Iraq and Iraqi Kurdistan



العراق

  
العراق: حالة الأدلة

البيان الصحفي
  • العراق: تقاعس قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة عن تأمين الأدلة الرئيسية نهب الوثائق الرئيسية وترك المقابر الجماعية بلا حماية


    أوراق هوية لسيدة وطفليها ، عثر عليهما بمقبرة بالقرب من الموصل
    © 2003 Eric Stover/Human Rights Watch
  • 1. ملخص ومقدمة

    بعد أكثر من 35 عاماً من الحكم البعثي، يوشك أن يُرفَع الستار عن محاكمة صدام حسين وعدد من المسؤولين الآخرين في الحكومة العراقية السابقة الذين تُعزى إليهم المسؤولية عن اقتراف أبشع الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي - وهي الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وجرائم الحرب - لمحاسبتهم على الجرائم المنسوبة إليهم؛ وتلك هي اللحظة التي ظل ينتظرها المواطنون العراقيون في جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن الكثيرين ممن يعيشون في الخارج، وما كان ليخطر ببالهم قط أنهم سوف يرونها يوماً ما.

    وما من شك في أن هذه اللحظة تأتي بعد فوات الأوان بالنسبة لعدد كبير من الضحايا؛ وثمة آخرون من الضحايا والأقارب الذين تشكل هذه المحاكمات بالنسبة لهم الاعتراف والإقرار الرسمي الوحيد الذي سيحصلون عليه في الغالب لما تكبدوه من مظالم وخسائر فادحة. بل إن نطاق هذه الجرائم في حد ذاته يستعصي على التصور؛ فالمقابر الجماعية وأعداد القتلى و"المختفين" هي من الكثرة بحيث يتعذر حتى التعلق بالأمل في الاستدلال يوماً ما على مصير كل ضحية من الضحايا. أما أقارب "المختفين" الذين لن يتسنى التيقن من مصيرهم أبداً، فسوف يتطلعون لمحاكمات الجناة المزعومين أملاً في إحقاق العدل والإنصاف وإسدال الستار على هذه المحنة النفسية الأليمة التي ظلوا يكابدونها.

    ويستخدم مصطلح "المختفين" للإشارة إلى الحالات التي يقوم فيها عملاء الدولة أو أتباعهم باحتجاز الأشخاص، ثم ينكرون احتجازهم أو لا يفصحون عن أماكن اعتقالهم، مما يحرمهم من الحماية التي يوفرها القانون. وحينما يكون هناك نمط واسع النطاق أو منهجي من حالات "الاختفاء" القسري فإنه يشكل جريمة ضد الإنسانية؛ وحيث أن مصير "المختفي" يظل مجهولاً، فإن القانون الدولي يعتبر "الاختفاء" جريمة مستمرة لا تسقط بالتقادم، ولا يسري عليها أي قانون من قوانين تحديد التقاضي (1). "فالاختفاء" يمثل انتهاكاً خطيراً ومستمراً يسبب معاناة مستمرة للأقارب، مما يجعل لزاماً على السلطات العراقية أن تسعى - بمساعدة المجتمع الدولي - لتيسير العمل على تحديد هوية أكبر عدد ممكن من جثث ورفات الضحايا، ومساعدة أقارب الضحايا ومجتمعاتهم بالسبل الملائمة لتخليد ذكراهم، ورد الاعتبار لهم وتكريمهم. وتظل جريمة "الاختفاء" مستمرة إلى حين استجلاء مصير الشخص "المختفي" أو معرفة مكانه.

    ومن المقومات الرئيسية لنجاح أي محاكمات توفر أدلة وثائقية وشرعية قوية؛ وقد تم العثور على أكثر من 250 مقبرة جماعية في شتى أنحاء العراق منذ أن أطاحت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة بالحكومة العراقية في أبريل/نيسان 2003. ومن المعتقد أن بعض هذه المقابر يحوي رفات الآلاف من الضحايا، بما في ذلك عائلات بأكملها. وعندما فر المسؤولون البعثيون من مناصبهم قبيل وأثناء الحرب في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2003، خلفوا وراءهم أكداساً مكدسة من الوثائق الرسمية التي تصف بإسهاب مثير للانزعاج الجرائم التي اقترفوها على مر السنين. ومنذ ذلك الحين، أقدم الناجون من هذه الجرائم، وعائلات القتلى أو "المختفين"، وشهود العيان، وغيرهم، على وصف هذا الكابوس الذي ظل جاثماً على صدورهم سنوات طويلة؛ بل إن بعض المتورطين في تلك الجرائم قدموا معلومات عن بعض جوانبها، بما في ذلك مواقع المقابر الجماعية. واليوم يقبع العشرات من أهم الجناة المزعومين وراء القضبان انتظاراً لتوجيه الاتهام إليهم أو تقديمهم للمحاكمة، ومن بينهم معظم المسؤولين الذين طبعت صورهم على مجموعة من ورق اللعب، أطلق عليها اسم "مجموعة الخمسة والخمسين".

    وعادةً ما تشكل شهادات الشهود قوام الدعوى التي ترفعها النيابة في قضايا القتل الجماعي، ولكن هذه الشهادات تكون أعظم أهمية وأثقل وزناً حينما تكون مدعومة بأدلة مادية ووثائقية. وهناك عنصران رئيسيان لا بد من استيفائهما عند محاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة من المسؤولين رفيعي المستوى:
    1) التثبت من وقوع الجرائم؛ ومن الضروري لذلك توفر شهادات الشهود وأدلة الطب الشرعي؛
    2) و2) إثبات الصلة بين الجناة، الذين يكونون بمنأىً عن مسرح الجريمة في كثير من الأحيان، وبين المسؤولية عن الجرائم؛ ومن الضروري لذلك توفر شهادات الشهود، ولا سيما الشهود المطلعون على بواطن الأمور، والأدلة المدعمة بالوثائق.

    ويقدم هذا التقرير وصفاً شاملاً مستفيضاً لما حدث للأدلة الرئيسية المستقاة من المحفوظات وأدلة الطب الشرعي منذ الإطاحة بصدام حسين في أبريل/نيسان 2003. وتستند هذه الدراسة إلى أبحاث أجريت في بغداد والمحافظات الشمالية الأربع: كركوك، والموصل، وأربيل، والسليمانية، في فبراير/شباط 2004، فضلاً عن أبحاث سابقة أجريت خلال الفترة بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران 2003 بشأن المقابر الجماعية في البصرة وديالا والحلة والديوانية (القادسية) والأنبار وكربلاء والنجف.

    ويركز التقرير على مصدرين رئيسيين لتلك الأدلة، هما الوثائق وأدلة الطب الشرعي؛ ويفحص ما فعلته "سلطة الائتلاف المؤقتة" بقيادة الولايات المتحدة والسلطات العراقية المؤقتة - وما لم تفعله - منذ غزو العراق في مارس/آذار - أبريل/نيسان 2003، للحفاظ على الأدلة، ويقيِّم الآثار المحتملة لذلك على تحقيق العدالة بشأن انتهاكات الحقبة البعثية، وعلى استجلاء مصير الضحايا الذين لا يزال أهاليهم نهباً للشكوك والظنون بشأن ما حل بهم.

    وفيما يتعلق بالوثائق والمقابر الجماعية على السواء، تقاعست قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة عن تأمين المواقع المهمة عندما أطاحت بالحكومة السابقة؛ ثم تقاعست فيما بعد عن الاستعانة بالخبرات والمساعدات المهنية اللازمة للقيام بإجراءات التصنيف ونبش المقابر على الوجه الصحيح، مما أسفر عن ضياع أو إتلاف مواد استدلالية أساسية. وفي حالة المقابر الجماعية، كان هذا التقاعس أيضاً حائلاً دون تحقيق الهدف المتمثل في تمكين العائلات من معرفة مصير أقاربهم المفقودين. أن النتائج التي خلص إليها التقرير تبعث لمزيد من القلق والانزعاج إذا ما نظرنا إليها على خلفية المحكمة التي أنشئت لتحقيق العدالة بشأن جرائم الماضي الخطيرة، وهي المحكمة العراقية الخاصة؛ ومما يثير بالغ القلق لدى منظمة هيومن رايتس ووتش أن هذه المحكمة تشوبها عيوب جوهرية، وقد تكون عاجزة عن تحقيق العدالة.(2)

    وقد بلغ الإهمال الذي عوملت به الأدلة الوثائقية والشرعية الحاسمة حتى الآن حداً يبعث للدهشة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن سلطة التحالف التي تقودها الولايات المتحدة والسلطات العراقية على السواء كانوا على علم بأن محاكمات صدام حسين وأهم المسؤولين في الحكومة البعثية سوف تكون بمثابة علامات فارقة هامة في عملية التعافي السياسي للبلاد، وأن نجاح المحاكمات يتطلب أدلة قوية، وأن الحفاظ على تلك الأدلة الجاهزة لتقديمها أثناء المحاكمات مهمة صعبة، كما أوضحت الخبرة الدولية. ولئن كانت بعض هذه الأدلة قد دُمِّرت، فلا يزال بالإمكان التحفظ على الملايين من الوثائق والأدلة الإضافية وحراستها؛ فبعض هذه الأدلة - إذا ما حظيت بالعناية العاجلة التي تحتاجها وتستحقها - قد تكون ذات أهمية حاسمة في إجراءات المحاكمات القادمة؛ وسوف يكون لها أيضاً دور بالغ الأهمية فيما يسعى إليه العراقيون من التأريخ الدقيق للمحن والتجارب المؤلمة التي كابدوها تحت حكم حزب البعث.

    وتحث منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة العراقية المؤقتة بشدة على إنشاء لجنة للمفقودين تتألف من خبراء دوليين وعراقيين لإرساء الإجراءات الفعالة لحماية المقابر الجماعية والقيام بعمليات نبش القبور لاستخراج ما فيها من الجثث والرفات، والإشراف على تنفيذ هذا النظام. كما يجب على الحكومة تشكيل لجنة، يُستفاد فيها أيضاً من الخبرة الدولية والعراقية، لوضع معايير للتعامل مع وثائق الحكومة السابقة والإشراف على ذلك.

    2. التوصيات

    إلى الحكومة العراقية المؤقتة

    · إنشاء لجنة للمفقودين على وجه السرعة، بحيث تتألف أول الأمر من خبراء وإداريين دوليين وعراقيين؛ ويجب على اللجنة إرساء نظام لحماية المقابر الجماعية والحفاظ عليها، ووضع قواعد خاصة بنبش مواقع القبور لاستخراج الجثث والرفات منها، وتحديد أولويات عمليات نبش المقابر الجماعية على نحو يحقق توازناً بين احتياجات الأهالي للتعرف على جثث الضحايا والاحتياجات الاستدلالية للإجراءات الجنائية المتخذة ضد الجناة المزعومين، والإشراف على تنفيذ هذه الأولويات. ويجب - حيثما يتيسر ذلك - أن تكون عمليات نبش المقابر بمثابة مناسبات لتخليد ذكرى الضحايا، وأن تأتي في إطار عملية إعادة البناء الاجتماعي التي يتسنى للأسر والمجتمعات خلالها إعادة دفن الضحايا على نحو يليق بكرامتهم، ويرد إليهم الاحترام والاعتبار الذي حرموا منه بسبب العنف السياسي.
  • إرساء نظام لإصدار شهادات الوفاة، بمحاذاة الجهود الخاصة باستخراج الجثث وتوثيقها؛ ويتعين على الحكومة إصدار هذه الشهادات حتى يتسنى للناجين من الأقارب لهم المطالبة بحقوق من قبيل الميراث والزواج مرة أخرى.
  • تشكيل هيئة من الخبراء العراقيين والدوليين لإصدار توصيات بشأن معايير وأفضل أساليب التعامل مع الوثائق المصادرة للحكومة العراقية السابقة، وذلك لأغراض من بينها ما يلي:
    · 1) إنشاء تسلسل للمسؤولين المكلفين بالتحفظ على الوثائق ضماناً لأصالتها؛
    · 2) تيسير حفظ الوثائق على نحو يلبي كل من الاحتياجات الاستدلالية للإجراءات القضائية الجنائية المتخذة ضد كبار المسؤولين، والاحتياجات الإنسانية لعائلات ضحايا الحكومة السابقة لمعرفة مصير أحبائهم المفقودين؛
    · 3) العمل مع المنظمات غير الحكومية العراقية والأحزاب السياسية العراقية على تأمين إعادة ما في حوزتها حالياً من الوثائق الرسمية الأصلية إلى دار للمحفوظات الوطنية، إلى أقصى الحدود الممكنة.

    إلى حكومة الولايات المتحدة وغيرها من حكومات التحالف

  • وضع إجراءات لاسترجاع أصول جميع الوثائق التي استولت عليها القوات الأمريكية وقوات التحالف منذ الإطاحة بالحكومة السابقة، وإيداعها في حيازة الحكومة العراقية.
  • ضمان اطِّلاع المسؤولين في المحكمة العراقية الخاصة أو المحكمة الجنائية العراقية على جميع الوثائق المصادرة للتحقق مما إذا كانت تمثل أدلة محتملة في أي إجراءات جنائية يتم اتخاذها مستقبلاً.

    إلى المانحين الدوليين

  • التحقق من إتاحة الموارد اللازمة لتنفيذ الأولويات المحددة في هذا التقرير فيما يتعلق بحفظ الأدلة الشرعية والوثائقية، بما في ذلك تنفيذها من أجل الإغراض الإنسانية وأغراض التوثيق وتقصي الحقائق بمعزل عن أي محاكمات للجرائم الماضية الخطيرة.

    الحواشي:

    (1) يتضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان تحريماً صريحاً لعناصر جريمة "الاختفاء" (مثل تحريم الاعتقال التعسفي والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة)، كما يشكل الكثير منها انتهاكاً للقانون الدولي العرفي. يمكن الاطلاع على أشمل توضيح للمبادئ القانونية المتعلقة بهذا الأمر في "إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري" الصادر عن الجمعية العامة بالأمم المتحدة (قرار الجمعية العامة رقم 47/133 ، 18 ديسمبر/كانون الأول 1992. A/RES/47/133. http://www.un.org/documents/ga/res/47/a47r133.htm.)
    (2) رسالة هيومن رايتس ووتش إلى مجلس الحكم العراقي، بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2003.