HRW Logo HRW in Arabic
Human Rights Watch
E-mail بريدالكتروني WR 2000 Mena  Campgn HR-Global  حقوق المرأة والطفل والعدالة والأسلحة والألغام Countries Mena ECA Home
  الاتحاد الاوروبي
..منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"
العواقب المحتملة للمقترحات والتدابير الأمنية الداخلية التي وضعها الاتحاد الأوروبي في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان
نوفمبر/تشرين الثاني ‏2001‏‏
الأوضاع القائمة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول:
بواعث القلق العامة
    تتفهم منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" مصلحة الاتحاد الأوروبي في وضع تدابير أمنية داخلية على مستوى الاتحاد ككل في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة، إلا أن بعض المقترحات الذي وضعها الاتحاد مؤخراً لمكافحة الإرهاب وغيرها من تدابير الأمن الداخلي المقترحة تتضمن عناصر تثير مخاوف خطيرة بشأن حقوق الإنسان. وبناء على ذلك فإننا نحث الاتحاد الأوروبي على توخي الحذر لضمان أن تشتمل أي تدابير أمنية متخذة على الضمانات الكافية لحماية الحريات المدنية الفردية؛ كما نوصي بأن تتضمن أي تشريعات جديدة يصدرها الاتحاد الأوروبي نصوصاً محددة تضمن اتساقها التام مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي والمعايير الدولية لحماية اللاجئين.

    وقد تم وضع التدابير الأمنية الجديدة التي اقترحتها المفوضية الأوروبية لمكافحة الإرهاب واستصدار أمر أوروبي للتوقيف، ويجري التداول بشأنها حالياً بسرعة لم يسبق لها مثيل. وتتضمن وثائق المفوضية، والنتائج التي اعتمدها مجلس العدل والشؤون الداخلية في 20 سبتمبر/أيلول، والنتائج وخطة العمل التي اعتمدتها الجلسة غير العادية للمجلس الأوروبي في 21 سبتمبر/أيلول، نصوصاً تؤثر على التزامات الدول الأعضاء بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقوانين حقوق الإنسان الأوروبية. وقد أشار الإعلان الصادر عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في الاجتماع غير العادي للمجلس الأوروبي في مدينة غينت البلجيكية يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول إلى أن العديد من العمليات المفصلة في خطة العمل الصادرة بتاريخ 21 سبتمبر/أيلول قد بدأ تنفيذها بالفعل، وحث الإعلان المجلس على المضي قدماً في إعداد تدابير إضافية "يجب تنفيذها بأسرع ما يمكن". وتشعر منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بالقلق من أن العجلة في الموافقة على هذه المقترحات تعني التضحية بالحوار العام والاستفادة من آراء ومواقف المجتمع المدني على ما لها من أهمية حيوية في هذا الشأن، مما يؤدي إلى تقويض الجهود الحالية الرامية إلى وضع إجراءات تتسم بالشفافية وتقوم على المشاركة بقصد منح مواطني الدول الأعضاء دوراً في إدارة شؤون الاتحاد الأوروبي. ومن هنا فقد يؤدي إهمال الدراسة الفاحصة لعواقب هذه المقترحات على المواطنين واللاجئين والمهاجرين في الاتحاد الأوروبي إلى وضع قوانين وسياسات تتسبب في تآكل الحريات الأساسية.
    وتضمنت النتائج التي اعتمدها مجلس العدل والشؤون الداخلية في 20 سبتمبر/أيلول دعوة المفوضية إلى "الإسراع ببحث العلاقة بين حماية الأمن الداخلي والوفاء بالالتزامات والصكوك الخاصة بالحماية الدولية" (النتيجة رقم 29). وتخشى منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن يتمخض هذا المقترح عن استبعاد اللاجئين والمهاجرين أو طردهم من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي بدون ضمانات كافية. وتثير التصريحات الحكومية الصادرة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، التي تسوي بين مكافحة الهجرة غير الشرعية والحرب على الإرهاب، القلق من أن التدابير المقترحة لمكافحة الإرهاب المقترنة بتغيير سياسات وممارسات الهجرة واللجوء تميل إلى استبعاد المهاجرين واللاجئين من أوروبا الغربية، مما قد يقوض الحق في طلب اللجوء وحقوق الإنسان الأساسية للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء. ومن ثم يجب على الاتحاد الأوروبي أن يوضح للدول الأعضاء واجباتها في الامتثال للمبادئ التي أرساها القانون العرفي الدولي مثل مبدأ عدم الإرجاع قسراً وتحريم الاعتقال التعسفي.

    ولئن كان من الضروري على الاتحاد الأوروبي أن يؤكد مجدداً التزامه بحقوق الإنسان الفردية وبحماية اللاجئين في مواجهة الأعمال الإرهابية وغيرها من التهديدات الأمنية، فإن الاتحاد الأوروبي يمكنه أيضاً أن ينهض بدور في الاستجابة للدعوة إلى المساءلة عن الجرائم الدولية، مثل الجرائم ضد الإنسانية، التي تسمح بمقاضاة المشتبه فيهم في أي دولة عملاً بمبدأ الولاية القضائية العالمية؛ وعلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تلتزم بمبدأ عدم الإرجاع قسراً، وأن تصر على رفض تسليم أي شخص لجهة ذات ولاية قضائية تجيز فرض عقوبة الإعدام. لكن الوفاء بهذه المعايير والالتزامات يجب ألا يصل إلى حد الإفلات من العقوبة في حالة ارتكاب أي شخص لجريمة دولية والقبض عليه في إحدى الدول الأعضاء بالاتحاد. فإذا كان الدليل المتوافر ضد أحد المشتبه فيهم يستوفي المعايير المعترف بها دولياً ولا توجد سلطة قضائية مختصة أخرى يمكنها أن تحاكمه محاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة ومحايدة، فعندئذ يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تنظر في مسؤوليتها عن تقديم المجرمين الدوليين إلى العدالة في الدولة العضو التي يتم فيها ضبط المشتبه فيه وفقاً لمبدأ الولاية القضائية العالمية.
مقترحات الاتحاد الأوروبي: بواعث القلق المحددة
    تعريف الإرهاب
    يشتمل المقترح الذي وضعته المفوضية الأوروبية في 19 سبتمبر/أيلول، بخصوص اتخاذ قرار يحدد إطار جهود المجلس لمكافحة الإرهاب، على تعريف فضفاض للإرهاب يمكن أن يُستَغل ضد الاختلاف المشروع في الرأي؛ إذ يشترط المقترح لوصف جريمة ما بأنها "جريمة إرهاب" أن يعقد فرد ما أو جماعة ما النية على ارتكاب عمل ضد دولة أو أكثر أو ضد مؤسساتها أو شعوبها "بهدف ترويعهم أو تغيير الهياكل السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية لهذه الدول تغييراً خطيراً أو تدميرها"؛ وتتضمن المذكرة التفسيرية المرفقة بالمقترح قائمة بجرائم الإرهاب، ومنها "الاستيلاء بصورة غير مشروعة" على وسائل النقل العام أو المنشآت الحكومية أو المرافق العامة أو الممتلكات العامة أو الخاصة "أو إتلافها"، بما في ذلك "أعمال العنف المدني".
    ويغطي هذا التعريف بالصورة الحالية الواردة في المقترح أنشطة عديدة يبدو أنها تتطلب استجابة تتعلق بالحفاظ على النظام العام لا مكافحة الإرهاب؛ ومما يثير قلق منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن المظاهرات والاحتجاجات العامة قد تخضع لنصوص هذا المقترح مما يؤدي إلى قمع المعارضة السلمية المشروعة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مقترح المفوضية يعتبر "الترويج لأي جماعة إرهابية أو دعمها أو الاشتراك فيها" جريمة جنائية يعاقب عليها بالسجن لمدة قد تصل إلى سبع سنوات. وتشعر منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" ببالغ القلق من أن المصطلحات الواسعة غير المحددة مثل "الترويج" يمكن أن تتمخض عن إلقاء "الذنب بالتبعية" على الأشخاص الذين يشتركون مع مرتكبي الأعمال الإرهابية في نفس العقيدة السياسية أو ينتمون لنفس الجنسية أو العرق.
    وقد عبرت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" عن قلقها بخصوص التعريف الفضفاض للإرهاب، وللدافع وراء أعمال العنف السياسي، وإمكانية إلقاء الذنب بالتبعية في إطار مقترح المفوضية في خطاب أرسلته المنظمة إلى مسؤولي الاتحاد الأوروبي بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول 2001. وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول التقت المنظمة بعدد من مسؤولي الاتحاد الأوروبي لدعوتهم إلى وضع تعريف أدق؛ وقد ذكر أحد المسؤولين للمنظمة أن تعريف الإرهاب في المقترح الأصلي للمفوضية نوقش مناقشة حامية في اجتماع مجلس العدل والشؤون الداخلية في 16 أكتوبر/تشرين الأول، حيث رأت بعض الدول أنه واسع أكثر من اللازم مما يجعله عرضة لسوء التطبيق. ومن ثم فإن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" تشجع كل الدول الأعضاء على ضمان صياغة تعريف الإرهاب صياغة دقيقة على مستوى الاتحاد الأوروبي، كيلا يُستخدم كرادع لقمع الاختلاف المشروع في الرأي و/أو الاحتجاج المشروع، وألا يستخدم للافتئات على الحق في حرية التعبير والاجتماع وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها.
      أمر التوقيف الأوروبي الغرض من مقترح المفوضية الأوروبية الخاص باتخاذ قرار عام للمجلس بشأن أمر التوقيف الأوروبي في 19 سبتمبر/أيلول هو أن يحل محل النظام الحالي لتسليم المجرمين فيما بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. أي أن التسليم الذي يتم من دولة إلى دولة سيحل محله مبدأ الاعتراف المتبادل بقرارات و/أو أحكام المحاكم التي تنشأ عنها علاقات على مستوى المحاكم فيما بين السلطات القضائية للدول الأعضاء. وينص المقترح على ضرورة إصدار أمر التوقيف على أساس أمر أو قرار صادر من إحدى المحاكم المسجلة في الدولة المُصدِرة، وعلى ضرورة امتثال ما يسمى بالدولة المسَلِّمة للمتهم المقبوض عليه. وتشعر منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بالقلق من أن مقترح أمر التوقيف الأوروبي قد لا يتوافق تماماً مع المعايير المعترف بها دولياً للمحاكمة العادلة التي تمنح الأشخاص في ظل نظام العدالة الجنائية في أي دولة ضمانات أساسية للحماية من الإجراءات التعسفية أو سوء التطبيق من جانب تلك الدولة.
      ويقوم نظام أمر التوقيف الجديد على فكرة مؤداها أن هناك التزاماً موحداً في شتى أنحاء الاتحاد الأوروبي بمعايير المحاكمة العادلة التي تكفلها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. إلا أن نظرة سريعة إلى القضايا التي نظرتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان خلال العقد الماضي تبين أن معايير المحاكمة العادلة كثيراً ما انتُهكت في عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وفي معظم الدول الثلاث والأربعين الأعضاء في مجلس أوروبا التي تحكمها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ومنها كثير من دول الاتحاد الأوروبي المنضمة للاتفاقية. وتولي منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" اهتماماً بالغاً لضرورة إدراج ضمانات كافية في مقترح أمر التوقيف ضماناً لمراعاة معايير المحاكمة العادلة في سياق أي إجراءات في الدولة المُصْدرة للأمر والدولة المسلِّمة للمتهم. ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة فيما يتعلق ببعض الدول المنضمة للاتفاقية التي سوف تنضم بلا شك للاتحاد الأوروبي قبل أن يكون بمقدورها الزعم بأنها تراعي المعايير المعترف بها دولياً للمحاكمة العادلة.
      كما ينبغي أن يتضمن المقترح الخاص بأمر التوقيف إشارة صريحة إلى تحريم إعادة أي شخص إلى أي دولة لم يحاكم أو لن يحاكم فيها محاكمة عادلة بما يتفق والمعايير الدولية، أو قد يتعرض فيها لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب أو تطبيق عقوبة الإعدام.
    اللاجئون والمهاجرون:
      التزامات الحماية وحقوق الإنسان وبواعث القلق الأمنية تضمنت النتائج التي اعتمدها الاجتماع غير العادي لمجلس العدل والشؤون الداخلية في 20 سبتمبر/أيلول 2001 دعوة إلى المفوضية بأن "تقوم بصفة عاجلة بدراسة العلاقة بين حماية الأمن الداخلي والوفاء بالالتزامات والصكوك الخاصة بالحماية الدولية" (النتيجة 29). وتوحي هذه النتيجة بأن سلطات الاتحاد الأوروبي سوف تستكشف السبل التي تمكِّن دول الاتحاد الأوروبي من أن تستبعد من أراضيها أو تطرد منها أي لاجئ أو مهاجر يشتبه في قيامه بأنشطة إجرامية في الماضي أو يمثل خطراً على الأمن القومي لدولة من تلك الدول. وتحث منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" الدول الأعضاء على أن تراعي بصورة كاملة التزاماتها بموجب اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين (اتفاقية اللاجئين)، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966، واتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب الصادرة عام 1984، إلى جانب التزاماتها بموجب القانون العرفي الدولي في مداولاتها المتعلقة باستبعاد أو طرد الأشخاص المشتبه في تورطهم في أنشطة إرهابية من أراضي الدول الأعضاء.
      والمبدأ الحاكم الذي تقوم عليه المعايير الدولية لحماية اللاجئين هو "حظر الطرد أو الرد" بمقتضى المادة 33 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951، التي تنص على أنه "لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تطرد لاجئاً أو ترده بأي صورة من ا لصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية". وينطبق مبدأ "حظر الطرد أو الرد" على الإرجاع القسري المباشر إلى دولة معينة مثلما ينطبق على الإجراءات غير المباشرة التي قد تؤدي في واقع الحال إلى إرجاع اللاجئ إلى دولة قد تتعرض فيها حياته أو حريته للخطر.
      لكن اتفاقية اللاجئين تتضمن أحكاماً تسمح بحرمان أي شخص من اكتساب صفة اللاجئ، ومن ثم حرمانه من الحماية التي يوفرها مبدأ "حظر الطرد أو الرد"، إذا كانت ثمة "أسباب جدية" تحمل على الاعتقاد بأنه: (أ) ارتكب جريمة ضد السلم أو جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية؛ (ب) ارتكب جريمة خطيرة غير سياسية في الماضي خارج بلد اللجوء؛ (ج) ارتكب أفعالاً منافية لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها [المادة 1(و) (أ-ج)]. إلا أن هذه الفقرات الاستبعادية تتسم بطبيعة استثنائية، ويجب تطبيقها بحذافيرها ووفقاً للشروط الواردة فيها؛ إذ تتضمن المادة 1(و) معياراً دليلياً مرتفعاً (وجود "أسباب جدية")، وتشترط ارتكاب الأفراد الذين ينظر في استبعادهم لجرائم معينة بأنفسهم في الماضي (وليس مجرد ارتكاب منظمات ربما كانوا على صلة بها لهذه الجرائم). كما يجب أن تنطبق الضمانات الإجرائية المعتادة التي يكفلها القانون الجنائي الدولي على إجراءات الاستبعاد، بما في ذلك حق الفرد في الدفاع عن نفسه ضد تهمة ارتكاب أفعال جنائية ذات طبيعة خطيرة حسبما يرد في فقرات الاستبعاد، وضمانات الحماية من الاستبعاد القائم على التمييز لأسباب لا تتعدى الجنسية أو العرق أو الدين.
      كما تجيز اتفاقية اللاجئين طرد اللاجئ من بلد اللجوء لدواعي الأمن الوطني؛ إذ تسمح المادة 32 بطرد اللاجئ لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام، ولكن بشرط ألا يتم ذلك إلا على أساس قرار يتم ?
      اتخاذه وفقاً للضمانات الإجرائية المعترف بها دولياً. ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال إبعاد أي لاجئ تسري عليه شروط الطرد بموجب المادة 32 إلى مكان قد تتعرض فيه حياته أو حريته للخطر. ومن ثم فإن المبدأ العام القاضي بحظر "الطرد أو الرد" يجعل المادة 32 مشروطة، بمعنى أنه حتى لو كانت دواعي الأمن الوطني تقتضي طرد شخص ما، فلا يجوز إرجاع اللاجئ بطريق مباشر أو غير مباشر (أي إبعاده إلى بلد آخر قد تتعرض فيه حياته أو حريته للخطر).
      والحالة الوحيدة المنصوص عليها في اتفاقية اللاجئين التي يمكن فيها لدولة مضيفة طرد لاجئ معترف به وإعادته إلى مكان قد تتعرض فيه حياته أو حريته للخطر ترد في المادة 33، حيث تنص مادة 33(2) على أن الحماية من "الطرد أو الرد" لا تحق "لأي لاجئ تتوافر دواعٍ معقولة لاعتباره خطراً على أمن البلد الذي يوجد فيه أو لاعتباره يمثل، نظراً لسبق صدور حكم نهائي عليه لارتكابه جرماً استثنائي الخطورة، خطراً على مجتمع ذلك البلد". إلا أن الشرطين الواردين في هذا النص يتطلبان وجود صلة مباشرة بين وجود اللاجئ في أراضي بلدٍ ما والتهديد الذي يتعرض له الأمن الوطني لهذا البلد. ومن هنا فإن اللاجئ لا يزال محمياً من "الطرد أو الرد" إذا لم يكن يمثل في الوقت الحالي خطراً على أمن بلد اللجوء. وعلى الرغم من عدم النص صراحة على ضمانات إجرائية في المادة 33، فإن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" تعتقد أن الضمانات الإجرائية المنصوص عليها لحالات الطرد بموجب المادة 32 ينبغي أن تسري أيضاً على المادة 33 لأن العواقب المحتملة للمادة 33(2) أوخم إلى حد بعيد من تلك التي يمكن أن تترتب على المادة 32.
      ويجب أن تنظر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في التزاماتها الدولية الخاصة بحماية اللاجئين لا في إطار اتفاقية اللاجئين فحسب، ولكن أيضاً فيما يتعلق بالتزاماتها المترتبة على القوانين الأوروبية والدولية. فمبدأ "حظر الطرد أو الرد" منصوص عليه في المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وأصبح الآن يرقى إلى مستوى القانون الدولي العرفي. وتقول اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وغيرها من الجهات التي لها صلاحيات تفسير هذه الاتفاقيات، إنه حتى في حالة استبعاد شخص ما من نطاق الحماية الذي تكفله اتفاقية اللاجئين فلا يمكن إبعاده إلى مكان قد يتعرض فيه لشتى الانتهاكات الخطيرة متعددة مثل التعذيب أو المعاملة المهينة أو اللاإنسانية. كما فسرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على أنها تحظر على الأطراف الموقعة على الاتفاقية إرجاع أي شخص إلى حيث قد "يتعرض للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة". ولا يجوز لأطراف الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ومن بينها جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أن تحيد عن المادة 3. كما أن "حظر الطرد أو الرد" المنصوص عليه في المادة 3 شرط مطلق للالتزام بالاتفاقية. وتتضمن اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب تحريماً صريحاً لقيام أي دولة طرف فيها بطرد أي شخص أو إعادته أو تسليمه "إلى دولة، إذا توفرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب". وفي التعليق العام رقم 1 المتعلق بإجراءات الاتصالات الفردية المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية للقضاء على التعذيب، والتزامات الدول الأطراف المنصوص عليها في المادة 3، فسرت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة عبارة "دولة أخرى" بأنها تشير إما إلى الدولة التي يتم طرد الشخص المعني أو إرجاعه أو تسليمه إليها، أو إلى أي دولة أخرى يمكن طرد الشخص المعنى أو إرجاعه أو تسليمه إليها فيما بعد.
      وتحث منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على ضمان ألا تقوض التدابير الخاصة بالأمن الداخلي التي وضعت في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول من التزامات الدول الأعضاء بموجب القوانين الدولية للجوء وحقوق الإنسان والقانون العرفي الدولي، وأهم ما فيها "حظر الطرد أو الرد" الملزم لجميع الدول الأعضاء.
    الاعتقال التعسفي
      اقترحت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي جواز اعتقال الأشخاص المشتبه في ارتكابهم أفعالاً إرهابية، ممن لا يمكن إعادتهم إلى بلادهم أو إلى دول أخرى بسبب المخاوف الواردة في المادة 3 كما تقدم، إلى أجل غير مسمىً باعتبار أنهم يمثلون خطراً على الأمن الوطني، وعدم الإفراج عنهم إلا بعد أن يصبحوا لا يمثلون هذا الخطر، أو عندما توافق دولة ثالثة على قبولهم وحمايتهم من الانتهاكات المذكورة في المادة 3. وسوف تقضي المقترحات التي تجيز الاعتقال إلى أجل غير مسمىً بأن تستند الدول الأعضاء إلى قدرتها على التحلل من التزامها بأحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان بموجب المادة 15، ثم التحلل رسمياً من التزامها بالمادة 5 من الاتفاقية، التي تضمن حق الأشخاص في الحرية والأمن على أنفسهم وتنص على تحريم الاعتقال التعسفي.
      إن الاعتقال المطول لأجل غير مسمى بدون توجيه تهمة إلى المعتقل أو إتاحة فرصة كافية له للمثول أمام جهة قضائية تنظر في قانونية اعتقاله يرقى إلى درجة الاعتقال التعسفي الذي يمثل انتهاكاً للقانون الدولي التقليدي والعرفي. بل إن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" ترفض حتى في حالات الطوارئ استخدام الاعتقال لأجل غير محدد دون تهمة في غياب الضمانات الإجرائية الأساسية الواقية من الاعتقال التعسفي (مثل الاتصال بمحامٍ وحق المعتقل في أن ينظر القضاء في قانونية اعتقاله، إلخ). وتشعر منظمة مراقبة حقوق الإنسان بالقلق الشديد من أن أي مراجعة يقوم بها الاتحاد الأوروبي لالتزاماته إزاء الحماية الدولية في ضوء بواعث القلق الأمنية قد تأخذ في الاعتبار السبل التي قد تستوفي الدول من خلالها بعض الضمانات الخاصة بحقوق الإنسان، مثل "حظر الطرد أو الرد"، على حساب ضمانات أخرى، وهي تحديداً في هذه الحالة تحريم الاعتقال التعسفي.
    عقوبة الإعدام
      تنظر منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إلى المعارضة المتزايدة باطراد التي يبديها الاتحاد الأوروبي لعقوبة الإعدام ومحاولاته لإقناع دول ثالثة بإلغاء هذه العقوبة باعتبار ذلك نموذجاً للتحرك الدولي المتعدد الأطراف من أجل تعزيز حقوق الإنسان. وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، فإننا نحث الاتحاد الأوروبي على التمسك بمعارضته لعقوبة الإعدام، وندعو دول الاتحاد الأوروبي إلى مواصلة الاستجابة لأي طلبات من أي دولة ثالثة لتسليم أي شخص مشتبه في تورطه في الهجمات بالعمل على الحصول على تأكيد قاطع بأن عقوبة الإعدام لن تفرض على هذا المشتبه فيه في حالة تسليمه.
      كما أننا نشعر بالقلق العميق من أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد تسعى تحت ضغوط من جانب دول ثالثة إلى تجنب الحصول على هذا التأكيد بمجرد استخدام الإعفاءات الحالية المنصوص عليها في قوانين اللجوء لاستبعاد أو طرد الأشخاص على أساس أنشطتهم الإجرامية السابقة أو لدواعي الأمن الوطني، مما يثير احتمال تعرض هؤلاء الأشخاص لخطر إحالتهم إلى سلطة قضائية تجيز تطبيق عقوبة الإعدام.
    المساءلة عن الجرائم الدولية في الاتحاد الأوروبي
      في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول سنحت أمام الاتحاد الأوروبي فرصة لتأكيد التزامه بمساءلة الأشخاص المسؤولين عن أفظع الجرائم الدولية. وينص القانون الدولي العرفي والتقليدي على أن جرائم معينة (جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والتعذيب وجرائم الحرب) تعد جرائم شنيعة لدرجة أن أي دولة يمكنها تحريك الدعوة القضائية ضد مرتكبي تلك الجرائم بالنيابة عن المجتمع الدولي على أساس مبدأ الولاية القضائية العالمية، بصرف النظر عن مكان ارتكاب الجريمة وهوية مرتكبها. وبينما تأتي الدول الكبرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في طليعة الجهود الرامية إلى إنشاء محكمة جنائية دولية، تختص بالنظر في جرائم دولية معينة وانتهاكات معينة للقانون الإنساني الدولي، فإن الكثير من الدول الأعضاء قد قاومت الدعوة إلى الالتزام بمبدأ الولاية القضائية العالمية، وإلى سنِّ تشريعات تخول لمحاكمها المحلية سلطة محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية.
      وقد صدقت كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وعلى اتفاقيات جنيف. وسنت بعض هذه الدول تشريعات تسمح بإقامة الدعوى القضائية داخلياً ضد مرتكبي هذه الجرائم على أساس مبدأ الولاية القضائية العالمية، بينما لم تعتمد دول أخرى تشريعات تنفيذية تسمح بإقامة الدعوى القضائية في هذا الصدد. وكان هذا النهج المتدرج في المساعي الرامية لوضع حد لإفلات مرتكبي أفظع الجرائم الدولية من العقاب مثاراً للقلق من أن تصبح بعض دول الاتحاد الأوروبي "ملاذاً آمناً" للمجرمين الدوليين. والواقع أن عدم وجود نهج موحد للمساءلة عن الجرائم الدولية أدى فيما مضى إلى تقاعس بعض دول الاتحاد الأوروبي عن مساءلة مجرمي الحرب ومرتكبي جرائم التعذيب الذين وجدوا لأنفسهم ملاذاً في تلك الدول.
      وتعتبر منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" وغيرها من المنظمات أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة جرائم ضد الإنسانية. وقد ذكرت ماري روبنسون، المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، يوم 20 سبتمبر/أيلول أنه:

      في ضوء المعايير القائمة للقانون الجنائي الدولي يمكن وصف هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة بأنها جريمة ضد الإنسانية نظراً لضخامة حجمها، ولأنها كانت موجهة ضد السكان المدنيين. ومن هنا فإن الطبيعة الدولية لهذه الجريمة تستوجب قيام جميع الدول بالمساعدة في تقديم الجناة إلى العدالة.
      وتُعرَّف الجرائم ضد الإنسانية بأنها أفعال تأتي في إطار هجوم منهجي أو واسع النطاق موجهة ضد سكان مدنيين، كالقتل العمد والتعذيب والاغتصاب والأفعال غير الإنسانية. وعلى الرغم من أن معظم قضايا الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية المنظورة أمام القضاء تتناول جرائم ارتُكبت في سياق الصراعات المسلحة ونُظِّمت في ظل سلطة الدولة، فإن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والفتاوى القضائية التي أصدرتها مؤخراً المحكمة الدولية الجنائية الخاصة برواندا تفيد بأن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية قد تتم في سياق الصراع المسلح أو في وقت السلم.
      وكما أشرنا فيما تقدم، فإن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية تنعقد لها الولاية القضائية العالمية، بمعنى أن أي دولة يمكن أن تحاكم المشتبه في ارتكابهم تلك الجرائم بصرف النظر عن جنسية المشتبه فيه أو مكان الجريمة. ولكن إمكانية استفادة دولة ما من مبدأ الولاية القضائية العالمية تتوقف على ما إذا كان قانونها المحلي يخوِّل تلك الصلاحيات لمحاكمها الوطنية. وجدير بالذكر أن محاكم الكثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تفتقر إلى الصلاحيات اللازمة لمقاضاة الأشخاص المسؤولين عن أسوأ الجرائم الدولية، بما في ذلك الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
      وتعتقد منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن الاتحاد الأوروبي ليس لزاماً عليه فحسب أن يعزز الحريات المدنية الفردية وضمانات حماية اللاجئين في مواجهة بواعث القلق المتنامية بشأن الأمن الداخلي، وإنما يجب عليه أيضاً أن يجعل قضية المساءلة ومنع أبشع الجرائم الدولية جانباً من التزامه الصريح بخلق "منطقة من الحرية والأمن والعدالة"، كما جاء تفصيلاً في نتائج اجتماع المجلس الأوروبي في مدينة تامباري عام 1999. وفي مواجهة الالتزامات الجادة والملحة بعدم إرجاع أي شخص إلى مكان قد تتعرض فيه حياته أو سلامته البدنية للخطر، وفي ضوء دأب الاتحاد الأوروبي على معارضة تسليم أي شخص لسلطة قضائية تجيز فرض عقوبة الإعدام، فإن من الواجب على الاتحاد الأوروبي اتخاذ الخطوات الضرورية لضمان ألا تتحول أي دولة من دول الاتحاد إلى ملاذ آمن للمسؤولين عن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وغيرها من الانتهاكات الفادحة للقوانين الجنائية والإنسانية الدولية.
      لذلك فإلى جانب العمل على التصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وتنفيذه على وجه السرعة (تمشياً مع الموقف الموحد الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي مؤخراً بشأن هذه المحكمة)، فإن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" توصي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالالتزام بمبدأ الولاية القضائية العالمية وبعدم السماح بتوفير الملاذ الآمن لمرتكبي أي جرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية أو التعذيب أو جرائم الحرب. وينبغي على الاتحاد الأوروبي إصدار تشريعات تمنح المحاكم في كل الدول الأعضاء الولاية القضائية للنظر في هذه الجرائم أينما ارتُكبت. وينبغي أن تنص هذه التشريعات على تعيين المحكمة المختصة بالنظر في هذه القضايا، وعلى تحديد الجرائم وفقاً للقانون الدولي، وعلى تفصيل العقوبات التي تتناسب معها. كما ينبغي أن تطالب هذه التشريعات الدول الأعضاء بالتعاون الكامل في سياق الجهود التي تبذلها سائر الدول الأعضاء لتقديم المسؤولين عن الجرائم التي تنتهك القانون الدولي إلى العدالة، وهو ما يمكن أن يتم في إطار الجهود المتواصلة لاعتماد تشريعات خاصة لوضع معاهدة المحكمة الجنائية الدولية موضع التنفيذ.

 
E-mail بريدالكتروني WR 2000 Mena  Campgn HR-Global  حقوق المرأة والطفل والعدالة والأسلحة والألغام Countries Mena ECA Home