Skip to main content
201912MENA_Palestine_photos_AR

شاهد عيان: كيف تقيّد إسرائيل حرية تعبير الفلسطينيين

بعد 52 عاما من بدء الاحتلال، يستمر تجريم الاحتجاج السلمي ورفع الأعلام

فريد الأطرش، مدافع حقوقي، احتُجز لأربعة أيام في 2016 بسبب مشاركته في احتجاج في الخليل ولا يزال يواجه اتهامات في المحكمة العسكرية بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات.  ©2017 آيه إف بي

فريد الأطرش، مدافع حقوقي، احتُجز لأربعة أيام في 2016 بسبب مشاركته في احتجاج في الخليل ولا يزال يواجه اتهامات في المحكمة العسكرية بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات.  ©2017 آيه إف بي

احتجز الجيش الإسرائيلي فريد الأطرش لخمسة أيام. يتمنى لو أنه لم يتأثر إلى تلك الدرجة عندما زجت به السلطات في زنزانة مزدحمة أو عندما نقلته إلى المحكمة في حاوية معدنية ضيقة داخل مركبة عسكرية. فقد احتُجز آلاف الفلسطينيين لفترات أطول وعوملوا معاملة أسوأ، حسبما ما يقول.

اعتُقل فريد في 2016 لمشاركته في مظاهرة. والآن، بعد أكثر من ثلاث سنوات، ما زال ينتظر صدور الحكم من محكمة عسكرية إسرائيلية. يُعاقَب على التهم المتعلقة بالتظاهر بالسجن حتى 10 سنوات. وإذا صدر الحكم ضده، فإن المحامي لحقوق الإنسان البالغ من العمر 42 عاما، وهو أب لثلاثة أطفال، سيجد نفسه وراء القضباء مجددا.

فريد ليس الوحيد الذي عقوبة السجن لتعبيره عن رأيه بحرية في الضفة الغربية.

منذ أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية العام 1967، حكمتها استنادا إلى الأوامر العسكرية التي صدرت في تلك الأيام الأولى. وبموجب تلك الأوامر، جرد الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين من الحمايات الأساسية للحقوق المدنية، واعتقل الصحفيين الفلسطينيين والناشطين وغيرَهم لتعبيرهم، ونشاطهم، وانتماءاتهم السياسية المناهضة للاحتلال. وحتى لو كانت هذه القيود مبررة بحجة الأمن في الأيام الأولى للاحتلال، فلا يمكنها أن تكون مقبولة بعد أكثر من خمسة عقود.

بدلا من ذلك، على إسرائيل أن تمنح فلسطينيي الضفة الغربية حماية كاملة لحقوقهم الإنسانية، على قدم المساواة مع الحقوق التي تمنحها لمواطنيها. يطالب قانون الاحتلال إسرائيل بإعادة "الحياة العامة" للسكان الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال. كلما طال أمد الاحتلال، كلما كان ينبغي للحكم العسكري أن يشبه نظام حكم اعتيادي. بعد 52 عاما من الاحتلال دون نهاية مرتقبة، على إسرائيل أن تسمح للفلسطينيين بعيش حياة عامة وسياسية طبيعية أكثر، بما في ذلك حماية حقهم في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات.

لكن بحسب تقرير"هيومن رايتس ووتش" الجديد، "بلا حقوق منذ الولادة"، فإن ذلك بعيد كل البعد عن الواقع.

فريد، المولود في بيت لحم، لطالما رفع صوته ضد الاحتلال الإسرائيلي. ورغم كونه معروفا في أوساط حقوق الإنسان، إلا أنه رجل رقيق الصوت ويحب العمل وراء الكواليس. وبصفته محاميا يعمل مع "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان"، وهي هيئة شبه رسمية تابعة للسلطة الفلسطينية، فهو يوثق انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطة الفلسطينية وإسرائيل في الضفة الغربية ويدعو إلى التغيير.

نشأ فريد في مخيم للاجئين في بيت لحم، ورأى الجنود  يقتحمون المخيم باستمرار وينفذون حملات اعتقال جماعية، بحسب ما روى لـ هيومن رايتس ووتش. اعتقلت القوات الإسرائيلية جده ووالده وأعمامه لمشاركتهم في مظاهرات، وفي 2003، أطلقت النار على شقيقه الأصغر وأصابته في النخاع الشوكي أثناء مظاهرة، ما أصابه بشلل نصفي.

اقتنع فريد بأن على الفلسطينيين النضال من أجل حريتهم، ولذلك درس القانون.

في 2016، انضم إلى أكثر من 100 شخص في مظاهرة سنوية للمطالبة بفتح شارع الشهداء في قلب مدينة الخليل بالضفة الغربية، بالقرب من مكان اختار مئاتُ المستوطنين الإسرائيليين اليهود العيش فيه.

