Iraq



Iraq Iraq
  

next  |  index  |  previous 

IV. الانتقام: الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان

القبض التعسفي على المشتبه بهم

في صباح اليوم التالي، 18 مارس/آذار، بدأ أعضاء مسلحون من حزب البعث، بدعم من قوات مديرية الأمن العام في بعض الحالات، باعتقال الأشخاص في البصرة، واستمروا في ذلك عدة أيام. أحد المعتقلين، حسين، البالغ من العمر 45 عاماً قال لمنظمة هيومن رايتس ووتش:

في الصباح التالي بدأ أعضاء البعث في القبض على الأشخاص في منطقتنا [تنومة، شرق شط العرب من البصرة]. جاءوا في مجموعات من حوالي 15 شخصاً، جميعهم يرتدون الملابس الخضراء الداكنة لحزب البعث. جاءوا في ثلاث عربات وسيارة نقل. ألقي القبض علي وعلى صديقي محمد مظلوم حسين [34 عاماً] في التاسعة صباحاً بينما كنا في الطريق إلى الحقل الذي كنا نعمل فيه. قاموا بوضع العصابات على أعيننا ووضعونا في سيارة وذهبوا بنا أولاً إلى مبنى حزب البعث القريب من شط العرب. وبعدها بقليل ذهبوا بنا إلى مقر حزب البعث على طريق الحكيمي.16

وكان ما رواه لنا جواد كاظم علي حول اعتقال ولده مصطفى مشابهاً لما سمعته منظمة هيومن رايتس ووتش من كثيرين غيره:

ألقي القبض على مصطفى في 1999...في مارس/آذار 1999. كان في السنة السادسة [من المدرسة الثانوية]. تم اعتقاله لأنه اتهم بالاشتراك في مجموعة تعمل ضد الحكومة. وتم اتهامه باتباع آية الله الصدر. ألقي القبض عليه بعد حوالي 40 يوماً من اغتيال الصدر. كان الجميع غاضباً وقتها ولكن أحداً لم يفعل شيئاً لأن الجميع كانوا خائفين.

في 17 مارس/آذار، حوالي الساعة الحادية عشرة مساءاً قامت جماعة معارضة للنظام بإطلاق الرصاص على مبانٍ حكومية، خاصة المباني التابعة لحزب البعث. قتلوا بعض المسئولين في الحكومة، مسئولين مهمين. كان مجموع من قتلوهم أقل من 40 شخصاً. وتم اتهام ولدي بالاشتراك في هذه المجموعة.

ولكنني في هذه الليلة [17 مارس/آذار] كنت أعمل سائقاً على سيارة تاكسي. حضرت إلى المنزل متأخراً ورأيته نائماً في غرفته. وفي 19 مارس/آذار أيضاً رأيته نائماً عندما عدت إلى البيت. في هذه الليلة طرق الباب كثير من الرجال المسلحين وقالوا "نريد ابنك". سألوا عن باسم [ولدي الكبير] وعن مصطفى. كان عددهم كبيراً، بعضهم يرتدي زياً رسمياً والبعض الآخر لا. وكانوا منتشرين داخل المنزل وخارجه.17

يقول كثيرون ممن تعرضوا للاعتقال في هذه الفترة إنهم لم يشاركوا في الانتفاضة وإنما تم اعتقالهم كجزء من حملة واسعة ضد كل من اعتبر "مشبوهاً" في أعين السلطات. وكانت إحدى مسئوليات أعضاء حزب البعث جمع المعلومات وتقديم التقارير حول كل الأنشطة المثيرة للشك في المناطق التي يعيشون فيها. قال ناصر، البالغ من العمر ستين عاماً والذي اعتقل أولاده الثلاثة علي ومحمد وحسن، لمنظمة هيومن رايتس ووتش:

لم ينخرطوا في الانتفاضة، وإنما تم اتهامهم خطأ. لقد جاءوا [أعضاء حزب البعث المقيمين في المنطقة] إلى منزلي مراراً [قبل الانتفاضة] وسألوني إذا كان ولداي علي وحسن سيذهبان إلى إيران. كما سألوني عن محمد [الذي كان يدرس علوم الدين في الحوزة في النجف على بعد 140 ميلاً شمال غربي البصرة].18

 ووصف ناصر القبض على اثنين من أولاده في الأسابيع التالية للانتفاضة:

لم يكن بمنطقتنا سوى عضو واحد من حزب البعث، ولذلك كانت اعتداءات المتظاهرين محدودة. أظن أن هذا العضو تعرض للاعتداء عليه. كان اثنان من أولادي بصحبتي. كانا في البصرة، يعيشان معنا بصحبة أسرتيهما. [ولدي الآخر] محمد كان طالباً في النجف. كان في المرحلة النهائية بعد خمسة أعوام من الدراسة. كان قد شارف على الانتهاء. لم يكن في البصرة عندما نشب القتال. عندما هدأت الأمور في تلك الليلة [17 مارس/آذار] رأيت ولداي الاثنين نائمين بمنزلنا فنمت بدوري. لا أظن أنهما كانا منخرطين في القتال؛ فقد كانا في المنزل. نحن لسنا أهل سياسة. لم يكن لنا في المشاكل.

