E-mail بريدالكتروني WR 2000 Mena  Campgn HR-Global  حقوق المرأة والطفل والعدالة والأسلحة والألغام Countries Mena Home
 
   الدعوى المرفوعة على حسين حبري "بينوشيه الإفريقي"

في فبراير/شباط 2000 وجهت محكمة سنغالية تهمة ارتكاب التعذيب إلى حسين حبري، دكتاتور تشاد السابق المقيم في المنفى، ووضعته تحت الإقامة الجبرية في منزله، وكانت تلك أول مرة تتهم فيها إحدى المحاكم في دولة إفريقية شخصاً من دولة إفريقية أخرى بارتكاب الفظائع.

حسين حبري ،بينوشيه الافريقي
وقد ظل حسين حبري يحكم تشاد منذ عام 1982 حتى عام 1990، وهو العام الذي خلعه فيه الرئيس الحالي إدريس ديبي، فاضطر إلى الفرار إلى السنغال. ومنذ سقوط حبري وأبناء تشاد يحاولون إحالته إلى العدالة، فقامت "الرابطة التشادية لضحايا القمع السياسي والجريمة" بتجميع المعلومات الخاصة بكل فرد من الضحايا البالغ عددهم 792، وهم من تعرضوا لوحشية حبري، آملين الانتفاع بما سجلوه عن هذه الحالات في رفع الدعوى القضائية على حبري. وفي عام 1992 أصدرت لجنة تقصي الحقيقة تقريراً يتضمن اتهام نظام حبري بارتكاب 40 ألف جريمة من جرائم القتل السياسي، و200 ألف حالة من حالات التعذيب. ولما كان عدد كبير من كبار المسؤولين في حكومة ديبي، ومن بينهم ديبي نفسه، ضالعين في جرائم حبري، فإن الحكومة الجديدة لم تطلب من السنغال تسليمه إليها.
وفي عام 1999، تقدمت "الرابطة التشادية لنصرة حقوق الإنسان والدفاع عنها ـ وعينها على السابقة القانونية المتمثلة في حالة بينوشيه ـ بطلب إلى منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" ترجو فيه مساعدتها في إحالة حبري إلى العدالة في السنغال. وقام الباحثون في منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بزيارة تشاد مرتين، واطلعوا على الوثائق التي أعدتها رابطة الضحايا المذكورة في عام 1991 واستفادوا منها، عاملين في الخفاء، خشية قيام المسؤولين التشاديين بإبلاغ حبري الذي قد يفر إثر ذلك من السنغال؛ واجتمع الباحثون بالضحايا والشهود، ساعين للحصول على كل ما من شأنه توثيق الجرائم التي ارتكبها حبري. وفي غضون ذلك قامت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، دون إحداث ضجة، بتنظيم تآلف من المنظمات غير الحكومية التشادية والسنغالية والدولية، تدعيماً للشكوى، وكان من بينها "الاتحاد الدولي لجمعيات حقوق الإنسان"، ومنظمة "الحقوق الدولية" (إنتررايتس)، إلى جانب مجموعة من المحامين السنغاليين الذين يمثلون مصالح الضحايا. وكان من بين من رفعوا الدعوى باعتبارهم أفراداً سبعة أفراد تشاديين، وأرملة فرنسية راح زوجها ضحية نظام حبري وكذلك رابطة الضحايا المذكورة.

وتقدم الشاكون بالدعوى الجنائية التي رفعوها إلى محكمة داكار الإقليمية، والتي يتهمون فيها حبري رسمياً بارتكاب التعذيب وجرائم ضد الإنسانية، كما حضر العديد منهم إلى السنغال خصيصا لهذا الغرض. أما تهم التعذيب فكانت تستند إلى القانون السنغالي الخاص بالتعذيب، وكذلك إلى "اتفاقية مناهضة التعذيب" التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1984، والتي صادقت عليها السنغال في عام 1987. كما أشارت هذه الجماعات أيضاً إلى التزامات السنغال بموجب القانون الدولي القائم على العرف، والتي تقضي برفع الدعوى على المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وفي مستندات القضية المرفوعة إلى قاضي التحقيق، قدمت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، وغيرها من المنظمات، البيانات التفصيلية الخاصة بسبع وتسعين حالة من حالات القتل السياسي، و142 حالة تعذيب، و100 حالة "اختفاء"، و736 حالة اعتقال تعسفي، قامت بتنفيذ معظمها "إدارة التوثيق والأمن" التابعة لحسين حبري، والتي كانت تلقي الرعب في القلوب، إلى جانب تقرير أعده فريق طبي فرنسي عام 1992 عن التعذيب في ظل نظام حبري، وكذلك تقرير "لجنة تقصي الحقيقة" التشادية. كما قدمت المنظمات أيضاً الوثائق التي تبين كيف وضع حبري "إدارة التوثيق والأمن" تحت إشرافه المباشر، وعين فيها موظفين من أقرب أصدقائه، وألزمها برفع تقاريرها إليه بصورة منتظمة. كما قدمت المنظمات أيضاً الشهادة التي أدلى بها، بعد حلف اليمين، اثنان من السجناء السابقين؛ وكانت اللجنة المذكورة قد أمرتهما بحفر قبور جماعية لدفن خصوم حبري. ووصف اثنان من الشاكين كيف تعرضا لأسلوب من أساليب التعذيب الواسعة الانتشار، وهو الذي يُسمَّى "أربعة عشر"، وفيه يُشدُّ وثائق السجين بتقييد أطرافه الأربعة خلف ظهره مما يعطل الدورة الدموية ويتسبب في الشلل.
وعشية رفع الدعوى قابل ممثلو المنظمات غير الحكومية والشاكون وزير العدل السنغالي الذي أكد لهم أنه لن يحدث أي تدخل سياسي في عمل القضاء. وكانت القضية مرفوعة باعتبارها شكوى تتخذ صفة الادعاء الشخصي، وسارت إجراءاتها بسرعة مذهلة. فأحال القاضي ملف القضية أولاً إلى المدعي العام طلباً لمشورة غير ملزمة؛ وكان المدعي العام قد أُبلغ بضرورة الإسراع حتى لا تتاح الفرصة لحسين حبري للفرار من البلد، وكذلك حتى يدلي الضحايا بأقوالهم قبل عودتهم إلى تشاد، ومن ثم أصدر مشورته، التي يوافق فيها على إقامة الدعوى، في غضون يومين فقط. وفي اليوم التالي أدلى الضحايا بشهادتهم أمام القاضي في جلسة مغلقة ـ وهو ما كانوا ينتظرونه من تسع سنوات! وعندها أمر القاضي باستدعاء حبري يوم 3 فبراير/شباط 2000، وأعلنه بتهمة "التواطؤ لارتكاب التعذيب"، وأمر بوضعه تحت الإقامة الجبرية في منزله. كما أمر بفتح التحقيق مع أشخاص تحدد أسماؤهم فيما بعد بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والاختفاء، والأعمال الوحشية؛ بمعنى أنه يستطيع فيما بعد توجيه هذه التهم إلى حبري أو إلى غيره من الأشخاص.
وسوف يواصل القاضي الآن التحقيق الذي يقوم به في القضية، وربما قام بزيارة إلى تشاد في غضون ذلك. وقد قام حبري بتوكيل بعض المحامين لإعداد الدفاع عنه، في حين تستمر منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" وشركاؤها في إجراء المزيد من البحوث، بعد أن انتفت الحاجـة الآن إلى التكتم. وقد تعقد محاكمة حبري إما في أواخر عام 2000 أو في عام 2001.
ويعتبر إقدام السنغال على السماح بالسير في إجراءات القضية عملاً فريداً إذ ربما تقاعست عنه بلدان كثيرة. فالسنغال بلد ذا تقاليد ديموقراطية، يتمتع القضاء فيها بدرجة عالية من الاستقلال بالمقارنة بغيره في إفريقيا؛ وهي تعتز بأنها كانت أول دولة في العالم تصادق على معاهدة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، كما كان لها دورها البارز في مجال الحقوق الدولية. وعلى الرغم مما قيل من استثمارات حبري الكبيرة في الصناعة السنغالية، فلم تكن هناك جماعات ضغط قوية تعمل لصالحه، سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
وقال ريد برودي، من منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، الذي عمل في قضية بينوشيه وقضية حبري: "إن قضية بينوشيه قد أكدت من جديد مبادئ القانون الدولي التي تقضي بأن بلداً ما يستطيع محاكمة مرتكب جريمة التعذيب، بغض النظر عن مكان ارتكابها، وأنه لا حصانة من المحاكمة حتى لرئيس دولة سابق؛ ولكنها أظهرت لنا أيضاً أن هناك بلداناً يمكن تطبيق هذه المبادئ السامية فيها عملياً، ولنا أن نعد السنغال اليوم من بين هذه البلدان".
المحتويات
 
E-mail بريدالكتروني WR 2000 Mena  Campgn HR-Global  حقوق المرأة والطفل والعدالة والأسلحة والألغام Countries Mena Home