ليس بالحالة الفريدة من نوعها أبداً. ومع أننا لم تمكن من تحديد جميع عناصر الميليشيا الرئيسيين المشاركين في العمليات العسكرية في مختلف أنحاء دارفور، فإننا نذكر أدناه أسماء عددٍ منهم (وفي الملحق رقم 1 أيضاً). وأخيراً نقول إن مسئولية الجرائم التي ارتكبها الجيش السوداني تقع على كاهل الرئيس عمر البشير بصفته القائد الأعلى للجيش، وعلى رئيس الأركان العامة عباس عرابي، وكذلك على وزير الدفاع الفريق بكري حسن صالح وغيرهم من كبار القادة العسكريين.

جنوب دارفور، ديسمبر/كانون الأول 2004: تحليلٌ لهجوم الحكومة على المدنيين

كانت الحوامات المقاتلة في كل مكان. وهي حاضرةٌ في كل هجوم. وبطبيعة الحال كانت طائرات الأنتونوف تقوم بمهمة [التعرف] وتوجه النيران.

- مراقبٌ عسكري سابق من بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان.97

إشراك الميليشيات

صار من الواضح بحلول أواخر فبراير/شباط 2004 أن جيش تحرير السودان يعد العدة لفتح جبهةٍ جديدة بجنوب دارفور.98 وتضم ولاية جنوب دارفور أكبر كميةٍ من السكان البدو العرب الذين يستقر معظمهم في جنوب شرق الولاية وفي جنوبها الغربي إضافةً إلى مدينة نيالا عاصمة الولاية.99 وكان جيش تحرير السودان أثبت وجوده في المنطقة منذ أوائل 2004 من خلال مهاجمة مخافر الشرطة وغيرها من الأهداف الحكومية مما حدا بالحكومة إلى سحب الشرطة وقوات الدفاع الشعبي من القرى. ولعلها خشيت انقسام هذه القوات الأمنية وانضمامها إلى جيش تحرير السودان، وهذا ما حدث فعلاً في بعض الحالات.100 وفي أواخر أبريل/نيسان 2004، سيطر جيش تحرير السودان على مناطق واسعة من ريف ولاية جنوب دارفور، ومنها معظم مناطق ريف محلية شاريا إلى الشمال الشرقي من نيالا.

جاء رد الحكومة على تزايد وجود جيش تحرير السودان سريعاً. ففي 3 مارس/آذار 2004 صدر عن والي جنوب دارفور آدم حامد موسى أمرٌ موجهٌ إلى المعتمد سعيد آدم جمعة باتخاذ تدابير محددة للدفاع عن الولاية.

وكان من هذه التدابير إنشاء لجنة أمنية جديدة جرى تحديد أسماء أعضائها الثمانية: جادين جود الله دقاش (وزير الثقافة والشئون الاجتماعية بجنوب دارفور)، ومحمد يعقوب العمدة، ومصطفى أبو نوبة، ومحمود آدم سالكيو، وحسين كبير عبد الله، ومحمد عبد الرسول حسين، ومهدي مارجي، وإبراهيم محمد عبد الله.101 ولم يكن اختيار هؤلاء الرجال من المصادفة في شيء، فمعظمهم زعماء لقبائل عربية صغيرة هاجرت من تشاد إلى دارفور خلال العقود القليلة الماضية؛ وقد وقعت بينها وبين الفور والجماعات الأخرى صداماتٌ محلية من أجل الأرض.102

وحددت المذكرة الحكومية الخاصة بإنشاء اللجنة وظيفة هذه الهيئة الأمنية الجديدة في جنوب دارفور بأنها زيادة "مستوى التعبئة لضمان عدم امتداد نشاطات الخارجين على القانون إلى الولاية، ولتأمين الاستقرار والأمن". وبكلماتٍ أخرى، كلّفت اللجنة بتجنيد قوات ميليشيا جديدة؛ وعادةً ما تشير الحكومة السودانية إلى هذا الأمر بكلمة "تعبئة". ومحمد يعقوب العمدة هو زعيم قبيلة الترجام؛ أما محمد آدم سالكيو وحسين كبير عبد الله فهما من السادة. وقال لنا عددٌ من الزعماء المحليين إن يعقوب العمدة ومحمد سالكيو هما الشخصان الرئيسيان المسئولان عن تجنيد الميليشيا وتدريبها، وإن مصطفى أبو نوبة هو زعيم قبيلة الرزيقات التي شنت هجماتٍ على القرى الواقعة حول نيالا عام 2004. وقد عبّأ هؤلاء الزعماء قبائلهم للانضمام إلى الحملة الحكومية.

وتأمر المذكرة معتمد نيالا سعيد آدم جمعة "بتوفير المؤن والذخيرة على وجه السرعة من أجل المعسكرات الجديدة لتأمين الجزء الجنوبي الغربي من الولاية". وهذا ما يبين الدور المركزي في تجنيد الميليشيات وتزويدها بالأسلحة لا للوالي فقط بل لمعتمد نيالا أيضاً. والظاهر أن هذا الرجل كان يملك صلاحية توزيع هذه الإمدادات. لكن ليس من الواضح ما إذا كانت الإمدادات تأتي من الجيش مباشرةً أو من خلال قادة قوات الدفاع الشعبي. وأما ما أعقب ذلك فهو تكرارٌ وحشي للأحداث التي شهدتها ولايتا شمال وغرب دارفور.

ليست هجمات الجيش ضد مواقع المتمردين في القرى خرقاً القانون الإنساني الدولي حتى وإن كان القرويون موجودين في قراهم. لكن على القوات المسلحة أثناء العمليات العسكرية أن تتخذ الحيطة دائماً لحقن دماء المدنيين وعدم الإضرار بالأهداف المدنية. ويجب اتخاذ جميع الاحتياطات المعقولة لتفادي وقوع خسائر في أرواح المدنيين أو إصابتهم، وحصرها في أضيق نطاق.103 وعلى المهاجمين أن يميزوا بين المحاربين والمدنيين وأن يقتصروا على مهاجمة الأهداف العسكرية، وألا يقوموا بهجماتٍ لا تميز بين المحاربين والمدنيين أو تحدث بالمدنيين أضراراً لا تناسب مع المكاسب العسكرية المنتظرة.104

الهجوم في جنوب دارفور بصفته مثالاً على العلاقة بين الجيش والميليشيا

كانت مظاهر سوء البنية التحتية بجنوب دارفور أمراً محورياً في الرد العسكري الحكومي على تواجد المتمردين في الولاية: الطرق الرئيسية الخارجة من نيالا باتجاه الشمال والغرب والجنوب إلى كلٍّ من الفاشر وكاس وبورام، والسكة الحديدية من نيالا إلى الداين والتي تذهب شمالاً إلى العبيّد ثم إلى الخرطوم. وكانت الطرق والسكة الحديدية خطوط إمدادٍ لوجستية هامة من أجل دارفور. ورغم توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في أبريل/نيسان 2004، شنت الحكومة السودانية هجوماً كبيراً متدرجاً على المدنيين المقيمين على مقربةٍ من الطرق والسكة الحديدية في النصف الثاني من عام 2004. ويكمن الفارق الوحيد بين هذا الهجوم والهجمات الحكومية السابقة في مناطق أخرى من دارفور في أن بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان كانت موجودةً في هذه المرة، وكانت تراقب وقف إطلاق النار الذي سرعان ما تبين أنه وهميٌّ تماماً في جنوب دارفور.

وفيما بعد بررت الحكومة السودانية هذا الهجوم بأنه ضروريٌّ حتى تتمكن من الوفاء بالتزامها في تعزيز الأمن طبقاً "لخطة العمل" الموقعة بين الحكومة السودانية والأمم المتحدة في أوائل أغسطس/آب 2004، والتي أسيء تفسيرها.105

وتكوّن الجزء الأول من الهجوم من تشريدٍ قسري للمدنيين من القرى الواقعة إلى الجنوب من السكة الحديدية، وجرى ذلك أول الأمر باستخدام الميليشيا التي تساندها الحكومة. وكانت الجماعات المحلية الموجودة إلى الجنوب من خط نيالا ـ الداين من أول المعانين من الهجمات. كان جيش تحرير السودان قد هاجم مخافر الشرطة وعدداً من المقرات الحكومية من بينها مكتب الزكاة في ياسين106 إلى الجنوب من السكة الحديدية في يناير/كانون الثاني 2004، واستولى بطريقته المعهودة على الأسلحة والأموال وغير ذلك من الإمدادات.107 ويقول بعض المقيمين في ياسين إنه، وبعد هجوم جيش تحرير السودان، "سحبت الحكومة الجيش والشرطة وتركت المواطنين من غير حماية".108 وقال سكان ياسين أنهم توقعوا أن ترسل الحكومة تعزيزات؛ وعندما لم تأتِ التعزيزات ذهب وفدٌ من زعماء القرى إلى نيالا لمطالبة الحكومة بإرسال قوات. وقال لنا شخصٌ مشرد من ياسين: "قالت الحكومة أن المنطقة آمنة وأننا لسنا بحاجةٍ إلى قواتٍ تحمينا".109

وفي شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب 2004، هوجمت عشرات القرى في معاليا وساني أفندو وياسين من قبل الميليشيات التي تدعمها الحكومة والتي ينتمي كثيرٌ من أفرادها إلى قبيلة الشطية من الرزيقات الجنوبية، وهي تقيم حول الداين. وأدى هذا الهجوم، الذي قتل فيه مدنيون وجرى فيه نهبٌ وتدميرٌ منهجيين للممتلكات، إلى تشريد آلاف القرويين شمالاً وجعلهم يعبرون السكة الحديدية باتجاه المناطق الواقعة تحت سيطرة جيش تحرير السودان، وكذلك غرباً إلى مخيم كالما وإلى محيط مدينة نيالا.

وبعد إخلاء المنطقة من السكان المدنيين، أقام الجيش السوداني معسكراتٍ جديدة (في خرقٍ لاتفاق أبريل/نيسان 2004 لوقف إطلاق النار)، وذلك في مواقع استراتيجية قرب السكة الحديدية وعلى الطرق الرئيسية؛ وهو ما جرى في شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2004.110

من عدوة إلى حمادة

بمجرد إقامة القواعد العسكرية إلى الجنوب من السكة الحديدية وعلى الطرق الرئيسية انتقل تركيز هجمات الميليشيات إلى الشمال، أي إلى جانبي طريق نيالا-الفاشر حيث يسيطر جيش تحرير السودان على معظم المناطق الواقعة إلى الغرب وإلى الشرق من الطريق. ومع أن الحكومة السودانية أطلقت على هذا الهجوم اسم "فتح الطريق"، فالواقع أن هذه التسمية لم تكن إلا ستاراً واهياً لا يكاد يحجب استراتيجية إبعاد السكان المدنيين من المنطقة إلى جانب إبعاد وجود جيش تحرير السودان أيضاً. وثمة عوامل كثيرة كانت حاضرةً في هذا الهجوم على الدوام، حتى مع اختلاف الأشخاص الذين يقودون الميليشيات والقوات الحكومية:

  • الدعم الجوي عبر الحوامات المقاتلة (وطائرات الأنتونوف عادةً)، بالترافق مع شن هذه الحوامات هجماتها على المدنيين؛

  • نشر ما لا يقل عن لواء أو كتيبة من قوات فرقة المشاة رقم 16 إما في موقع الهجوم أو في محيطه (وذلك على امتداد الطريق مثلاً لضرب المدنيين وعناصر جيش تحرير السودان الهاربين)؛

  • الإعدام من غير محاكمة، وغير ذلك من أشكال قتل المدنيين أو اغتصاب نسائهم والإساءات المختلفة بحقهم؛

  • شيوع نهب المواشي ومحتويات المنازل من قبل الميليشيات وجنود الحكومة.

    كان تطور الهجوم منهجياً ومخططاً إلى أبعد الحدود. ففي البداية هوجمت بلدة عدوة الواقعة تحت سيطرة جيش تحرير السودان (وهي واحدة من أكبر قواعد جيش تحرير السودان على الجانب الغربي من طريق نيالا-الفاشر). وبعد ذلك هاجمت القوات الحكومية مارلا، وهي بلدةٌ تقع جنوب السكة الحديدية ويسيطر عليها جيش تحرير السودان. وأخيراً انتقل الهجوم إلى ممر إشما ـ لابادو ـ المهاجرية في قلب المنطقة الواقعة تحت سيطرة جيش تحرير السودان. ويبين الأسلوب المنهجي الذي اعتمد في مهاجمة هذه المواقع الاستراتيجية الدور التنسيقي العام الذي قامت به الحكومة السودانية. ومن الواضح أن إدارة الهجوم كانت تأتي من الخرطوم.111

    عدوة: 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2004

    في سياق استعدادها لمهاجمة عدوة، أرسلت الحكومة السودانية عدة قوافل من الجنود إلى دوما خلال الأيام التي سبقت الهجوم. وبدأ الهجوم نحو الساعة السادسة من صباح 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004. حوصرت القرية وهوجمت من جميع الجهات في مفاجئةٍ لكلٍّ من سكان القرية وعناصر جيش تحرير السودان الموجودين فيها. وتكونت القوات المهاجمة من قوات ميليشيا على ظهور الجمال والخيول ومن قوات محمولة من الجيش السوداني. ويقول كثيرٌ من الشهود أن الهجوم تضمن ما لا يقل عن 15 سيارة لاند كروزر مزودة بالرشاشات وقاذفات الآر بي جي وغيرها من الأسلحة. وشاركت في الهجوم حوامتان مقاتلتان، إضافةً إلى طائرة أنتونوف للتوجيه. ويقول أحد الشهود أن إحدى الحوامات حطّت على الأرض بين الساعة السادسة والساعة السابعة صباحاً لإمداد المهاجمين بصندوقين من الذخيرة.112

    وتحدث أهالي عدوة عن إعدام المدنيين (ومعظمهم من الرجال) من غير محاكمة، وعن اغتصاب كثير من النساء من قبل الجنود وعناصر الميليشيا.113 ولا نعرف عدد من قتلوا في الهجوم على عدوة، لكن من المرجح أنهم بالعشرات. وعندما دخل فريق بعثة الاتحاد الأفريقي قرية عدوة بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني و2 ديسمبر/كانون الأول، كانت النساء والفتيات اللواتي لم يتمكن من الهرب محتجزاتٍ في القرية، وقد تعرضن إلى الاغتصاب مراتٍ عديدة. كما احتجز القرويون الجرحى في البلدة من غير رعايةٍ طبية.

    وقام الرائد عبد الرحمن محمد إبراهيم وفصيلته بإيقاف فريق بعثة الاتحاد الأفريقي الذي أرسل للتحقيق يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك على الطريق الفرعية المؤدية إلى عدوة. وقال الرائد عبد الرحمن للفريق أنه لا يستطيع المتابعة إلى عدوة بسبب وجود "قتال قبلي" فيها. وقال لهم أيضاً أن وجود قواته على الطريق "لم يكن بسبب الهجوم على عدوة" بل "لتأمين الطريق".114 حاول الفريق سلوك طريق آخر إلى عدوة، لكن حاجزاً للجيش السوداني أوقفه من جديد. وقد لاحظ أفراد الفريق أن الجنود كانوا منتشرين في مواقع عبر الطريق (وصوروهم)، وكانوا يحتلون هذه المواقع كتعزيزٍ للقوات الموجودة في عدوة أو بغية اعتراض عناصر جيش تحرير السودان أو القرويين الفارين إلى جروف (وهي أقرب قاعدة لجيش تحرير السودان) الواقعة إلى الشرق من عدوة بعد الطريق الرئيسية.115 وفي اليوم التالي، طار فريق الاتحاد الأفريقي فوق عدوة وصوّر الأعداد الكبيرة من العربات العسكرية وقوات الميليشيا فيها.

    وعندما تمكن الفريق أخيراً من دخول عدوة، كان نهب ميليشيا الجانجاويد والقوات الحكومية متواصلاً. وتشهد الصور الملتقطة في عدوة ذلك اليوم على ما جرى من نهبٍ وقتل.

    وقابل الفريق أحد قادة ميليشيا الرزيقات المشاركة في الهجوم، وهو محمد حمدان الذي كان ما يزال موجوداً في القرية. وقال حمدان إنه "عقيد" ميليشيا الرزيقات. وأكد أن التخطيط للهجوم جرى منذ عدة أشهر وأن طائرة أنتونوف وحوامتين ساهمت فيه.116 وقدم الفريق المساعدة في إجلاء كثير من النساء والأطفال والقرويين الجرحى.

    مارلا وإشما وأم زيفة: 8 – 10 ديسمبر/كانون الأول 2004

    كانت إشما وأم زيفة (إلى الشمال من السكة الحديدية)، وكذلك مارلا (إلى الجنوب من السكة)، وكلها من القرى الواقعة تحت سيطرة جيش تحرير السودان شرقي نيالا، من بين أكبر القرى التي تعرضت للهجوم في مرحلته الثانية؛ واستمرت هذه المرحلة عدة أيام حيث ساهمت فيها جماعاتٌ مهاجمةٌ كثيرة تعمل بالتنسيق فيما بينها.

    بدأ الهجوم الأول في 8 ديسمبر/كانون الأول في قرية مارلا. دخلت القرية فرقة المشاة رقم 16 وطردت قوات المتمردين منها. ومن الواضح أن جزءاً من القرية احترق في هذا الهجوم، لكن من غير المعروف ما إذا كان الهجوم قد أوقع إصاباتٍ بين المدنيين. وتواصل القتال في المنطقة عدة أيام إذ تعرضت مارلا لهجومٍ ثانٍ في 16 ديسمبر/كانون الأول.

    واستهدف الهجوم التالي منطقة أم زيفة الواقعة تحت سيطرة جيش تحرير السودان. وكان جيش تحرير السودان يسيطر منذ أوائل 2004 على هذه المنطقة التي تضم عدداً من القرى الكبيرة (إضافةً إلى أم زيفة) مثل إشما ولابادو والمهاجرية، وعدداً من القرى الصغيرة. وكانت بعض القرى الكبيرة مثل لابادو تضم قواتٍ بسيطة من مقاتلي جيش تحرير السودان لا تتجاوز 30 مقاتلاً يتمركزون في مجمعاتٍ داخل القرى. أما قواعد جيش تحرير السودان الكبيرة فكانت خارج القرى.117

    بدأت قوات الحكومة والميليشيات بالهجوم على إشما وأم زيفة في 10 ديسمبر/كانون الأول؛ وسرعان ما أرغمت السكان على هجر القريتين. وقال عامل إغاثة قام بمعالجة بعض الأشخاص المشردين: "كانت لدى كل شخص مشرد قصة مرعبة".118 وحاولت بعثة الاتحاد الأفريقي التحقيق في الهجمات يوم 11 ديسمبر/كانون الأول، والتقت بالقائد العسكري السوداني في إشما وهو العميد أحمد الهاجر محمد. وقال العميد محمد (الذي كان قد انتقل إلى قاعدةٍ جديدة للجيش في إشما) لفريق بعثة الاتحاد الأفريقي الذي يحقق في الهجوم على إشما وأم زيفة أن الهجوم كان "عملاً روتينياً لتأمين الطريق من نيالا إلى الخرطوم"، وأن "الأمر بهذه العملية جاء مباشرةً من أعلى السلطات في الخرطوم".119 وأقر العميد أيضاً بأن قواته "دخلت مارلا وانسحبت منها يوم 8 ديسمبر/كانون الأول. وأنها هاجمت مارلا أيضاً بغية فتح الطريق وسكة الحديد الذاهبتين إلى الداين".120

    وفي الأيام التالية، قام مراقبو بعثة الاتحاد الأفريقي بدورياتٍ جوية على طول ممر إشما ـ أم زيفة ـ لابادو، وصوروا تجمعاً كبيراً للميليشيات والمواد التي نهبتها بالقرب من كونكونو. وقد تعرضت كونكونو للهجوم أيضاً وصارت نقطة تجمع لعناصر الميليشيا الذين نهبوها في حضور قوات الجيش.121 وشاهد مراقبو الاتحاد الأفريقي أيضاً عناصر الجانجاويد "ينهبون المنازل ويضرمون النار فيها" في أم زيفة. كان التدمير يجري على نحوٍ منهجي؛ فخلال ثلاثة أيام، صورت دوريات الاتحاد الأفريقي تطور أعمال التدمير في أم زيفة. وسرعان ما قامت قوات الجيش بحفر الخنادق حول قواعدها في أم زيفة وأقامت معسكراتٍ في المناطق الجديدة التي سيطرت عليها.122

    مارلا: 15 – 16 ديسمبر/كانون الأول 2004

    تعرضت مارلا إلى هجوم ثانٍ صبيحة 15 ديسمبر/كانون الأول. ويقول سكانها أن الهجوم بدأ بتحليق طائرة أنتونوف وحوامتين مقاتلتين فوق البلدة، ولعلها كانت تحاول معرفة ما إذا كان لجيش تحرير السودان وجود فيها. ثم وصل الجنود في عدة شاحناتٍ قادمةٍ من اتجاهاتٍ مختلفة وراحوا يطلقون النار عشوائياً ويحرقون المنازل.123 وأقامت القوات قاعدةً لها في الناحية الغربية من البلدة، ثم بدأت بنهب وإحراق المتاجر في السوق. كما منعت أهالي مارلا من التزود بالمياه من البئر الرئيسية في القرية.

    ورغم كون غالبية المهاجمين من جنود الحكومة، فقد شارك فيه بعض عناصر الميليشيات، وشاركوا في النهب الذي أعقبه. وكان النهب ما يزال متواصلاً عندما تمكن مراقبو الاتحاد الأفريقي أخيراً من دخول مارلا وتصوير أعمال النهب في 17 ديسمبر/كانون الأول.

    وقالت لنا امرأةٌ عجوز من الزغاوة تقيم في مارلا أن معظم عناصر الجانجاويد المهاجمين كانوا ملثمين أثناء الهجوم وخلال أعمال النهب:

    حاول البعض منا جمع بعض المتاع ووضع الأطفال على ظهور الحمير، لكنهم منعوهم. لقد ضربهم الجانجاويد وأخذوا حميرهم. قُتل أناسٌ وأطفالٌ كثيرون خلال الهجوم. لقد قتلوا أمامنا، لكننا اضطررنا لترك جثثهم دون دفنٍ والهرب بعيداً.124

    ولم نتوصل إلى معرفة عدد المدنيين الذين قتلوا هناك سواءٌ قتلوا على نحوٍ مقصود أو بسبب إطلاق النار العشوائي. وطبقاً لأحد المصادر، أعدم الجنود شخصاً واحداً من غير محاكمة، كما قتل شخصٌ آخر بسبب إطلاق النار العشوائي. وقيل إن بعض النساء جرحن بفعل صواريخ الحوامات.125

    لابادو: 17 ديسمبر/كانون الأول 2004

    قامت قوات الحكومة والميليشيا بمهاجمة ما لا يقل عن خمسة قرى شمال لابادو في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني.126 وفي أواسط ديسمبر/كانون الأول 2004، فرّ آلاف الأشخاص المشردين من هذه المناطق إلى لابادو فجعلوا منها أحد أكبر مواقع تجمع المشردين في المناطق الواقع تحت سيطرة جيش تحرير السودان في محافظة شاريا بجنوب دارفور. ومعظم سكان لابادو وكثير من قراها هم من البرجيد، رغم وجود مهاجرين من الزغاوة وفدوا خلال العقود الماضية. ومعتمد بلدة شاريا صادق علي نبي127 ينتمي إلى البرجيد، وهو من لابادو. ومن الواضح أن كثيراً من أهل لابادو اعتقدوا أن موقعه الحكومي يحميهم من هجمات الجيش. وكانت النتيجة أن كثيراً من سكان البلدة ظلوا فيها ولم يهربوا رغم مهاجمة القوات الحكومية القرى المحيطة بها.128

    وتثبت أحداث 17 ديسمبر/كانون الأول أن صلة المعتمد صادق بلابادو لم تجدِ في حماية البلدة.

    وبحلول 16 ديسمبر/كانون الأول، تقدم اللواء التابع لفرقة المشاة رقم 16 بقيادة العميد أحمد الهاجر محمد (وهو الضابط الذي قاد الهجمات على مارلا وإشما في الأسبوع الذي سبق ذلك) حتى مسافة 8 كيلومتر من لابادو.129 وتقول مصادر موثوقة أن هجوم السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول بدأ عند الفجر في قريةٍ تقع إلى الغرب من لابادو. وعند الظهيرة حلقت طائرة أنتونوف فوق لابادو وقصفت الناحية الجنوبية منها، ثم ألقت أربع قنابل على شرقها ثم على شمالها. وأدى قصف أنحاء متفرقة من المدينة إلى إشاعة الارتباك بين السكان الذين لم يعودوا عالمين إلى أين يفرون. وبعد ذلك، قصفت الطائرة السوق الواقعة في مركز البلدة. وتفيد الأنباء أن الحكومة استخدمت الحوامات المقاتلة أيضاً.130 ويقول مراقبٌ دولي قابل عدداً من سكان لابادو المشردين أن مجموعة صغيرة من جنود جيش تحرير السودان كانت تقيم في البلدة ضمن مجمع سكني واحد، لكن هؤلاء الجنود فروا من البلدة فور بدء الهجوم.131

    وقال المشردون من لابادو أن مئات من عناصر الجانجاويد هاجموا بالبلدة بعد ذلك وقتلوا وأحرقوا ونهبوا على هواهم. وبعدهم جاءت قوات الحكومة وراحت تقتل المدنيين أيضاً ودمرت قسماً من البلدة. ويقال أن أبواب بعض الأكواخ أغلقت على ساكنيها ثم أضرمت النار فيها فماتوا احتراقاً. وتجمع عددٌ كبيرٌ من الناس في المدرسة، والظاهر أنهم أعدموا فيها. وتفيد الأنباء أن 60 مدنياً على الأقل قتلوا في الهجوم.132 وبعد الهجوم بأيام كتب عامل إغاثة عالج عدداً من الأشخاص المشردين من لابادو: "مازال كثيرٌ من الأطفال مفقودين، وقد شوهد عددٌ من كبار السن في العيادات المتنقلة مصابين بجروح ناجمة عن الحراب؛ وأصيب كثيراً من الناس بجروح ناجمة عن شظايا القنابل. ويرتسم الرعب على وجوه الناس جميعاً".133

    وسرعان ما أقامت قوات الجيش مواقع جديدة للواء المهاجم خارج البلدة. وما أن تم تأمين البلدة، حتى بدأت وحدات الجيش وميليشيا الجانجاويد عملية نهبٍ منظمة لها، ثم أحرقتها. وخلال اليومين التاليين، كان 80% من البلدة قد دُمر تماماً أو أصيب بأضرار، بما في ذلك السوق والمتاجر والمستشفى.

    منع العميد محمد مراقبي الاتحاد الأفريقي العسكريين من دخول لابادو يوم 17 ديسمبر/كانون الأول. ولاحظ المراقبون وجود زهاء 500 "بدوي عربي مسلّح (ميليشيا الجانجاويد) على خيولهم وجمالهم

    حمادة: 13 – 14 يناير/كانون الثاني 2005

    يبدو أن أسلوب الهجوم على حمادة كان شديد الشبه بالهجمات السابقة. وجرى التعرف على قوات الجانجاويد من نيتيجا ومالام بين المحاربين الذين نفذوا الهجوم ضمن تنسيقٍ مع قوات الجيش السوداني. واحتجز سكان حمادة داخل قريتهم طيلة يومين دون السماح لهم بالهرب. وجرى فصل الرجال والنساء إلى مجموعتين: أعدم عددٌ من الرجال والفتيان؛ وترك البعض أحياء لحراسة ماشيتهم التي استولى عليها الجانجاويد. وقتل عددٌ من النساء والأطفال كان البعض منهم يحاول الفرار من المدرسة. وتعرضت بعض النساء والفتيات إلى الاغتصاب، وهو ما تكرر أحياناً.136 كما جرى إعدام الجرحى.

    ويقول بعض الناجين الذي فروا من المنطقة أن المهاجمين أعلنوا مراراً عن اعتزامهم "تنظيف المنطقة بأكملها".137 وكان أحد الشهود أكثر دقةً وتحديداً عندما أشار إلى أنهم كانوا "ينظفون المنطقة من شاريا حتى الفاشر مروراً بشانغيل توبايا وثابت".138

    وفي قمةٍ عقدت في نجامينا في فبراير/شباط 2005، تعهد الرئيس البشير بالكف عن استخدام طائرات الأنتونوف والحوامات المقاتلة في "الطلعات الجوية فوق المناطق المعادية". لكن ذلك التعهد جاء متأخراً إلى حدٍّ ما. ففي ذلك الوقت كانت الحكومة السودانية قد حققت كثيراً من أهداف هجومها بجنوب دارفور.

    معرفة الجيش بالهجمات وتواطؤه في تدبيرها

    قيل في البداية لعناصر الجيش من ذوي الرتب المنخفضة الذين أرسلوا إلى دارفور أنهم ذاهبون للتعامل مع لصوص المنطقة المشهورين ومع "قطاع الطرق" الذين يسلبون المسافرين على الطرقات. ولم يكن هذا بالأمر غير المتوقع؛ فقد قال لنا جنديٌّ سابق من زالنجي: "كانوا يستخدموننا أساساً قبل الحرب من أجل تعقب لصوص المواشي الذين ينشطون في الجبال". لكن القيادة السودانية استمرت في إخبار الجنود والجمهور، حتى بعد تصاعد النزاع، أنهم يقاتلون "اللصوص"، وكانت تصر على أن قوات المتمردين ليست إلا "قطاع طرق".

    وبعد بدء الهجوم الحكومي عام 2003، صار من الواضح للجنود المشاركين، وبشكلٍ متزايد، أن المدنيين هم الهدف الرئيسي، وليس المتمردون أو حتى اللصوص. أما داخل القوات المسلحة السودانية، بما فيها القوات الجوية، فكان يوجد عناصر من دارفور. وقد احتج بعض هؤلاء الأشخاص أمام قادتهم، لكنهم أمروهم بمواصلة العمليات. ويقول جنديٌّ سابق من إحدى قرى الفور في جبل مرة:

    شاركت في خمس هجمات. وفي كل مرة كان الجنود يتحدثون مع الجانجاويد ويطلبون منهم ألا يفعلوا ذلك، أي ألا يقتلوا المدنيين؛ فهذا يخلق توتراً. وحاول الضباط منع هؤلاء الجنود من التحدث مع الجانجاويد. وقالوا لهم أن عليهم أن يصمتوا وينفذوا الأوامر. وكانوا يقولون: ’هذا ليس من شأنكم. أنتم تقاتلون جيش تحرير السودان؛ وهؤلاء الناس من ذلك الجيش‘. كان بعض الضباط من الخرطوم، وكان بعضهم من نيالا. وأتذكر خاصةً ضابطاً من قبيلة البرقو [غير العربية] من نيالا؛ وكان برتبة نقيب. كان الرجل يتحدث على نحوٍ أكثر وضوحاً إذ يقول: ’عليكم مهاجمة المدنيين‘.139

    وكان القادة العسكريون يأمرون بشن الهجمات وينسقون سيرها عالمين كل العلم أنهم يهاجمون المدنيين. وتفيد الأنباء أن قوات الجيش المتمركزة في كوتوم كانت بقيادة ضابط سوداني يدعى جدال فضل الله، وهو برتبة رائد. ويقول رجالٌ خدموا تحت أمرته أثناء عدة هجماتٍ على قرى منطقة كوتوم أنه كان يعطيهم أوامر واضحة بمهاجمة المدنيين. وعلى سبيل المثال، قال لهم قبل مهاجمة إنكيرو (وكان جيش تحرير السودان يتمركز فيها عام 2002 وأوائل 2003): "عليكم أن تحرقوا كل منزلٍ وكل قريةٍ في طريقكم حرقاً تاماً. ولا أريد رؤية شيءٍ باقٍ منها بعد المعركة". وأضاف: "يجب قتل جميع من ترونهم من الرجال، حتى المدنيين".140

    ويشدد طيارٌ كان يؤمن الدعم الجوي لعمليات الجيش في دارفور على التنسيق الوثيق بين الجيش والجانجاويد خلال هذه العمليات، وكذلك على وضوح حقيقة أن المدنيين كانوا هدفاً لكثيرٍ من الهجمات:

    صدر لنا أمرٌ بتغطية عمليات الجيش، لكنه كان يهاجم المدنيين أحياناً. وكان الجانجاويد يرتدون ملابس عسكرية ويعملون تحت قيادة ضابط من الجيش. وكانوا بحاجةٍ إلى دعمٍ جوي عندما ينفذون مهامهم. وكان دوري تقديم هذا الدعم: نقل الذخيرة، وإخلاء الجرحى، وأخذ الضباط القادة لرؤية المنطقة. لقد رفضت تقديم الدعم للعمليات التي تهاجم المدنيين

    أضحت المعرفة بما يرتكب من انتهاكاتٍ أمراً واسع الانتشار بعد الهجمات الأولى لأن الطيارين كانوا يحملون صورةً واضحة عن هوية من يتعرضون للهجوم. وراح كثيرٌ من الطيارين يتجنبون الطيران فوق دارفور عن طريق طلب نقلهم بعد أن تحققوا من أن المدنيين هم هدف الهجوم. وقال لنا واحدٌ منهم: "لم أكن أعرف ما يحدث بالضبط في البداية. لقد أمرونا بتقديم ’دعم مباشر‘ وقالوا أن العدو موجودٌ داخل القرية. لكنني لم أجد العدو هناك، فلم يكن في القرى إلا أفراد القبائل. ولو كان العدو موجوداً هناك لعرفت. ونحن نستطيع رؤية سيارات المتمردين، فهم لا يتنقلون سيراً على الأقدام".142