في 25 مارس/آذار قاموا بتفتيش منزلي. كانوا أفراداً بملابس رسمية إضافة إلى أعضاء في البعث. كانوا ستة أشخاص. تم التفتيش في الصباح. لم يجدوا شيئاً وقتها. وبعد يومين عادوا للتفتيش مرة أخرى. كانوا مختلفين هذه المرة. كانوا خمسة أو ستة، ربما من حزب البعث. وقد قاموا أيضاً بتفتيش منازل أخرى في المنطقة.

وفي 7 إبريل/نيسان في الثانية صباحاً جاءت مجموعة من ستة أشخاص في سيارة. دخلوا إلى المنزل بعد أن قفزوا على السور وكسروا الباب. كان ولداي نائمان بالداخل. كان خمسة أشخاص آخرون ينتظرون خارج المنزل. في هذه الليلة اعتقلوا علي وحسن. ولم نرهما أبداً منذ تلك الليلة.19

وكانت السلطات العراقية تلجأ إلى التهديد والخديعة عندما تفشل في اعتقال المشتبه فيهم فوراً. ففي حالة عائلة ناصر، حرضت القوات العراقية الأم على تسليم ابنها مقابل سلامة ولديها الآخرين الموجودين رهن الاحتجاز. وكما شرح ناصر:

بعد ثلاثة أيام، في 10 إبريل/نيسان أخبرونا أننا إذا أحضرنا لهم الثالث [محمد] لاستجوابه فأنهم سيطلقون سراح الاثنين الآخرين. وصدقنا أن المسألة كانت مجرد استجواب. فلم يكن الأولاد قد فعلوا أي شيء. وذهبت زوجتي إلى النجف في الصباح لتحضر محمد الذي عاد طواعية وقال إنه سيساعد في تأمين حرية شقيقيه. وهكذا ذهب إلى السجن في البصرة مع أمه.20

كانت هذه آخر مرة رأت فيها العائلة محمد. وبحلول مايو/آيار 2003 كانت الأدلة تتزايد على كون محمد قد قتل على يد قوات الأمن برفقة شقيقيه. ووصف لنا ناصر الأثر الذي خلفه ذلك على العائلة:

فقدت زوجتي عقلها. لم تعد تنعم بالهدوء أبداً. تجلس في الغرفة وتعض على أصابعها لأنها تعتقد أنها قادت ولدها إلى مصرعه. حتى هذه اللحظة كان من الممكن أن نظن أنهم لازالوا على قيد الحياة. أما الآن فقد شاهدت أسماءهم في القائمة. شاهدت أسماء اثنين منهم. ربما كان الثالث لا يزال على قيد الحياة. كلا... علينا أن نواجه الحقيقة...لقد أخذوا كل أبنائي. والآن لدي أربعة بنات وجميع أطفالهن. أصبح علي أن أعتني بعائلة من أحد عشر فرداً. أين أولادي لكي يساعدوني؟21

ونجح البعض في تفادي القبض عليهم، أو قاموا بدفع رشاوى لتأمين حريتهم. فقد أخبر محمود (41 عاماً) منظمة هيومن رايتس ووتش أن شقيقه محمد قضى في السجن الفترة من 4 إلى 10 أبريل/نيسان قبل أن يطلق سراحه بعد أن دفع 500 دولار أمريكي كرشاوى من خلال عائلة سعدون، وهي قبيلة محلية لها تاريخ طويل في التعاون مع حكومات عراقية مختلفة من بينها حكومة صدام حسين. أما شقيقه الآخر إبراهيم وعائلته فقد قضوا سبعة أشهر مختبئين.22

الإعدامات الجماعية السريعة والدفن بمقابر جماعية غير ظاهرة

أخبر سكان البصرة منظمة هيومن رايتس ووتش أن مئات من الرجال الذي تم اعتقالهم في أعقاب انتفاضة الصدر قد اختفوا دون أثر منذ ذلك الحين. وتتفاوت التقديرات بشأن عدد القتلى. فالحكومة لم تصدر أي تصريحات رسمية بشأن الحملة. وتحوي قائمة الإعدامات التي حصلت عليها منظمة هيومن رايتس ووتش أسماء 120 شخصاً تم قتلهم؛ غير أنه من شبه المؤكد أن هناك عدداً أكبر من الأسماء ورد في صفحات أخرى لم تحصل عليها المنظمة. وقد علمت منظمة هيومن رايتس ووتش من جمعية البصرة للسجناء السياسيين، والتي أسسها سجناء سياسيون سابقون ومعارضون عقب سقوط صدام حسين، أن لدى الجمعية معلومات موثوقاً بها بشأن إعدام 220 شخصاً في الشهور الثلاثة التالية للانتفاضة. وقد أقامت الجمعية تقديرها في الأساس على وثائق قالت إنها قد حصلت عليها من مكاتب حكومية تعرضت للنهب؛ غير أن منظمة هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من فحص أو تحقيق محتويات هذه الوثائق. بينما قدم القادة الدينيون، مثل سيد حيدر الحسن من مسجد الجمهورية، تقديراً إجمالياً لعدد الإعدامات بلغ 350 إعداماً.23

وتشير أقوال شهود العيان، وشهادات أقارب الضحايا، والأدلة الوثائقية إلى أن أعضاء حزب البعث وقوات مديرية الأمن العام قد بدءوا في إعدام الأشخاص منذ الأيام الأولى التالية لقمع انتفاضة 1999.

فعلى سبيل المثال، قال عبد الله، أحد من تم اعتقالهم مباشرة بعد الانتفاضة، لمنظمة هيومن رايتس ووتش: "أخذنا أعضاء حزب البعث في سيارة إلى مقر الحزب على طريق الحكيمي. كان هناك أكثر من خمسين شخصاً. بعضهم أُطلق عليه الرصاص مباشرة هناك. وقد سمعت بنفسي طلقات الرصاص وصراخ الناس."24

ولكن الظاهر أن معظم من تم إعدامهم قد جرى قتلهم بشكل جماعي ودفنهم في مقابر جماعية غير ظاهرة في المناطق المحيطة بالبصرة. فقائمة الإعدامات تظهر مثلاً أربع مجموعات منفصلة من الرجال الذين تم إعدامهم سوياً في الفترة بين 25 مارس/آذار و 8 مايو/آيار 1999.

وقد قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بإجراء مقابلتين منفصلتين مع شاهدين قالا أنهما شهدا الإعدامات والدفن الجماعيين داخل البصرة وحولها في ربيع عام 1999. وكلتا الشهادتان تعززان صحة النمط المتواتر من إعدام المعتقلين في مجموعات ودفنهم بمقابر جماعية، وهو ما يتسق مع الحملة ضد انتفاضة الصدر.

قال أحمد، وهو راعي غنم يبلغ من العمر 17 عاماً، لمنظمة هيومن رايتس ووتش، إنه شاهد في عدة مناسبات في أواخر الربيع أو أوائل الصيف من عام 1999 أشخاصاً بملابس عسكرية يقومون بإحضار سجناء في سيارات نقل إلى منطقة الطوبة الواقعة على بعد ميل واحد من قاعدة غرب الشيبة الجوية (قاعدة عسكرية بريطانية في الوقت الحالي). ويقول أحمد إنه كان مختبئاً على تل قريب يبعد 300 أو 400 متر عن سيارات النقل. ويضيف إنه شاهد من هذا الموقع الملائم سجناء يتم رميهم رمياً في مجموعات من عشرة إلى خمسة عشر شخصاً من سيارات النقل إلى داخل حفر جرى حفرها في اليوم السباق. وكان هذا ما رآه بعد ذلك: قام ذوو الملابس العسكرية بإطلاق الرصاص على جميع السجناء ثم استخدموا الجرافات في ردم الحفر. ويضيف أحمد أنه رأى بعض السجناء  يتم دفنهم أحياء.25 وعندما قام باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش بزيارة الموقع في أواسط مايو/آيار 2003 تمكنوا من رؤية عظام وما بدا أنه جمجمة بشرية على سطح الموقع، إضافة إلى قطع من الملابس. وقد كان الموقع مغطى بذخيرة مهملة، بما في ذلك قذائف المدفعية، وهو ما منع أعمال التنقيب غير المرخص في الموقع.

الطوبة، إلى خارج البصرة، وهو الموقع الذي يقول شهود عيان بأنه قد شهد عددا هائلا من عمليات الإعدام والدفن في ربيع العام 1999. وكان باحثو هيومن رايتس ووتش قد قاموا بزيارة الموقع في أيار / مايو 2003 ووجدوا أدلة تشير ما يظهر على أنه بقايا عظام بشرية وملابس. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).

الطوبة، إلى خارج البصرة، وهو الموقع الذي يقول شهود عيان بأنه قد شهد عددا هائلا من عمليات الإعدام والدفن في ربيع العام 1999. وكان باحثو هيومن رايتس ووتش قد قاموا بزيارة الموقع في أيار / مايو 2003 ووجدوا أدلة تشير ما يظهر على أنه بقايا عظام بشرية وملابس. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).

أما ستّار، البالغ من العمر سبعة وعشرين عاماً والذي يعمل بتربية الماشية، فقد أخبر منظمة هيومن رايتس ووتش كيف شهد عملية إعدام مجموعة من السجناء في موقع آخر قرب طريق الناصرية القديم جنوب غربي البصرة:

في أحد أيام ربيع 1999 شاهدت جرافة تقوم بحفر ثلاثة خنادق كبيرة في منطقة صحراوية بعيدة جنوب غربي البصرة حيث كنت أذهب مع قطيعي. لم أعِر الأمر اهتماماً كبيراً رغم غرابته. وفي الساعة التاسعة صباحاً من اليوم التالي وبينما كنت في المكان نفسه مع قطيعي شاهدت أربع حافلات وست سيارات تشبه سيارات حزب البعث وقد وصلت إلى الموقع. كنت مختبئاً على بعد 350 أو 400 متر من السيارات. شاهدت رجالاً بملابس عسكرية يترجلون من السيارات، ثم شاهدت سجناء وقد غميت أعينهم وقيدت أيديهم وراء ظهورهم يترجلون واحداً تلو الآخر من الحافلات. كانت سعة كل حافلة حوالي أربعين أو خمسين راكباً.

لست متأكداً إن كانت الحافلات قد كانت ممتلئة عن آخرها لأن الستائر كانت تغطي نوافذها. وفي تقديري، دون أن أكون متأكداً، فقد كان في الحافلات حوالي 80 أو 100 سجين. بعد ذلك تم اقتياد السجناء إلى الخنادق في طابور حيث تم إنزالهم داخلها واحداً تلو الآخر. وعند هذه النقطة لم يعد باستطاعتي أن أشاهدهم. لست متأكداً ما إذا كان السجناء قد جلسوا أم ركعوا داخل الخنادق. وبعد لحظات بدأ الرجال من ذوي الزي العسكري في إطلاق النار عشوائياً على السجناء باستخدام رشاشات AK-47 و BKC. واستمر إطلاق النار بضع دقائق قبل أن تقوم جرافة بردم الخنادق بالتراب والرمال. وبعد أن انتهى الأمر غادر ذوو الزي العسكري المكان بسرعة. لم تستغرق العملية بكاملها أكثر من 45 دقيقة.26

وعندما زار باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش الموقع وجدوه أيضاً مغطى بالذخيرة والمتفجرات غير المستعملة والتي علا أغلبها الصدأ. وقد أخبر ستار منظمة هيومن رايتس ووتش أنه شاهد سيارات نقل عسكرية تعود إلى الموقع بعد بضعة أسابيع من تنفيذ العمليات وتلقي فوق القبور المردومة حديثاً بكميات من الذخيرة. ثم قامت سيارات عسكرية بعدها بالتجول في أنحاء المنطقة، فيما بدا أنه محاولة لردع أو استكشاف محاولات نبش الموقع.

أما أقوى الأدلة على صحة قائمة الإعدامات ودقة الشهادات بشأن الإعدامات والدفن الجماعيين لضحايا مذبحة 1999 فقد تمت إزاحة التراب عنه حرفياً عند نبش بقايا جثث من منطقة البرجسية الواقعة على مسافة 30 ميلاً جنوبي البصرة.27 وفي 11 مايو/آيار 2003 أخبر علي حسن، وهو راعي غنم يبلغ من العمر 20 عاماً، مارك سانتورا من صحيفة النيويورك تايمز أنه شاهد رجالاً أقلتهم سيارات نقل تابعة لحزب البعث إلى منطقة خالية في البرجسية، حيث تم حفر خندق عميق تم صف الرجال معصوبي الأعين أمامه قبل إطلاق الرصاص عليهم.28

وقد تم أخذ 34 جثة جرى انتشالها من هذا الموقع في 7 مايو/آيار 2003 في البداية إلى ملعب لكرة القدم في البصرة، ثم إلى مسجد الجمهورية الواقع في أحد أحياء البصرة الفقيرة. وعندما زار باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش المسجد في 13 مايو/آيار 2003 كان من الظاهر أن بعض رفات لم تكن كاملة.

البقايا البشرية والتي أحضرت إلى المسجد كانت في الغالب غير مكتملة. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).

تسع وعشرون من أصل أربع وثلاثون مجموعة من البقايا البشرية تم التعرف عليها من قبل أقارب الضحايا. وقد ظهرت أسماء الـ 29 ضحية جميعا على قائمة الإعدامات. فيما كتب على هذا الكفن "مجهول الهوية". (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).

 وقال الأهالي إنهم قد تعرفوا على 29 جثة. كان من حسن حظ بضع العائلات أن وجدت رخصة قيادة أو بطاقة مدرسية أضافت اسماً إلى كومة من العظام والملابس.  أما معظم الأسر فقد كانت أدلتها  في التعرف على الجثث أضعف بكثير. فقد اعتمدوا على الملابس أو المجوهرات، أو حتى نوع السجائر المفضل.

أفراد عائلات الضحايا وقد اعتصر الألم قلوبهم حزنا على موت أحبائهم بعد انتشال بقاياهم في الموقع الذي ارتكبت فيه المجزرة في حين اعتمد بعضهم على أشياء بسيطة في التعرف على هوية الضحية من مثل ساعة اليد والأحذية وحتى علب السجائر. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).

يطلق أخصائيو الطب الشرعي على هذا النوع من تحديد الهوية اسم "التعرف الافتراضي"، نظراً إلى أن هذه الطائفة من المتعلقات الشخصية قد يتم تبادلها أو تغيير أماكنها. ولهذا فإن عملية التعرف هذه تتمتع بمصداقية أقل من وسائل "التعرف المؤكد" والتي تعتمد على مواصفات بيولوجية فريدة كالحامض النووي أو بصمات الأسنان والأصابع. ويمكن في حالة اتخاذ بعض الاحتياطات الأساسية تقليل فرص التعرف المخطئ، كأن يُطلب من أقارب الضحية أن يسجلوا ما كان قريبهم المختفي يرتديه من الملابس قبل أن يطلعوا على بقايا الجثة. ولم يتم اتخاذ أي من هذه الإجراءات في ظل الفوضى التي سادت نبش هذا الموقع في البصرة.

 وبرغم الظروف المحيطة بعملية الانتشال فإن أسماء أصحاب الجثث التسعة والعشرين التي تم التعرف على هويتها بشكل احتمالي والتي انتشلت من مقبرة البرجسية قد وردت بالفعل في قائمة الإعدامات. وبالرغم من أن هذا قد يبدو دليلاً على صحة القائمة فإن الأسلوب الذي اعتمده الأقارب في التعرف على هوية الجثث تفسح المجال أيضاً لاحتمال أن يكون بعض الأقارب قد أخطئوا في التعرف على البقايا لأن وجود الأسماء في القائمة ربما يكون قد أقنعهم بأنهم سيجدون أقاربهم المختفين في هذا الموقع.

ويعتقد إبراهيم أنه قد تعرف على جثتي شقيقيه ضياء ومجيد في 10 مايو/آيار:

تعرفنا على جثتيهما منذ أربعة أيام عندما أحضرها الناس إلى ملعب كرة القدم. إنهما هنا الآن، في المسجد. تعرفنا عليهما عن طريق ملابسهما. كان ضياء يرتدي تي شيرت تزينه مربعات بينما كان مجيد يرتدي قميصاً أزرق.  وكان بعض الآخرين يحملون متعلقات شخصية سهلت علينا التعرف إلى هويتهم، كالخواتم والأسنان الذهبية وما إلى ذلك. كانوا جميعاً ممددين في المقبرة الجماعية فوق بعضهم البعض. كان يبدو أنهم قد عصبت أعينهم وقيدت أيديهم من الخلف قبل أن يقتلوا: فقد وجدنا حبالاً وقماشاً على أعين العديد من الجثث. كانت رؤوس الجميع، بمن فيهم ضياء ومجيد، بها ثقوب من طلقات الرصاص.

بدأ الناس في الحفر واستخراج الجثث وأخبروا الآخرين بما عثروا عليه. إحدى الجثث كانت بطيّات ملابسها بطاقة هوية، وتم العثور على الاسم في قوائم الإعدام.29

وفي مقابلة منفصلة قام عيسى، وهو شقيق آخر لضياء ومجيد يبلغ من العمر 41 عاماً، بتأكيد هذه الرواية.30 ويوجد اسما ضياء ومجيد في قائمة الإعدامات التي تحدد تاريخ إعدامهما في 25 مارس/آذار 1999.

أما ناصر، الذي اعتقل أولاده الثلاثة في 1999، فإنه يعتقد أنه قد عثر على جثتي اثنين منهم: علي، البالغ من العمر 26 عاماً، وحسن، البالغ من العمر 24 عاماً. وتحمل قائمة الإعدامات اسميهما مع إشارة إلى تاريخ الإعدام في 8 مايو/آيار 1999.31 أما الابن الثالث محمد، البالغ من العمر 25 عاماً، فلا يزال مفقوداً، ولا يظهر اسمه في الصفحات التي حصلت عليها منظمة هيومن رايتس ووتش من قائمة الإعدامات.

وفي 14 مايو/آيار 2003 تم نقل جميع بقايا الجثث إلى النجف لدفنها، بما فيها خمس جثث لم يتم التعرف على هويات أصحابها. وبدون فحص الطب الشرعي الملائم فإن هذه الجثث قد اصطحبت معها إلى القبر أية معلومات كان يمكن أن تقدمها بشأن هويات أصحابها أو طريقة موتهم.

القبض التعسفي وإساءة معاملة عائلات المشتبه بهم

بالإضافة إلى العدد الكبير من الشباب الذين تم إعدامهم، فإن الكثيرين من أقارب المشتبه في اشتراكهم في انتفاضة الصدر قد تعرضوا للسجن لشهور دون اتخاذ أية إجراءات قضائية بحقهم. وكانت القاعدة أن اعتقال فرد من العائلة يتبعه اعتقال بعض أو جميع أفراد نفس العائلة. فقد قال إبراهيم، الذي اعتقل شقيقاه مجيد (21 عاماً) وضياء (20 عاماً) ويبدو أنهما تعرضا للإعدام في 1991، لمنظمة هيومن رايتس ووتش: "تم القبض على بقية أفراد الأسرة في 23 مارس/آذار، بمن فيهم شقيقي أحمد [47 عاماً] وزوجته وطفلاهما وأعمارهما سنتان وأربع سنوات، [و] شقيقتي [27 عاماً]".32

وقد قال جميع المعتقلين الذين قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بإجراء مقابلات معهم أنهم قد تم نقلهم في البداية إلى مقار حزب البعث في البصرة، ثم إلى مبنى أو سجن تابع لمديرية الأمن العام. وقد قام أعضاء حزب البعث بالاستعراض الأولي للمعتقلين.

وقد أخبر المعتقلون منظمة هيومن رايتس ووتش بأنهم قد احتجزوا في غرف شديدة الازدحام، وأنهم ــ على الأقل في حالة واحدة ــ قد تعرضوا للتعذيب الشديد. فقد روى حسين، أحد المعتقلين:

أخذوني إلى مجمع مديرية الأمن العام ووضعوني في زنزانة ضيقة مع 20 أو 25 آخرين. كنا نستطيع الوقوف بصعوبة بالغة. تركونا هناك حتى منتصف الليل ثم بدءوا ما أطلقوا عليه التحقيق. أخذونا إلى الخارج في مجموعات من اثنين أو ثلاثة للتحقيق. وجهوا إلينا أسئلة عن الانتفاضة وعما إذا كانت لنا صلات مع إيران. ثم قاموا بتعذيبنا في محاولة للحصول على اعترافات. قاموا بسكب الماء الساخن علينا، أو صعقونا بالكهرباء في أجسادنا وأعضائنا التناسلية، أو لسعونا بأسياخ حديدية ساخنة إلى درجة الاحمرار. قضينا ستة أشهر في هذه الزنزانة، ثم أربعة أشهر بعدها في زنزانة أكبر. خلال الشهر الأول قاموا بتعذيبنا كل يوم. ثم أصبح التعذيب أقل ولكن بصفة منتظمة... مرة أو مرتين في الأسبوع.33

وقد تم نقل بعض من رفضوا الإدلاء باعترافات إلى مديرية الأمن العام في بغداد. وكما شرح حسين: "قضيت عشرة شهور أخرى هناك. وبدلاً من التعذيب الجسدي بدءوا في استخدام التعذيب النفسي. فقد قضيت مثلاً أسبوعاً في غرفة مظلمة ذات سقف منخفض، ارتفاعه أقل من متر واحد. لم يكن يسمح لنا بمغادرة الغرفة على الإطلاق، حتى للذهاب إلى دورة المياه".34 وقد قام باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش بمعاينة عدة زنازين تتطابق مع وصف حسين في السجن الرئيسي لمديرية الأمن العام بالبصرة وكذلك في سجن أبو غريب في بغداد.

باحثوا هيومن رايتس ووتش في داخل زنزانة احتجاز انفرادي فيما كان سابقا مديرة الأمن العام بالبصرة. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).

كما تم إلقاء القبض على بعض الأقارب والذين كانوا قد نجحوا في البداية في الهرب أو تفادي الاعتقال. وقد وصف لنا جواد كاظم علي واقعة اعتقاله:

بعد خمسة وعشرين يوماً [من اعتقال مصطفى في 19 مارس/آذار 1999] جاءوا إلى منزلي وأخذوا عائلتي..زوجتي وولداي التوأم [المولودان في 1982]. هربت ابنتاي عند الجيران.كنت في العمل وقتها حين أخبرني الناس أن هناك مشاكل. عدت إلى المنزل في الثانية بعد الظهر ووجدت المنزل خالياً، والأبواب قد تم خلعها، والأسلاك تم قطعها، والأثاث كله مبعثر. قال لي الجيران "لقد اعتقلوا عائلتك". وقالوا إنهم لا يعرفون من اعتقلهم؛ ربما حزب البعث.35

وقتها قلت لأقاربي سأذهب خلف أسرتي، ولكنهم منعوني. قالوا لي "ربما قاموا بإيذائك" فقلت لهم إنها عائلتي، ولم لم أستطع حمايتهم فعليّ أن أشاركهم مصيرهم. ذهبت إلى مقر حزب البعث لكنهم أخبروني أن عائلتي في مديرية الأمن. وعندما ذهبت إلى هناك قالوا يجب أن نعتقلك. قلت لهم "أنا مستعد" ولكنني توسلت إليهم أن يحتجزوني مع ولدي الصغيرين.. التوأم.36

أما ناصر فقد تفادى الاعتقال لما يقرب من شهرين قبل أن يتم إلقاء القبض عليه هو أيضاً:

تم إلقاء القبض علي في 17 يونيو/حزيران بسوق العشار على يد ضابطي أمن يرتدون ملابس رسمية. طلبوا مني بطاقة هويتي، ولما رفضت إعطاءها لهم قالوا لي لقد جئنا لاعتقالك لأن أولادك في السجن. كانوا يعلمون جيداً من أكون إذن.

احتجزوني في مديرية الأمن في البصرة لمدة 8 أيام، في جناح الجنايات. وبعدها تم نقلي إلى سجن الإصلاح. وكانت أسرتي أيضاً هناك، حيث كانوا قد احتجزوهم لمدة شهر في سجن التسفيرات قبل نقلهم إلى الإصلاح.  قضينا جميعاً ثلاثة أشهر بهذا السجن. كان النساء في غرفة مستقلة وعلمنا أنهن كن بخير. أما أولادي فلم يكونوا في ذلك السجن.37

كانت ظروف الاحتجاز صعبة في السجون التي احتجز فيها أفراد عائلات المشتبه بهم. فقد أخبرنا إبراهيم قصة عائلة شقيقه أحمد:

قضت العائلة سبعة أشهر [رهن الاعتقال] كان أولها في سجن التسفيرات. وفي شهر مايو/آيار تم نقلهم إلى إصلاحية تقع في مقابل مستشفى الجمهورية. كانت النساء محتجزات مع أطفالهن في زنزانة واحدة كبيرة بالتسفيرات. كانوا حوالي 70 سجينة وضعن في غرفة مساحتها 10 أمتار في 20 متراً. الكثير منهن وضعن مواليدهن في السجن. كانوا يأخذونهن إلى المستشفى لساعتين ثم يعيدونهن إلى السجن مع أطفالهم حديثي الولادة. كانت هناك دورة مياه واحدة في الزنزانة وكان النسوة يصطففن في طابور لاستعمالها.38

كما قدم لنا جواد كاظم علي أيضاً وصفاً للأحوال داخل السجن:

تم اقتيادي إلى المعقل، حيث سجن التسفيرات أمام محطة السكة الحديد في وسط البصرة. مكثت هناك لمدة شهر وثلاثة أيام، قبل أن ينقلونا جميعاً إلى السجن الرئيسي أمام مستشفى الجمهورية. وقتها أطلقوا سراح ولدي الأكبر باسم، ولكنهم نظراً إلى أن أحداً لم يكن بالمنزل أرسلوه إلى عائلته في السجن، حيث احتجزه أمن شط العرب.

في سجن المعقل كنا سبعين أو ثمانين سجيناً في زنزانة مساحتها أربعة أمتار في ستة. كان في الزنزانة دورة مياه واحدة مفتوحة. لم يكن يسمح لنا بتلقي الرسائل أو استخدام المذياع أو استقبال الزيارات أو الطعام من خارج السجن. كانوا يعطون كل واحد منا رغيفي خبز بحجم الكف وحساء.. أنا أسميه حساء مجازاً لأنه كان في الواقع ماء جزر.

كان هناك ثلاث غرف أخرى في السجن، وكانت تقريباً في الحجم نفسه وبداخلها نفس العدد من السجناء. كل من كانوا في الزنازين كانوا مرتبطين بعمليات الصدر. كان في السجن ما يقرب من ألف شخص. وكان النساء والأطفال أيضاً في غرفة واحدة بسجن المعقل.39

حتى الأطفال والنساء الحوامل لم يجرِ إعفاؤهم من ظروف السجن القاسية. فحفيدة ناصر ــ ابنة ولده الأصغر ــ وُلدت داخل السجن. "وُلدت في السجن لأن أمها أيضاً كانت معنا. منحوها يوماً واحداً لتذهب إلى المستشفى لتضع حملها ثم أعادوها إلى السجن مع ابنتها الوليدة".40

العقاب الجماعي: هدم المنازل والتشريد

قامت الحكومة العراقية بشكل متكرر بهدم منازل من اشتبهت في اشتراكهم في انتفاضة الصدر. وقد وصف جميع المعتقلين الذين أجرت معهم منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات هذا النوع من العقاب الجماعي. وقد زار باحثو المنظمة أربعة مواقع في البصرة لمنازل تم تدميرها عام 1999 عقاباً على الاشتراك المزعوم لقاطنيها في الانتفاضة: واحد في منطقة الشمشومية، واثنان في معقل، وواحد في التنومة. وقد تم تدمير هذه المنازل بالجرافات مباشرة بعد إلقاء القبض على العائلات المقيمة بها. وقد قال سيد حيدر الحسن، رجل الدين البارز بمسجد الجمهورية والزعيم المحلي، لمنظمة هيومن رايتس ووتش إنه بنهاية الأسبوع الأول بعد الانتفاضة كان أفراد إحدى وخمسين أسرة قد تعرضوا للاعتقال وتم هدم منازلهم.41

 وكما جرى مع بقية المشتبه فيهم، فقد قامت الحكومة بتدمير منزل عائلة ناصر كعقاب جماعي على الاشتباه في انخراطهم في الانتفاضة ضد الحكومة. وقد وصف ناصر ما حدث:

في ظهر 12 إبريل/نيسان جاءوا إلى منزلنا وألقوا القبض على العائلة بكاملها. يومها استطعت أن أهرب، وفي اليوم التالي جاءوا وأزالوا المنزل بالجرافات. قاموا بتسويته بالأرض. وأنا بقيت بعيداً؛ ذهبت إلى العشار ومكثت عند أصدقائي ومعارفي. كنت أتنقل طوال الوقت. حاولت أن أحصل على معلومات بشأن أسرتي من الأقارب والأهل؛ ومن خلالهم علمت أن أسرتي في سجن التسفيرات.42

وقد قام الجيران وجمعية البصرة للسجناء السياسيين بتزويد منظمة هيومن رايتس ووتش بمعلومات حول مصير بعض العائلات التي تم تدمير منازلها، مصنفة حسب المنطقة السكنية:

الشمشومية:

  • علي مكي، في حوالي الثلاثين من عمره، رجل دين، تم إعدامه في 1999. فقد شقيقه عينه نتيجة للتعذيب. ونزح باقي أفراد أسرته إلى منطقة أخرى بالبصرة القديمة بعد إطلاق سراحهم.

  • ميثم كامل، 22 عاماً، طالب بكلية الهندسة بجامعة البصرة، تم إعدامه في 1999 بعد شهر من التعذيب. ترك ثمانية من أفراد عائلته البصرة.

  • وسام كاظم علي، 22 عاماً، طالب في كلية الزراعة بجامعة البصرة، تم إعدامه في 8 مارس/آذار 1999 على يد ضباط مديرية الأمن العام. قضى كل من والديه وجميع أشقائه وشقيقاته الستة وجدّته عاماً ونصف العام في السجن.

  • فراس مهدي هاشم، 23 عاماً، طالب بالمدرسة الإعدادية الصناعية في البصرة، تم إعدامه في 19 إبريل/نيسان 1999. قضى 13 فرداً من عائلته عاماً ونصف العام في السجن.

    معقل:

  • محمد على حامد الموسوي، 57 عاماً، وأولاده الثلاثة أسامة، 27 عاماً، وفراس، 25 عاماً، وأزهر، 22 عاماً، تم إعدامهم جميعاً في 1999. ألقي القبض على زوجته في 1999. أما شقيقاها أحمد إسماعيل، 25 عاماً، ومعوض إسماعيل، 27 عاماُ، فقد تم إعدامهما أيضاً بعد أن قضيا عاماً وشهرين في السجن.

  • مرتضى عبد الله العدني، 28 عاماً، عامل، تم إعدامه في 8 مايو/آيار 1999. تم اعتقال 18 فرداً من عائلته، بمن فيهم زوجته وطفلاه. نزحوا إلى الكوفة بعد إطلاق سراحهم. قضت والدته عاماً وشهرين في السجن.

    التنومة

  • مصطفى، ابن جواد كاظم علي، تم قتله في 8 مايو/آيار 1999 وتم تجريف منزل العائلة. انتقلت العائلة في البداية للإقامة مع أحد الأقارب ثم استأجروا منزلاً قريباً.

    هناك صور أخرى للعقاب الجماعي كحرمان أفراد العائلة من أغلب أنواع التوظيف الرسمي. وكانت حالة جواد كاظم علي مثالاً على ذلك:

    عندما كنت في السجن فقدت وظيفتي كمدرس. ثم تمت إعادة تعييني كموظف بوزارة التعليم؛ غير أنني منعت من التدريس. كان راتبي 3000 دينار [في الشهر] ــ كان لا شيء. لم أستطع تحمل نفقات أي شيء. ولذلك بحثت عن عمل كنجار. لقد صنعت أثاثاً بيديّ. إنها مهنة شريفة، وقد علمت باسم [ولدي] مهنة النجارة أيضاً. علمته أننا أصحاب كرامة، وأننا نستطيع العمل بأيدينا. لم نضطر إلى التسول. سبق لي أيضاً أن عملت كسائق تاكسي. ولكنني لم أتمكن من الحصول على وظيفة مرة أخرى. كان ذلك ممنوعاً.43

    أما ناصر، والذي كان قد سبق له العمل كمدرس للرياضة البدنية، فقد خسر عمله أيضاً.

    كنت مدرساً للرياضة البدنية. كنت وقتها لاعب كرة قدم شهير. لا تنظروا إليّ الآن؛ كل أهل البصرة كانوا يعرفونني. حتى أننا لعبت ضمن فريقنا القومي، ضد إنجلترا، ضد إيران، ضد روسيا، في السبعينات. عندما خرجنا من السجن لم أستطع أن أعمل. لم يتركوني أعمل. كنا في منتهى الفقر. فقال بعض الناس الذين يعرفون أناساً في الحكومة لهم "ماذا يمكن أن يفعل هذا الرجل؟ اتركوه يحصل على وظيفة". وهكذا حصلت على وظيفة تسليم كوبونات برنامج النفط مقابل الغذاء. كان لي مجرد كشك صغير، بحجم شخص واحد؛ بعت فيه الكوبونات وأشياء أخرى. وبهذا استطعت الحصول على المال من أجل أسرتي وأسر أبنائي. والآن أتمنى أن أعمل من جديد، ربما في التدريس، ولكنني أصبحت عجوزاً.44



    [16] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع حسين/ 9 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [17] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 8 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [18] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع ناصر، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [19] السابق.

    [20] السابق.

    [21] السابق.

    [22] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع محمود، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [23]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع سيد حيدر الحسن، 13 مايو/آيار 2003، البصرة، مسجد الجمهورية.

    [24] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع عبد الله، 9 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [25]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع أحمد، 14 مايو/آيار 2003، البصرة، الطوبة، شركة الأنفال.

    [26]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع ستار، 25 إبريل/نيسان 2003، البصرة، الزبير.

    [27] تشير البيانات المعاصرة  للأحداث والصادرة عن الحزب الشيوعي العراقي إلى منطقة البرجسية كموقع للإعدامات والدفن الجماعيين. انظر "المعارضة العراقية تعلن اكتشاف مقابر جماعية في الصحراء"، وكالة الأسوشيتد برس، 27 سبتمبر/أيلول 1999 حيث توجد إشارة إلى بيان صحفي صادر عن الحزب الشيوعي العراقي. 

    [28]  مارك سانتورا "اكتشاف مقبرة جماعية قرب البصرة"، صحيفة النيويورك تايمز، 11 مايو/آيار 2003.

    [29]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع إبراهيم، 14 مايو/آيار 2003، البصرة، مسجد الجمهورية.

    [30] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع عيسى، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة. اسما ضياء ومجيد غير حقيقيان. أما اسماهما الحقيقيان فيوجدان في قائمة الإعدامات المنشورة بملحق هذا القرير.

    [31] علي وحسن اسمان غير حقيقيان. أما اسماهما الحقيقيان فيوجدان في قائمة الإعدامات المنشورة بملحق هذا القرير.

    [32]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [33]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع حسين، 9 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [34]  السابق.

    [35]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 8 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [36]  السابق

    [37]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع ناصر، 7 مايو/آيار 2003.

    [38]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع إبراهيم، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [39]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 8 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [40]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع ناصر، 7 مايو/آيار 2003، البصرة.

    [41]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع حيدر الحسن، 13 مايو/آيار 2003، البصرةـ مسجد الجمهورية.

     [42] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع ناصر، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة. 

    [43]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 8 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [44]  مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.


    next  |  index  |  previous 

    February 2005
  •