Skip to main content

يتطلب السفر السويد، حيث ولدت، استخدام موقع غوغل للاطلاع على أسعار الفنادق، بعض النقرات لحجز غرفة فندق، وأحيانا طلب تأشيرة دخول. لكن القدرة على السفر في قطاع غزة، مسقط رأس والدايّ وحيث أعيش الآن، أشبه بمعجزة. أعرف ذلك لأنني قضيت أكثر من عام أحاول مغادرة القطاع. بدت أسباب سفري ضرورية: تلقي تدريب إلزامي حول السلامة الشخصية من منظمتي​​في لندن، وزيارة السويد لرؤية زوجي والأهل.

لكن السفر من غزة وإليها هو فقط للحالات الاستثنائية. تسيطر إسرائيل على المجال الجوي والمياه الإقليمية لغزة ولا تسمح بتشغيل المطار أو الميناء فيها. تقول إسرائيل إن السفر عبر معبر إيريز، الوحيد الذي يربط القطاع بإسرائيل والضفة الغربية، يشكل خطرا بطبيعته ويقتصر على "حالات إنسانية استثنائية". تشمل تلك الحالات، وفقا للجيش الإسرائيلي، المرضى ومرافقيهم، شراء التجار كميات كبيرة من السلع، والزيارات العائلية بسبب الزواج والوفاة والأمراض الخطيرة. تُفرض هذه القيود على الجميع، حتى من لا يراهم جهاز الأمن العام الإسرائيلي "شين بيت" خطرا أمنيا. بالتالي، يدفع الأشخاص العاديون الثمن.

تدفع هذه القيود من يرغب في السفر خارجا إلى التوجه إلى معبر رفح على الحدود المصرية. لكن منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي عام 2013، أغلقت الحكومة المصرية المدعومة من الجيش المعبر. فُتح المعبر ما مجموعه 32 يوما العام الماضي، عبر فيها أقل من 30 ألف شخص – 8% فقط مقارنة بعام 2013. يقتصر السفر على المرضى، من يحملون جواز سفر مصري، الطلاب، الأجانب، والمقيمين. هناك 25 ألف شخص على الأقل على قوائم الانتظار، لكن معظم سكان قطاع غزة لا يستوفون حتى معايير الوصول إلى هذه القوائم.

حاولتُ مغادرة غزة 3 مرات العام الماضي في حالات فتح المعبر النادرة. لكن لم أتمكن حتى من الاقتراب من المنطقة الحدودية، رغم جواز سفري السويدي.

تكرر هذا الروتين كلما تردد كلام حول فتح مصر للحدود. للتسجيل في قائمة الانتظار، توجهت إلى مجمع أبو خضرة في مدينة غزة، الذي تديره حكومة حماس. كنت أقضي 5 ساعات واقفة خارجا إما تحت لهيب الشمس أو في البرد، بحسب الفصل.

لا تكفي 5 ساعات لتسجيل كل الحشود القادمة. كان يحصل تدافع، وصراخ، وشجارات. وراء النوافذ المغطاة بقضبان، يعمل موظفون يستخدمون مولدات كهربائية بسبب انقطاع التيار الكهربائي نحو ​​12 ساعة في اليوم. حتما، يتعطل المولد، أو يتجمد الحاسوب، أو يزيد الحمل على الموظفين بسبب حشود الناس الذين يضغطون على القضبان، فيقررون أخذ استراحة. يمكن لهذه الدقائق أن تكون الفرق بين تسجيلك في قائمة الانتظار أو لا.

هناك توتر كبير أيضا، حيث ترى أناسا تبكي. في نهاية اليوم، إما أن تعود إلى منزلك مع كدمات ورائحة عرق، أو تعود مع كدمات ورائحة عرق وقطعة من الورق عليها اسمك ورقم. لكن هناك فقط جزءا قليلا ممن سجلوا أسماءهم في القائمة سيتمكنون من السفر عندما تفتح مصر المعبر. فالأولوية للمرضى، من يملك "واسطة"، ودافعي الرشاوى.

يشكل طابور السفر في أبو خضرة صورة مصغرة عن واقع غزة: 1.8 مليون شخص محشورين في 365 كيلومترا مربعا.

أوثق، كجزء من عملي، الظاهرة المتزايدة بين الشباب، وفي بعض الحالات الأطفال، وهي الاحتجاج بالقرب من السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل. ينظرون إلى الحقول والوديان خارج غزة، إلى المدن التي طُرد منها أجدادهم أو فروا منها نحو الضفة الغربية (وهي الجزء الآخر من الأراضي الفلسطينية لكن لا يمكن الذهاب إليها عمليا منذ عام 2000). يرمون الحجارة أو يحاولون هدم الجدار، أو ببساطة يصرخون ويفرغون غضبهم وإحباطهم. قتلت القوات الإسرائيلية، التي تمنع التواجد في هذه المنطقة، 21 شخص بينهم طفلان، وجرحت أكثر من 1200 منذ أكتوبر/تشرين الأول.

قد تختلف الدوافع ووجهات النظر السياسية للشباب في غزة، لكن لدي انطباع أن الكثيرين منا يشعرون وكأنهم في قفص. ينظرون إلى عالم مليء بالاحتمالات، لكنه بعيد المنال وراء الأسلاك الشائكة.

أنا أكثر حظا من كثيرين في غزة؛ أنتمي إلى الطبقة الوسطى ولدي جواز سفر أجنبي. مع ذلك، لدي نفس شعور الشباب هنا، وهو أن الحياة تمضي آخذة معها فرص التقدم مهنيا وشخصيا، بينما هم – نحن – محاصرون.

يرغب الشباب في غزة في السفر. إنهم يريدون الفرص. يريدون حرية التنقل.

وأنا كذلك.

ديمة الغول هي مساعد باحث في هيومن رايتس ووتش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.