Skip to main content

(طرابلس) ـ هل يمكن لليبيا أن تصبح دولة يتمتع مواطنوها بالحرية والأمن؟ لقد أعلنت المعضلة عن نفسها بوضوح حين حاولنا عقد مؤتمر صحفي بأحد فنادق طرابلس في أواخر يناير/كانون الثاني.

في تلك القاعة كان بوسعنا، نحن ومن انضموا إلينا، وبينهم ممثلون للعديد من الأقليات المهمشة، أن ننتقد أوجه القصور في الحكومة بقدر ما نشاء. لم يكن هناك مجال للمقارنة بخوفنا وحذرنا في عهد معمر القذافي في 2009، حين قمنا بالشيء نفسه.

لكن خارج قاعة المؤتمر المفعمة بالحيوية، كان أفراد مليشيات شبه عسكرية يتسكعون في البهو، ومليشيات أخرى تقاتل في الظهرة على أطراف العاصمة، وفي العجيلات في الغرب، وكذلك في سبها في الجنوب الليبي، وفي السرير في الجنوب الشرقي.

إن ليبيا، بعد عامين ونصف من تدخل حلف الشمال الأطلسي (الناتو) بتفويض من الأمم المتحدة، تترنح على حافة الفشل، فالحكومة التي ما زالت إلى الآن انتقالية تتمتع في أفضل الأحوال بسيطرة إسمية على معظم أرجاء البلاد، بما فيها العاصمة، لكنها عجزت عن نزع سلاح العشرات من الجماعات المسلحة، التي يقوم بعضها بتوفير الأمن الضروري بإيعاز من الحكومة، بينما يقوم بعضها الآخر بترويع وخطف وقتل المدنيين ومسؤولي الحكومة في إفلات تام من العقاب.

أما الخطة الطموحة، التي انقضى موعدها النهائي بالفعل في 31 ديسمبر/كانون الأول، والرامية إلى دمج المليشيات في أجهزة الأمن الرسمية، فقد تسربت إليها الشكوك. هل سيستمر جميع أعضاء المليشيات في تلقي رواتبهم؟ وماذا ستفعل الحكومة إذا تجاهلوا هذا القرار كما فعلوا بسابقيه؟

لا توجد وصفة سحرية لتحويل سيادة القانون إلى واقع هنا. لكن الجهد المنسق لمواجهة بضعة مشاكل محورية قد يساهم في استعادة بعض الثقة في قدرة الحكومة على ممارسة سلطتها، وهنا يمكن للمجتمع الدولي مد يد العون.

بادئ ذي بدء يمكن لوزارة العدل التحرك بحسم أكبر، إما لتوجيه الاتهام إلى ما يقرب من 5000 محتجز موجودين في 41 سجناً، وأغلبهم تحت السلطة الإسمية ـ وإن لم تكن الفعلية ـ للشرطة القضائية، أو الإفراج عنهم. وعليها أيضاً التحرك بشكل عاجل لتوثيق أعداد المحتجزين في عهدة المليشيات ـ وهو العدد الذي، لدهشتنا البالغة، لا يبدو أن هناك من يعرفه ـ ونقلهم إلى عهدة الحكومة.

لقد امتد احتجاز الكثيرين من هؤلاء لفترات تصل إلى ثلاث سنوات، بدون مواجهة تهمة واحدة، ناهيك عن مقابلة قاض أو محام. أليس هذا ما كان يفترض بالثورة أن تضع له حداً؟ إن الإجابة القانونية واضحة: تلتزم السلطات بالإفراج عن هؤلاء المحتجزين في ضوء إخفاقها في توجيه الإتهام إليهم وعرضهم على قاض لمدة تجاوزت أي حد ينص عليه القانون الدولي.

قال وزير العدل المرغني، إنه يتعجل حل الموقف، لكنه يفتقر إلى الطواقم المدربة. وفي هذه الأثناء وضعت الحكومة موعداً نهائياً جديداً يتسم بعدم الواقعية لحل هذه القضايا في موعد غايته 2 مارس/آذار. وعلى المجتمع الدولي، بدلاً من التركيز على تدريب الطواقم، أن يوفر الأفراد الفنيين المدربين القادرين على توثيق ملفات القضايا الخاصة بهؤلاء المحتجزين وتحديد أسس احتجازهم، فمن شأن هذا أن يزيل أية حجة جديدة لاستمرار احتجازهم بدون تهم.

وبينما يبدو أن ليبيا ليس لديها أية نية للامتثال لالتزامها القانوني بتسليم سيف الإسلام، نجل القذافي، إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن بوسع السلطات القيام بجهود أكبر بكثير لمنحه، هو وغيره من كبار مسؤولي عهد القذافي السابقين، بمن فيهم السنوسي والبغدادي ودوردة، حق الزيارات العائلية المنتظمة، والتواصل دون قيود مع محامين من اختيارهم، مثلهم مثل أي محتجز آخر.

لقد قمنا بزيارتهم في أواخر يناير/كانون الثاني، فلم يبدوا أي قلق جدي من ظروف احتجازهم، ربما لافتراضهم أن حواراتنا لم تكن سرية، رغم عدم وجود حراس. لكنهم أجمعوا على الاحتجاج على جور الإجراءات المتخذة بحقهم، بما فيها تعدد عمليات الاستجواب على أيدي أشخاص من القضاء ومن المليشيات وأشخاص مجهولين بثياب مدنية، كما كانوا مقتنعين بأنهم لن يحصلوا على محاكمة عادلة داخل ليبيا.

ولا شك أن أعضاء المليشيات والثوار، الذين احتجز بعضهم بإجراءات معيبة في عهد القذافي، سيؤيدون حصول أي محتجز على حقوقه الأساسية، وعلى محاكمة محايدة من شأنها أن تضمن العدالة.

كما سيحدث فارق هائل إذا استطاعت السلطات التشدد في ملاحقة بعض المسؤولين عن أبرز الاغتيالات السياسية منذ انتهاء عهد القذافي، الاغتيالات التي تزايدت بمعدلات فلكية في السنة الأخيرة.

وقد سبق لنا توثيق نحو 70 حالة في بنغازي ودرنة، حيث وقعت معظم جرائم القتل المشار إليها، وبينهم محامون وقضاة وزعماء سياسيون. وقد قتل يوم السبت في درنة، عبد العزيز الحصادي، النائب العام الأول الذي عين بعد سقوط القذافي. قال لنا أحد القضاة إن ما يصل إلى 25 من زملائه القضاة قد فروا من بنغازي إلى طرابلس، تحت التهديد بالقتل إذا تابعوا قضايا بعينها. وفي درنة قيل لنا إن المحاكم مغلقة، دون أي نشاط للقضاء أو الشرطة القضائية. ولا شك أن متابعة تلك القضايا تمثل مخاطراً جسيمة على المحققين والقضاة، إلا أن تكلفة الامتناع عن التحرك أعلى بكثير، مع فقدان الليبيين للثقة في قدرة الحكومة على توفير الأمن في وجه القتل المتفشي.

ومهما كان من المصاعب التي تواجهها السلطات فإنها تظل قادرة على التحقيق الجدي في وقائع قتل ما لا يقل عن 82 متظاهراً في بنغازي وطرابلس خلال العام الماضي، وملاحقة المسؤولين عنها. رغم وعود الحكومة إلا أنه لا يوجد دليل على قيامها بخطوات التحقيق الأكثر أساسية، من قبيل استدعاء الشهود. وقد تكون قدرتها على الملاحقة محدودة، لكن عليها في الحد الأدني نشر ما توصلت إليه تحقيقاتها، مما ينذر المسؤولين عن الجرائم بأنهم سيواجهون العدالة ذات يوم.

كما يتعين على الحكومة أن توضح أنها تمثل الشعب الليبي بأسره، لا العرب فقط، وإنما أيضاً الطوارق والأمازيغ والتبو وغيرهم من الأقليات. بعد مرور ثلاثة أعوام، لم تفعل الحكومة ما يذكر لإنهاء جريمة مستمرة ضد الإنسانية، ناهيك عن ملاحقتها ـ ألا وهي التهجير القسري المخجل لـ35 ألفاً من سكان تاورغاء وتدمير بلدتهم على أيدي مليشيات تتهم سكان تاورغاء بالانحياز إلى جانب القذافي أثناء معركة خلعه.

لقد زرنا مخيمهم في طرابلس فوجدنا سيدات وأطفال يعيشون في ظروف مزرية داخل حاويات مقامة على عجل، يتلاصق الستة منهم في حجرة واحدة. وبدلاً من إغضاء الطرف على نحو مخجل، يمكن للمجتمع الدولي اتخاذ إجراءات لإنهاء هذه الجريمة المستمرة، من قبيل فرض جزاءات على قادة المليشيات المسؤولين. وأقل ما يمكن للمجتمع الدولي القيام به، كخطوة مبدئية، هو المساعدة في اختيار شخصية ذات مكانة دولية لدعوة المليشيات إلى إنهاء عقابها الجماعي لهذا المجتمع، والسماح لمن لم يكن لهم دخل في القتال بالعودة إلى منازلهم.

قال لي أحد المحتجزين، "هذه غابة، تسودها قوانين الغابة". ومستقبل ليبيا رهين بسرعة تحرك الحكومة لإثبات خطأ مقولته.

سارة ليا ويتسن هي المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.