HRW Logo HRW in Arabic
Human Rights Watch
E-mail بريدالكتروني WR 2000 Mena  Campgn HR-Global  حقوق المرأة والطفل والعدالة والأسلحة والألغام Countries Mena ECA Home
 
الشيشان


ولم يكن القصف المتواصل بالقنابل بالنسبة للكثير من سكان الشيشان سوى بداية للأهوال الحقيقية التي كابدوها؛ فما أن دخلت القوات الروسية مدنهم وقراهم، حتى واجهوا أخطاراً أشد وأنكى؛ حيث سجلت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" حتى الآن ثلاث مذابح واسعة النطاق ارتكبتها القوات الروسية في الشيشان. ففي ديسمبر/كانون الأول، قتلت القوات الروسية 17 مدنياً في قرية الخان يورت عندما أغار عليها الجنود للسلب والنهب، فأحرقوا الكثير من البيوت التي تبقت بعد القصف الجوي، واغتصبوا بعض نساء القرية. كما وثقنا ما لا يقل عن 50 جريمة قتل ارتكبها الجنود الروس في ضاحية ستاروبروميسلوفسكي في غروزني منذ استيلائهم على هذه الضاحية، وكان معظم ضحاياها من الشيوخ والنساء؛ وهم مدنيون أبرياء أطلق عليهم الجنود النار وقتلوهم في داخل منازلهم أو في أفنيتها. وفي إحدى الحالات، أطلق الجنود الروس النار على أفراد أسرة زوباييف، فقتلوا أجيالاً ثلاثة (الآباء والأبناء والأحفاد) من تلك الأسرة في فناء دارها

وفي 5 فبراير/شباط، أي بعد أيام قلائل من لقاء وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين ألبريت بالقائم بأعمال الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو، ارتكبت القوات الروسية مذبحة في ضاحية ألدي في غروزني

وما برح المسؤولون الأمريكيون يهوِّنون من شأن الفظائع التي تُرتكب في الشيشان، إذ يشيرون إلى "الاعتداءات" التي تحدث في الحرب، بدلاً من وصفها باسمها الصحيح، وهو جرائم الحرب

حيث أطلقت النار على ما لا يقل عن 62 شخصاً، وربما على عدد أكبر من ذلك من المدنيين الذين كانوا ينتظرون في الطريق وفي أفنية منازلهم ريثما يفحص الجنود أوراق هويتهم؛ وكل هذه عمليات قتل ارتكبت بلا ضرورة على الإطلاق، وكان من الممكن تجنبها ومنعها؛ إنها جرائم قتل واضحة لا لبس فيها؛ ثم يعود اللاجئون إلى غروزني ليجدوا أقاربهم وجيرانهم مقتولين رمياً بالرصاص داخل بيوتهم. على أن الأمر الذي يبعث على أشد القلق والانزعاج هو أنه ليس هنالك أي دليل يشير إلى توقف هذه المذابح. وفي الشهر الماضي، بدأت السلطات الروسية في القبض على أعداد كبيرة من الرجال المدنيين في شتى أرجاء الشيشان. وقد اقتيد هؤلاء الرجال، الذين يزيد عددهم بكثير عن الألف، مع بعض النساء، إلى مراكز احتجاز سرية؛ ويبذل ذووهم جهوداً مضنية لمعرفة مكان وجودهم دون أن تلوح أمامهم بارقة أمل. وقد تحدثت مع بعض الرجال الذين استطاعوا شراء حريتهم والخروج من هذه المراكز، وأجمعت أقوالهم على أن المحتجزين هناك يتعرضون بصفة دائمة للضرب والتعذيب الشديد؛ بل لقد وقعت حالات اغتصاب كان ضحاياها من الرجال والنساء على السواء. منهم من يتعرض للاغتصاب، والرجال في ذلك سواء مثل النساء. وقد أُصيب أحد الرجال في ظهره نتيجة للاعتداء عليه بمطرقة معدنية ثقيلة، وتهشمت ضلوع آخر وأصيب باضطرابات كلوية من جراء الضرب المبرح
أزمة اللاجئين
تسببت الغارات المتواصلة التي شنتها القوات الروسية ضد السكان المدنيين في حمل أكثر من 200 ألف شيشاني على الهرب إلى إنغوشيا المجاورة، مما ألقى على كاهل السكان المحليين، الذين لا يزيد عددهم عن 300 ألف، عبئاً لا قبل لهم به. ولا يزال كثيرون آخرون من السكان المشردين من ديارهم محاصرين داخل الشيشان، خاصة في مضيق نهر أرغون الجنوبي، حيث باتوا عاجزين عن التماس موضع آمن بسبب رفض القوات الروسية فتح ممرات آمنة تسمح لهم بالعبور
والأوضاع داخل مخيمات اللاجئين متردية، حيث يعانون من النقص في المأوى والطعام والماء النظيف والتدفئة وغيرها من الضروريات. ولا تعيش سوى قلة قليلة منهم داخل المخيمات المكتظة أو عربات السكك الحديدية؛ أما الغالبية، فتعيش في ملاجئ مؤقتة أقيمت في المزارع المهجورة أو حاويات الشحن الفارغة، أو غير ذلك من المآوي التي هي دون المستوى المطلوب. وقد اضطر الكثيرون منهم إلى دفع مبالغة طائلة لاكتراء بيوت خاصة؛ ولما كان اللاجئون مضطرين للاعتماد على مواردهم المحدودة من أجل تدبير معاشهم، فكثيراً ما يضطرون للعودة إلى المناطق التي مازال القتال مستعراً فيها عندما تنفد نقودهم، معرضين حياتهم بذلك للخطر من جديد. ولا تسمح روسيا للمنظمات الإنسانية بأن تعمل بحرية في إنغوشيا، وتكاد تمنع وصول أية مساعدات مباشرة للمحتاجين داخل الشيشان. ولا يذهب أطفال اللاجئين في إنغوشيا للمدارس، وتُلبَّى احتياجاتهم الطبية في كثير من الأحيان. والتناقض مذهل بين الاستجابة الدولية لأزمة كوسوفو في العام السابق وبين الاستجابة للأزمة الحالية، رغم أن بواعث القلق الأمنية والعراقيل التي تضعها روسيا هي بغير شك عوامل ذات صلة بهذا الأمر
وقد حاولت السلطات الروسية مراراً أن ترغم اللاجئين على العودة إلى الشيشان بحرمانهم من الطعام في المخيمات أو بإعادة عربات السكك الحديدية التي يتخذونها مأوى لهم إلى الشيشان. وتسعى روسيا إلى إعادة توطين اللاجئين في المناطق الشمالية من الشيشان الخاضعة لسيطرتها، الأمر الذي سيجعلهم بمنأى عن الهيئات الإنسانية الدولية، ويخضعهم بصورة أكبر للسيطرة الروسية المباشرة. وقد دأبت القوات الروسية على إغلاق الحدود بين الشيشان وإنغوشيا، مما يمنع اللاجئين من عبورها التماساً للأمان؛ كما أن هذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى تمزيق شمل الأسر التي يتشتت أفرادها على جانبي الحدود. وعقب دمار العاصمة غروزني، والكثير من المدن والقرى الأخرى في الشيشان، ووقوع عمليات سلب ونهب المنازل وإحراقها على نطاق واسع، لم يعد للكثير من اللاجئين بيوت يعودون إليها؛ فقد دُمِّر كل ما كانوا يملكونه في هذه الدنيا

انتهاكات ارتكبها المقاتلون الشيشان

حرصت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، كدأبها في جميع الصراعات التي ترصد فيها انتهاكات حقوق الإنسان، على توثيق الانتهاكات التي ترتكبها جميع أطراف الصراع في الشيشان. وقد كشفنا عن أدلة تثبت وقوع انتهاكات خطيرة على يد المقاتلين الشيشان في الصراع؛ فهؤلاء المقاتلون، خاصةً أولئك الذين يعتبرون أنفسهم مقاتلين إسلاميين، لم يعيروا أي اهتمام يُذكر لسلامة السكان المدنيين، حيث عمدوا في كثير من الأحيان إلى إقامة مواقعهم العسكرية في قلب المناطق العامرة بالسكان، ورفضوا مغادرة المناطق المدنية، حتى عندما طلب منهم سكانها ذلك. ، ولم يتورعوا في حالات عديدة عن إطلاق النار على شيوخ القرى الذين حاولوا منعهم من دخول قراهم، أو الاعتداء عليهم بالضرب المبرح. وخلاصة القول، إن المقاتلين الشيشان قد أسهموا في زيادة حصيلة الجرحى والقتلى من المدنيين في الشيشان بتقاعسهم عن اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية أرواح المدنيين
كما أن بعض هؤلاء المقاتلين الشيشان ارتكبوا انتهاكات وحشية في السنوات الفاصلة بين الحربين، بما في ذلك عمليات اختطاف واحتجاز للرهائن على نطاق واسع، وهناك أدلة مقنعة تفيد بأنهم أعدموا الجنود الروس الأسرى في هذا الصراع. وبدون التقليل من خطورة الانتهاكات التي ارتكبها المقاتلون الشيشان، فمن المهم القول بأن السبب الأول وراء معاناة المدنيين في الشيشان اليوم هو الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الروسية ضد السكان المدنيين. كذلك، فإن السكان المدنيين باتوا ينقمون نقمة شديدة علىالمقاتلين الشيشان، وخاصةً الإسلاميين منهم، لأنهم يعتبرونهم مسؤولين عن اندلاع الحرب مجدداً في الشيشان. وتشعر الأغلبية الساحقة من السكان أنهم محاصرون بين المقاتلين الشيشان الذين فرضوا عليهم هذه الحرب، وبين القوات الروسية التي ما برحت تعتدي عليهم بصورة وحشية في كثير من الأحيان
تقاعس روسيا عن وقف الانتهاكات
من بين أخطر الجوانب المثيرة للانزعاج في هذه الحرب أن السلطات الروسية قد تقاعست عن وضع حد للاعتداءات التي يرتكبها جنودها في الشيشان؛ فليست هناك أي مؤشرات على الإطلاق توحي بأن السلطات الروسية قد اتخذت أي خطوة لمنع هذه الاعتداءات، والتحقيق فيها عند وقوعها، ومعاقبة المسؤولين عن ارتكابها. ونتيجة لذلك، فإن مناخ الإفلات من العقاب يتفاقم بسرعة في الشيشان، حيث بات الجنود الروس يعرفون أن بإمكانهم معاملة المدنيين الشيشان كيفما يحلو لهم دون خوف من أي عواقب
وأسطع دليل على تقاعس السلطات العسكرية عن إيقاف الانتهاكات هو انتشار السلب والنهب في الشيشان منذ بداية الحرب؛ فقد دأب الجنود على نهب بيوت المدنيين ونقل المسروقات في شاحناتهم العسكرية، وتخزينها في ثكناتهم في وضح النهار؛ وهم يفعلون ذلك على رؤوس الأشهاد، وعلى مرأىً من قوادهم الذين لا يحركون ساكناً لوقف هذه الجرائم وغيرها من الانتهاكات. والتقاعس التام الذي تبديه القيادة العسكرية الروسية عن وقف جرائم الحرب في الشيشان، خاصةً عمليات الإعدام دون محاكمة، يجعلها شريكة رئيسية في ارتكابها. وبدلاً من أن يتحرك قادة الجيش لمنع هذه الاعتداءات، فما زالوا يصرون على الإنكار التام؛ ولكن في مواجهة سيل جارف من القرائن الذي تثبت وقوع هذه الاعتداءات في الشيشان، يغدو هذا الإصرار على الإنكار المطلق غير مقبول
رد الفعل الغربي

بات الجنود الروس يعرفون أن بإمكانهم معاملة المدنيين الشيشان كيفما يحلو لهم دون خوف من أي عواقب

ومما يثير القلق بنفس القدر انعدام أي رد فعل قوي من الغرب على الانتهاكات التي تُرتكب في الشيشان؛ فبدلاً من أن تعمد إدارة الرئيس كلينتون إلى استغلال علاقتها مع روسيا لوضع حد لهذه الانتهاكات، فقد ركزت على تدعيم علاقتها مع فلاديمير بوتين، القائم بأعمال رئيس الجمهورية، وهو المهندس الأول لحملة الانتهاكات في الشيشان. وعندما توجهت وزيرة الخارجية مادلين أولبريت إلى موسكو، كانت القنابل تنهمر على غروزني، ولكنها آثرت أن تركز ملاحظاتها على الصفات التي يتسم بها بوتين باعتباره الزعيم الجديد لروسيا، بدلاً من أن تركز على الحرب الوحشية التي تدور رحاها في الشيشان. وما برح المسؤولون الأمريكيون يهوِّنون من شأن الفظائع التي تُرتكب في الشيشان، إذ يشيرون إلى "الاعتداءات" التي تحدث في الحرب، بدلاً من وصفها باسمها الصحيح، وهو جرائم الحرب. وتعمد الإدارة إلى التقليل من حجم تأثيرها ونفوذها في موسكو، لأنها تود أن تبقى الأمور على حالها، وأن تصلح علاقتها مع موسكو في أعقاب حملة القصف الجوي التي شنها حلف شمال الأطلسي على يوغوسلافيا السابقة. وإلى اليوم، لم يعطِ المجتمع الدولي الحكومة الروسية أي سبب يجعلها تخشى أي عواقب لأفعالها في الشيشان
إن بوسع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أن يفعلوا المزيد لوقف الانتهاكات الوحشية في الشيشان؛ وعليها، بدءًا من الغد في الاجتماع الثلاثي الذي سوف يعقد في ليشبونة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، أن تسمي هذه الانتهاكات باسمها الحقيقي، أي جرائم حرب، وتؤكد أنه إذا استمرت هذه الانتهاكات في الشيشان، فلا يمكن أن تبقى العلاقات مع روسيا كما هي وكأن شيئاً لم يكن؛ ويجب أن يصر الغرب على محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت في الشيشان، ووضع حد لمناخ الحصانة والإفلات من العقاب المتفاقم بسرعة هناك. كما ينبغي المسارعة بتأسيس بعثة دولية للرصد والمراقبة كي تتولى توثيق جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات في الشيشان، وتزويد المجتمع الدولي بمعلومات دقيقة يعول عليها بشأن الاعتداءات التي ترتكب في خضم الصراع الشيشاني
وينبغي للولايات المتحدة أن تدفع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى أن يعلنا صراحة وقف صرف القروض المنظور تقديمها إلى الحكومة الروسية إلى أن تتخذ روسيا الاتحادية خطوات لكبح جماح قواتها، وتبدأ عملية محاسبة جادة للمسؤولين عن الانتهاكات، وتبدي تعاوناً كاملاً إزاء نشر بعثة رصد دولية في شمال القوقاز. فلا ينبغي للصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن يقدما أي تمويل لأية حكومة تنتهج سياسة مدمرة على هذا النحو ومخالفة صلاحياتهما المؤسسية على نحو ما رأيناه في العملية العسكرية الروسية في الشيشان
وعلى الولايات المتحدة أن تشجع حلفاءها الأوروبيين على رفع دعوى ضد روسيا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، متهمةً إياها بارتكاب انتهاكات صارخة أثناء الحرب الشيشانية مما يخل بالالتزامات التي تمليها عليها المواثيق والمعاهدات الدولية. ويجب أن يكون الأسلوب الذي تُدار به الحرب الشيشانية ومسألة تأسيس لجنة للتحقيق في الانتهاكات من بين البنود البارزة في جدول أعمال الدورة القادمة للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ويجب على الولايات المتحدة أن تصر على طرح الصراع الشيشاني على بساط المناقشة في مجلس الأمن لما لهذا الصراع من عواقب رئيسية على السلام والأمن الدوليين
وفي نهاية شهادتي، أرجو أن تسمحوا لي أن أعبر لكم عن شكري وأن أتوجه لكم برجاء؛ فأنا سأعود قريباً إلى إنغوشيا، وأود أن أحمل معي بارقة أمل لضحايا هذه الحرب والمدنيين الشيشان الذين لا جريرة لهم في إشعال هذه الحرب، ومع هذا فقد تحملوا القسط الأكبر من أهوالها. وأود أن أكون قادراً على أن أقول لهم كيف يعبأ الغرب بآلامهم، وأنهم لم يسقطوا في هوة النسيان. وسوف آخذ معي نسخاً من القرار الذي اعتمده مجلس الشيوخ في الأسبوع الماضي. شكراً لكم على ما أبديتموه من اهتمام؛ ولكن رجائي ألا يبدأ دوركم وينتهي هنا، بل أناشدكم أن تمارسوا دوراً قيادياً مستمراً في وضع سياسة أمريكية إزاء روسيا تصر على ضرورة المساءلة ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان.
 
E-mail بريدالكتروني WR 2000 Mena  Campgn HR-Global  حقوق المرأة والطفل والعدالة والأسلحة والألغام Countries Mena ECA Home