Human Rights Watch
HRW World Report 1999
MENA Overview
Human Rights Developments
Human Rights Defenders
International Community
Algeria
Bahrain
Egypt
Iran
Iraq & Kurdistan
Israel
Saudi Arabia
Syria
Tunisia
التطورات في مجال حقوق الإنسان

"أنا لا أذهب إلى السجون، ولكنني أعتقد أنه لم يعد هناك كثير من السجناء". هذا ما قاله الرئيس حافظ الأسد في مقابلة مع محطة التليفزيون الفرنسية (TF-1) في دمشق يوم 11 يوليو/تموز، في الأسبوع الذي سبق زيارته الرسمية لفرنسا. والواقع أن هذه السنة شهدت الإفراج عن 121 من السجناء السياسيين اللبنانيين وبعض السوريين الذين لم يتأكد عددهم، وهي خطوة تستحق الترحيب. ولكن الملامح الأساسية للواقع الكئيب لحقوق الإنسان في سوريا لم تتغير. إذ لا يزال قانون الطوارئ ساري المفعول، كما أن الحكومة تعتبر التعبير السلمي وتكوين الجمعيات السلمية من الجرائم، وتفرض رقابة شديدة على الصحف وغيرها من أجهزة الإعلام، ولا تبدي أي إرادة سياسية لتشجيع تطوير المؤسسات المستقلة للمجتمع المدني. ولم تنشأ أية آليات قانونية تعين جماعات المعارضة على العمل بحرية باعتبارها أحزاباً سياسية، كما ظلت آفاق رصد أوضاع حقوق الإنسان، بصورة فعاليةً وفي الوقت المناسب، محدودة للغاية. وظل السجناء السياسيون الذين رفضوا التنازل عن مبادئهم يعاملون معاملة قاسية، وكان أفراد أسرهم ومؤيدوهم يجدون صعوبة بالغة في إبلاغ المعلومات إلى العالم الخارجي

وفي مايو/أيار، وتمهيداً للرحلة التي قام بها الرئيس الأسد في الفترة من 16-18 يوليو/تموز إلى باريس للاجتماع بالرئيس جاك شيراك ورئيس الوزراء ليونيل جوسبان، أُطلق سراح ما لا يقل عن 30 سجيناً سياسياً سورياً، كانت حالات الكثيرين منهم معروفة على المستوى الدولي، ووردت أنباء غير مؤكدة تفيد بالإفراج عن عدة مئات آخرين. ومن بين الذين تأكد الإفراج عنهم المحامي رياض الترك، رئيس "الحزب الشيوعي - المكتب السياسي" المحظور، والذي ظل محتجزاً دون تهمة رهن الحبس الانفرادي منذ القبـض عليه في أكتوبر/تشرين الأول 1980. وتقول المعلومات التي تلقتها منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إن رياض الترك كان يعاني في محبسه من ظروف بالغة القسوة، ولم يُسمح له بلاطلاع على الكتب والصـحف إلا في العامين الأخيرين من حبسه. كما أُطلق سراح مصطفى توفيق فلاَّح، الذي كان قد قُبـض عليه عام 1970، وحُوكم أمام محكمة أمن الدولة العليا في العام التالي، وحُكم عليه بالسجن 15 سـنة بتهمة التآمر للإطاحة بالحكومة. وبقي فلاّح مسجوناً بعد انقضاء مدة عقوبته عام 1985، وتدهورت حالته الصحية. وأُفرج كذلك عن أكثم نعيسة، وهو محام من دعاة حقوق الإنسان، ومن الشخصيات البارزة في "لجنة الدفاع عن الحريات الديموقراطية وحقوق الإنسان في سوريا"، وهي لجنة مستقلة. وكان قد قُبض عليه في ديسمبر/كانون الأول 1991، وحُوكم أمام محكمة أمن الدولة في مارس/آذار 1992 مع غيره من أعضاء اللـجنة المذكورة، وحُكم عليه بالسجن تسع سنوات بتهمة ارتكاب جرائم من بينها الانتماء لمنظمة غير مشروعة. وقد تعرض للتعذيب وأُصيب بجراح أثناء التحقيق، كما ساءت حالته الصحية في السجن

وتواترت الأنباء على مدار العام عن تعرض مئات السجناء السياسيين الذين لم يُطلق سراحهم للإهمال الطبي الجسيم. ولفتت منظمة العفو الدولية الأنظار إلى تدهور الحالة الصحية لبعض هؤلاء السجناء، وكان الكثيرون منهم يقضون عقوبات تتراوح بين 10 سنوات و15 سنة في السجن، أصدرتها عليهم محكمة أمن الدولة بعد محاكمات جائرة. والمعروف أنه لا يُسمح باستئناف أحكام هذه المحكمة أمام محكمة أعلى. وكان معظمهم من نزلاء سجن العدرا وسجن صدناية، ولكن المحامي عبدالله قبارة، وهو في الستين من عمره ويعاني من مرض البول السكري، وحُكم عليه بالسجن 15 سنة في عام 1994، كان محتجزاً في سجن تدمر العسكري ذي السمعة السيئة. وفي سبتمبر/أيلول علم المجتمع الدولي أن الكاتب وداعية حقوق الإنسان نزار نيوف، البالغ من العمر 36 عاماً والذي يقضي عقوبة بالسجن 10 سنوات في سجن المزة العسكري في دمشق، قد أُصيب بمرض هودجكين (مرض خبيث يصيب الأنسجة الليمفاوية). وتفيد المعلومات التي تلقتها منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بأن السلطات جعلت تقديم الرعاية الطبية لنيوف مشروطاً بأن يتعهد بالكف عن جميع الأنشطة السياسية، وبأن يوقع بياناً يعلن فيه حل <لجنة الدفاع عن الحريات>