    وأشار طيارٌ آخر يعمل في دارفور إلى أنه أبلغ قادته بما رآه بدقةٍ. وقد طار فوق مدينة طويلة أثناء هجوم فبراير/شباط 2004 أو بعده، وشاهد القرى تحترق. ثم وجد سبيلاً للانتقال إلى خارج دارفور بعد أن شاهد الدمار في الطويلة وحولها. وتحدث هذا الطيار، الذي اعتقل لفترةٍ وجيزةٍ بعد ذلك، عما شاهده إلى رئيس الأركان عباس عرابي عبد الله وإلى وزير الداخلية الفريق أحمد محمد هارون، وذلك في مقر القيادة العسكرية بالفاشر. وقد قال لنا: "تحدثت عن ذلك. وقلت أنني لا أريد العمل هنا لأنني من هذه المنطقة. لقد تعرضت أسرتي وقريتي للتدمير". واعتقل هذا الطيار عدة أسابيع بعد رفضه الطيران فوق دارفور.143




    93 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع اللواء محمد فازي، الجيش السوداني، الفاشر، شمال دارفور، 6 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

    94 عن مقابلة أجراها عاملون في الأمم المتحدة مع مستشار قانوني للميليشيات في قبقابية، أكتوبر/تشرين الأول 2004

    95 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع مراقب عسكري سابق من الاتحاد الأفريقي، هولندا، 15 سبتمبر/أيلول 2005.

    96 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع اللواء محمد فازي، الجيش السوداني، الفاشر، شمال دارفور، 6 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

    97 مقابلة هيومن رايتس ووتش، هولندا، 15 سبتمبر/أيلول 2005.

    98 "متمردو السودان يشنون هجوماً ’لإثبات‘ أنهم مازالوا يحكمون سيطرتهم على دارفور"، وكالة الأنباء الفرنسية، 12 فبراير/شباط 2004، على الرابط: http://www.reliefweb.int/rw/RWB.NSF/db900SID/ACOS64D878?OpenDocument&rc=1&emid=ACOS-635PJQ

    99 ثمة انعكاسٌ سياسي لهذا التوزع السكاني. فمن بين ولايات دارفور الثلاث ينوب عن جنوب دارفور أكبر عدد من البرلمانيين العرب في الجمعية الوطنية: ثمة 15 من أصل 28 نائباً عن الولاية ينحدرون من جماعاتٍ عربية بالمقارنة مع نائب عربي واحد من أصل 16 نائباً عن شمال دارفور ونائب عربي واحد من 18 نائباً يمثلون غرب دارفور. انظر يونغ وآخرين في "دارفور الحياة تحت الحصار"، الجدول رقم 3: الانتماءات القبلية لنواب دارفور في الجمعية الوطنية، ص 31.

    100 "تقرير التحقيق في مهاجمة معسكر قوات الدفاع الشعبي في دوما إلى الشمال من نيالا يوم 25 سبتمبر/أيلول 2004"، تقرير غير منشور لبعثة الاتحاد الأفريقي في السودان، موجود ضمن أرشيف هيومن رايتس ووتش.

    101 مذكرة حكومية في 3 مارس/آذار 2004، مكتب والي جنوب دارفور، ضمن أرشيف هيومن رايتس ووتش.

    102 إضافةً إلى الطمع في الأرض، كان لدى بعض القبائل البدوية العربية بجنوب دارفور حوافز أخرى للانضمام إلى الميليشيات. فبالنسبة للعرب البدو المستقرين شمال نيالا وجنوبها، كان لسيطرة جيش تحرير السودان على هذه المناطق الريفية عواقب خطيرة فيما يتعلق باستخدام البدو لطرق الهجرة الموسمية (وهم ينقلون قطعانهم بين الشمال والجنوب في موسم الأمطار). هاجم المتمردون بعض الجماعات البدوية ونهبوا مواشيها واختطفوا أشخاصاً منها من أجل الفدية أحياناً. وقال لنا أحد زعماء البدو: "منذ بداية النزاع قطعت الحركات المسلحة جميع الطرق التي نستخدمها. ونحن لا نستطيع الذهاب في الطرق المارة بدوما أو ميناواش بسبب وجود المتمردين. وهذا ما جعلنا نخسر كثيراً من الحيوانات". مقابلة هيومن رايتس ووتش، نيالا، جنوب دارفور، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

    103 اللجنة الدولية للصليب الأحمر، "القانون الإنساني الدولي العرفي"، القاعدة 15، مستشهدةً بالبروتوكول رقم 2، المادة 13 (1).

    104 المصدر السابق، القاعدتان 17 و 18.

    105 "دارفور: ’المناطق الآمنة‘ التي أقامتها الأمم المتحدة لا توفر أي أمنٍ حقيقي"، تصريح صحفي عن هيومن رايتس ووتش، 1 سبتمبر/أيلول 2004. انظر أيضاً "الأمم المتحدة: على السودان البدء بحل الميليشيات العربية في دارفور"، وكالة الأنباء الفرنسية، 5 أغسطس/آب 2004، على الرابط: http://www.reliefweb.int/rw/RWB.NSF/db900SID/EVIU-63L9KD?OpenDocument&rc=1&emid=ACOS-635PJQ

    106 ياسين بلدةٌ فيها مخفر للشرطة. ويطلق الاسم أيضاً على منطقة تضم عدداً من القرى الواقعة إلى الجنوب من خط نيالا ـ الداين بين ساني أفندو وسوليا.

    107 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أشخاص مشردين داخلياً من ياسين، مخيم كالما، جنوب دارفور، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

    108 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أشخاص مشردين داخلياً من ياسين، مخيم كالما، جنوب دارفور، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2004. ويرد أيضاً ذكر سحب الحكومة قواتها الأمنية من ياسين في أعقاب هجوم جيش تحرير السودان في يناير/كانون الثاني 2004 في تقرير الاتحاد الأفريقي غير المنشور "تقرير عن التحقيق في الهجوم المزعوم على قرية ياسين من جانب ميليشيا الجانجاويد والقوات الحكومية في 17 يوليو/تموز 2004"، ضمن أرشيف هيومن رايتس ووتش.

    109 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أشخاص مشردين داخلياً من ياسين، مخيم كالما، جنوب دارفور، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

    110 انظر "تقرير الدوريات الروتيني: الطيران من نيالا وبورام ودونكي ديرياسا"، 28 أغسطس/آب 2004؛ و"تحقيقٌ في ما زعم من إقامة معسكرٍ جديد للشرطة والجانجاويد بمنطقة جالدي في 19 أغسطس/آب 2004"، سبتمبر/أيلول 2004؛ و"تحقيقٌ في مزاعم تحرك القوات الحكومية إلى أبجراجيل إلى الجنوب الشرقي من نيالا"، 2 سبتمبر/أيلول 2004. وجميعها من تقارير بعثة الاتحاد الأفريقي غير المنشورة، وهي ضمن أرشيف هيومن رايتس ووتش. انظر أيضاً "تقرير لجنة مراقبة وقف إطلاق النار رقم 79/04: مزاعم بإقامة معسكر جديد للحكومة السودانية في سوليا"، بعثة الاتحاد الأفريقي، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، على الرابط: http://www.africa-union.org/DARFUR/homedar.htm#

    111 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع مراقب عسكري سابق من الاتحاد الأفريقي، هولندا، 15 سبتمبر/أيلول 2005.

    112 بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان، "تقرير لجنة مراقبة وقف إطلاق النار رقم 88/04: هجومٌ مزعوم للحكومة السودانية والجانجاويد على قرية عدوة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2004"، 31 ديسمبر/كانون الأول 2004.

    113 المصدر السابق.

    114 المصدر السابق.

    115 المصدر السابق.

    116 المصدر السابق.

    117 مقابلة هاتفية لهيومن رايتس ووتش ، كندا، 3 يونيو/حزيران 2005.

    118 رسالة بالبريد الإلكتروني إلى هيومن رايتس ووتش من شخص قابل أناساً من إشما وأم زيفة، ديسمبر/كانون الأول 2004.

    119 بعثة الاتحاد الأفريقي، "تقرير لجنة مراقبة وقف إطلاق النار رقم 89/04: هجوم مزعوم للحكومة السودانية والجانجاويد على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في إشما وأم زيفة والمهاجرية في ديسمبر/كانون الأول 2004"، ديسمبر/كانون الأول 2004.

    120 المصدر السابق.

    121 المصدر السابق.

    122 مقابلة هيومن رايتس ووتش الهاتفية، كندا، 3 يونيو/حزيران 2005.

    123 مقابلات مع أشخاصٍ مشردين من مارلا، يناير/كانون الثاني 2005، ضمن أرشيف هيومن رايتس ووتش.

    124 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع امرأة مشردة داخلياً من أهالي مارلا، فبراير/شباط 2005.

    125 مقابلات مع أشخاصٍ مشردين من مارلا، يناير/كانون الثاني 2005، ضمن أرشيف هيومن رايتس ووتش.

    126 بعثة الاتحاد الأفريقي، "تقرير التحقيق في هجوم ميليشيا الجانجاويد على قرى شمال لابادو في 3 نوفمبر/تشرين الثاني"، نوفمبر/تشرين الثاني 2004. تقرير غير منشور موجود ضمن أرشيف هيومن رايتس ووتش.

    127 اكتسب صادق علي نبي شهرةً دوليةً فيما بعد بسبب صدامه مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي روبرت زوليك بعد أن رفض صادق السماح للأمريكيين بالتحدث على انفراد مع مراقبي الاتحاد الأفريقي. "صدامٌ بين مسئول دارفوري وبين زوليك أثناء زيارته إلى دارفور"، أسوشييتد برس، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، على الرابط: http://www.sudantribune.com/article.php3?id_article=12502

    128 مقابلة هيومن رايتس ووتش الهاتفية، كندا، 3 يونيو/حزيران 2005.

    129 "تقرير رئيس البعثة حول الوضع في منطقة دارفور السودانية، مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي"، 10 يناير/كانون الثاني 2004، ص 6.

    130 مقابلات مع أشخاصٍ مشردين من لابادو، ضمن أرشيف هيومن رايتس ووتش، 22 ديسمبر/كانون الأول 2004.

    131 أدى هروب عناصر جيش تحرير السودان وعدم دفاعهم عن البلدة إلى إثارة قدرٍ كبير من المرارة لدى السكان المدنيين. مقابلة هيومن رايتس ووتش الهاتفية، كندا، 3 يونيو/حزيران 2005.

    132 اتصال سري مع هيومن رايتس ووتش، 24 ديسمبر/كانون الأول 2004؛ ومقابلة هيومن رايتس ووتش الهاتفية، كندا، 3 يونيو/حزيران 2005.

    133 رسالة بالبريد الإلكتروني إلى هيومن رايتس ووتش من أحد عاملي الإغاثة، ديسمبر/كانون الأول 2004.

    136 مقابلات مع أشخاص مشردين من حمادة، يناير/كانون الثاني 2005، ضمن أرشيف هيومن رايتس ووتش.

    137 المصدر السابق.

    138 المصدر السابق.

    139 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع جندي سابق في الجيش السوداني، دارفور، 14 يوليو/تموز 2005.

    140 المصدر السابق.

    142 مقابلة هيومن رايتس ووتش، الخرطوم، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

    143 مقابلة هيومن رايتس ووتش، الخرطوم، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2004.


  •