Skip to main content

الأسبوع الماضي، استلمتُ صورا على هاتفي الخلوي لشاب هزيل منهك، ممدد على سرير، جسمه مُغطى جزئيا ببطانية. كانت يداه الضعيفتان تتدليان إلى جانب السرير، وأضلاعه بارزة وعليه آثار كدمات.

الصور أرسلها لي طبيب، وهي لمحمد شعبان (18 عام)، من سكان بلدة مضايا السورية، وكان يعاني من سوء تغذية حاد ومضاعفات إصابة بعيار ناري في ظهره. توفي محمد في 4 أبريل/نيسان نتيجة للقيود غير القانونية على عمليات الإجلاء الطبي من المدن المحاصرة التي تفرضها الحكومة وقوات المعارضة، وكلاهما يستخدمان التجويع وصور الناس الذين يصارعون الموت كورقة مساومة.

قال لي عم محمد إن الشاب أُصِيب بعيار ناري في الظهر قبل 6 أشهر على يد قناص مجهول بينما كان يجمع الحطب. حصل على إذن للذهاب إلى دمشق لتلقي العلاج، لكنه عاد في حال أسوأ، واستمرت حاجته إلى العلاج. أخبرني عمه والطبيب وعامل إغاثة أن جماعة "حزب الله" الشيعية اللبنانية المتحالفة مع الحكومة السورية التي تحاصر مضايا، رفضت ثم سمحت ومن ثم أجَّلَت أي عمليات إجلاء طبي. وقالوا إن "حزب الله" رفض السماح له بالمغادرة، حتى يُسمَح للمدنيين بمغادرة بلدة الفوعة الشيعية المحاصرة من قبل جماعة معارضة.

قال عم محمد، الذي تحدث لـ "هيومن رايتس ووتش" من داخل مضايا: "كان أكبر اخوته التسعة ومعيلهم الوحيد. من سيتولى رعاية عائلته الآن؟"

أثارت محنة المحاصرين في مضايا اهتمام العالم في وقت سابق من هذا العام، عندما سرّب أطباء لوسائل إعلام دولية صورا لأطفال يعانون من سوء التغذية. سرّع اهتمام وسائل الاعلام الاتفاق بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة على السماح أخيرا لقوافل المساعدات بالوصول إلى المدن المحاصرة، بشرط وصولها في الوقت نفسه إلى البلدات المحاصرة من قبل الطرفين. تدفقت المساعدات منذ إعلان وقف الأعمال العدائية في 26 فبراير/شباط، ولكن الناس مازالوا يعانون من سوء التغذية.

كان إجلاء الجرحى جزءا مفترضا من صفقة البلدات الأربع التي وُقعت في سبتمبر/أيلول. لكن ناشطين وعاملين في مجال الإغاثة يقولون إن الاتفاق لم يُحتَرم ولم يكن الإجلاء متّسقا.

ذكر الأمين العام للأمم المتحدة في مارس/آذار أن الأمم المتحدة سلمت مساعدات إلى 150 ألف شخص في 10 من 18 منطقة محاصرة، وإلى عشرات الآلاف في غيرها من المناطق التي يصعب الوصول إليها في فبراير/شباط وأوائل مارس/آذار. قالت الأمم المتحدة في مارس/آذار إن نحو 486700 شخصا محاصرون، ولكن مشروع "سيج ووتش" المستقل قدّر عدد المحاصرين بمليون شخص.

قال الأمين العام أيضا إن الحكومة السورية سحبت من قوافل الإغاثة مواد ضرورية للحياة في المناطق التي يُسمح بدخول المساعدات إليها. في فبراير/شباط وحده، مُنعت قوافل تحمل 80 ألف مادة طبية من مواصلة سيرها، أو سُحبت منها معدات طبية أخرى. من المواد الضرورية للحياة التي سُحبت، أدوية الإسهال، ولوازم صحية تستخدم لحالات الطوارئ ومضادات حيوية وأدوية أخرى. أفادت الأمم المتحدة أن الحكومة السورية وافقت حتى 27 مارس/آذار على 2 فقط من 17 طلبا قدمتها "منظمة الصحة العالمية" في 2016 لإرسال أدوية ومستلزمات طبية إلى أماكن محاصرة أو يصعب الوصول إليها. لم تستطع الأمم المتحدة الوصول إلى نحو 720 ألف شخص في مناطق مثل دير الزور والرقة التي تحاصرها قوات تنظيم "الدولة الإسلامية"، المعروف أيضا بـ "داعش".

قال عم محمد: "أخبرتنا الحكومة أنها لن تسمح بمغادرة محمد، ما لم يتم إجلاء الناس من الفوعة. لم نفهم الرابط. لماذا يُعلّق مصير محمد بالناس في الفوعة؟ كان هذا لغزا بالنسبة لنا".

بعد أسابيع من المفاوضات بين ممثل الحكومة الايرانية وممثلي "جيش الفتح"، الذي يحاصر الفوعة وكفريا، التي يشملها الاتفاق أيضا، رُتب إجلاء شعبان يوم الأحد 3 أبريل/نيسان. قال طبيب شعبان إن "حزب الله"، في اللحظة الأخيرة، لم يسمح بالإجلاء يوم الأحد، وتأخر ذلك حتى صباح الإثنين. لكن فات الأوان.

ما كان لمحمد شعبان أن يُجبر على البقاء في مضايا. جميع الأطراف المشاركة في نزاع مسلح مُلزمة بموجب القانون الإنساني الدولي بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بسرعة ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين، والسماح للمدنيين بمغادرة المناطق المحاصرة بحريّة.

أخبرني محمد درويش، واحد من 3 أطباء باقين في مضايا، أن 7 أشخاص يواجهون خطر الموت إذا لم يتم إجلاؤهم على الفور. هناك 20 شخصا آخر بحاجة ماسة إلى تدخل عاجل، و300 آخرون يحتاجون إلى عناية طبية في مضايا. سُمِح لـ 37 حالة طبية من مضايا بتلقي علاج في مستشفيات في دمشق وإدلب في 20 أبريل/نيسان – ولكن كان قد فات الأوان بالنسبة لمحمد – بينما مازال مئات الآخرين ينتظرون الإجلاء.

على الحكومة السورية التوقف عن استخدام المرضى كورقة مساومة. ينطبق الأمر نفسه على المجموعات المسلحة التي تحاصر الفوعة وكفريا. على الدول التي تدفع عملية السلام في سوريا، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا، استخدام نفوذها للضغط على الحكومة والجماعات المعارضة لفعل ما يجب فعله لإنقاذ حياة الناس في المناطق المحاصرة.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة