E-mail بريدالكتروني WR 2000 Mena  Campgn HR-Global  حقوق المرأة والطفل والعدالة والأسلحة والألغام Countries Mena Home
     هل يلزم أن يكون المتهم موجوداً في دولة الادعاء؟

   يتوقف ذلك على القوانين الخاصة بكل بلد، وعلى الغرض من إقامة الدعوى، وإمكان تسليم المتهم آخر الأمر؛ ويجب أن نذكر أن بينوشيه كان موجوداً في وطنه شيلي عندما بدأت إجراءات إقامة الدعوى ضده في إسبانيا.
وهل تشترط قوانين دولة الادعاء حضور المتهم؟ لا تتطلب بلدان كثيرة وجود المتهم بارتكاب الجريمة في البلد قبل الشروع في التحقيق؛ ولكن معظم البلدان تحظر إجراء المحاكمة في غياب المتهم. كما يعتمد هذا، إلى حد ما، على أساس الاختصاص القضائي. ففي الحالات التي يكون فيها الاختصاص القضائي قائماً على جنسية المتهم (أساس الاختصاص القضائي القائم على "الجنسية السلبية") مثلاً، تسمح فرنسا وإيطاليا بإجراء المحاكمة غيابياً. وهذا هو ما حدث عندما قُدِّم ضابط بحري أرجنتيني يدعى ألفريدو أستيز للمحاكمة في فرنسا، بتهمة المشاركة في تعذيب راهبتين فرنسيتين في الأرجنتين، فأُدين بهذه التهمة وحُكم عليه بالسجن المؤبد رغم أنه لم يكن في فرنسا. ولكن هاتين الدولتين أنفسهما تتطلبان أن يكون المتهم بارتكاب الجريمة موجوداً في الإقليم التابع لكل منهما في الدعاوى القائمة على الاختصاص القضائي العالمي.
وإذا كانت بعض البلدان تسمح بإجراء المحاكمات الغيابية، فإن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" تعتقد أن الإنصاف يقتضي حضور المتهم في المحكمة أثناء محاكمته حتى يمكنه تقديم دفاعه. فإذا قُبض على متهم بعد إجراء محاكمة أدين فيها غيابياً، فيجب في هذه الحالة إلغاء حكم الإدانة وإجراء محاكمة جديدة تماماً له.
وعلى الضحايا بطبيعة الحال أن ينظروا فيما يمكن أن يعود عليهم من رفع الدعوى على فرد غير موجود بشخصه في دولة الادعاء؛ أما الفائدة العملية لذلك فقد تعتمد على إمكان الحكم بتسليمه. ولكن رفع الدعوى قد تكون له أيضاً قيمة رمزية، أو قد تضع قيوداً على انتقالاته وأسفاره المعتزمة، أو قد تتيح تجميد حساباته في المصارف الدولية وغير ذلك من الأرصدة.

