Egypt



مصر Egypt
  

index  |  next>>

1. ملخص

قلت له "طلقني واذهب، فعندها على الأقل، إذا عملت بالتسول، سيعرف الناس أنني لا عائل لي". وقال "لا! سوف أقتلك. اتركي المنزل إن كنت تريدين الطلاق. تنازلي عن المنزل، وعن الأطفال، وعن الأثاث، وعن الملابس التي ترتدينها ... لن أعطيك أي شيء ... إذهبي إلى بيت أهلك وسوف يعيدونك كي تلعقي حذائي".

ـ أميرة أحمد، القاهرة، 13 يونيو/حزيران 2004

تعاني المرأة المصرية من الحرمان الواضح من المزية التي يتمتع بها الرجل في الطلاق، لا لسبب إلا كونها امرأة. والتهديد الذي يوجهه زوج أميرة أحمد إليها ليس تهديداً أجوف، بل يستند إلى قوانين وممارسات تتسم بالتمييز بالشديد، وتقوم على افتراض دونية المرأة، خصوصاً في المسائل المتعلقة بالأسرة.

ولقد أقامت الحكومة المصرية نظامين متفاوتين أشد التفاوت للطلاق، نظام للرجل وآخر للمرأة. فالرجل المصري يتمتع بحق الطلاق غير المشروط ومن طرف واحد ولا حاجة له مطلقاً بدخول قاعة المحكمة لإيقاع الطلاق؛ أما المرأة المصرية فعليها أن تلجأ إلى المحاكم للحصول على الطلاق، وهي محاكم ذاع عنها تكدس القضايا ونقص الفعالية.

وتواجه المرأة في المحكمة عقبات تقوم على التمييز في جوهرها، في مجالي الإجراءات وإقامة الأدلة. أما الرجل الذي يستطيع تطليق زوجته بإلقاء يمين الطلاق عليها، ريثما يتم توثيقه فيما بعد لدى المأذون، فهو لا يحتاج إلى هذه الإجراءات. كما إن الحصول على الطـلاق قد يستغرق سنوات طويلة يعمد فيها الرجل إلـى التلاعب بما يتيحه القانون المصري للرجل دون المرأة من حيل الدفاع القانونية. ونتيجة لذلك فإن عدداً كبيراً من المصريات، مثل أميرة أحمد، يتجنَّبْنَ المحاكم، ويواجِهْنَ اختيارين أحلاهما مُرّ: إما البقاء في كنف زواج لا تريده المرأة وقد تتعرض فيه للأذى البدني والنفسي، وإما أن تطلب من زوجها تطليقـها في مقابل التنازل عن كل ما تملكه وتعتز به. وكثيراً ما يؤدي هذا النظام المزدوج إلى عواقب وخيمة مالياً وعاطفياً للمرأة؛ وقد تبلغ هذه العواقب حد الخطورة على حياتها نفسها.

ويعتبر نظام الطلاق المصري القائم على التمييز من الأمثلة الصارخة لقوانين الأحوال الشخصية الظالمة في مصر. وقوانين الأحوال الشخصية المذكورة والشائعة في المنطقة تحكم الزواج والطلاق والحضانة والميراث، وتقدم نموذجاً للأسرة يقوم على أن الرجل أرفع قدراً من المرأة. إن القوانين والممارسات الجارية حالياً تنتهك حقوق المرأة المصرية في المساواة أمام القانون، وعدم التمييز، والمساواة في الزواج والطلاق، وهي الحقوق التي رسخها قانون حقوق الإنسان الدولي.

فقوانين  الطلاق المصرية تنطوي على التمييز ضد المرأة في الإجراءات التي تفرضها عليها، بل وفي مضمون مواد القانون نفسه، بحيث نجد نظاماً يقوم على عدم المساواة في استخدامه وفي المعاملة بين الجنسين، ويعوق عدداً كبيراً من النساء عن نشدان الطلاق. فالإجراءات القضائيـة مثقلة بالصعوبات، وفترات التأخير، وارتفاع التكاليف، وتفاوت المعايير. فالمرأة حين تريد طلاقاً يكفل لها كل حقوقها المالية، يتعين عليها إثبات وقوع الضرر عليها من زوجها إبان حياتهما الزوجية، وكثيراً ما يطلب دعمها بشهادة شهود العيان. والبديل المعمول به منذ عام 2000 هو أن ترفع المرأة دعوى الخُلْعِ، إن كانت مستعدة للتنازل عن حقوقها المالية وسداد المهر الذي دفعه زوجها عند عقد القران. ولكن الخلع الذي قصد به أن يُيَسِّر حصول المرأة على الطلاق يستلزم أيضاً لجوء المرأة إلى المحكمة للحكم بتطليقها. وهذا الخيار متاح بصفة خاصة لمن تتمتع بالإمكانيات المادية الكافية للتنازل عن أي مطالب مالية، أو لكل من تريد الطلاق بصورة مستميتة وإن كانت إمكانياتها المادية محدودة.

وتُلزم الحكومة كل امرأة تطلب الطلاق، حتى ضحايا العنف المنزلي، بالإذعان لمساعي الصلح الإجباري؛ أما حين يطلب الرجل الطلاق، فالحكومة لا تُلْزمه ببذل أي جهد للصلح. ومعنى فرض مساعي الصلح على المرأة دون الرجل باسم الحفاظ على الأسرة، أن الطلاق الذي تطلبه المرأة هو وحده الذي يدمر الأسرة. وفرض محاولات الصلح بالنسبة للمرأة، والمرأة وحدها، هو أمر يضرب بجذوره كذلك في أفكار متحيزة عن المرأة، تتهمها بالعجز عن اتخاذ قرارات عقلانية بشأن الخيارات الهامة في الحياة دون تدخل من أحد.

وتسقط نساء كثيرات في هوة الفقر ويواجهن خطر التشرد وهن يضربن في مجاهل غابة الطلاق ومتاهات القضاء في مصر. أما المرأة التي تنفصل عن زوجها بعد رفع قضية الطلاق في المحاكم المصرية، فتعتبر تلقائياً غير مؤهلة للحصول على أي شكل من أشكال المعونة المالية التي تقدمها الدولة، لأنها تعتبر رسمياً لا تزال متزوجة. وإن لم تكن ورقة الطلاق في يد المرأة، فإنها لا تحصل على أية معونة اجتماعية، لأنها تعتبر تابعة للمسؤولية المالية للزوج لا للدولة.

والكابوس القانوني والبيروقراطي المتمثل في الحصول على الطلاق للضرر أو الخُلع لا ينتهي بمجرد الحصول على الطلاق؛ إذ يعتبر الطلاق بمثابة حكم بالبؤس والشقاء على كثير من المصريات بسبب عجز الحكومة عن تنفيذ أحكام النفقة وإعالة الأطفال التي تصدرها المحاكم. وقد اتخذت الحكومة خطوة على الطريق الصحيح بإنشاء صندوق خاص بالنفقة وإعالة الأطفال، في محاولة لعلاج هذه المشكلة. ومع ذلك فيجب ألا يصبح الصندوق بديلاً عن التنفيذ لأحكام المحاكم.

وتتعرض المطلقة كذلك لخطر التشرد لأن الزوجة لا تشارك في ملكية ما تملكه الأسرة (مع زوجها) ولا تؤول إليها حصة في ملكية منزل الزوجية أو أي ممتلكات أخرى عند وقوع الطلاق. والقانون المصري ينقل حق الحضانة القانونية والمادية على الأطفال القُصّر، وبصورة تلقائية، إلى الأب، ويقتصر حق الزوجة في منزل الزوجية على فترة الحضانة أي التي تتولى فيها الأم الحضانة الفعلية للأطفال. ومن شأن أوجه التفاوت المذكورة ردع الكثيرات عن الطلاق.

وترتبط قضية التفاوت في حق الحصول على الطلاق ارتباطاً وثيقاً بمشكلة العنف المنزلي المنتشرة الوقوع. ولا يزال العنف ضد المرأة في مصر مسموحاً به ثقافياً وقانونياً، وقد اعتاد الجمهور تقبله باعتباره صورة من صور "التأديب" المشروع. وإذن فإن الحكومة المصرية، بإعاقتها لحق المرأة في الطلاق بالقوانين والإجراءات القائمة على التمييز، تحكم – أساساً – على كثير من النساء بزيجاتٍ تتسم بالعنف وتعريض الأرواح للخطر، كما إن نظام الطلاق الجائر المذكور يقعد بالكثيرات، ومن بينهن من يَعِشْنَ في ظل علاقات ضرر وضرار، عن محاولة طلب الطلاق في يوم من الأيام، ويترك الكثيرات يضربْن في متاهات القضاء سنوات وسنوات. وأخيراً فإن معاملة النظام القانوني المصري للمرأة يرسِّخ وإلى ما لانهاية العجز الذي تشعر به المرأة المصرية في المنزل.

ولم تنجح جهود الحكومة في التصدي للامساواة في حق المرأة في الطلاق أن تعالج الجوانب القائمة على التمييز في نظام الطلاق. وقنعت الحكومة في نهاية الأمر بحلول فاترة تمنح المرأة بعض الحقوق التي تعتبر أبعد ما يكون عن تحقيق المساواة. أما نظام الخُلع، الذي بدأ العمل به اعتباراً من عام 2000، فرغم أنه يريح المرأة من ضرورة تحديد أسباب الطلاق، إلا إنه لم يُدخل أي تغييرات جوهرية على الصيغة الظالمة في نظام الطلاق في مصر. وعدم قيام الحكومة المصرية بإصلاح نظام الخُّلع المذكور يعني أن القانون الجديد لم يفعل شيئاً سوى إيجاد سبيل آخر قد تختاره المرأة للتنازل عن حقوق بالغة الأهمية في مقابل الطلاق.

