"الضمانات الدبلوماسية" ضد التعذيب

سؤال وجواب

Download PDF - 18 pages, 172 kb

ما هي "الضمانات الدبلوماسية" ضد التعذيب؟

لماذا يتزايد اللجوء إلى الضمانات الدبلوماسية؟

لماذا تسعى الحكومات للحصول على هذه الضمانات؟

هل الضمانات الدبلوماسية مجدية؟

هل حدث أن تعرض للتعذيب أحدٌ ممن أعيدوا إلى بلدانهم بضمانات دبلوماسية؟

كيف تعرف الحكومات أن الضمانات تؤدي الغرض منها؟

هل الضمانات الدبلوماسية ملزمة قانونا؟

إذا كانت الضمانات الدبلوماسية علنية، ألا يضع ذلك سمعة الحكومة المستقبلة على المحك؟

إذا قامت الحكومة المرسلة بمتابعة معاملة شخص ما بعد إعادته لبلده، فهل يجعل هذا الضمانات أكثر موثوقية؟

معظم الدول المستقبلة دول عربية أو إسلامية. فهل تقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن هذه الحكومات ليست بطبيعتها جديرة بالثقة؟ 

هل يمكن أن تكون الضمانات الدبلوماسية سبيلا إلى تحسين سجل الدولة فيما يتعلق بالتعذيب؟

تقول الحكومة الأمريكية إنها تسعى دوماً للحصول على ضمانات عند وجود خطر لتعرض شخص ما للتعذيب؛ فهل هذا يجعل عمليات الترحيل التي تقوم بها الولايات المتحدة قانونية؟

هل الاتفاقات التي تتوسط فيها الحكومة البريطانية، والتي تسمى "مذكرات التفاهم"، أفضل من الضمانات الدبلوماسية العادية؟

ما هو سجل كندا بشأن الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب؟

هل حذت أي دول أخرى حذو الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا؟

ماذا تقول الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بشأن الضمانات الدبلوماسية؟

إذا لم تكن الضمانات الدبلوماسية  كفيلة بحماية شخص ما من التعذيب، فلماذا لا تحظرها المحاكم؟

إذا لم تستطع الحكومات إبعاد المشتبه بتورطهم في أعمال إرهابية بسبب خطر التعرض للتعذيب، فكيف يفترض أن تتعامل مع الأجانب الذين يحتمل أن يكونو خطرين؟

ألا يرغب بعض المحتجزين الأجانب في العودة إلى بلادهم بالرغم من خطر تعرضهم للتعذيب؟


ما هي "الضمانات الدبلوماسية" ضد التعذيب؟

"الضمانات الدبلوماسية" وسيلة تلجأ إليها الحكومات باطراد للتحايل على الحظر الدولي على التعذيب؛ إذ إنها تمهد الطريق لإرسال الأجانب غير المرغوب فيهم إلى بلد آخر حيث يواجهون خطر التعذيب أو غيره من ضروب الانتهاك. ولما كان إرسال أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه للتعذيب مخالفا للقانون، فإن الحكومات التي ترسل هؤلاء الأشخاص تحصل أولا على تعهد من الحكومات المستقبلة لهم بأنها لن تستخدم التعذيب.

وتشمل معظم الحالات الأجانب المشتبه في تورطهم في أعمال الإرهاب أو الذين يعتبرون تهديدا للأمن القومي. ويتعرض طالبو اللجوء الذين يفشلون في الحصول على اللجوء، والمرحلون عقب إدانتهم أو الحكم عليهم في الجرائم العادية، أو الأشخاص الصادر بحقهم أمر تسليم المتهمين بجرائم عادية - يتعرض هؤلاء للتهديد بإبعادهم استنادا إلى مثل هذه الضمانات.

وللضمانات الدبلوماسية صور مختلفة، منها ما لا يتعدى الوعود الشفهية، ومنها ما يأخذ صورة الوثائق المكتوبة، التي يوقعها في بعض الحالات مسؤولون من كلتا الحكومتين. كما يتفاوت مضمون الضمانات، فتأتي الضمانات ضد التعذيب أحيانا ضمن مجموعة من الوعود الأخرى مثل التعهدات الخاصة بعدالة المحاكمة. وبعض الضمانات لا تزيد على التأكيد على أن الحكومة المستقبلة ستحترم قانونها المحلي أو التزاماتها المنبثقة عن القانون الدولي لحقوق الإنسان. وتشتمل بعض الضمانات الدبلوماسية على ترتيبات خاصة بالمراقبة بعد إعادة الإفراد.

لماذا يتزايد اللجوء إلى الضمانات الدبلوماسية؟

بسبب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وغيرها من الهجمات الإرهابية التي أعقبتها، مثل تفجيرات لندن في يوليو/تموز 2005. فعلى الرغم من أن بعض الحكومات استخدمت الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب قبل هذه الهجمات، فقد تزايد عدد الحكومات التي تود التخلص من الرعايا الأجانب المشتبه في تورطهم في الأنشطة الإرهابية. وبدلا من تحريك الدعوى القضائية ضد هؤلاء المشتبه فيهم، تلجأ حكومات كثيرة إلى نقلهم إلى بلادهم أو إلى بلاد أخرى، قائلة إن الضمانات الدبلوماسية كفيلة بعدم تعرضهم للتعذيب.

وقد استخدمت بعد الحكومات الضمانات الدبلوماسية فيما يتعلق بعقوبة الإعدام؛ فبما أنها عقوبة غير مشروعة في أوروبا، فإن الحكومات الأوروبية لا تسلم أي شخص إلى دولة تطبق فيها هذه العقوبة كالولايات المتحدة أو الصين، دون الحصول على ضمانات بعدم تنفيذها على هذا الشخص. لكن الضمانات ضد عقوبة الإعدام تختلف عن الضمانات ضد التعذيب؛ فعلى الرغم من أن منظمة هيومن رايتس ووتش تعارض عقوبة الإعدام فإن استخدامها كعقوبة لمن أدين بجريمة جنائية ليس محرما في القانون الدولي، وما استخدام الضمانات ضد عقوبة الإعدام إلا اعتراف باختلاف المناهج القانونية بين دولتين مختلفتين. أما الضمانات ضد التعذيب فهي على العكس من ذلك تتعلق بمسلك إجرامي يمارس سرا من جانب الدولة المرسلة والدولة المستقبلة، رغم إنكارهما له بصورة روتينية. كما أنه من الأسهل مراقبة الضمانات المعطاة ضد عقوبة الإعدام - والاعتراض على خرقها – قبل وقوع الإعدام. أما في حالة تقديم ضمانات دبلوماسية ضد التعذيب فإن الدولة المرسلة تخاطر مخاطرة غير مقبولة تتمثل في عدم علمها بوقوع خرق للضمانات إلا بعد وقوع التعذيب فعلا، هذا إن علمت بوقوعه أصلا نظرا لما يكتنفه من سرية.

لماذا تسعى الحكومات للحصول على هذه الضمانات؟

تعترف معظم الحكومات صراحة بأنها لا تطلب الضمانات الدبلوماسية إلا من الدول التي يمثل فيها التعذيب مشكلة خطيرة ومستمرة، أو حيث يستهدف هذا الانتهاك بوجه خاص الأشخاص الذين يوصفون بالإرهابيين. وتقول الحكومات التي تطالب بهذه الضمانات إن هذه الوعود تقلل من احتمال تعرض المرء للتعذيب عند رجوعه لبلده، فيصبح من الممكن العودة دون وقوع خرق للقانون الدولي.

هل الضمانات الدبلوماسية مجدية؟

تشير الأدلة المتزايدة وآراء الخبراء الدوليين إلى أن الضمانات الدبلوماسية لا يمكن أن تحمي المعرضين لخطر التعذيب من هذه المعاملة عند عودتهم. فالدول المرسلة اعتمادا على هذه الضمانات إما أنها تركن إلى الأماني الطيبة وإما أنها تستغل هذه الضمانات كورقة توت تتستر بها على تواطئها في التعذيب. وأياً كان الأمر، فإن الحكومات الساعية للحصول على ضمانات دبلوماسية ضد التعذيب تحاول في واقع الأمر الالتفاف على التزامها بعدم إرجاع الأشخاص إلى حيث يتعرضون لهذه المعاملة.

وتتسم كل الحكومات التي تقدم الضمانات الدبلوماسية بتاريخها الطويل وسجلها المتواصل في استخدام التعذيب، وهو ما تقر به معظم الحكومات المرسلة. أن الحكومات صاحبة السجل السيء فيما يتعلق بالتعذيب عادة ما تنكر استخدام التعذيب، وتتقاعس عن فتح تحقيقات في المزاعم الخاصة بوقوعه. لذلك فمن المستبعد جداً أن تفي هذه الحكومات بوعودها بعدم تعذيب فرد واحد، حيث أنها دأبت على خرق الحظر الدولي للتعذيب.

ومما يجعل هذه الوعود غير ذات قيمة طبيعة التعذيب نفسه، فالتعذيب عمل إجرامي من أخطر ألوان الإجرام، يمارس سرا باستخدام وسائل كثيرا ما تستعصي على الكشف (مثل الغمر بالماء حتى الإشراف على الغرق، والاعتداء الجنسي، واستخدام الصعق الكهربي الداخلي). وفي كثير من البلدان يقوم العاملون بالمهن الطبية في المعتقلات بالإشراف على الانتهاك ضمانا لعدم انكشاف التعذيب بسهولة. وكثيرا ما يخشى المعتقلون الذين يتعرضون للتعذيب الشكوى بشأن الأذى الذي تعرضوا له خوفا من الانتقام منهم أو من ذويهم.

هل حدث أن تعرض للتعذيب أحدٌ ممن أعيدوا إلى بلدانهم بضمانات دبلوماسية؟

نعم. ومنهم أحمد عجيزة الذي طلب اللجوء إلى السويد، وطرد منها في ديسمبر/كانون الأول 2001 بناء على ضمانات من جانب الحكومة المصرية بعدم تعذيبه. فقد سلمت السلطات السويدية أحمد عجيزة إلى عملاء للولايات المتحدة ثم نقل إلى القاهرة على متن طائرة مستأجرة تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وبعد ذلك تعرض للضرب والصعق بالصدمات الكهربية في أحد السجون المصرية، على الرغم من الترتيبات الخاصة بمتابعة دبلوماسيين سويديين لحالته بعد عودته. وفي مايو/ايار 2005، قضت لجنة القضاء على التعذيب التابعة للأمم المتحدة بأن السويد انتهكت التزامها المطلق بعدم إرجاع أي شخص إلى حيث قد يتعرض لخطر التعذيب، وقالت "إن الحصول على الضمانات الدبلوماسية، الذي لم يقترن بوجود آليات محددة لتنفيذها، لم يكن كافيا لحمايته من هذا الخطر الجلي".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2002، قامت الحكومة الأمريكية بنقل ماهر عرار، وهو مواطن يحمل الجنسيتين السورية والكندية، من نيويورك إلى سوريا عبر الأردن بناء على ضمانات دبلوماسية بمعاملته  معاملة إنسانية. وقد أفرج عنه في أكتوبر/تشرين الأول 2003. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2005، خلص خبير مستقل لتقصي الحقائق عينته لجنة تحقيق كندية رسمية في قضية معاملة عرار، إلى أنه تعرض للتعذيب في الحبس في سوريا، على الرغم من نفي سوريا لذلك، وعلى الرغم من عدة زيارات قام بها مسؤولون قنصليون كنديون. وفي سبتمبر/أيلول 2006، خلصت لجنة التحقيق نفسها إلى أن تعذيب عرار في سوريا "دليل ملموس" على "عدم قيمة" الضمانات الدبلوماسية المقدمة من النظم الشمولية، وعلى أنها لا توفر الحماية من التعذيب.

كما نقلت الحكومة الأمريكية رجلا روسيا اسمه رسول كوداييف من خليج غوانتانمو إلى روسيا في عام 2004، بناء على ضمانات من السلطات الروسية بمعاملته معاملة إنسانية طبقا للقانون الروسي الوطني والالتزامات الدولية لروسيا. ولكن في أكتوبر/تشرين الأول 2005، تم القبض على كوداييف واحتجازه بصورة غير قانونية، حيث تعرض للضرب المبرح ومنع من تلقي الرعاية الطبية اللازمة، كما أبعدت محاميته عن القضية بطريقة تعسفية عندما حاولت الشكوى مما لقيه من سوء المعاملة.

تبين هذه النماذج أن الضمانات الدبلوماسية لا توفر الحماية الفعالة، ولا يجوز استخدامها في الحالات التي تتسم بوجود خطر مسلم به للتعرض للتعذيب.

كيف تعرف الحكومات أن الضمانات تؤدي الغرض منها؟

لا توجد طريقة موثوق بها للتحقق من أن الحكومة المستقبلة تحافظ على تعهدها بعدم استخدام التعذيب. فالحكومة المرسلة ليس لديها الحافز للبحث في مسألة وقوع التعذيب أو سوء المعاملة لأنها بذلك تكون قد اعترفت بأنها خرقت التزامها المطلق بعدم إرجاع أي شخص إلى حيث يواجه خطر التعذيب. أما الحكومة المستقبلة فالحافز لديها أضعف؛ حيث أن الاعتراف بوقوع التعذيب يعني الاعتراف بأنها انتهكت الحظر العالمي على التعذيب، إلى جانب نقض التعهد الذي أعطته للحكومة الأخرى. ولم ينم إلى علم منظمة هيومن رايتس ووتش نبأ أي حالات اعترفت فيها الحكومة المرسلة أو المستقبلة بخرق الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب.

هل الضمانات الدبلوماسية ملزمة قانونا؟

كلا. فالضمانات الدبلوماسية اتفاقات سياسية ثنائية، يتم التفاوض عليها على المستوى الدبلوماسي؛ ومن ثم فهي ليست معاهدات وليست ذات طبيعة قانونية ولا حجية قانونية. وإذا تم خرقها، فليس أمام الحكومة المرسلة وسيلة لمساءلة الحكومة المستقبلة قانونا. كما أنه لم يحدث إلا في قلة من الحالات أن حصل أحد ممن تعرضوا للتعذيب، على الرغم من وجود هذه الضمانات، على أي قدر من التعويض من الحكومات المسؤولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن معاملتهم بهذا الشكل.

إذا كانت الضمانات الدبلوماسية علنية، ألا يضع ذلك سمعة الحكومة المستقبلة على المحك؟

بعض الحكومات مثل الحكومة البريطانية مثلا تقول إن السمعة الدولية للحكومة المستقبلة والعلاقات الثنائية تتأثر سلبا إذا حدث خرق للضمانات الدبلوماسية. لكن الكثير من الحكومات المستقبلة معروفة باستخدامها للتعذيب بصورة روتينية، بيد أنها لا تتأثر إلا لماما بأي ردة فعل على ارتكاب هذه الانتهاكات. والواقع أن الكثير من الحكومات التي تقدم الضمانات الدبلوماسية (مثل مصر والأردن والمغرب وتركيا وأوزبكستان) تعتبر حلفاء مخلصين في المجهود العالمي لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي يؤدي كثيرا إلى إسكات النقد الموجه لسجلها الخاص بحقوق الإنسان.

إذا قامت الحكومة المرسلة بمتابعة معاملة شخص ما بعد إعادته لبلده، فهل يجعل هذا الضمانات أكثر موثوقية؟

كلا. فالعيب الأساسي في متابعة أي معتقل على حدة هو عدم السرية. فلو كانت الفرصة متاحة أمام المسؤولين عن المتابعة للوصول إلى كل المحتجزين في المعتقل، ولو تمكنوا من الحديث مع المعتقلين على انفراد، لاستطاع المعتقل الإبلاغ عن حوادث الاعتداء التي يتعرض لها، دون خوف من أن تتعرف عليه السلطات وأن يتعرض للانتقام. وتشترط اللجنة الدولية للصليب الأحمر خصيصا لهذا السبب توفير هذا المستوى من الاتصال حتى يتسنى لها القيام بالمتابعة.

هذه السرية لا يمكن توفيرها في حالة متابعة معتقل واحد أو مجموعة صغيرة. وتقول بعض الحكومات إن المقابلات مع المعتقل تتم على انفراد مما يضمن السرية، ولكن من السهل أن تتعرف السلطات على المعتقل داخل مركز الاعتقال. فإذا تم الإبلاغ عن مزاعم سوء المعاملة، فإن سلطات السجن أو المعتقل والعاملين به يعلمون مباشرة من أين أتت المعلومات. وتعتبر سهولة التعرف على المبلغ عاملا أساسيا في إحجام النزلاء عن الإبلاغ عن أي انتهاك. إذ يخشى المعتقل من الانتقام منه باستهدافه هو أو أفراد أسرته من جانب العاملين بالسجن أو غيرهم من الجهات التابعة للدولة، وله في هذا الخوف ما يبرره.

كما أن المنظمات التي تقوم بالرصد، الدولية منها والمحلية، كثيرا ما تلاقي الصعاب في الوصول إلى المعتقلات. فكثيرا ما كانت عملية الرصد التي تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سجن أبو غريب بالعراق تحبطها إجراءات العاملين بالسجن. وفي إبريل/نيسان 2004 أوقفت اللجنة زياراتها إلى بعض المعتقلات الأردنية لمدة ثلاثة أشهر "بسبب مشاكل في الاتصال بمعتقلين بعينهم".

كما تتعرض جماعات الرصد المحلية بصفة خاصة للترهيب من جانب حكوماتها، التي كثيرا ما تسيطر عليها عبر قوانين التسجيل، إن لم يكن عن طريق المضايقات الصريحة أو أسوأ من ذلك. ففي كثير من البلدان التي يستخدم فيها التعذيب، مثل ليبيا وسوريا وأوزبكستان واليمن، تفتقر المنظمات المحلية إلى القدرات اللازمة لإجراء الرصد الفعال بغرض المتابعة، ويُمنع المراقبون الدوليون المستقلون بصفة روتينية من الوصول إلى المعتقلات.

معظم الدول المستقبلة دول عربية أو إسلامية. فهل تقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن هذه الحكومات ليست بطبيعتها جديرة بالثقة؟

كلا. فكثير من الحكومات في شتى أنحاء العالم تستخدم التعذيب، بما في ذلك بعض الحكومات المرسلة كالولايات المتحدة وروسيا. وعلى الرغم من مرور عقود من الجهود الدولية للقضاء على التعذيب وسوء المعاملة، فلا تزال هذه المعاملة شائعة في كثير من البلدان بغض النظر عن طبيعتها الدينية أو الثقافية. ويبين آخر تقرير للمقرر الخاص المعني بالتعذيب التابع للأمم المتحدة وجود مزاعم التعذيب في عشرات من البلدان حول العالم. ومن المهم أيضا التأكيد على أن أي حكومة تمارس التعذيب وسوء المعاملة تنتهك القانون الدولي، مثلها في ذلك مثل أي حكومة ترسل أي شخص إلى حيث يكون عرضة لخطر التعذيب.

هل يمكن أن تكون الضمانات الدبلوماسية سبيلا إلى تحسين سجل الدولة فيما يتعلق بالتعذيب؟

كلا. فالحكومات لا تسعى للحصول على الضمانات الدبلوماسية بهدف تحسين سجل دولة ما فيما يتعلق بالتعذيب، بل تبتغي من وراء ذلك إبعاد الأجانب غير المرغوب فيهم إلى بلدان قد يتعرضون فيها لانتهاكات خطيرة.

إن الدول المستقبلة التي تقدم الضمانات الدبلوماسية ملزمة بعدم تعذيب المعتقلين أو إساءة معاملتهم، ومعظم هذه الدول صادقت على معاهدات ملزمة قانونا متعهدة بالامتناع عن هذه الانتهاكات. وفي ضوء ذلك، قال المقرر الخاص المعني بالتعذيب التابع للأمم المتحدة في أغسطس/آب 2005 إن الضمانات الدبلوماسية "لذلك لا توفر أي حماية إضافية للمبعدين".

وجدير بالدول التي وطدت العزم على القضاء على التعذيب أن تحرص على تشجيع الحكومات التي تمارس الانتهاكات على الوفاء بالتزاماتها القائمة لمنع سوء المعاملة، عن طريق اتخاذ تدابير فعالة على مستوى مختلف أجهزتها ونظمها، وفي شتى أنحاء البلاد، للقضاء على التعذيب وغيره من صور الانتهاك ضد جميع الأشخاص. أما الاعتماد على الاتفاقات الثنائية غير الملزمة، من قبيل الضمانات الدبلوماسية، فيقوض من مصداقية وسلامة المعايير القانونية الملزمة عالميا ونظم تطبيقها. أي أن الدول تختار في واقع الأمر "التحلل" من نظام التنفيذ الدولي لهذه المعايير عن طريق التفاوض على ضمانات دبلوماسية ثنائية غير ملزمة، الأمر الذي يحدث ثغرة ضارة في الإشراف والمحاسبة على التعذيب بمختلف ألوانه. إن استخدام الضمانات الدبلوماسية لا يشير إلى أي تقدم على صعيد القضاء على التعذيب، بل هو بمثابة خطوة ضارة إلى الوراء.

تقول الحكومة الأمريكية إنها تسعى دوماً للحصول على ضمانات عند وجود خطر لتعرض شخص ما للتعذيب؛ فهل هذا يجعل عمليات الترحيل التي تقوم بها الولايات المتحدة قانونية؟

كلا؛ فالولايات المتحدة تستخدم الضمانات الواقية من التعذيب في طائفة متنوعة من الظروف؛ ولكن أياً كان السياق الأساسي الذي تسعى في إطاره للحصول على مثل هذه الضمانات، فإن إعادة الأشخاص إلى حيث قد يواجهون خطر التعذيب هو أمر غير قانوني في جميع الأحوال؛ وعلاوة على هذا، فإن أي شخص عرضة لأي نوع من الترحيل من الولايات المتحدة بناء على ضمانات دبلوماسية ليس بمقدوره الطعن في إمكانية التعويل على هذه الضمانات أو كفايتها أمام القضاء.

وأحياناً ما تسعى الولايات المتحدة للحصول على ضمانات في إطار قانوني، بما في ذلك الترحيل بموجب قوانين الهجرة الأمريكية أو إجراءات تسليم المتهمين. كما تتخذ الحكومة الأمريكية الضمانات الدبلوماسية مبرراً لترحيل الأفراد خارج إطار القانون، ولا سيما في إطار ما يسمى "الترحيل الاستثنائي" للمشتبه في تورطهم في الإرهاب إلى حكومات من المعهود عنها استخدام التعذيب كي تتولى التحقيق معهم. وفي عدد من حالات مثل هذا الترحيل، تعرض للتعذيب أشخاص رحلتهم الولايات المتحدة بناء على تلك الضمانات، ومن بينهم ماهر عرار (من الولايات المتحدة عبر الأردن إلى سوريا)، وأبو عمر (من إيطاليا إلى مصر)، وأحمد عجيزة (من السويد إلى مصر).

وفي سعيها لإعادة المعتقلين من خليج غوانتانمو إلى أوطانهم أو نقلهم إلى بلدان أخرى، تزعم السلطات الأمريكية أنها تسعى دوماً للحصول على ضمانات من الحكومة التي تستقبلهم بأن يلقوا معاملة إنسانية. غير أن بعض المعتقلين السابقين في سجن خليج غوانتانمو الذين أعيدوا إلى أوطانهم تعرضوا في الواقع لسوء المعاملة (انظر ماورد آنفاً بشأن المعتقل الروسي)، وأودع بعض المعتقلين اليمنيين رهن الاعتقال لأجل غير مسمىً منذ إعادتهم إلى اليمن.

وتقول الحكومة الأمريكية إنها تسعى، كلما اقتضت الضرورة، للحصول على ضمانات للمعاملة الإنسانية للمعتقلين قبل نقلهم، ولكنها تعترف بأنه لا سيطرة لها على ما يحدث للمعتقل بعد ترحيله. بل إن مايكل شوير، وهو الرجل الذي بدأ برنامج الترحيل الاستثنائي الذي تنفذه الحكومة الأمريكية وقام بإدارته، وصف الضمانات الدبلوماسية بأنها لا تعدو أن تكون "تفصيلاً قانونياً" لاستيفاء شروط المحامين الحكوميين. وكانت الولايات المتحدة محل انتقاد من الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا ولجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان، وجهات أخرى، بسبب سياساتها التي تجيز استخدام الضمانات الدبلوماسية في الحالات التي قد يتعرض فيها الأفراد المعنيون لخطر التعذيب.

هل الاتفاقات التي تتوسط فيها الحكومة البريطانية، والتي تسمى "مذكرات التفاهم"، أفضل من الضمانات الدبلوماسية العادية؟

كلا؛ فليست"مذكرة التفاهم" سوى اسم آخر للضمانات الدبلوماسية، وقد أبرمت المملكة المتحدة "مذكرات تفاهم" مع الأردن، وليبيا، ولبنان، للسماح بترحيل الأشخاص المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب أو ترحيلهم بسبب أخطار تهدد الأمن القومي، استناداً لضمانات بتلقيهم معاملة إنسانية لدى عودتهم. وتشتمل هذه المذكرات على ترتيبات للرقابة في مرحلة ما بعد الإعادة، وهو ما تزعم الحكومة البريطانية خطأً أنه يشكل ضمان إضافي للحماية (انظر القسم الخاص بالرقابة بعد الإعادة أعلاه). ولكن لا الطابع الشامل لهذه الاتفاقات ولا كونها ممهورة بتوقيعات المسؤولين من الحكومتين يمت بأي صلة لجدوى الوعود المقطوعة فيها. فهي ليست معاهدات، ولا تنشئ تعهدات ملزمة للأطراف المعنية، وليس لها أي مفعول قانوني.

وأول دعوى طعن في"مذكرة تفاهم" ينظرها القضاء البريطاني هي الدعوى التي رفعها عمر عثمان (المكني بأبي قتادة)، وهو أحد المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب، ومهدد بالإعادة إلى الأردن؛ وقد نُظرت الدعوى في مايو/أيار 2006، وساق محاموه الحجج على أنه سوف يكون عرضة لخطر التعذيب، وربما الترحيل الثانوي إلى الولايات المتحدة، والمحاكمة الجائرة، في حال إعادته إلى الأردن، بالرغم من الضمانات الدبلوماسية من الحكومة الأردنية. ومن المتوقع صدور حكم القضاء قبل نهاية عام 2006.

وفي مايو/أيار 2006، خلصت اللجنة البرلمانية المشتركة لحقوق الإنسان في بريطانيا إلى أن "الضمانات الدبلوماسية من قبيل تلك المزمع الاتفاق عليها بموجب مذكرة تفاهم مع الأردن وليبيا ولبنان تنطوي على خطر جسيم لتعرض  الأفراد للتعذيب في الواقع، مما يؤدي إلى إخلال المملكة المتحدة بالتزاماتها".

ما هو سجل كندا بشأن الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب؟

فضلاً عن دور كندا في اعتقال ماهر عرار، ثم قيام الولايات المتحدة بنقله إلى سوريا بناء على هذه الضمانات، فقد سعت الحكومة الكندية ذاتها وحصلت على ضمانات دبلوماسية في عدد من الحالات؛ إذ سعت السلطات، مثلاً، للحصول على ضمانات دبلوماسية بغية ترحيل خمسة رجال عرب باعتبارهم خطراً يهدد الأمن القومي. ويخضع هؤلاء الأشخاص لـ"وثائق أمنية" من شأنها في الواقع الفعلي أن تسمح باعتقالهم لأجل غير مسمى استناداً لأدلة سرية ريثما يتم ترحيلهم إلى بلدان قد يواجهون فيها خطر التعذيب وسوء المعاملة.

وتعترف الحكومة الكندية بأن الضمانات ضد سوء المعاملة غير جديرة بالثقة في بعض الحالات، ولكنها تزعم أن بمقدورها رغم ذلك ترحيل الأشخاص المعنيين بموجب قرار صادر عن المحكمة العليا الكندية في يناير/كانون الثاني 2002 (قضية سوريش)، ويسمح بترحيل الأشخاص إلى حيث قد يتعرضون لخطر التعذيب في ظروف استثنائية، إذا كانت مصالح الأمن القومي تفوق من حيث الأهمية بواعث القلق بشأن سلامة المعتقل.

وقد نددت الأمم المتحدة وغيرها بكندا أشد التنديد لأنها سمحت باستثناء للتحريم المطلق لإعادة أي شخص إلى حيث قد يواجه خطر التعذيب من خلال نظام المحكمة العليا الكندية؛ ولم يتم حتى الآن ترحيل أحد من الرجال الذين صدرت بحقهم وثائق أمنية، ولا تزال بعض قضاياهم قيد الاستئناف حالياً أمام المحكمة العليا.

وقد حصلت كندا هي الأخرى على ضمانات في حالات عادية للجوء والترحيل؛ وفي مايو/أيار 2006، أوقفت المحكمة الكندية الفيدرالية ترحيل لاي تشيونغ سينغ الذي اتهمته السلطات الصينية بالتهريب والرشوة. وعرضت الحكومة الصينية ضمانات دبلوماسية بعدم إعدامه أو تعذيبه، بالرغم من أن المتهمين معه في نفس القضية قد أعدموا من قبل، وتعرض أهاليهم لسوء المعاملة. واعترافاً منها بشيوع التعذيب واستخدام عقوبة الإعدام على نطاق واسع في الصين، أمرت المحكمة بوقف ترحيل لاي الوشيك قائلة إن "قضية الضمانات تكمن في صميم النقاش"، وإن هناك احتمالاً جدياً لتعرض حياة لاي أو سلامته للخطر إذا أعيد إلى الصين.

هل حذت أي دول أخرى حذو الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا؟

نعم. هناك قائمة متنامية من حكومات أوروبا وآسيا الوسطى التي سعت أو حصلت على ضمانات من أجل ترحيل أفراد عرضة لخطر التعذيب في حال عودتهم إلى أوطانهم. وكانت أفعال الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا هي التي شجعت بعض هذه الدول على الأقل أو جرأتها على السير في هذا الاتجاه.

ففي أكتوبر/تشرين الأول 2002، على سبيل المثال، أقدمت الحكومة الجورجية على تسليم مجموعة متهمين من الشيشان إلى روسيا، بناء على ضمانات بتلقيهم معاملة إنسانية من السلطات الروسية، وبالرغم من طلب المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بعدم ترحيل هؤلاء الأشخاص ريثما تقوم المحكمة بإعادة النظر في قضاياهم.

كذلك عرضت الحكومة الأوزبكية ضمانات دبلوماسية على السلطات القرغيزية من أجل الإعادة القسرية للاجئين الأوزبك المتهمين بالمشاركة في مظاهرة الاحتجاج والانتفاضة التي وقعت في أنديجان في مايو/أيار 2005، والتي سحقتها قوات الحكومة  الأوزبكية، وقتلت آنذاك المئات من المتظاهرين العزل أثناء محاولتهم الفرار من المظاهرة؛ ويمارس التعذيب بصورة منهجية في أوزبكستان، وقد دأبت السلطات على نفي الادعاءات المتعلقة بسوء المعاملة.

وهذا الاتجاه أثار القلق في شتى أنحاء العالم من أن الاستخدام المتزايد للضمانات الدبلوماسية يقوض بشكل منظم الحظر المفروض على ترحيل الأشخاص إلى حيث قد يتعرضون لخطر التعذيب.

ماذا تقول الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بشأن الضمانات الدبلوماسية؟

هناك إجماع واسع بين الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان على أن الضمانات الدبلوماسية لا توفر  أداة فعالة للوقاية من التعذيب وسوء المعاملة.

وقد نددت لويس أربر، المفوضة السامية لحقوق الإنسان، بـ"الإجراء المريب" المتمثل في السعي للحصول على ضمانات دبلوماسية، إذ قالت في مارس/آذار 2006 "إنني اتفق بقوة مع الرأي القائل بأن الضمانات الدبلوماسية لا تؤدي مفعولها لأنها لا توفر حماية كافية من التعذيب وسوء المعاملة".

كما ندد مانفريد نواك، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، بهذا الأسلوب في أغسطس/آب 2006، حيث قال إنه يعكس نزوعاً من جانب الدول "... نحو الالتفاف على الالتزام الدولي بعدم ترحيل أحد إذا كان هناك خطر جدي في تعرضه للتعذيب".

أما توماس هامربرغ، مفوض مجلس أوروبا المعني بحقوق  الإنسان، فقد كتب في يونيو/حزيران 2006 قائلاً إن الضمانات الدبلوماسية "ليست جديرة بالتصديق، وقد ثبت أيضاً أنها غير فعالة في حالة موثقة توثيقاً جيداً. فقد انتهكت الحكومات المعنية معايير دولية ملزمة من قبل، ومن الخطأ البين تعريض أي شخص لخطر التعذيب على أساس تعهد أقل جدية باسثناء حالة فردية".

وفي يونيو/حزيران 2006، دعت لجنة برلمانية أوروبية خاصة أنشئت للتحقيق في التواطؤ الأوروبي في عمليات الترحيل الاستثنائي والاعتقال غير المشروع للمشتبه في ضلوعهم في الإرهاب من قبل الحكومة الأمريكية – دعت "الدول الأعضاء [في الاتحاد الأوروبي] إلى أن ترفض رفضاً باتاً الاعتماد على الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب...".

وفي مايو/أيار 2005، ذكرت شبكة الخبراء المستقلين المعنيين بالحقوق الأساسية، في الاتحاد الأوروبي، أن "الموقف الوحيد المقبول بمقتضى القانون الدولي" هو أن "الدول لا يجوز لها اللجوء إلى الضمانات الدولية باعتبارها ضمانة واقية من التعذيب وسوء المعاملة حيثما تكون ثمة أسباب جوهرية تدعو إلى الاعتقاد بأن شخصاً ما سوف يكون عرضة لخطر التعذيب أو سوء المعاملة لدى إعادته".

وفي يونيو/حزيران 2006، خلص ديك مارتي، عضو مجلس الشيوخ السويسري المكلف من الجمعية البرلمانية بمجلس أوروبا بالتحقيق في ضلوع الدول الأوروبية في عمليات "الترحيل الاستثنائي" ومواقع الاعتقال السري المحتملة – خلص إلى أن "الاعتماد على مبدأ الثقة وعلى الضمانات الدبلوماسية التي تقدمها الدول غير الديمقراطية المعهود عنها عدم احترام حقوق الإنسان هو بكل بساطة سلوك يتسم بالجبن والنفاق".

وفي يوليو/تموز 2006، اعتمدت لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان قراراً يدعو الولايات المتحدة إلى إغلاق سجن خليج غوانتانمو، و"عدم اتخاذ الضمانات الدبلوماسية وسيلة للالتفاف على التزام [الولايات المتحدة] بمبدأ عدم الرد أو الطرد".

إذا لم تكن الضمانات الدبلوماسية  كفيلة بحماية شخص ما من التعذيب، فلماذا لا تحظرها المحاكم؟

لقد خلصت المحاكم الوطنية والإقليمية، فضلاً عن بعض هيئات رصد تنفيذ المعاهدات بالأمم المتحدة من دراستها للحالات الفردية، إلى أن الضمانات الدبلوماسية ليست وسيلة فعالة للوقاية من التعذيب وسوء المعاملة.

ففي هولندا والمملكة المتحدة و كندا، على سبيل المثال، أوقفت المحاكم عمليات التسليم والترحيل اعتماداً على الضمانات، حيث قضت بأن هذه  الضمانات لا توفر حماية كافية من التعذيب. وفي عام 1996 قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية شاهال ضد المملكة المتحدة بأن إعادة ناشط سيخي إلى الهند تنتهك التزام المملكة المتحدة المطلق بعدم إعادة شخص إلى حيث يواجه خطر التعذيب، بالرغم من الضمانات الدبلوماسية التي قدمتها الحكومة الهندية. ولا تزال قضية شاهال هي المعيار المعمول به في أوربا، مما يؤكد الطابع المطلق لتحريم إعادة شخص إلى حيث قد يواجه خطر التعذيب،  بغض النظر عن الجريمة المشتبه في ضلوعه فيها. ( كثيراً ما  تستشهد الحكومات بقضية نظرتها المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في عام 2005 لتسويغ جواز التعويل على هذه الضمانات، وهي قضية محمد كولوف وعسكروف ضد تركيا، بيد أن القضية لم تتناول تلك المسألة، وبذلك تظل قضية شاهال هي المعيار المعمول به في أوروبا.)

ولكن المحاكم الأمريكية، بكل أسف، ما زالت ترفض النظر في أي دعاوى  تطعن في التعويل على  الضمانات  الدبلوماسية، مقررة بأن هذه القضايا هي أمور ترجع إلى السلطة التنفيذية. والآن يستأنف ماهر عرار وخالد المصري ضد قرارات إحدى المحاكم الابتدائية على هذا الأساس؛ ويعتزم  محامو بعض المحجتزين بموجب وثائق أمنية في كندا (انظر ما تقدم) الطعن في استخدام الضمانات الدبلوماسية في الجلسات القضائية القادمة. 

إذا لم تستطع الحكومات إبعاد المشتبه بتورطهم في أعمال إرهابية بسبب خطر التعرض للتعذيب، فكيف يفترض أن تتعامل مع الأجانب الذين يحتمل أن يكونو خطرين؟ 

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في نيويورك وواشنطن، وقعت  أعمال إرهابية في كل من مصر والعراق وإسرائيل والهند وإندونيسيا والأردن وروسيا والمملكة العربية السعودية وإسبانيا وتركيا والمملكة المتحدة، وبلدان أخرى. وهذه الهجمات تؤكد جدية الخطر الذي ينطوي عليه الإرهاب، لذا فإن من واجب الحكومات أن تتخذ إجراءات فعالة لحماية السكان في مناطقهم من الموت أو الجروح الخطيرة. ولكن، كما أكد مجلس الأمن في قراره 1456، فإن الدول ملزمة بتنفيذ كافة عمليات مكافحة الإرهاب على نحو يتمشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.

إن الأعمال الإرهابية جرائم خطيرة، ولا بد من تقديم مرتكبيها للمحاكمة وفقاً للضمانات الدولية المعترف بها للمحاكمة العادلة. وكثير من الحكومات تزعم بأنها لا تستطيع محاكمة بعض المحتجزين لأن الأدلة حساسة للغاية والكشف عنها قد يضر بالأمن القومي. ولكن هناك مجالات قانونية عديدة يمكن فيها فحص الأدلة الحساسة على نحو لا يهدد الأمن القومي أو تنفيذ القانون أو العمليات الاستخبارية أو سلامة الشهود والمحلفين ( كما هو الحال مثلاً في قضايا  تهريب المخدرات الدولية والجريمة المنظمة). وليس هناك ما يمنع الاعتماد على هذه الإجراءات في محاكمة المشتبه في تورطهم في الإرهاب.

أما ترحيل الأجانب المشتبه بهم إلى بلدان يمكن أن يواجهوا فيها خطر التعذيب أو سوء المعاملة فهو أمر غير مقبول هو الآخر. فمثل هذه الإعادة تنطوي على انتهاك للقانون الدولي، حتى حينما تُطلب ضمانات دبلوماسية بشأن هؤلاء الأشخاص؛ أضف إلى ذلك أن ترحيل المشتبه في تورطهم في أعمال إرهابية إلى دول أخرى قد ينقل هذا الخطر من دولة إلى أخرى. صحيح أن تقديم هؤلاء المسؤولين للقضاء كثيراً ما يكون أمراً معقداً يستغرق وقتاً طويلاً، ولكنه يسمح للدول بالتصدي لهذا الخطر دونما تقويض لسيادة القانون أو تفريط في التحريم العالمي للتعذيب.

ألا يرغب بعض المحتجزين الأجانب في العودة إلى بلادهم بالرغم من خطر تعرضهم للتعذيب؟

بعض المحتجزين في المملكة المتحدة وفي خليج غوانتانمو قرروا إما التخلي عن دعواهم بأنهم سوف يتعرضون للتعذيب إذا عادوا أو عدم إثارة تلك المخاوف، مفضلين على ذلك الإبعاد أو الترحيل إلى بلدانهم الأصلية، بالرغم من خطر تعرضهم لسوء المعاملة حال عودتهم. 

ففي المملكة المتحدة، كتب عدد من الجزائريين المحتجزين منذ نحو  أربع سنوات لصحيفة الغارديان في إبريل/نيسان 2006 قائلين إنهم يفضلون الذهاب إلى بلدهم على أن يكابدوا الحجز الطويل الأمد لأجل غير محدد؛ وأضافوا قائلين:  "نحن نعرف أننا سوف نواجه التعذيب في بلدنا الأصلي ولكن بعضنا توصل إلى قرار مفاده أن الموت السريع أفضل من الموت البطيء الذي نشعر بأننا نقاسيه هنا." وبالمثل، فإن كثيراً من المحتجزين في خليج غوانتانامو قد صرحوا بأنهم يفضلون المعاناة في سجون بلدانهم على أن يظلوا إلى ما لا نهاية في حجز السلطات الأمريكية.

ونظراً لهذا "الخيار" بين الحجز لأجل غير مسمى من ناحية – والذي كثيراً ما يكون مصحوباً بشروط تقييدية للغاية أو ظروف تنطوي على انتهاك حقوق المعتقلين – وبين الترحيل والتعرض لخطر التعذيب من ناحية أخرى، فإن قرار العودة لا يمكن اعتباره طوعياً بالمعنى الحقيقي للكلمة.  

November 2006