تسليم الأشخاص

إذا كان المتهم غير موجود في دولة الادعاء، فلابد من السعي لاحتجازه؛ والأسلوب التقليدي في هذه الحالة هو طلب تسليمه، وإن كانت هناك بدائل مثل ترحيل أحد الأجانب إلى البلد التي يحمل جنسيتها؛ وذلك ما فعلته بوليفيا عندما رحلت كلاوس باربي، المشهور باسم "سفاح ليون" في الحرب العالمية الثانية، إلى فرنسا لمحاكمته.
وتسليم الأشخاص هو المصطلح الذي يطلق على قيام إحدى الدول بتقديم طلب إلى دولة أخرى بتسليم شخص إليها زاعمة أنها تتمتع بالحق في محاكمته.
ولا تقوم بعض الدول بتسليم الأشخاص إلا بناءً على معاهدة تسليم معقودة مع دولة أخرى، ولذلك فلابد من التأكد من وجود مثل هذه المعاهدة بين البلدين؛ ولو أن بلداناً كثيرة توافق على تسليم الأشخاص حتى دون وجود مثل تلك المعاهدة، استناداً إلى مبدأ المعاملة بالمثل ـ أي تلبية كل من الدولتين لطلبات الدولة الأخرى. ومن ناحية أخرى نجد أن الدستور في بلدان كثيرة يحظر تسليم أحد مواطنيها حتى في حالة وجود معاهدة معقودة لتسليم الأشخاص.
وإذا كان الواقع العملي يتفاوت من حالة إلى أخرى، خصوصاً بناءً على أحكام المعاهدات المعقودة، فإن تسليم الأشخاص عادة ما يتبع قواعد متماثلة، وهي:
1- التجريم المزدوج: ومعناه اشتراك البلدين في تجريم عمل ما، أي ضرورة النص على تجريم الأفعال التي يزعم ارتكابها في قوانين كل من الدولة التي تطلب تسليم الشخص والدولة التي تتلقى الطلب. وتحدد معظم معاهدات تسليم الأشخاص الجرائم التي يسمح فيها بتسليم الأشخاص. ولكن بعض المعاهدات الأخرى تشير فحسب إلى فئات من الجرائم أو إلى مستوى العقوبة (ولنقل، على سبيل المثال، تلك الجرائم التي يُعاقب مرتكبها بالحبس سنة واحدة على الأقل).
وفي قضية بينوشيه فسر مجلس اللوردات هذه القاعدة بحيث تنص على ضرورة اعتبار أفعال بينوشيه من الجرائم في بريطانيا في الوقت الذي ارتكبت فيه، لا في الوقت الذي تلقت فيه بريطانيا طلب تسليم بينوشيه. ولم تصبح جريمة التعذيب خارج إقليم البلد (أي التعذيب المرتكب "في المملكة المتحدة أو في غيرها"، انظر ما تقدم) من الجرائم التي تسري عليها عالمية الاختصاص القضائي في المملكة المتحدة إلا في عام 1988، أي بعد أن أدمجت المملكة المتحدة "اتفاقية مناهضة التعذيب" في نصوص قوانينها، في حين أن معظم حالات التعذيب التي ارتكبت في ظل حكم بينوشيه قد وقعت قبل هذا التاريخ؛ ومن ثم فإن مجلس اللوردات قد قلل كثيراً من عدم الجرائم التي تجيز تسليم بينوشيه إلى إسبانيا.
2- عبء الأدلة: تلتزم الدولة التي تطلب تسليم الشخص إليها، في الأحوال العادية، بتقديم أدلة إثبات مبدئية ضد المشتبه فيه قبل تسليمه، وهو ما يضمن عدم القبض على الأشخاص وتسليمهم دون توافر الأدلة اللازمة. ولكن بعض المعاهدات لا تنص على هذا الشرط، إذ تكتفي الاتفاقية الأوربية الخاصة بتسليم الأشخاص، مثلاً، وهي التي استندت إليها إسبانيا عندما طلبت من بريطانيا تسليم بينوشيه إليها، بالنص على تقديم إجراءات الاتهام الرسمية. والواقع أن الاتفاقية تنص بصورة محددة على أنه "ليس من الضروري... إبلاغ المحكمة... بالأدلة الكافية التي تبرر محاكمة ذلك الشخص".
3- استثناء "الجرائم السياسية": لا تقوم معظم البلدان بتسليم المشتبه في ارتكابه "جريمة سياسية"؛ أما معايير البت فيما يعتبر من "الجرائم السياسية" فهي تتفاوت، وإن كانت تتضمن بصورة عامة التمرد على الحكومة القائمة، وما يتصل بذلك من الجرائم. أما الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، والتعذيب، وإبادة الجنس وجرائم الحرب فليست من الجرائم السياسية. بل إن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية تنص صراحة على أن هذه الجريمة لا تعتبر جريمة سياسية فيما يتعلق بتسليم الأشخاص. وتنص "اتفاقية مناهضة التعذيب" على مثل هذا ضمناً، إذ تستوجب إدراج التعذيب في قائمة الجرائم التي يجوز فيها تسليم الأشخاص فيما بين الدول الأطراف في معاهدات تسليم الأشخاص.
4- مبدأ التخصيص: لا يجوز للدولة التي تطلب تسليم شخص ما أن تحاكمه وتعاقبه إلا على الجرائم التي استندت إليها الدولة الأخرى في تسليمه إليها. ففي حالة بينوشيه مثلاً طلبت إسبانيا تسليم الجنرال إليها لاتهامه بجرائم الإرهاب والإبادة الجماعية واحتجاز الرهائن والتعذيب. ولكن مجلس اللوردات لم يسمح بتسليم بينوشيه إلا استناداً إلى تهمة التعذيب والتآمر على ارتكاب التعذيب بعد ديسمبر/كانون الأول 1998. فإذا تم تسليم بينوشيه إلى إسبانيا، فلا يجوز محاكمته إلا على هاتين الجريمتين.

مشكلة الإثبات في القضية

من الصعوبات الكأداء في إقامة الدعوى في الجرائم المرتكبة خارج إقليم الدولة صعوبة جميع الأدلة؛ إذ لن نجد الضحايا ومعظم الأدلة في دولة الادعاء بل في البلد الذي ارتكبت فيه الجرائم، ومن ثم فإن الإثبات في القضية سوف يقتضي نقل الضحايا والشهود والوثائق إلى دولة الادعاء، مما قد يتسبب في مصاعب مالية هائلة وبعض قضايا الأمن، إلى جانب بعض المشاكل الثقافية واللغوية والقانونية. فإذا كانت حكومة البلد الذي ارتكبت فيه الجرائم تعارض إقامة الدعوى، فسوف تزداد هذه العراقيل شدة.
والمعروف عن منظمات حقوق الإنسان أنها عادة ما تفتقر إلى التجربة والخبرة اللازمتين لتجميع الأدلة المقبولة شكلاً، أو حتى في محاولة تحديد هوية مرتكبي الجرائم من الأفراد. والتحقيق المطلوب لإثبات المسؤولية الفردية عن انتهاك محدد يختلف تماماً عن التحقيق اللازم لتوثيق مسؤولية الدولة. أو بتعبير آخر قد يكون من اليسير نسبياً إثبات تعرض شخص ما للتعذيب في حجز الشرطة، ولكن تحديد أسماء جميع الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية القانونية عن التعذيب، سواء من قاموا به بأنفسهم أو كانوا من المتواطئين فيه، قد تكتنفه صعوبات أكبر.

قوانين التقادم

إذا كانت قد انقضت عدة سنوات على ارتكاب الجريمة، فربما نشأت مشكلة تتعلق بقوانين التقادم؛ ذلك أن معظم الدول لديها قوانين تنص على عدم جواز محاكمة مرتكبي جريمة ما إذا انقضى على ارتكابها عدد معين من السنوات ـ 3 أو 10 أو 15، أو أي عدد آخر على حسب البلد والجريمة. والظاهر أن القانون الدولي القائم على العرف لا يقر قوانين التقادم بالنسبة للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وقد صادقت 43 دولة على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بعدم سريان قوانين التقادم على جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. وقد قطعت المحاكم الفرنسية والبلجيكية بعدم جواز تطبيق قوانين التقادم على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية تحديداً. كما أنه يجوز لنا أن نقول إن شروط قوانين التقادم تعتبر "معطلة" (أي غير سارية) ما دام المتهم يتمتع فعلياً بما يقيه سيف العدالة؛ ومع ذلك فإن القضاة المحليين يقومون أولاً بالنظر في القانون الوطني، فإذا وجدوا أن الحد الزمني المنصوص عليه في القانون الذي ينطبق على الدعوى المرفوعة قد فات، فإن بلداناً كثيرة قد ترفض الدعوى شكلاً.
ولكن قد يكون من الأيسر تجنب قاعدة التقادم في حالات "الاختفاء" مثلاً؛ فإعلان الأمم المتحدة بشأن حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري ينص على أن "الأفعال التي تشكل اختفاءً قسرياً تعتبر جريمة قائمة ما دام مرتكبوها يستمرون في إخفاء مصير ومكان وجود الأشخاص الذين اختفوا، وطالما استمر الغموض الذي يكتنف مصيرهم ومكان وجودهم". وهذا منطقي، إذ إن عدم الإقرار باحتجاز الشخص المعتقل، أو عدم الإفصاح عما آل إليه مصيره أو عن مكان وجوده، تعتبر من الأركان الأساسية في جريمة "الاختفاء". وقد حكمت المحاكم في شيلي والأرجنتين مؤخراً بأن طابع الاستمرارية الذي تتسم به جرائم "الاختفاء" معناه أن هذه الجرائم تظل قائمة حتى بعد صدور العفو العام الذي يحظر رفع الدعوى في الجرائم التي ارتكبت قبل تاريخ محدد. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه لما كان الرأي السائد هو أن "الاختفاءات" قد تؤدي إلى شكل من أشكال التعذيب النفسي لأحباء الشخص "المختفي"، مما قد يعتبر أساساً قانونياً لتطبيق بعض الأحكام الواردة في "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب"، وهي الأحكام الخاصة بضرورة "محاكمة الشخص أو تسليمه"؛ وهكذا فإن القاضي الذي نظر في طلب تسليم بينوشيه قال إنه على الرغم من قيام مجلس اللوردات بتحديد التهم الموجهة إليه وقصرها على التعذيب والتآمر لارتكاب التعذيب بعد ديسمبر/ كانون الأول 1988، فإن أعضاء النيابة العامة الإسبانية قد يسعون لإثبات أن مقصد بينوشيه من جعل خصومه "يختفون" قبل عام 1988، وعدم الإفصاح عن مكان وجودهم بعد ذلك، كان إنزال التعذيب النفسي المستمر بأقاربهم.