كان الشارع في الماضي سوقا فلسطينيا يعج بالحياة. لكن ابتداء من 1994، بدأ الجيش الإسرائيلي بإغلاق الشارع أمام الفلسطينيين تدريجيا. بدأت القيود بعد أن قتل مستوطن إسرائيلي 29 فلسطينيا في مسجد في الخليل وتكثفت بعد هجمات فلسطينية أوقعت قتلى بين المستوطنين خلال الانتفاضة الثانية في أوائل العام 2000. مع الوقت، قام الجيش بإغلاق النوافذ وتلحيم أبواب المتاجر والمنازل وتحويل الشارع إلى منطقة "طاهرة". اليوم، يمنع الجيش الفلسطينيين من السير في أجزاء كبيرة من الشارع، بينما يسمح للمستوطنين والسياح الإسرائيليين بذلك. تزعُم إسرائيل أن السياسات التي تفصل بين المستوطنين والفلسطينيين في المنطقة، ومن بينها أكثر من 100 حاجز و21 نقطة تفتيش دائمة تقيّد حركة الفلسطينيين، ضرورية لحماية المستوطنين الذين يعيشون هناك.

يقول فريد إنه وقف في مقدمة المظاهرة، حاملا لافتة تقول "افتحوا شارع الشهداء" باللغة الإنغليزية. رأى الجنودَ يشيرون إليه، وعندما انطلق الجنود لتفريق المظاهرة،اعتقلوه .

قال إن الجنود وضعوه  في سيارة جيب وعصبوا عينيه وألقوه على أرضية السيارة في الخلف. صفعه أحد رجال الأمن. أخذوه إلى مركز الاعتقال في مستوطنة عتصيون وحبسوه في غرفة صغيرة جدا حُشر فيها عشرة أشخاص. قال إن الأفرشة والبطانيات كانت قذرة. كان متعبا، وعندما سأل المعتقلين الآخرين عن كوب لشرب الماء ضحكوا. لم تكن هناك أكواب، قالوا إن عليه الشرب من الصنبور. صُدم لهذا الاستخفاف بكرامة المحتجزين.

بعد خمسة أيام في الزنزانة المزدحمة، نُقل فريد إلى المحكمة في مركبة نقل عسكرية تسمى "البوسطة"، وغالبا ما تستخدم لنقل السجناء. على متن "البوسطة"، جلس على كرسي معدني، كان داخل صندوق معدني ضيق. قيّد الجنود ذراعيه وساقيه وعصبوا عينيه، ثم أغلقوا باب الصندوق، وقال فريد إنه سمعهم وهم يقفلونه. كانت المساحة ضيقة إلى درجة أن ركبتاه التصقتا بالباب. كانت هناك فتحة صغيرة وحيدة للهواء. قال إنها كانت من أصعب لحظات حياته – كانت أشبه بالمكوث في قبر.

عندما وصلوا إلى المحكمة العسكرية وأُخرِج فريد من الصندوق، تقيأ.

على الرغم من أن المشاركة في الاحتجاجات السلمية محمية بموجب الحق في حرية التعبير والتجمع، إلا أن المحكمة وجهت إلى فريد تهما عديدة، منها "التحريض" و"محاولة التأثير على الرأي العام... بشكل يمس سلامة الجمهور أو النظام العام"، مشيرة إلى الشعارات التي كان يهتفها و"التلويح بأعلام السلطة الفلسطينية"، والمشاركة في المظاهرة دون تصريح. كما اتُّهم بدخول "منطقة عسكرية مغلقة"، الاعتداء على جندي، و"عرقلة عمل جندي"، لكنهم لم يقدموا أي دليل على هذه  المخالفات  باستثناء مشاركته  السلمية في المظاهرة. وقد تُعاقَب تلك  المخالفات كلها بالسجن. أطلقوا سراحه بكفالة بعد خمسة أيام من الاحتجاز.

لو أراد فريد، كان يمكنه الموافقة على صفقة ادعاء، وربما حُكم عليه بما قضاه من السجن بالفعل وأُطلق سراحه، وهو ما يفعله كثير من الفلسطينيين. وهذه ديباجة معروفة في المحكمة – فالقوات الاسرائيلية تعتقل ما معدله 10 إلى 15 فلسطينيا يوميا، وفي أي وقت من الأوقات، يوجد حوالي 5 آلاف فلسطيني محتجزين.

بدلا من ذلك، قرر فريد مواجهة المحاكم العسكرية التي تقارب نسبة الإدانة لديها 100%. قال إنه بريء من تلك الاتهامات، وهو يأمل أن يساعد مقطع فيديو صُوّر أثناء القبض عليه، ويُظهر أنه غادر الاحتجاج بسلام مع أحد الجنود، في دعم قضيته. ومع ذلك، شهد جنود ضده في جلسات الاستماع، قائلين إنه "عرقل عملهم"، وهي تهمة فضفاضة جدا قد تعني أي شيء.

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، انتهت محاكمته ولا يزال الحكم معلقا.

لا يزال فريد يشارك في الاحتجاجات. لكنه لم يعد يقف في المقدمة - فهو يعتقد أنه أقل عرضة للاعتقال إذا كان  يقف في المؤخرة. جعلته تجاربه يخشى المجاهرة برأيه.

يكره أن يتملكه هذا الشعور. يريد لجميع الفلسطينيين أن يتمتعوا بحقوقهم في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات. لكن الواقع أن فريد عاش حياته كلها تحت الاحتلال دون حماية لهذه الحقوق، وهو يربي بناته الثلاث تحت نفس النظام القمعي.

نظام يأمل أن يتغير ذات يوم.
 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.