تونس: الحبس الانفرادي الطويل الأمد للسجناء السياسيين

ملخص

ما برحت الحكومة التونسية تودع بعض السجناء السياسين، الذين يتجاوز عددهم 500 سجين سياسي، رهن الحبس الانفرادي الصارم لفترات طويلة، وتعد هذه السياسة واحدة من أقسى مخلفات نظام السجن الذي كان سائداً في التسعينيات، حينما كانت الأوضاع في السجون أسوأ في مجملها؛ وهي سياسة تهدد الصحة العقلية للسجناء، وتحرمهم من سبل الطعن في مشروعية عزلهم على هذا النحو، فضلاً عن أنها تشكل انتهاكاً للمعايير الدولية التي تستوجب معاملة جميع المعتقلين على نحو إنساني يصون آدميتهم ويحترم الكرامة الأصيلة في كافة البشر.

ويجب على السلطات التونسية أن تعلن المعايير التي يخضع لها إيداع السجناء في الحبس الانفرادي أو عزلهم عن سائر السجناء، وجميع القواعد والأوامر التنظيمية المتعلقة باستخدام هذا الإجراء. وحينما يصدر أمر بعزل السجناء، سواء لأسباب عقابية أو احترازية، فلا بد من تبيان الأسباب المحددة لذلك خطياً لكل فرد على حدة، وأن تُتاح له فرصة كافية للطعن في هذا الأمر بصفة دورية

Tunisia
تونس
وتحتجز السلطات التونسية اليوم ما يترواح بين 30 و40 سجيناً، معظمهم من زعماء حركة النهضة الإسلامية في تونس، في زنزانات انفرادية صغيرة لمدة 23 ساعة يومياً على الأقل؛ وقد أمضى بعض هؤلاء السجناء معظم السنوات الثلاثين الماضية رهن الحبس الانفرادي؛ أما الباقون فقد ظلوا شهوراً - أكثر من عام في كثير من الأحيان - بمعزل عن السجناء الآخرين. بل حتى فترات التريض اليومية القصيرة التي يُسمح لهم بقضائها "خارج" الزنزانة، وفترات ذهابهم للحمام للاغتسال تجري في الأغلب والأعم بمعزل عن بقية السجناء. وباستثناء المسؤولين في السجن، لا يتصل هؤلاء السجناء اتصالاً مباشراً بأي إنسان إلا أثناء الزيارات العائلية القصيرة؛ بل حتى عندئذ، لا يرون أي سجناء آخرين أو أقارب سجناء آخرين، وإنما الحراس المرابطين على مقربة منهم، الذين يدونون ملاحظات أثناء تحدث السجناء مع ذويهم.

ويقول الأقارب إن هؤلاء السجناء لم يبلغوا رسمياً بأسباب حبسهم الانعزالي، أو كيف ومتى تعيد إدارة السجن النظر في هذه القرارات. وهذا الطابع التعسفي للعزل وامتداده لغير أجل محدد يضاعفان من معاناة السجناء وعائلاتهم.

وثمة سجناء آخرون يُحتجزون في عزلة ضمن مجموعات صغيرة من السجناء؛ حيث يُحتجز السجين في زنزانة مع عدد صغير من السجناء الآخرين، يُمنعون جميعاً من رؤية غيرهم من السجناء، أو الوصول إلى مرافق السجن أو الأنشطة المتاحة لعموم السجناء. وفي عام 1991، أمر وزير الداخلية التونسي جميع أفراد أجهزة الأمن بالالتزام الكامل بقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء؛ بيد أن السجناء المعزولين في تونس يرزحون تحت وطأة ظروف تنتهك هذه المبادئ انتهاكاً سافراً؛ إذ لا يسمح للكثيرين منهم بقضاء ساعة واحدة على الأقل يومياً خارج زنزاناتهم لممارسة التمارين الرياضية. ويعيش الكثيرون منهم في زنزانات تفتقر إلى نوافذ تسمح بدخول الضوء الطبيعي وتدفق الهواء النقي. وتؤكد القواعد النموذجية الدنيا على ضرورة السماح للسجناء بممارسة أنشطة نافعة، غير أن السجناء المودعين في الحبس الانفرادي ليس بمقدورهم المشاركة في البرامج الحرفية والتعليمية التي يتيحها السجن، ولا يُسمح لهم بمطالعة المطبوعات إلا في أضيق الحدود.

وجميع أنظمة السجون في العالم لديها أسباب مشروعة لعزل فئات معينة من السجناء الذين تحتجزهم؛ غير أن ما دأبت عليه تونس من إيداع فئات مختارة من السجناء، أكثرهم من زعماء حزب النهضة المحظور، رهن الحبس الانعزالي لفترات طويلة لا يرجع إلى دوافع جزائية، فيما يبدو، بقدر ما هو راجع لإرادة سياسية تستهدف معاقبة هؤلاء الأفراد وتحطيم معنوياتهم، وسحق التوجه الإسلامي الذي يمثلونه. ولا يحق لتونس أن تزعم احترامها للمعايير الدولية لحقوق الإنسان ما دامت تحتفظ بمثل هذا النظام الذي يرزح فيه السجناء تحت وطأة العزلة أمداً طويلاً.

توصيات

تؤكد منظمة هيومن رايتس ووتش من جديد دعوتها للإفراج عن جميع السجناء الذين أدينوا في تونس بسبب أفعال تتعلق بالتعبير عن الرأي، والتجمع، وتكوين الجمعيات أو الانتماء إليها، ممن لا يمتون بصلة للعنف أو لأي نشاط جنائي معترف به. أما بالنسبة لسائر السجناء الذين أدينوا بأفعال ذات دوافع سياسية، في سياق إجراءات قضائية لا تتفق مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، فنحن نحث السلطات على إصدار عفو عنهم أو الإفراج عنهم ريثما يتم تقديمهم لمحاكمات جديدة وعادلة. وتحث هيومن رايتس ووتش سلطات السجون التونسية على تحسين الأوضاع المعيشية لجميع السجناء والمعاملة التي يلقونها في السجون، تمشياً مع كافة المعايير الدولية ذات الصلة بهذا الأمر، بما في ذلك تلك المنصوص عليها في القواعد النموذجية لمعاملة السجناء (التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، المنعقد في جنيف عام 1955، وأقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراريه 663 جيم (د-24) المؤرخ في 31 يوليو/تموز 1957، و2076 (د-62) المؤرخ في 13 مايو/أيار 1977).

ونحث السلطات بوجه خاص على وضع حد فوري للعزل الطويل الأمد للسجناء السياسيين، على نحو ما يُمارس حالياً. ولا يجوز عزل أي شخص إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك باعتباره الملاذ الأخير. وحينما ترى السلطات مبررات لهذا العزل، فلا بد أن يكون الإجراء المفترض هو إيداع السجناء المعنيين في زنزانات أو أجنحة مع بعضهم البعض، بدلاً من الحبس الانفرادي.

وتمشياً مع المعايير الدولية، فلا يجوز إيداع أي سجين رهن الحبس الانفرادي إلا لفترات قصيرة نسبياً، على نحو فردي، وتحت إشراف صارم، بمشاركة طبيب، على ألا يتخذ هذا الإجراء إلا لأسباب عقابية مشروعة على سبيل التأديب، أو لأسباب تتعلق بالأمن الاحترازي. وحينما يستخدم إجراء العزل لأسباب "احترازية"، فلا يجوز فرضه بهدف منع السجناء من تبادل الآراء والمعلومات السياسية، بل لا ينبغي فرضه إلا إذا أتى الفرد سلوكاً يظهر جنوحه المزمن للعنف أو خطورته بدرجة تشكل تهديداً بيناً وخطيراً لأمن السجن وسلامته.

ويجب على السلطات التونسية أن تعلن المعايير التي يخضع لها إيداع السجناء في الحبس الانفرادي أو عزلهم عن سائر السجناء، وجميع القواعد والأوامر التنظيمية المتعلقة باستخدام هذا الإجراء. وحينما يصدر أمر بعزل السجناء، سواء لأسباب عقابية أو احترازية، فلا بد من تبيان الأسباب المحددة لذلك خطياً لكل فرد على حدة، وأن تُتاح له فرصة كافية للطعن في هذا الأمر بصفة دورية. ويجب على كبار المسؤولين عن التدابير الإصلاحية إعادة النظر بصفة دورية في مبررات عزل كل سجين، ثم تخضع قراراتهم بدورها للمراجعة من قبل سلطة مستقلة محايدة. ويجب على السلطات التونسية التحقق من أن الظروف التي يواجهها السجناء المعزولون احترازياً لا تنطوي على قيود تتجاوز ما تستوجبه الاعتبارات الأمنية المشروعة. ولا بد أن تسمح السياسات المتبعة للسجناء بأن يحيوا حياة بناءة، بل وتشجعهم على ذلك، وأن تقر بضرورة صون كرامتهم وقيمتهم الأصلية باعتبارهم بشراً. وحينما تقدم سلطات السجن على عزل سجين ما لأسباب احترازية، فمن واجبها إيجاد السبل الكفيلة بتحسين أوضاع هذا السجين تعويضاً له عن المشقة التي تنطوي عليها تلك القيود الإضافية على حرية حركته واتصالاته مع غيره من البشر.

ويجب على السلطات التونسية الوفاء بما تعهدت به من الالتزام بجميع المعايير الواردة في قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا، ويشمل هذا ضمان ما يلي:

  • إيداع جميع السجناء في زنزانات ذات نوافذ تسمح بدخول الضوء الطبيعي والهواء الطلق.
  • السماح لجميع السجناء بقضاء ساعة واحدة على الأقل يومياً خارج زنزانتهم في مكان واسع بالقدر الذي يسمح لهم بممارسة تمرينات بدنية نشيطة.
  • السماح لجميع السجناء بممارسة أنشطة نافعة، والاطلاع على طائفة واسعة ومتنوعة من المطبوعات.
  • السماح لجميع السجناء بإرسال وتلقي الرسائل بدون أي تدخل أو تأخير تعسفي. كما توصي منظمة هيومن رايتس ووتش بأن تفتح السلطات التونسية سجونها، بما في ذلك وحدات عزل السجناء، أمام منظمات المراقبة المحلية والدولية المؤهلة، وهي خطوة ألمح إليها وزير العدل وشؤون حقوق الإنسان بشير التكاري في 20 أبريل/نيسان. ويجب على السلطات أن تسمح بإجراء مثل هذه الزيارات دون أي عوائق، وبلا إخطار مسبق، وعلى فترات منتظمة. ويجب على تونس أن تصبح من الدول الأطراف في البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، الذي يسمح لخبراء دوليين مستقلين بإجراء زيارات منتظمة لأماكن الاعتقال في الأقاليم الخاضعة لولاية الدول الأطراف، بغية تفقد أوضاع الاعتقال، وتقديم توصيات لتحسينها.

    وإننا لنحث الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والولايات المتحدة وكندا، وكافة الدول التي تربطها بتونس علاقات ثنائية، على رصد أوضاع السجون؛ والحض على تيسير السبل أمام تدابير الرصد المستقلة، على نحو ما أشرنا إليه آنفاً؛ والإلحاح على السلطات التونسية، من خلال القنوات العلنية وغير العلنية، للتوفيق بين الأوضاع في سجونها وبين المعايير الدولية، بما في ذلك وضع حد للاستخدام التعسفي للحبس الانفرادي بدون مبرر ضد السجناء السياسيين.

    كما نحث الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، في الأمم المتحدة، على أن يوجه انتباهه إلى محنة السجناء السياسيين المحتجزين في عزلة طويلة الأمد في تونس، وأن يطلب من السلطات التونسية السماح له بزيارة السجناء المعزولين.

  •