الحصانة

يكاد يكون من المؤكد أن تنشأ مسألة الحصانة الحكومية عن رفع الدعوى على مرتكب أي جريمة من الجرائم التي "ترعاها" الدولة في مجال حقوق الإنسان. فقد يدفع المتهم بالحصانة التي يتمتع بها باعتباره من المسؤولين حالياً، أو من المسؤولين العموميين، أو باعتباره دبلوماسياً، أو باعتباره رئيساً حالياً أو سابقاً للدولة. ولكن الحصانة، مهما تكن، تنتمي للدولة لا للمتهم، ولذلك فمن حق الدولة أن تتنحى عنها، بل يجب الضغط عليها حتى تتنحى عنها.
ويكاد يكون من المؤكد أن الرئيس الحالي لدولة ما، أو الدبلوماسي المعتمد في بعثة رسمية، سوف يعتبر ذا حصانة تمنع اعتقاله في أي بلد أجنبي (ولو أن ذلك لا ينطبق على المحاكم الدولية، مثل المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الخاصة برواندا، والمحكمة الجنائية الدولية في المستقبل). فالحصانة المذكورة تستند إلى مكانة الشخص لا إلى فئة الأفعال المرتكبة؛ وهكذا رفضت فرنسا وبلجيكا الطلبات التي تقدمت بها المنظمات الأوروبية في نوفمبر/ تشرين الثاني 1998 لمحاكمة لوران كابيلا، رئيس جمهورية الكونغو الديموقراطية، أثناء زيارته لتلك الدولتين.
ولكن المسؤولين العموميين لا يتمتعون، بصفتهم هذه، بالحصانة وفقاً للقانون الدولي؛ بل إن "اتفاقية مناهضة التعذيب"، على سبيل المثال، تعتبر مشاركة المسؤول الحكومي أو أي شخص يعمل بصفته مسؤولاً حكومياً، ركناً من أركان جريمة التعذيب.
أما موقف رئيس الدولة السابق فهو يتسم بالمزيد من التعقيد؛ فالقانون الدولي القائم على العرف يعتبر أن رئيس الدولة السابق يتمتع بالحصانة فقط فيما يقوم به من أفعال رسمية في حدود وظيفته كرئيس للدولة. أما البت فيما إذا كان يمكن اعتبار الجريمة المطروحة فعلاً رسمياً أو جزءاً من وظائف الحاكم فهو المسألة التي نظرها مجلس اللوردات عند بحث قضية بينوشيه؛ فقال اللوردات في الحكم الأول أن جرائم التعذيب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لا تعتبر من "وظائف" رئيس الدولة. (أما في حكمهم الثاني فقد استندوا إلى أساس أضيق، وهو أن مصادقة المملكة المتحدة وشيلي على "اتفاقية مناهضة التعذيب" ينفي أي إمكانية للتمتع بالحصانة في قضايا التعذيب).
ويقول القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الناشئة، وفقاً للمبادئ التي أرسيت في نورمبرغ، إن "الصفة الرسمية للشخص باعتباره رئيساً للدولة لا تعفيه بحال من الأحوال من المسؤولية الجنائية". وتوجد أحكام مماثلة في القانون الأساسي للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين لرواندا وليوغوسلافيا السابقة (وقد وجهت الأخيرة الاتهام في عام 1999 إلى سلوبودان ميلوسيفيتش، رئيس جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية). ولكن هذا المبدأ لم يطبق بعد في المحاكم الوطنية، ولو أن القانون الجديد الذي أصدرته بلجيكا بشأن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب يرفض بصورة محددة أي حصانة حكومية.

مسؤولية القيادة

لا يشارك كبار المسؤولين مشاركة شخصية في التعذيب أو القتل، في معظم الحالات، وإن كان من الممكن محاكمتهم، بطبيعة الحال، إذا كانوا قد أصدروا الأمر فعلياً بارتكاب مثل هذه الجرائم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مبدأ مسؤولية القيادة يقضي بإلقاء المسؤولية الجنائية على كل من يملك السيطرة على مرؤوسيه وكان يعلم، أو كان عليه أن يعلم، بأن جريمة ما توشك أن تُرتكب ثم لم يمنع وقوعها أو لم يحاول منعها، أو لم يعاقب المسؤولين عنها. وينطبق هذا المبدأ على السلطات العسكرية وعلى المدنيين الذين يتمتعون بمواقع السلطة القيادية.
ولعله من الأيسر، من وجهة النظر العملية بطبيعة الحال، إثبات وقوع الجريمة، أو إقناع النيابة بالشروع في التحقيق إذا كان المتهم هو الذي ارتكب الجريمة مباشرة، دون أن تضطر المحكمة إلى إجراء تحقيق معقد في مسؤولية القيادة في بلد أجنبي. ويبدو أن وجود اثنين من المجني عليهم/الشهود المباشرين في فرنسا كان العامل الحاسم الذي جعل فرنسا تلقي القبض على ضابط في الجيش الموريتاني برتبة نقيب بتهمة التعذيب عام 1999.
وحيثما كانت القضية قائمة على مبدأ مسؤولية القيادة، فلابد في العادة من وجود الشهود أو الوثائق اللازمة لإثبات سلطة المتهم على مرؤوسيه أو معرفته بالأحداث. فإذا كان الشهود أو كانت الوثائق في بلد أجنبي، حيث لا تملك دولة الادعاء إرغام أحد على الإتيان بهم أو بها، فسوف تزداد صعوبة إعداد حجة الادعاء.

من يملك إقامة الدعوى؟

يتفاوت ذلك من بلد إلى بلد؛ ففي بعض البلدان، وأساساً في البلدان ذات التقاليد القائمة على القانون العام الأنجلو أمريكي، يقتصر حق الأمر بإجراء تحقيق جنائي على النيابة العامة، وتتمتع النيابة هنا بسلطة تقديرية واسعة في أن تقرر تحريك الدعوى؛ ومن ثم يتعين على المجني عليهم إقناع المدعي العام برفع الدعوى، وإن كان من المحتمل ألا يبدي ذلك المسؤول المحلي اهتماماً، على نحو ما سبق تبيانه، بمتابعة الجرائم المرتكبة بعيداً عن وطنه. أما في بعض بلدان القانون المدني، فإن مسألة "المبدأ القانوني" تفرض على المدعي العام أن يقوم بالتحقيق في أي جريمة يعلم بوقوعها.
ونرى، على العكس من ذلك، في الكثير من بلدان القانون المدني المستوحى من القانون الفرنسي، أن من حق الضحية أن يرفع الشكوى مباشرة إلى قاضي التحقيق الذي يعتبر ملتزماً في هذه الحالة بالشروع في التحقيق. وفي بعض الحالات يكون الضحية أو أحد أقاربه طرفاً من أطراف الإجراءات الجنائية (أطراف مدنية)، وقد تحكم له المحكمة بالتعويض عما أصابه. ففي القضية السنغالية المرفوعة على حسين حبري، أقام سبعة من الضحايا التشاديين، والأرملة الفرنسية لمواطن تشادي، ورابطة الضحايا التشادية، دعواهم باعتبارهم أطرافاً مدنية. أما القضية الإسبانية المرفوعة على بينوشيه فقد اتخذت شكل الدعوى الشعبية، وهو شكل إجرائي يسمح لأي من المواطنين الإسبان بإقامة دعوى جنائية خاصة في حالات تمس المصلحة العامة، بغض النظر عما إذا كانت قد عادت بالضرر على أحدهم شخصياً أم لا.
وقد سمحت بعض بلدان أمريكا اللاتينية في الآونة الأخيرة، مثل غواتيمالا وكوستاريكا، للضحايا باكتساب صفة "المدعين المرافقين" بحيث يكون من حقهم صياغة التهم، واتخاذ قرارات الاستئناف، وتوفير الأدلة. وبالنسبة لبعض الجرائم، تعترف هذه البلدان بالمنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية باعتبارها من قبيل "المدعين المرافقين" إذا كانت لها مصلحة مباشرة في القضية، وخصوصاً فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
المحتويات
 
E-mail بريدالكتروني WR 2000 Mena  Campgn HR-Global  حقوق المرأة والطفل والعدالة والأسلحة والألغام Countries Mena Home