Skip to main content

إسرائيل ـ حكم خطير في قضية ريتشيل كوري

محكمة الاستئناف نفت المسؤولية عن وفاة مدنية

(القدس) ـ حكم المحكمة الإسرائيلية العليا في دعوى طلب التعويض عن وفاة ريتشيل كوري يرسل رسالة خطيرة إلى القوات المسلحة الإسرائيلية مفادها أن بوسعهم الإفلات من المحاسبة على ارتكاب الأخطاء. في 12 فبراير/شباط 2015 حكمت المحكمة الإسرائيلية العليا بإعفاء وزارة الدفاع الإسرائيلية من المسؤولية عن أفعال قواتها التي تعتبرها من "أنشطة زمن الحرب"، إلا أنها تجاوزت فرفضت النظر في تقييم ما إذا كانت تلك الأفعال تنتهك قوانين النزاع المسلح المنطبقة، بحسب هيومن رايتس ووتش.

قُتلت كوري، التي كان عمرها 23 عاماً، في 16 مارس/آذار 2003 أثناء محاولتها منع جرافة إسرائيلية مصفحة من هدم منزل عائلة فلسطينية بالقرب من رفح، جنوب قطاع غزة. وكانت هي وغيرها من الأجانب الذين يرتدون سترات برتقالية زاهية ويستخدمون مكبرات الصوت، تصيح في الجرافات وتقف أمامها على مدار عدة ساعات، لمنعها من تدمير المنازل. تسلقت كوري إلى أعلى كومة من التراب استخرجها النصل الأمامي للجرافة، التي مضت في طريقها فسحقتها. وادعى سائق الجرافة أنه لم يرها.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "إن لهذا الحكم تبعات مثيرة للانزعاج تتخطى قضية عائلة كوري، إذ أنه يرسل رسالة تفيد بأن القوات الإسرائيلية تتمتع بالحصانة حتى في حالة الوفيات الناجمة عن إهمال مزعوم. ويأتي الحكم كتذكرة صادمة بأن فقه القانون الإسرائيلي انحرف في بعض المجالات تماماً عن مسار القانون الدولي".

صدر الحكم في دعوى رفعتها عائلة كوري، ورفضت رئيسة المحكمة، ميريام ناؤور، ومعها القاضيان إستر هايوت وزفي زلبرتال، رفضت صراحة تطبيق القانون الإنساني الدولي ـ أي قوانين الحرب ـ أو القانون الدولي لحقوق الإنسان على حالة كوري. وقرر الحكم أنه بموجب الفقه القانوني الإسرائيلي فإن "القاعدة المعروفة هي أن ‘النص التشريعي الصريح الصادر عن الكنيست يتغلب على أحكام القانون الدولي‘". ولأن أحكام القانون الإسرائيلي "واضحة" في نصها على تمتع الدولة في هذه الحالة بالحصانة من المسؤولية المدنية، فقد حكمت المحكمة بأنه "لا مجال لإلزام الدولة بتقديم تعويض بموجب القانون الدولي".

استندت المحكمة في حكمها على قانون إسرائيلي معمول به في توقيت وفاة كوري، كان يعفي إسرائيل من المسؤولية عن أية أفعال تقوم بها قواتها أثناء "أنشطة زمن الحرب". وقد قدم قانون "الأخطاء المدنية (مسؤولية الدولة)"، بحسب تعديله في 2002، تعريفاً لأنشطة زمن الحرب على أنها "أي فعل يحارب الإرهاب أو التمرد" أو "يقصد به منع الإرهاب والأفعال العدائية والتمرد، المرتكبة في ظروف الخطر على الحياة أو السلامة البدنية".

وقد قبلت المحكمة زعم الجيش بأن قواته قتلت كوري فيما كانت تجري عمليات "تطهير" للكشف عن أنفاق تستخدمها جماعات فلسطينية مسلحة في المنطقة، وتعرضت لنيران متكررة من جماعات مسلحة أثناء عمليات مشابهة. ولأن كوري قُتلت في "مسرح قتال مستمر بين قوات الدفاع الإسرائيلية ومنظمات إرهابية" فإن إسرائيل في حصانة من المسؤولية "حتى إذا قبلنا الحجة القائلة بأن القوات لم تكن في خطر من ريتشيل ومنظمتها"، حسبما ورد في منطوق الحكم.

قالت هيومن رايتس ووتش أن الحكم يمثل استهزاءاً بقوانين النزاع المسلح، فهو يمنح الحصانة من القانون المدني للقوات الإسرائيلية، على إيذائها لمدنيين، استناداً إلى مجرد القول بأن القوات كانت منخرطة في "أنشطة زمن الحرب"، بدون تقييم لما إذا كانت تلك الأنشطة تنتهك قوانين النزاع المسلح، التي تلزم أطراف النزاع في كافة الأوقات باتخاذ جميع الاحتياطات المعقولة لحماية أرواح المدنيين. وبموجب قوانين النزاع المسلح، تلتزم الدولة بتقديم تعويضات كاملة عن الخسائر أو الإصابات الناجمة عن انتهاكها لتلك القوانين.

علاوة على هذا فإن القانون الذي أيده حكم المحكمة العليا يخفق في التمييز بين القيام بأعمال عدائية وبين أعمال إنفاذ القانون أثناء النزاع المسلح والاحتلال. إن الحكم على أفعال القوات الإسرائيلية، في سياق الاحتلال العسكري، يجري وفق قوانين النزاع المسلح ووفق معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان على السواء.

وكان أفراد القوات الإسرائيلية قد شهدوا في جلسات أسبق أمام محكمة ابتدائية في حيفا بأن جماعات فلسطينية مسلحة كانت تطلق عليهم النار "كل يوم" في سياق "عمليات التطهير" في رفح، لكنهم لم يقدموا أدلة على إطلاق أية نيران في توقيت وفاة كوري أو أثناء الساعتين السابقتين عليها. وكان الدليل الوحيد ذو الصلة الذي قدمه الجيش هو دفتر أحوال عسكري يسجل إلقاء قنبلة يدوية، بدون أية معلومات أخرى. وقد جادل الجيش في المحكمة بأن الفلسطينيين ألقوا قنبلة يدوية على القوات الإسرائيلية، لكن الشهود الذين استدعاهم محامو كوري شهدوا بأن القنبلة الوحيدة التي شاهدوها في ذلك اليوم كانت قنبلة دخان ألقتها القوات الإسرائيلية عليهم.

كما أن حكم المحكمة العليا، الذي أيد حكماً صدر عن محكمة حيفا الجزئية في 2012، لم يلتفت أيضاً إلى التماس عائلة كوري للتعويض عن الضرر الواقع عليهم مما اعتبروه إهمال الجيش في التحقيق في وفاة كوري. قالت المحكمة العليا إن عائلة كوري عجزت عن إثبات الضرر الناجم عن أي خطأ محتمل في التحقيق.

وكان الجيش الإسرائيلي قد فتح "جلسة اطلاع عملياتية" وتحقيقاً جنائياً في وفاة كوري، وانتهى الاثنان إلى أن الوقائع تبرئ القوات الإسرائيلية من أي خطأ.

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش إخفاق المحققين الإسرائيليين في استدعاء أي شهود فلسطينيين، وتهديدهم بتوجيه الاتهام إلى آخرين من المتطوعين الأجانب الذين شهدوا وفاة كوري أثناء استجوابهم بشأن الواقعة، بل وإخفاقهم في أن يطلبوا من الشهود رسم خريطة للمنطقة في توقيت الواقعة. وخلص التحقيق العسكري الأولي في الوفاة إلى أنه "لا توجد أمارات تؤيد الادعاء بأن الآنسة كوري دهست بالجرافة"، وهو الاستنتاج الذي تراجع عنه الجيش فيما بعد.

كما وثّقت هيومن رايتس ووتش أن القوات الإسرائيلية في رفح قامت من 2000 إلى 2004 بهدم منازل 16 الف فلسطيني لتطهير "منطقة عازلة" بطول الحدود المصرية. وزعم الجيش أن الغرض من أفعاله هو منع الجماعات الفلسطينية المسلحة من استخدام الأنفاق لأغراض عسكرية، إلا أن "نمط التدمير يوحي بقوة بأن القوات الإسرائيلية كانت تهدم المنازل بالجملة، وبغض النظر عما إذا كانت تمثل أي تهديد محدد، في مخالفة للقانون الدولي" وبدون ضرورة عسكرية في معظم الحالات، كما استنتجت هيومن رايتس ووتش. (قامت مصر في توقيت أحدث بتنفيذ عمليات هدم جماعي للمنازل على جانبها من الحدود عند رفح، وهو ما تحقق فيه هيومن رايتس ووتش. وقد منعت مصر وصول الإعلام إلى المنطقة). وتعمل نتائج هيومن رايتس ووتش على إثارة التساؤل، الذي لم تفحصه المحكمة العليا، عما إذا كان يمكن اعتبار العملية التي شارك فيها سائق الجرافة عندما سحق كوري عملية عسكرية مشروعة.

ومنذ وفاة كوري، توسعت إسرائيل في الحصانة من المسؤولية المدنية عما ترتكبه قواتها المسلحة من أخطاء، وعمل تعديل لقانون الأخطاء المدنية في يوليو/تموز 2012 على إعادة تعريف "أفعال زمن الحرب"، التي تتمتع الدولة بالحصانة من التعويض عنها، بحيث تشمل أية أفعال تقوم بها قوات إسرائيلية في قطاع غزة ـ "سواء وقعت أو لم تقع" في ظروف الخطر على الحياة أو السلامة البدنية، بحسب المذكرة التفسيرية للقانون. ويشيع رفض إسرائيل لمنح الشهود والضحايا من غزة الإذن بدخول إسرائيل للمشاركة في جلسات المحاكم، بزعم أنهم قد يشكلون تهديدات أمنية، كما ألزمت المحاكم كل مدّع فلسطيني في قضايا الحق المدني بدفع "ضمانات محكمة" تعجيزية، تصل إلى 20 ألف شيكل (5140 دولار أمريكي) قبل قبول القضية.

وقد راقبت هيومن رايتس ووتش اثنتين من جلسات محكمة حيفا ومرافعات القضية أمام المحكمة العليا.

ورغم تغاضي حكم المحكمة عن الادعاءات الواقعة على وزارة الدفاع الإسرائيلية فيما يتعلق بوفاة كوري (القضية 6982/12) إلا أنها أيدت استئنافاً منفصلاً من عائلة كوري (القضية 6968/12) يتعلق بما أسمته تصرفات "غير لائقة" من سلطات البحث الجنائي الإسرائيلية أثناء تشريح كوري والمطالبة بإعادة رفاتها بالكامل إلى الولايات المتحدة، حيث أن بعضه ما زال في إسرائيل. رفضت المحكمة قراراً من محكمة الناصرة الجزئية في تلك القضية وأمرت محكمة الناصرة الابتدائية بإعادة النظر في مطالب العائلة.

قالت سارة ليا ويتسن: "إن قوانين الإفلات من العقاب الإسرائيلية تغلق الباب في وجه الضحايا المدنيين في غزة، وتبدو كدليل إضافي على غياب استعداد حقيقي من إسرائيل لمحاسبة قواتها على الانتهاكات الجسيمة".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة