Israel, the Occupied West Bank, and Gaza Strip, and Palestinian Authority Territories


اسرائيل والسلطة الفلسطينية Israel,  and Palestinian Authority
  
لحظة واحدة تمحو كل شيء:
التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين

6. الدعم المالي واللوجستي

وفقاً للقانون الدولي يُعتبر الذين يساعدون أو يدعمون أو يحرضون على ارتكاب جرائم ضد الإنسانيّة مسؤولين مسؤولية فردية عن الجرائم الناتجة؛ وقد وفرت منظمات حكومية وأخرى أهلية دعماً مالياً ولوجستياً لمجموعات مسؤولة عن تنفيذ هجمات ضد مدنيين. كما قدم آخرون الأموال لجماعات ربما جرى تحويلها لتمويل مثل تلك الأنشطة، أو استخدمت لمكافأة منفذي مثل هذه الهجمات من خلال تقديم مبالغ نقدّية كبيرة لعائلات مرتكبيها. ويناقش هذا الفصل من التقرير الوسائل المختلفة التي تدعم بواسطتها حكومات في المنطقة وغيرها من الكيانات التفجيرات الانتحارية بصورة ملموسة.

نظرة عامة على تمويل المجموعات المسؤولة عن التفجيرات الانتحارية

أكدت عدة حكومات، خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، أن حركة حماس تتلقى تمويلاً لأنشطة مسلحة كما تحصل على دعم لوجستي من حكومات في المنطقة، ومن ضمنها إيران وسوريا. كما تلقت حماس دعماً كبيراً لبرامجها الاجتماعية وأنشطتها العسكريَّة من أفراد ومؤسسات خيرية في المملكة العربية السعودية وأقطار أخرى في منطقة الخليج ومن الولايات المتحدة وأقطار أخرى. وينقل تقرير صحفي صدر مؤخراً عن خبراء استخبارات إسرائيليين قولهم إن دخل حماس المخصص لتمويل عملياتها "يتجاوز العشرين مليون دولار في العام الواحد" . وعلى الرغم من عدم توفر أرقام دقيقة، فإن جزءاً كبيراً من موارد حماس مكرس للبرامج الخيرية والاجتماعية. وقد أبلغ دبلوماسي غربي يعمل في المنطقة ومطلع على التنظيمات السياسية الفلسطينية - أبلغ منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن نسبة موارد حماس المالية المخصصة للأنشطة المسلحة "لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من مجمل مواردها" . وعندما سئل إسماعيل أبو شنب الناطق باسم حماس عن صحة التقارير التي تتحدث عن تمويل دول لحماس، قال لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إن الحركة لا تتلقى دعماً مالياً من "جهات رسميَّة"، وأن هذا كان إحدى وسائل تعبير الحركة عن "استقلالها" .

وخلافاً للبنية المالية المعقدة والمتنوعة لحركة حماس، فإن حركة الجهاد الإسلامي تستقي، كما يعتقد عموماً، كل تمويلها تقريباً من الدول التي ترعاها، وخصوصاً إيران؛ وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، تتلقى حركة الجهاد الإسلامي مساعدات مالية من إيران، و"دعماً لوجستياً محدوداً" من سورية . وبحسب ما تقوله الحكومة الإسرائيلية، فإن وثائق صادرها الجيش الإسرائيلي من مكاتب السلطة الفلسطينية في أبريل/نيسان من عام 2002 تشير إلى أن حركة الجهاد الإسلامي تلقت "دعماً مالياً هائلاً" من قيادة الحركة في دمشق، ولكن لم تُنشر الوثائق التي تؤكد هذا الزعم . إلاَّ أن ثمة وثيقة واحدة معلنة، وهي عبارة عن تقرير من قوات الأمن الوطني الفلسطيني في جنين مرسل إلى رئيس جهاز المخابرات العامة في الضفة الغربية، توفيق الطيراوي، تقول إن ناشطي حركة الجهاد الإسلامي في جنين تلقوا أمولاً على شكل تحويلات مصرفية من رمضان شلح، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في دمشق، لكن التقرير لا يشير إلى كمية المبالغ التي حولت بهذه الطريقة . وتشمل هذه التحويلات مساعدات مالية لعائلات أعضاء الجهاد الإسلامي المسجونين أو القتلى، كما تتضمن دعماً لعمليات حركة الجهاد الإسلامي العسكرية.

أما كتائب شهداء الأقصى فيبدو أنها استفادت من سوء الاستخدام الروتيني لأموال السلطة الفلسطينية؛ إذ إن عرفات ومسؤولين آخرين كباراً في السلطة الفلسطينية، وكذلك الكثيرون من عامة أعضاء حركة فتح، يتمتعون بصفتين متداخلتين: فهم موظفون رسميون في السلطة الفلسطينية من جهة، وهم، من جهة ثانية، أعضاء في حركة فتح. ويظهر أن هذه الهوّية المزدوجة قد سهَّلت استخدام موارد السلطة الفلسطينية لتمويل أنشطة فتح بصورة مباشرة وغير مباشرة، بما في ذلك دفع الأموال لناشطي كتائب شهداء الأقصى (نوقش هذا الموضوع في الفصل السابع). لكن يظهر أن موارد كتائب شهداء الأقصى تقل عن موارد حماس أو الجهاد الإسلامي، في شمال الضفة الغربية على الأقل. فلم يكن كمال يوسف شهاب، وهو أحد نشطاء كتائب شهداء الأقصى في نابلس من ذوي المراتب المتوسطة، يتلقى أي راتب أو دعم مالي بصفته عضواً في الكتائب، بل استمر في عمله كميكانيكي. وقال شقيقه لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إنه "كان يعمل في حرفته خلال النهار ويمارس عمله القتالي خلال الليل" . كما أخبر عطا أبو رميلة، أحد قادة فتح في مخيم جنين للاجئين، أخبر المنظمة أن المسلحين هناك لم يتلقوا "أي دعم" من السلطة الفلسطينية، و"أننا دفعَنا ثمن الأسلحة من جيوبنا" . وفي إحدى الوثائق التي تم الاستيلاء عليها، والتي حررت على أوراق المراسلات الرسمية لقيادة كتائب شهداء الأقصى في محافظة جنين، وأرسلت إلى الأمين العام لحركة فتح مروان البرغوثي، شكا كاتبها من أنه "في الوقت نفسه تتلقى الفصائل الإسلاميّة كل الدعم المالي الذي تحتاج إليه للعمل ولشراء الأسلحة؛ حيث تجند الفتية بدافع يتمثل في تزويدهم بالأسلحة، ودفع الرواتب الشهرية لهم، وحل جميع مشاكلهم الاقتصادية" . وربما يكون هذا الوضع قد أدى، في منطقة جنين على الأقل، إلى توفير مساعدات مالية قدمتها مجموعات حركة الجهاد الإسلامي المحلية إلى كتائب شهداء الأقصى . لا توجد على الوثيقة أية إشارة إلى قرار للتنفيذ أو الموافقة.

لا تكاد توجد أي معلومات عن تمويل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ فهي، شأنها شأن الجهاد وحماس، لديها مقر قيادة في دمشق؛ وتقول وزارة الخارجية الأمريكية إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تتلقى مساعدات لوجستية وملجأ آمناً من سورية، ولها قواعد تدريب في المناطق اللبنانية الخاضعة للسيطرة السورية. وقد أخبر أحد الخبراء الحكوميين الأمريكيين منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن عملية قتل وزير السياحة الإسرائيلي في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2001 قد مكَّنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من اجتذاب موارد دعم خارجي جديدة، لكنه لم يقدم تفاصيل" .

دعم الدول للهجمات الانتحارية ضد المدنيين

إيران

ربما كان المثال الذي يضرب على أوسع نطاق على الدعم الذي تقدمه دولة للهجمات الانتحارية ضد المدنيين هو الأموال والتدريب اللذان توفرهما إيران لحركتي حماس والجهاد الإسلامي. وتعزو الحكومة الأمريكية دعم إيران للأنشطة المسلحة إلى مؤسستين هما: فيالق الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات والأمن؛ وكلتا المؤسستين مسؤولتان أمام المرشد الأعلى آية الله خامنئي وحده. أما المسؤولون الإيرانيون فقد دأبوا على نفي مزاعم الدعم هذه .
لم تكد تُنشر أي تفاصيل بشأن هذه المساعدات، التي تختلف الروايات حولها اختلافاً واسعاً. فعلاقات الجهاد الإسلامي بإيران تستند إلى تطابق أيديولوجية هذه الحركة مع البرنامج الثوري الإسلامي الذي وضعه آية الله الخميني. ويرجع المحلل الإسرائيلي مئير هاتينا "اعتماد المنظمة المادي على إيران" إلى تاريخ طرد إسرائيل لمؤسسي حركة الجهاد الإسلامي فتحي عبدالعزيز الشقاقي وسليمان عودة إلى لبنان عام 1988 . وفي عام 1995 قال الشقاقي إن الدعم الإيراني كان "محدوداً جداً". وقد ذكر للمراسل الصحفي روبرت فيسك أن "جمهورية إيران الإسلامية تدعم الفلسطينيين سياسياً ومعنوياً ... وتحصل منظمتنا على بعض المساعدات لعائلات الشهداء" . وفي عام 1996 قال السفير فيليب ولكوكس، منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية في ذلك الحين، إن مساعدات إيران لحركة الجهاد الإسلامي كانت في ذلك الوقت تبلغ حوالي مليوني دولار سنوياً .

وتتفاوت التقارير المتعلقة بالتمويل الإيراني لحماس تفاوتاً كبيراً. فقد ورد في أحد تقارير الجيش الإسرائيلي يعود تاريخه إلى يناير/كانون الثاني 1993 أن "حماس تتلقى دعماً مالياً من جهات غير رسمية في السعودية ودول الخليج، ومؤخراً من إيران أيضاً" . كما أن تقريراً صدر مؤخراً عن خدمة الأبحاث البرلمانية في مكتبة الكونغرس الأمريكي قدّر، نقلاً عن وزارة الخارجية الأمريكية، أن مجمل التمويل الإيراني لحماس يعادل عشرة بالمائة تقريباً من ميزانية المنظمة لكنه لا يعطي تقديراً بالدولار الأمريكي لحجم ميزانية حماس أو مبلغ مساهمة إيران في تلك الميزانية . وكما بينا أعلاه، فإن خبراء الاستخبارات الإسرائيليين يقدرون حجم الميزانية العملياتية لحماس بما لا يقل عن 20 مليون دولار سنوياً.

كما تردد أن إيران تزود حركة حماس بالتدريب وأشكال الدعم الأخرى؛ ففي مقابلة نشرت مؤخراً قال حسن سلامة، وهو عضو في حماس من غزَّة يقضي 46 عقوبة سجن مؤبد في إسرائيل لدوره في عمليات التفجير الانتحارية عام 1996 - قال إنه بعد أن هرب إلى السودان عن طريق الأردن عام 1993 "وفَّرت المنظمة لنا معسكر تدريب وأرسلتنا بالطائرة إلى سورية ثم إلى إيران" . وفي يونيو/حزيران عام 2002، نشرت الصحف الإقليمية أنباء لقاءات جرت على مستوى عالٍ في إيران بين مسؤولين إيرانيين ومسؤولين من حماس والجهاد الإسلامي، وأشارت هذه التقارير إلى أن السلطات الإيرانية قررت زيادة الدعم المالي الذي تقدمه لحماس والجهاد الإسلامي. وقال أحد هذه التقارير إن الإيرانيين كانوا ينظرون أيضاً في إمكانية توفير "ميزانية خاصة لدعم بعض الشخصيات الفلسطينية التي فقدت منظماتها مواردها المالية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي"، ربما إشارة إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين . وورد أن حركة الجهاد الإسلامي تلقت وعداً بزيادة في تمويلها بنسبة سبعين في المائة، وأُبلغت بأن هذه الأموال سوف تُقدَّم لها مباشرة بدلاً من إرسالها عن طريق حزب الله في لبنان .
وتزعم الحكومة الأمريكية أن الحكومة الإيرانية تحث على تحقيق مزيد من التنسيق فيما بين الجهاد الإسلامي وحماس من جهة وبين حزب الله من جهة أخرى . وتقول تقارير استخبارية إسرائيلية إن حماس تتلقى التدريب والمتفجرات عن طريق حزب الله، وتتلقى التمويل من إيران عن طريق مكتب حماس في دمشق، الذي يترأسه موسى أبو مرزوق وخالد مشعل . وحين سئل الشيخ ياسين في يونيو/حزيران عام 2001 عن مزاعم تعاون حماس مع حزب الله، أجاب قائلاً: "من حقنا التعاون مع أية جهة تخدم هدفنا، سواء كانت حزب الله أو غيره" .

سورية

توفر سورية الملجأ الآمن إضافة إلى الدعم اللوجستي، وتقوم بدور قناة توصيل الأموال إلى عدة مجموعات تنفذ الهجمات الانتحارية ضد المدنيين. فلكل من حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية مقر قيادة أو حضور على مستوى عالٍ في دمشق. كما أن للجهاد الإسلامي وحماس "امتيازات قواعد" للتدريب والأنشطة الأخرى في وادي البقاع، وهي منطقة من لبنان خاضعة للسيطرة السورية في الواقع الفعلي . ويقال إن حركتي الجهاد الإسلامي وحماس وكذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تلقت جميعها دعماً مالياً من سورية عام 1998، مع أنه لا تكاد توجد أي أدلة معلنة على مساهمات سورية ماليَّة في الأنشطة العسكرية منذ ذلك التاريخ . وفي أواخر سبتمبر/ أيلول 2002، رفضت سورية، حسبما أفادت التقارير، المحاولات الأمريكية لإدراج اسمي حماس والجهاد الإسلامي تحديداً في مشروع قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي؛ حيث أن كلتا هاتين الحركتين ادعت المسؤولية عن التفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا في إسرائيل في الأسبوع السابق، وهما التفجيران اللذان ورد ذكرهما لاحقاً في مشروع القرار المذكور .

وتورد مذكرة من مكتب الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية في بيت لحم مرسلة إلى مديرية العمليات المركزية في جهاز الأمن الوقائي، ومؤرخة في الأول من مايو/أيار 2000، ونشرها الجيش الإسرائيلي - تورد معلومات نُسبت إلى مخبر بالأمن الوقائي يزعم فيها أن تمويل الجهاد الإسلامي في منطقة بيت لحم يأتي من دمشق عن طريق عمان إلى مصرف القاهرة - عمان في فلسطين، وأن مدداً آخر يأتي من المملكة العربية السعودية عن طريق القاهرة إلى المصرف ذاته. وتفيد هذه المذكرة أن الأموال تحوَّل شهرياً ولكن إلى أفراد تتغير هوياتهم "حسب الظروف" . وقد رفضت سورية على الدوام اتخاذ خطوات للحد من مساعداتها للجماعات الفلسطينية المسلَّحة التي تنفذ هجمات انتحارية؛ وتزعم سورية أن هذه الجماعات تمارس مقاومة مشروعة ضد الاحتلال، ولكنها لا تبذل أي جهد للنأي بنفسها عن الهجمات ضد المدنيين، وهو خرق واضح للقانون الإنساني الدولي .

العراق

لقد أيدت الحكومة العراقية الهجمات التفجيرية الانتحارية ضد المدنيين وشجعت عليها صراحة؛ وأقام العراق نوعاً من المفاضلة عند تقديم المعونات المالية لأسر "الشهداء" وغيرهم حيث تتلقى عائلات منفذي التفجيرات الانتحارية - فيما يقال - مبلغاً أكبر قدره 25000 دولار، في حين أن العائلات الأخرى التي فقدت أحد أفرادها تتلقى 10 آلاف دولار . وفي تشجيعه للهجمات الانتحارية، لم يميز العراق بين الهجمات ضد المدنيين والهجمات ضد الأهداف العسكرية.

ويُقدم العراق هذه الأموال عن طريق "جبهة التحرير العربية" في الداخل، وهي جبهة محلية مرتبطة بحزب البعث العربي الاشتراكي. و"جبهة التحرير العربية" هي عضو مؤسس في منظمة التحرير الفلسطينية، ولها ممثل يمثلها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، لكن لا يعتقد بأن لها أتباعاً كثيرين، ولا يُعزى إليها أي دور في الصدامات الحالية عدا كونها بمثابة قناة لتوصيل الأموال الحكومية العراقية وبث الدعاية العراقية. وقد ذكرت "جبهة التحرير العربية" للصحفيين أن العراق قدم مساعدات قدرها 20 مليون دولار إلى الفلسطينيين منذ اندلاع الصدامات في سبتمبر/أيلول 2000، ولكن لا يعرف حجم الجزء من ذلك المبلغ الذي قدم لعائلات منفذي التفجيرات الانتحارية . وقال إبراهيم الزعنين، وهو أحد مسؤولي الجبهة الموجودين في غزة لمراسل رويترز إن "الرئيس صدام أوضح أن الهجمات [الانتحارية] يجب اعتبارها أعلى درجات الشَّهادة" .

وهناك عدد كبير من الروايات التي تصف فعاليات عامة قُدِّمت خلالها مثل هذه المبالغ؛ فقد وصف المراسل بول ماغو لقاءً جمع زهاء 200 عضو يمثلون سبعة وأربعين عائلة التقوا في غرفة التجارة بطولكرم في شهر مارس/آذار 2002 لاستلام الشيكات . وكان من بين هذه العائلات عائلتا مفجرين انتحاريين. وذكر الأمين العام "لجبهة التحرير العربية" راكاد سالم لماغو في رام الله أنه حتى أواخر شهر مارس/آذار 2002 كانت أكثر من 800 عائلة لفلسطينيين قتلوا خلال الاضطرابات قد تلقت كل منها عشرة آلاف دولار كاستحقاقات "شهداء"، وأن هذه المبالغ تم "تحويلها عن طريق البنوك - من البنوك العراقية إلى بنوك في فلسطين" . وقد أبلغ مسؤولو "جبهة التحرير العربية" ماغو أن دفعة إضافية قدرها 15000 دولار ستقدم لتشجيع عدد أكبر من المتطوعين على تنفيذ عمليات انتحارية . وقيل إن أحد أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني كان من بين المنظمين المشرفين على لقاء طولكرم. كما يصف تقرير آخر اجتماعاً "لجبهة التحرير العربية" عُقد يوم 20 مايو/أيار في قطاع غزة استلم خلاله ممثلو ست وأربعين عائلة "شهيد" مبلغ عشرة آلاف دولار للعائلة الواحدة، أما عائلتا المفجرين الانتحاريين فقد تسلم الواحد منهما خمسة وعشرين ألف دولار . وفي برنامج بثه تليفزيون سكاي حول حدث مماثل نظمته "جبهة التحرير العربية" في غزة يوم 17 يوليو /تموز 2002، تسلمت عائلات "الشهداء" الذين سقطوا خلال أعمال العنف شهادات وشيكات بمبلغ 10 آلاف دولار للعائلة الواحدة، في حين تلقت عائلات المفجرين الانتحاريين 25000 دولار للعائلة الواحدة . ولم يشر التقرير إلى عدد العائلات في أي من الفئتين.

أشكال التمويل أو الدعم الأخرى

بالإضافة إلى التمويل المقدم من حكومات، تتلقى حماس تمويلاً من متبرعين أفراد ومن منظمات خيرية، بعضها في منطقة الخليج، وبعضها الآخر بين المهاجرين الفلسطينيين والعرب في الولايات المتحدة وأوروبا ومناطق أخرى. ففي المملكة العربية السعودية، تقوم بعض الجمعيات الخيرية التي تجمع التبرعات لصالح جمعيات خيرية فلسطينية يزعم ارتباطها بحماس، تحت رعاية ملكية؛ فقد ورد أن مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية، التي تتخذ الولايات المتحدة مقراً لها، والتي أغلقتها الحكومة الأمريكية قسراً في ديسمبر/كانون الأول 2001 بدعوى أنها واجهة لحماس - ورد أنها أدرجت عائدات قدرها 13 مليون دولار ضمن عوائدها الضريبية عن العام 2000، كما زعم أنها أرسلت أموالاً لحماس عن طريق لجان خيرية محلية في الضفة الغربية وقطاع غزة . وزُعم أن إحدى المؤسسات المالية المسجلة في جزر البهاما، وهي بنك التقوى، كانت المصرف الذي أُودعت فيه حوالي 60 مليون دولار من الأموال المتعلقة بحماس خلال عام 1997 وحده .

وتزعم حكومتا الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما تنفي حماس، أن هذه الأموال يجري "تسريها" إلى الجناح المسلح للمنظمة . ومن أمثلة الجمعيات التي تسيطر عليها حماس ويزعم أنها تلقت أمولاً من "مؤسسة الأرض المقدسة" الجمعية الخيرية الإسلامية في الخليل، ولجنة الزكاة في جنين، ولجنة الزكاة في رام الله، حيث يوجد بين مسؤوليها أشخاص زُعم أنهم اعترفوا بالقيام بأنشطة مسلحة مع حماس، بما في ذلك الهجمات ضد مدنيين . كما استشهدت السلطات الأمريكية باستجواب إسرائيل لمحمد عناتي، الرئيس السابق لمكتب المؤسسة في القدس، الذي اعترف خلاله، فيما ورد، بأن الأموال المخصصة لأغراض خيرية قد غُيِّرت وجهتها للاستخدام في أنشطة حماس العسكرية .

تتمتع حماس بسمعة طيبة فيما يتعلق بالنزاهة المالية، وذلك خلافاً لما عليه الحال من فساد ذائع الصيت في السلطة الفلسطينية، كما ورد أن شبكة الأنشطة الاجتماعية التابعة لحماس، والمرتبطة بالمنظمات الخيرية الإسلامية المحلية، أكثر شمولاً واتساعاً في كثير من الميادين مما تقدمه السلطة الفلسطينية. وقد كتب محللو الجيش الإسرائيلي، في تعليقهم على الوثائق المصادرة من المكاتب الفلسطينية، يقولون: "يمكن افتراض أن بعض الأموال التي تم تحويلها إلى حماس أو إلى مؤسسات مرتبطة بها قد تسربت أيضاً إلى جهازها العملياتي - العسكري"، لكن الجيش الإسرائيلي لم يكشف عن أية معلومات تدعم هذا الزعم . كما ادعت الحكومة الأمريكية أن أنشطة حماس الخيرية توفر غطاءً حميداً يمكن من خلاله تحويل الأموال من الخارج إلى المؤسسات التي تسيطر عليها حماس .

غير أن زياد أبو عمرو، وهو عضو مستقل في المجلس التشريعي الفلسطيني من غزة، أبلغ منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أنه قام بتدقيق دفاتر حسابات الجمعيات الخيرية الكبيرة المرتبطة بحركة حماس في غزة باعتباره رئيس اللجنة السياسية في المجلس التشريعي الفلسطيني. وقال إن: "إحدى مجموعات حماس التي أغلقها عرفات في ديسمبر/كانون الأول [2001] هي جمعية الإصلاح، وهي جمعية تملك أمولاً طائلة"، وأضاف "دققنا دفاتر حساباتها بعناية. لم يكن هناك أي أخطاء أو تلاعب. ذهبت لعرفات وقلت له على أي أساس أنت تغلق هذه الجمعية؟؛ فأجاب أبو عمّار قائلاً إن تمويل أنشطة حماس العسكرية ربما يأتي من دول خارجية مثل إيران، لكنه مقتنع بأن أموال الأنشطة الاجتماعية تبقى منفصلة ... "إذ إنهم لن يخاطروا بمؤسساتهم الاجتماعية ... فهي مصدر قوتهم ووجودهم" . وسواء غُيِّرت وجهة الأموال المخصصة للأغراض الخيرية باتجاه الجناح العسكري لحماس أم لا، فإن الناطقين الرسميين باسم حماس يعترفون علناً بأن الحركة تنظر إلى برامجها الاجتماعية الكبيرة باعتبارها وسيلة لبناء الدعم الشعبي لأهدافها وبرامجها السياسية العامة، والحفاظ عليها، بما في ذلك أنشطتها الجهادية والمسلحة.

وقال إسماعيل أبو شنب، الناطق باسم حماس، لأحد المراسلين: "إن المستوى السياسي هو وجه حماس، ولكن بدون الأجزاء الأخرى لن تكون حماس قوية كما هي الآن". ويضيف قائلاً "وهكذا فإنها (حماس) في حاجة إلى الأجزاء الثلاثة حتى تبقى على قيد الحياة. فإذا لم يساعد أحد هذه العائلات المحتاجة، فلربما لن يفكر أحد بالاستشهاد ومقاومة الاحتلال" . وفي مقابلة مع مجلة مرتبطة بحماس، يصف قائد آخر من حماس، هو إبراهيم اليازوري، ، هدف الحركة بأنه "تحرير جميع فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي الغاشم"، ويضيف: "هذا هو الجزء الرئيسي من اهتمامها، أما الأنشطة الاجتماعية فإنها تقوم بها دعماً لهذا الهدف" .

تقديم الأموال لأفراد عائلات منفذي الهجمات ضد المدنيين

تقوم العديد من المنظمات التي تقدم التبرعات للجمعيات المرتبطة بحماس أو الجمعيات الخيرية الأخرى بتقدم دعم تعويضي لعائلات "الشهداء" وهم الذين يعرفون بأنهم أفراد قتلوا خلال الصِّدامات الأخيرة؛ والظاهر أن جانباً كبيراً من التمويل القادم إلى الجمعيات الخيرية وغيرها من المنظمات إنما يصل إليها عبر قنوات غير حكومية من العربية السعودية ومن أقطار أخرى، بموافقة حكومية. وبالنسبة للعراق، يأتي التمويل من الحكومة مباشرة (انظر ما تقدم). وليست منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" على علم بأية جهود تبذُلها السلطة الفلسطينية للحيلولة دون وصول مبالغ مالية إلى عائلات منفذي التفجيرات الانتحارية الذين هاجموا مدنيين.

وقد نشرت السلطات الإسرائيلية رقماً مقداره زهاء 33 ألف دولار باعتبار مجمل دفعات قادمة من العراق والسعودية والسلطة الفلسطينية وقطر والإمارات العربية المتحدة، قائلةً إنها تدفع لعائلات المفجرين الانتحاريين . ولم تستطع منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" التأكد من أن دفعات بهذه المقادير يجري دفعها بصورة منتظمة؛ كما أن الفلسطينيين الذين قابلتهم منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أقروا بأن عائلات "الشهداء" تتلقى عموماً مساعدات مالية، ولو أنهم قالوا إنه باستثناء المبالغ العراقية، فإن مثل هذه الأموال تُقدَّم لعائلات جميع الأشخاص الذين ارتبطت وفاتهم بالمواجهات مع القوات الإسرائيلية، وليس فقط الذين ينفذون هجمات انتحارية .

ومن بين وثائق السلطة الفلسطينية التي صادرها الجيش الإسرائيلي خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار، سجلات تتعلق بمبالغ مالية آتية من اللجنة السعودية لدعم انتفاضة الأقصى، التي يرأسها وزير الداخلية السعودي، إلى اللجنة الخيرية في طولكرم . وبموجب الترتيب المتفق عليه، فإن جميع المبالغ قد تم دفعها أو توزيعها بناءً على معلومات قدمتها "عناصر فلسطينية"، وتم ترتيب ذلك عبر حوالي 14 لجنة خيرية محلية، العديد منها ذات صلة بحماس . وكانت كل من اللجان الخيرية تقدم الأموال أو توزع الأغذية على المحتاجين، كما كانت تقدم مبالغ مالية منفردة ودفعات متواصلة لعائلات الأفراد الذين قتلوا أو جُرحوا أو سجنوا خلال الانتفاضة، بمن في ذلك عائلات أفراد من حماس أو من مجموعات مسلحة أخرى نفذت هجمات انتحارية ضد مدنيين . وقد اعترضت السلطة الفلسطينية بشدة بدعوى أن هذه المساعدات تهدف إلى الانتقاص من سلطاتها، ولكن ليس لأن هذه المبالغ تمثل مكافأة على الهجمات ضد المدنيين.

ويؤيد معظم الفلسطينيين تقديم المساعدات للعائلات التي فقدت عزيزاً غالياً، ولا يعتقدون أن عائلات منفذي الهجمات ضد المدنيين يجب حرمانهم من مثل هذه المساعدة. في مقابلة أجريت مؤخراً مع إياد سراج، وهو طبيب نفسي مرموق وناشط في مجال حقوق الإنسان في غزة، قال "أنا شخصياً أعارض بشدة التفجيرات الانتحارية، ولكني أيضاً أدعم العائلات، وبصفتي فلسطينياً وعربياً ومسلماً ...لا أستطيع أن أترك أطفالهم يعانون من الفقر - بل عليَّ أن أفعل ما باستطاعتي لأبقي لهم بعض الأمل والكرامة. لهذا نحن نساعد العائلات - وبالتأكيد ليس تشجيعاً على التفجيرات الانتحارية" .

إلا أنه، وكما نوقش في القسم الثالث، فإن الأفراد الذين يتوفون يموتون في سياق ارتكاب جريمة ضد الإنسانية يجب ألا يساووا بالأفراد الذين وقعوا ضحايا للهجمات أو الذين يموتون في حالات القتال العادية. وبالنسبة لدفع العراق مبالغ كبيرة لعائلات منفذي التفجيرات الانتحارية، فإن القصد هو صراحة التشجيع على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ولا بد من وضع حد لتقديم هذه المبالغ . وترى منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن عائلة شخص مسؤول عن تنفيذ هجمات انتحارية ضد مدنيين يمكن أن تكون أهلاً لتلقي معونات مالية ولكن فقط في إطار برنامج ضمانات اجتماعية عام يستند إلى إثبات العوز والاحتياج المالي. ثم إن توفير الأموال لعائلات الأفراد الذين يقومون بهجمات انتحارية ضد مدنيين في أية ظروف أخرى غير هذه هو عمل خاطئ. حتى المبالغ التي لا تمنح امتيازاً مالياً لعائلات المفجرين الانتحاريين لا يجوز تقديمها لمثل هذه العائلات بأية طريقة أو أسلوب قد يضفي شرفاً وتكريماً اجتماعياً، مثل مكانة "الشهيد" أو ضحية الحرب، على الأشخاص المسؤولين عن تنفيذ جرائم ضد الإنسانية.

وتقول وزارة الشؤون الاجتماعية في "السُّلطة الفلسطينية إنها تمنح مبلغاً مالياً صغيراً لعائلة أي شخص يقتل أو يصاب في المواجهات مع القوات الإسرائيلية أو مع المستوطنين. فقد أخبر يوسف أبو لبن، رئيس مكتب بيت لحم للجنة الوزارية الخاص برعاية عائلات الشهداء - أخبر منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن حجم المبلغ يعتمد على ما إذا كانت الضحية هي العائل الرئيسي للعائلة؛ كما يعتمد على ظروف العائلة الاقتصادية. كما أشار أبو لبن إلى أن اللجنة تلعب دوراً في تنسيق توزيع بعض الأموال التي تساهم بها جهات أخرى. وقال إن المساهمات الخارجية تأتي أيضاً إلى مصر في بنك التنمية الإسلامي المحليّ والذي تتوفر لديه قائمة بعائلات الشهداء المستحقة". وقال أيضاً إنه في حالات أخرى، كحالة الأموال القادمة من العراق، فإن المبالغ تذهب إلى العائلات مباشرة. وقد أكد أبو لبن أن وزارة السلطة الفلسطينية لا تمنح أفضلية أو تقدم أية معاملة خاصة من أي نوع إلى عائلات المفجرين الانتحاريين، مضيفاً قوله "إننا في المقام الأول وكالة مساعدات اجتماعية، ونحن لا نقدم هذه المساعدات إلا إذا كانت العائلة في حاجة إليها" . إلا أن السلطة الفلسطينية لا تبذل أي جهد فيما يبدو للحد من المبالغ الخاصة التي يقدمها آخرون لعائلات منفذي التفجيرات الانتحارية الذين يهاجمون مدنيين.

كما تقدم الجمعيات الخيرية المحلية تقدم مساعدات مالية. فقد نقل عن الشيخ أحمد الكرد، رئيس جمعية الإصلاح المرتبطة بحماس في غزة، قوله للصحف السعودية إن الجمعية تقدم مبلغ 5300 دولار لعائلات الأفراد الذين قتلوا أو أصيبوا بعجز في الصِّراع، كما تقدم مبلغ 1300 دولار للمصابين، و2650 دولاراً للعائلات التي هدمت منازلها أو ألحق بها ضرر كبير، و2600 دولار لعائلات السجناء . لم يقل الشيخ أحمد بأن الأشخاص الذين يهاجمون مدنيين مستثنون من هذه السياسة. وتشير بعض التقارير الإخبارية إلى أن حماس تقدم "تعويضاً" إضافياً لعائلات المفجرين الانتحاريين" .

وتشير تقارير وسائل الإعلام، وكذلك تقارير وكالات استخبارات حكومية، إلى أن التعويض الممنوح للعائلات الفلسطينية التي جُرح أحد أفرادها أو سجن أو قتل خلال الصدامات الحالية تم تمويله إلى حد كبير من مصادر أجنبية. وأحد الأمثلة على ذلك هو اللجنة السعودية لدعم انتفاضة القدس، المشار إليها آنفاً. ومن بين الأسماء المائة والاثنين، أو نحو ذلك، التي وردت في قائمة الدورة العاشرة من المبالغ المدفوعة للجنة الخيرية في طولكرم، كان عشرة أفراد من هؤلاء على الأقل مسؤولين عن إصدار الأوامر بتنفيذ الهجمات ضد المدنيين خلال الصدامات الحالية أو التغاضي عنها. مثال على ذلك المبلغ المدفوع لعائلة عبدالرحمن محمد سعيد حميد، الذي زُعم أنه شارك في الهجوم الانتحاري على ملهى الدولفينيريوم يوم 1 يونيو/حزيران عام 2001 . كما قدمت مبالغ مالية إلى عائلات منفذي الهجمات الانتحارية ضد مدنيين خلال عامي 1995-1996. وبحسب تحليل للجيش الإسرائيلي (كانت الوثائق الأصلية من الرداءة بحيث تعذر إجراء فحص مستقل لها)، فإن المعلومات عن كل ضحية كانت تتضمن سبب الوفاة مع إبراز واضح للمعلومات المتعلقة بالذين نفذوا هجمات انتحارية. ويجب على هذه اللجنة أن توقف جميع أنواع المبالغ المدفوعة لعائلات الأفراد الذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية.

ويقضي القانون الدولي بأن تتحمل الحكومات والمنظمات الخاصة مسؤولية جنائية إن هي ساعدت جماعات أو أفراداً في تنفيذ تفجيرات انتحارية ضد مدنيين. ولا يجوز أن يقدم أي دعم لأية منظمة تواصل ارتكاب مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية. وإذا كانت مجموعة ما تشارك في أنشطة مشروعة موازية، مثل الخدمات الخيرية، فلا يجوز تقديم الأموال لها إلا بعد إرساء نظام يمكن التحقق منه للتأكد من أن هذه الأموال لن تُبدَّل وجهتها لخدمة أغراض جنائية. ولا يجوز في أي حال من الأحوال تكريم أفراد أو عائلاتهم من خلال أية مبالغ مالية لمشاركتهم في هجمات تستهدف مدنيين. ومن واجب الحكومات إجراء التحقيقات وملاحقة أي فرد أو كيان ضمن ولايتها القضائية إذا ما اتُّهم بخرق هذه المعايير.





  •