Skip to main content

 

الجزائر العاصمة، 15 مارس/آذار 2019.  © 2019 أحمد بن شمسي/هيومن رايتس ووتش

"العجائز لا بلد لهم".

في 15 مارس/آذار في الجزائر العاصمة، رفعت متظاهرة شابة لافتة تحمل عنوان هذه الرواية الأمريكية التي تحولت إلى فيلم سينمائي ناجح، في رفض حاذق لـ "Le Pouvoir (السلطة)"، وهي عبارة محلية يُقصد بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (82 عاما)، وفريق من صنّاع القرار، معظمهم من الأكبر سنا، المحيطين به.

لعلها ليست وحدها في التعبير عن هذا الرأي. منذ 22 فبراير/شباط، احتل الجزائريون الشوارع كل يوم جمعة للاحتجاج على رئيس الدولة الذي يعتقدون أن حالته البدنية لا تسمح له بالقيام بمسؤولياته منذ تعرضه لجلطة دماغية عام 2013. لم يُشاهَد بوتفليقة وهو يتحدث علنا منذئذ، وتُركت أعمال الحكم الفعلية لمجموعة غامضة من سماسرة السلطة. العديد من الجزائريين في سنها لم يعرفوا أي رئيس آخر غير بوتفليقة، الذي انتُخب لأول مرة في 1999. وفي 2014، فاز بأغلبية ساحقة، على الأقل رسميا، على الرغم من أنه لم يستطع القيام شخصيا بحملة انتخابية - وفي غيابه، رفع مساعدوه صورته.

"العجائز لا بلد لهم". الجزائر العاصمة، 15 مارس/آذار 2019.  © 2019 أحمد بن شمسي/هيومن رايتس ووتش

غلى الإحباط والغضب اللذان يشعر بهما العديد من الجزائريين أمام هذا الموقف الغريب في وقت سابق من هذا العام، عندما أعلنت رسالة نُسبت إلى بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة في الانتخابات المقررة في 18 أبريل/نيسان. في أعقاب سلسلة من المظاهرات الضخمة، في 8 مارس/آذار، أعلنت رسالة أخرى منسوبة إلى الرئيس أنه سيتخلى عن سعيه إلى ولاية رئاسية جديدة، لكنه أجّل الانتخابات إلى ما بعد "حوار وطني" في وقت لاحق هذا العام.

لم تُقنع خطة الرئيس الجديدة الشارع. كُتب على إحدى اللافتات، "أردنا انتخابات بدون بوتفليقة، فحصلنا على بوتفليقة بدون انتخابات". لم يسترجع الجزائريون حقهم في الاحتجاج فحسب، بل فعلوا ذلك بطريقة سلمية وبروح الدعابة، ما أوحى للصحفيين بتسميتها "ثورة الابتسامة". جاء رفض الشارع المدوي لخطة الرئيس في شكل أكبر احتجاج منذ استقلال البلاد عام 1962. إذ لم تتركز المطالب على تنحي بوتفليقة فحسب، بل أيضا على إزاحة "أصحاب القرار"، غير المنتخبين الذين يُعتقد على نطاق واسع أنهم يحكمون باسم بوتفليقة وسمحوا بازدهار الفساد. أشار مراقبون محليون إلى مليون متظاهر في الجزائر العاصمة وحدها، رغم أن هذا في أحسن الأحوال مجرد تخمين.

حتى فبراير/شباط، فرضت السلطات حظرا بحكم الأمر الواقع على المظاهرات في العاصمة منذ 2001. وكانت الشرطة تستخدم البطش لتفريق حتى بضع عشرات من الأشخاص الذين تجرأوا على التجمع لمعارضة ولاية خامسة لبوتفليقة، أو حتى المطالبة بإصلاح نظام الطبابة. بينما تغمر الجزائر العاصمة حشود ضخمة لا يمكن احتواؤها، من الواضح أن الحكومة اقتنعت أن إنفاذ حظرها – وهو انتهاك واضح للحق في الاحتجاج – أصبح الآن غير وارد.

بالفعل، في 15 مارس/آذار، رأيت فقط بضع مئات من رجال شرطة مكافحة الشغب في ساحتي موريس أودان والبريد المركزي في وسط المدينة. لكن في الأولى، سرعان ما اضطروا إلى السماح للأشخاص بالمرور نحو شارع محمد الخامس لفتح السير في الدوّار. وفي الأخيرة، رأيت 5 شاحنات شرطة تخرج ببطء شديد من وسط حشد ضخم. بحلول الساعة 4 بعد الظهر، بدا أن قوات الشرطة قد اختفت تماما من القسم في شارع ديدوش مراد الذي يربط بين هاتين الساحتين. فتحت العائلات التي تقطن على طول شارع ديدوش مراد أبوابها أمام الصحفيين والمراقبين الدوليين الذين أرادوا مشاهدة الاحتجاجات من الأعلى. من علو 5 طوابق، تمكنتُ من تصوير حشد مثير للإعجاب يهتف بصوت واحد، "الشعب يريد إسقاط النظام".

لكن، بحلول نهاية اليوم، ظهرت الشرطة من جديد. سمعنا تقارير تفيد بأنهم استخدموا الغاز المسيل للدموع في حي تيليملي، في مرتفعات هذه المدينة المبنية على تل، وذهبنا هناك للتحقق من التقارير. رفقة زميل مراقب حقوقي، دخلنا مبنى حيث كان متطوعو الإسعافات الأولية يساعدون الأشخاص الذين تعرضوا للغاز المسيل للدموع. صعدنا إلى السطح وصوّرنا قوات الشرطة وهي تطلق الغاز المسيل للدموع على حشد صغير من فوق جسر، بينما كان المتظاهرون الصغار يُعيدون رمي عبوات الغاز.

لم أرَ أي دليل على أن الشرطة استخدمت القوة بشكل غير متناسب. نقلت وسائل إعلام محلية مستقلة أن الشرطة حاولت تفريق مجموعة من "الجانحين" الذين كانوا يرشقونهم بالحجارة - وهي رواية دعمها شاهد قابله زميلي المراقب الحقوقي ، لكن نفاها آخرون.

في وقت لاحق من ذلك المساء، وبعد أن تفرقت الحشود إلى حد كبير، بقيت مجموعات من المتطوعين وراءهم لتنظيف الشوارع، في صورة عن المشاركة المدنية التي حدثت مرارا منذ بداية الانتفاضة. بل إن بعض المتطوعين صفّقوا لعربات الشرطة المارة - هنا أيضا، تكرار لمشهد رأيته عدة مرات في الأسابيع الأخيرة في الجزائر العاصمة. سألت أحدهم لماذا كان يُصفق. كان جوابه: "لست متأكدا مما حدث في تيليملي، لكن من المهم لنا أن نُظهر لرجال الشرطة أنهم ليسوا أعداءنا". ذكّرني ذلك بهتاف سمعته في بداية اليوم في ساحة أودان، يُخاطب رجال الشرطة بينما كانوا لا يزالون يحاولون السيطرة على الحشود: "اخلعوا قبعاتكم وانضموا إلينا!"

هل ستستمر روح "الابتسامة"؟ حتى الآن، المواطنون المبتهجون يستمتعون بالربيع الجزائري.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة