Skip to main content

لبنان: قوانين القدح والذم لإسكات المنتقدين

استجواب الآلاف في قضايا تشهير بعد مظاهرات 2015

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته اليوم إن السلطات اللبنانية زاد اعتمادها على قوانين القدح والذم والتحقير لإسكات الصحفيين، والنشطاء، وآخرين ممن ينتقدون سياسات الحكومة والفساد.

يجد التقرير الصادر في 99 صفحة، بعنوان "الحكي عليه جمرك: تجريم التعبير السلمي  في لبنان"، أن الشخصيات السياسة والدينية النافذة ازداد استخدامها للقوانين الجزائية التي تجرم القدح والذم والتحقير

ضد من يثير اتهامات بالفساد ويتحدث عن تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد. الإدانة بموجب هذه القوانين قد تؤدي إلى السجن حتى ثلاث سنوات. ينبغي لـ "مجلس النواب" بشكل عاجل أن يلغي القوانين التي تجرم التعبير، ومنا ما يعود إلى الحقبة العثمانية أو حقبة الانتداب الفرنسي.   

قال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "قوانين القدح والذم الجزائية  هي سلاح فتاك بيَد من يريد إسكات الانتقاد والنقاش بشأن القضايا الاجتماعية والحقوقية الملحة. في هذه المرحلة المفصلية، ينبغي للمسؤولين اللبنانيين حماية حرية التعبير وليس خنقها".  

خلال العام الفائت، قابلت هومن رايتس ووتش 42 متهما ومحاميا في قضايا تشهير جزائية، بالإضافة إلى مسؤولين حكوميين وقادة في المجتمع المدني. أفاد معظم المتهمين بأنهم يمارسون الرقابة الذاتية بعد عيشهم تجارب مرعبة نتيجة قضايا التشهير.

في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، خرج الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج على ضرائب جديدة. سرعان ما تطورت الاحتجاجات إلى غضب شعبي واسع ضد السلطة السياسية بأكملها، التي يلومها المتظاهرون على الوضع الاقتصادي المتدهور والفساد المستشري. تعاني البلاد من نقص في الدولار، مع تداعيات خطيرة على القدرة على استيراد السلع الضرورية، بما فيها الأدوية، والقمح، والوقود.

في 30 سبتمبر/أيلول، أفادت وسائل الإعلام أن مكتب رئيس الجمهورية أصدر بيانا يفيد بأن أولئك الذين يقومون بـ "بث وقائع أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق النقد الوطنية، أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الأسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة" قد يواجهون عقوبة "تصل إلى السجن ثلاث سنوات وغرامات مالية".

في 1 أكتوبر/تشرين الأول، استدعى "مكتب الجرائم الإلكترونية"، وهو وحدة في قوى الأمن الداخلي، الصحفي في موقع "مستقبل ويب" عامر الشيباني لاستجواب دام ثلاث ساعات بعد أن نشر على "تويتر" أن مصرفه لا يسلم الزبائن دولارات. "طلب" مسؤولو الأمن حذف تغريدته، وهو ما فعله. في 5 أكتوبر/تشرين الأول، تقدم أربعة محامين لبنانيين بشكوى ضد مجلة "إيكونومست"، متهمين إياها بإلحاق الأذى بسمعة لبنان وتحقير العلم اللبناني في تقريرها عن نقص الدولار.

أحد مطالب المحتجين الرئيسية كان محاسبة المسؤولين عن الفساد. ردا على ذلك، يستخدم المسؤولون المتهمون بالفساد قوانين القدح والذم لترهيب منتقديهم. قال الصحفي الاستقصائي رياض قبيسي إن مسؤولا حكوميا رفع على الأقل قضيتَي تشهير ضده، وكان آخرها بعد نشر وثائق وتسجيلات مكالمات ورسائل "واتساب" في 31 أكتوبر/تشرين الأول، والتي قال إنها تورط المسؤول في ممارسات فاسدة. وبعد ذلك، اتهمت النيابة العامة المسؤول بإهدار الأموال العامة بناءً على أدلة قبيسي.

بعد الاحتجاجات الجماهيرية العام 2015، شهد لبنان زيادة مقلقة في الهجمات على التعبير السلمي. فتح مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية 3,599 تحقيقا في ادعاءات تشهير بين يناير/كانون الثاني 2015 ومايو/أيار 2019. تشير الأرقام التي زود بها المكتب هيومن رايتس ووتش إلى ارتفاع بنسبة 325% في عدد قضايا التشهير المتعلقة بالتعبير عبر الإنترنت بين 2015 و2018. وتتوافق هذه الزيادة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وخيبة الأمل الشعبية بسبب الفساد وسوء إدارة المال العام. 

أدانت المحاكم الجنائية ثلاثة أشخاص على الأقل وحكمت عليهم بالسجن بتُهم التشهير في هذه الفترة. أحدهم حصل على تسعة أحكام بالسجن تتراوح بين شهرين وستة اشهر في قضايا جزائية مختلفة رفعها ضده سياسي واحد. وأصدرت محكمة المطبوعات على الأقل حكما واحدا بالحبس خلال الفترة نفسها، وأصدرت المحكمة العسكرية ثلاثة أحكام، منها اثنان نُقضا في الاستئناف.

رغم أن معظم هذه الأحكام صدرت غيابيا وعددا قليلا من الأشخاص قضوا بالفعل محكوميتهم، وجدت هيومن رايتس ووتش أن هيئات الادعاء والأمن أخافت، بشكل غير لائق وأحيانا غير قانوني، أفرادا متهمين بهذه القضايا وحاولت إسكاتهم. في أربع حالات على الأقل، أوقف عناصر مسلحون المتهمين بالتشهير بطريقة عنيفة وإلى حد كبير لا تتناسب مع جريمتهم المزعومة. في إحدى الحالات، اقتحم حوالي عشرة عناصر أمن مكاتب موقع "درج" الإعلامي وأوقفوا رئيس التحرير والمؤسس الشريك حازم الأمين بسبب دعوى تشهير. قال الأمين لـ هيومن رايتس ووتش: "طريقة قيادتهم في الشارع، مع صفارات الإنذار والموكب، كانت كما لو أنهم اعتقلوا أبو بكر البغدادي [زعيم "داعش"]."

تحدث الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات عن استخدام أساليب استجواب جسدية ونفسية اعتقدوا أن المحققين أرادوا بها إذلالهم ومعاقبتهم وردعهم عن نشر أي محتوى قد يكون مهينا أو منتقدا لأصحاب النفوذ في البلاد. قال المتهمون أن المحققين بحثوا في هواتفهم وتفحصوا حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، أحيانا بدون أمر قضائي.

كما ضغط محققون على أشخاص ليوقعوا تعهدات بعدم انتقاد المدعي مستقبلا، أو بإزالة المحتوى المهين فورا، قبل أن يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم أمام المحكمة، وفي بعض الحالات، بدون حتى أن توجه إليهم أي تهمة. أمضى تسعة أشخاص قابلتهم هيومن رايتس ووتش وقتا في الحبس الاحتياطي، في إحدى الحالات 18 يوما، بتهم تشهير.

شعر بعض الأشخاص الذين حُقِق معهم بتهم التشهير بأنهم مجبورون على نفي أنفسهم إلى الخارج لخوفهم من الاعتقال أو المضايقة. خسر آخرون وظائفهم ووجدوا صعوبة بإيجاد وظيفة جديدة. تركت الغرامات والعقوبات الأخرى أثرا كبيرا على متهمين عدة والمطبوعات التي يعملون لصالحها.

يكفل دستور لبنان حرية التعبير "ضمن دائرة القانون"، لكن قانون العقوبات اللبناني يجرم القدح والذم والتحقير ضد المسؤولين العموميين ويجيز الحبس حتى سنة. كما يجيز قانون العقوبات الحبس حتى سنتين لإهانة الرئيس وحتى ثلاث سنوات لإهانة الشعائر الدينية. ويجرم قانون القضاء العسكري تحقير العلم أو الجيش ويعاقب عليها بالحبس حتى ثلاث سنوات.

يناقش البرلمان قانون إعلام جديد يعدّل أحكام التشهير الموجودة المتعلقة بالمحتوى المنشور. رغم أن القانون المقترح يمنع الاحتجاز قبل المحاكمة لكافة جرائم النشر، والمنشورات على وسائل التواصل الإجتماعي ضمنا، لكنه لا يلغي الأحكام بالسجن للتشهير المزعوم، وفي بعض الحالات يرفع من عقوبة السجن والغرامات.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للبرلمان ضمان أن يحترم قانون الإعلام الجديد المعايير الحقوقية العالمية. لا تتوافق القوانين التي تجيز الحبس لانتقاد أفراد أو مسؤولين حكوميين مع التزامات لبنان الدولية بحماية حرية التعبير. كما ينبغي للبرلمان إلغاء أحكام التشهير في قانون العقوبات واستبدالها بأحكام مدنية.

قال ستورك: "بينما يبدأ لبنان عملية مضنية لمعالجة أزمته الاقتصادية ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، فإن قوانينه يجب أن تحمي الأشخاص الذين يفضحون الفساد وسوء السلوك. لتحقيق هذه الغاية، ينبغي للبرلمان إلغاء تجريم التشهير على وجه السرعة".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع

الأكثر مشاهدة