وبصفته عضواً مؤسساً وأميناً عاماً "للجنة الدفاع عن الحريات"، فقد كان محركها الأساسي، كما كان شديد الحرص على استقلالها عن شتى الأحزاب السياسية غير المرخص لها بالعمل في سوريا. وكان قد قُبض على نيوف في يناير/كانون الثاني 1992، أثناء حملة انقـضاض الدولة على الشبكة الوليدة "للجنة الدفاع عن الحريات"، وذلك بعد القبض على زوجته وطفلته الرضيعة لإرغامه على تسليم نفسه. وتعرّض للتعذيب أثناء احتجازه في فرع فلسطين للاستخبارات العسكرية السورية، وحُوكم مع أكثم نعيسة وغيره من أعضاء اللجنة أمام محكمة أمن الدولة. وصدر الحكم على نيوف في مارس/آذار 1992 بأطول عقوبة سجن ممكنة، بتهمة تأسيس وزعامة منظمة غير مشروعة تعمل على هز ثقة الجماهير بالثورة وبالنظام الحاكم، وبنشر معلومات كاذبة عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. وتكاتفت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، عندما علمت بالمرض الخطير على حياته، لنشر أنباء محنته، وحث الحكومة السورية على إحاطته بالرعاية الصـحية المتخصصة فوراً ودون قيود، وإطلاق سراحه لأسباب إنسانية، والسماح له بمغادرة سوريا للعلاج في الخارج إذ اقتضى الأمر. وبحلول 23 أكتوبر/تشرين الأول لم تكن قد وصلت أية ردود من الحكومة السورية بشأن هذه الحالة

وعلى نحو ما شهدته السنوات الماضية، ظل السجناء السياسيون محتجزين بعد انتهاء مدة عقوبتهم. وكان بعضهم، ممن قُبض عليهم في أوائل الثمانينيات، قد احتُجزوا دون تهمة سنوات عديدة، ثم حُوكموا أمام محكمة أمن الدولة في قضايا انتهى نظرها في عامي 1993 و1994، حيث أدينوا بتهمة الانتماء إلى أحزاب سياسية غير مرخص بها. وتلقت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، في إبريل/نيسان، معلومات من سـوريا تفيد بأن تسعة من السجناء السياسيين، الذين استكملوا مدد عقوباتهم التي تتراوح بين السجن ثماني سنوات و15 سنة، لا يزالون محتجزين في سجن تدمر، بعد انقضاء مدة العقوبة. وكتبت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" خطاباً إلى الرئيس الأسد في فبراير/شباط 1996، ولكنه لم يرد عليه، بشأن ثمانية منهم، وهم: مصطفى الحسين، وأسامة عاشور، وعبد الكريم عيسى، والحارث النبهان، وأديب الجاني، وحسين سيبراني، وتيسير حسون، وبسَّام بدور. وكان هؤلاء قد نُقلوا إلى سجن تدمر مع 13 سجيناً آخر، معظمهم أكمل مدة العقوبة أو أوشك على إكمالها، بسبب رفضهم توقيع بيانات مكتوبة بتأييد الحكومة ونبذ أنشطتهم السياسية الماضية. ويبدو أن هؤلاء السجناء الثمانية قد ظلوا محتجزين بسبب رفضهم الاستجابة لشرط الإفراج عنهم، أي التوقيع على قسم الولاء

وكان السجناء السياسيون المفرج عنهم يواجهون عقبات كأداء في محاولاتهم استئناف الحياة الطبيعية. إذ يقضي قانون العقوبات السوري بالحرمان من الحقوق المدنية بالنسبة لكل من يُدان بتهمة جنائية ويُحكم عليه بالسجن مع الأشغال الشاقة المؤقتة، من يوم صدور الحكم حتى عشر سنوات على انقضاء مدة العقوبة. ويعنى هذا حرمان هؤلاء الأفراد من التصويت، أو الترشيح لمنصب شاغر، أو المشاركة في عضوية المجالس النقابية أو الفئوية، أو العمل بالوظائف الحكومية. وقد ورد أن هذه العقوبة تُستخدم أيضاً لمنع السجناء السابقين من مواصلة دراساتهم في الجامعات التي كانوا ملتحقين بها وقت القبض عليهم

وما زالت سوريا تحتفظ بقواتها العسكرية والأمنية ونفوذها الواسع في لبنان، وهو الدور الذي تم تدعيمه رسمياً بموثقين ثنائيين، أولهما "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق" المعقودة في مايو/أيار 1991، والثاني "اتفاقية الدفاع والأمن" المعقودة في سبتمبر/أيلول 1991. وفي 12 سبتمبر/أيلول نشر المدير العام لصحيفة "الثورة" الحكومية السورية مقالاً في الصفحة الأولى يهاجم فيه غسان تويني، رئيس تحرير صحيفة "النهار" اليومية اللبنانية المستقلة، بسبب افتتاحياته التي ينتقد فيها الدور السوري في لبنان. وهكذا فإن معظم اللبنانيين يصعب عليهم، في مثل جو التخويف المذكور، أن يوجهوا النقد مباشرة وعلناً إلى الوجود السوري المهيمن الذي لا يخلو منه مكان في لبنان. كما أن أجهزة الإعلام اللبنانية لا تتعرض للقضية، وإذا تطرقت لها أحياناً فبأسلوب يتسم بالحذر الشديد أو على نحو غير مباشر. كما أن المسؤولين السوريين يعتبرون أن المشاعر المعادية لسوريا في لبنان هي من قبيل التأييد لإسرائيل. إذ حدث مثلاً في 22 يونيو/حزيران أن أدلى نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام بتصريح في التلفزيون الحكومي السوري ينطوي على إنذار ضمني، حيث قال بأن جميع السياسيين اللبنانيين، سواء كانوا في الحكومة أم المعارضة، هم من حلفاء سوريا. ثم أضاف بأن جميع اللبنانيين أصدقاء لنا، باستثناء أولئك المتعاونين مع إسرائيل

أما فيما يتعلق بقضية حالات اختفاء الأشخاص في لبنان، وهي مشكلة ترتبط بصورة مباشرة بالدور السوري، فقد خرج اللبنانيون عن صمتهم بشجاعة ونظموا أنشطة جماهيرية في عام 1998 في باريس وبيروت للمطالبة بمساءلة الحكومة السورية، حيث قام النشطاء اللبنانيون في فرنسا، بمساندةٍ من منظمة "سوليدا" وهي منظمة غير حكومية فرنسية لبنانية (واسمها "منظمة مؤازرة اللبنانيين المعتقلين اعتقالاً تعسفياً") ومن المنظمات الدولية ـ قاموا بتنظيم أسبوع العمل والدعم للمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، من 26 يناير/كانون الثاني إلى أول فبراير/شباط. وكان من الأنشطة التي برزت على المستوى الجماهيري عقد مؤتمر صحفي، والشهادات العلنية التي أدلى بها أقارب المختفين، وعقد اللقاءات مع المسؤولين الحكوميين الفرنسيين والأوروبيين

وفي أعقاب ذلك شهد شهر مارس/آذار حدثاً رحب به الجميع، وهو إطلاق سراح 121 لبنانياً كانوا مسجونين في سوريا، دون أن تعترف السلطات باعتقالهم أو تفصح عن مكان وجودهم. ولكن عدداً غير معروف من اللبنانيين والفلسطينيين الذين لا يحملون جنسية ما، وغيرهم من الأجانب، ظل في عداد "المختفين"، وخارج نطاق الحماية القانونية. ومن بين هؤلاء قسيسان لبنانيان هما سليمان أبي خليل، وألبرت شرفان، وكان كلاهما قد "اختفى" في لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 1990. وكان من بينهم أيضاً بطرس خوند، وهو عضو معروف وذو نفوذ في المكتب السياسي لحزب "الكتائب". وكانت قد اختطفته قرب منزله في حي سن الفيل في بيروت مجموعة من الرجال ترتدي الملابس المدنية يوم 15 سبتمبر/أيلول 1992. وفي 2 إبريل/نيسان عقدت منظمات حقوق الإنسان اللبنانية مؤتمراً صحفياً في بيروت أذاعت فيه أسماء 228 لبنانياً ذكرت أنهم في سجون سوريا، وبعضهم مسجونٌ منذ عام 1978. ولكن السلطات السورية بقيت غير عابئة بالمناشدات التي طلبت فيها المنظمات اللبنانية والدولية تقديم أسماء جميع المحتجزين، والإفصاح علناً عن مكان وجودهم وجميع التفاصيل الخاصة بحالة كل منهم

ولم يرد إلى علم منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" ما يفيد باتخاذ الحكومة لأية خطوات لعلاج مشكلة الأكراد المولودين في سوريا والذين حرمتهم من الحصول على أية جنسية. وقد بلغ عدد هؤلاء 142465 شخصاً، وفقاً لبيانات الحكومة نفسها في عام 1996، أو للتصدي للتمييز الذي يُمارس بصورة منتظمة ضد أفراد الأقلية الكردية، سواء أكانوا مواطنين سوريين أم بلا جنسية. ويشكل الأكراد أكبر مجموعة عرقية غير عربية، إذ تصل نسبتهم إلى ما يتراوح بين 8,5 و10 في المائة من سكان سوريا الذين يناهزون 14 مليوناً

Return to the Top