والقصد من إنشاء محاكم الأسرة المتخصصة، أي تلك التي تنظر في جميع النزاعات الزوجيـة، في أكتوبر/تشرين الأول 2004، هو تنظيم إجراءات الطلاق بتجميع كل المنازعات في قضية واحدة تنظر فيها محكمة واحدة، ومن ثم تستطيع الحد من فترات التأخير. وتعتبر هذه المحاكم الجديدة من بعض جوانبها خطوة على الطريق الصحيح، ولكنها سوف تطبق نفس القوانين والممارسات القائمة على التمييز التي سادت النظام السابق، بل إن هذه المحاكم الجديدة سوف تعتبر بمثابة الفرصة الضائعة إن لم تصبح نقطة انطلاق لمزيد من الإصلاحات اللازمة لتعديل نظام الطلاق تعديلاً جوهرياً ومنح المرأة حق الطلاق المساوي لحق الرجل.

لقد صادقت مصر على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وعلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكلاهما يفرض على مصر اتخاذ التدابير المناسبة لضمان المساواة بين الرجل والمرأة في الزواج والطلاق. وفي التحفظات التي أبدتها على هاتين الاتفاقيتين، أشارت مصر بصفة محددة إلى الالتزام بالشريعة الإسلامية حتى تتنصل من التزامها بحماية حقوق المرأة، بما في ذلك المساواة في حقها في الطلاق. ومثل هذا التحفظ يتناقض مع هدف المعاهدتين والغرض منهما، ومن ثم فهو لا يتفق مع التزامات مصر الدولية بالعمل على تعديل وإزالة المعايير الثقافية والدينية التي ترسخ اللامساواة. ولا تزال مصر تستند إلى تلك المعايير كوسيلة لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد المرأة في مصر.

إن على الحكومة المصرية أن تتخذ خطوات فورية لضمان المساواة في القوانين والسياسات الخاصة بالطلاق شكلاً ومضموناً، وعليها أن تلغي الأحكام القائمة على التمييز في قوانين الأسرة وقانون العقوبات لديها، وخصوصاً تلك التي ساعدت على إيجاد وترسيخ النظامين المتوازيين للرجل والمرأة. وعلى الأمم المتحدة والحكومة المصرية أن تتعاونا، بدعم من بعض الجهات المانحة، في مراجعة وإصلاح قوانين الأسرة السارية حالياً، لضمان اتساقهم مع التزامات مصر بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وغيرها من الصكوك الدولية في مجال حقوق الإنسان؛ وضمان عدم التمييز في هذه القوانين على أساس الجنس أو النوع، وضمان تحقيق المساواة للمرأة في حق الحصول على الطلاق.

وتتخذ هيومن رايتس ووتش موقفاً محايداً تماماً من الشريعة في حد ذاتها، بل من أي نظام عقائدي آخر، ديني أو غير ديني؛ كما أننا لا نسعى إلى الحكم على مبادئ أي دين أو عقيدة أو تفسيرها؛ فما يهمنا فحسب هو انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن تنفيذ أي نظام قانوني في أي بلد من البلدان.

ويستند هذا التقرير إلى 112 مقابلة أجريت في مصر في يونيو/حزيران وفي يوليو/تموز 2004، وكذلك إلى ما سبقها ولحقها من بحوث. وقد أجريت المقابلات مع المطلقات والمتزوجات اللاتي يردن الطلاق في محافظات القاهرة، والقليوبية، والمنيا، وسوهاج. وكان من بين هذه المقابلات اجتماعات مع سبعة وعشرين مسؤولاً في الحكومة المصرية، من وزارة العدل، ووزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية، ووزارة الداخلية، ووزارة الصحة، والمجلس القومي للمرأة. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات أخرى مع ممثلي الأمم المتحدة، والعاملين بالمنظمات غير الحكومية، والمحامين، والقضاة، والأخصائيين الاجتماعيين، والأطباء، ومسؤولي الحكومات المانحة.

وقد غيرنا أسماء جميع النساء اللاتي ناقشنا قضاياهن حفاظاً على خصوصياتهن، إلا إذا أشرنا إلى غير ذلك. كما لم ننشر بعض المعلومات الأخرى التي قد تكشف عن هوية صاحبها في بعض الحالات الأخرى، للسبب نفسه.


index  |  next>>December 2004