Skip to main content

ليبيا: أوروبا تغض الطرف عن الانتهاكات بحق المهاجرين

يجب على دول الاتحاد الأوروبي الضغط على ليبيا لحماية المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين

قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم أن الحكومة الليبية تخضع المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الضرب والاعتقال التعسفي والإعادة القسرية.

ويتفاوض الاتحاد الأوروبي مع ليبيا حالياً بشأن قيام دوريات بحرية مشتركة لمنع الهجرة؛ غير أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وفي صدارتها إيطاليا، تقاعست عن واجبها في مطالبة ليبيا بحماية حقوق مئات الآلاف من الأجانب في البلاد.

وفي تقريرها الذي يقع في 145 صفحة، والصادر تحت عنوان "إيقاف التدفق: الانتهاكات ضد المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين"، توثق هيومن رايتس ووتش ما يتعرض له الأجانب الذين لا يحملون الوثائق الرسمية اللازمة على أيدي السلطات الليبية من الاعتقال التعسفي، وسوء المعاملة في الحجز، والإعادة القسرية إلى بلدان قد يواجهون فيها الاضطهاد أو التعذيب، مثل إريتريا والصومال. وخلال الفترة من 2003 إلى 2005، قامت الحكومة بإعادة نحو 145000 أجنبي إلى أوطانهم، وفقاً للأرقام الرسمية للحكومة الليبية.

وقال بيل فريليك، مدير برنامج سياسة اللاجئين في هيومن رايتس ووتش "إن ليبيا ليست بلداً آمناً للمهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين؛ والاتحاد الأوروبي يسعى مع ليبيا لمنع هؤلاء الناس من الوصول إلى أوروبا بدلاً من مساعدتهم على نيل الحماية التي يحتاجونها".

وعلى مدى العقد الماضي، وصل إلى ليبيا مئات الآلاف من الأشخاص، معظمهم من الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، إما للبقاء في هذا البلد أو للسفر منه إلى أوروبا. وقد جاء الكثيرون من هؤلاء الأجانب لأسباب اقتصادية، غير أن بعضهم فروا من أوطانهم بسبب الاضطهاد أو الحرب. وكان مواطنو البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبراء محل ترحيب في ليبيا ذات يوم باعتبارهم عمالة رخيصة، ولكنهم باتوا الآن يواجهون ضوابط وقيوداً شديدة على الهجرة، فضلاً عن الاعتقال والترحيل.

وهناك مشكلة أخرى مستمرة يواجهها هؤلاء المهاجرون في ليبيا، وهي الإيذاء البدني الذي يتعرضون له عند القبض عليهم، حسبما تبين لهيومن رايتس ووتش. كما أفاد الأجانب الذي مكثوا فترة في ليبيا أنهم تعرضوا لسوء المعاملة والإيذاء في الحجز، بما في ذلك الضرب والاكتظاظ الشديد، وتدني ظروف الاعتقال، ومنعهم من الاتصال بمحامين، وعدم موافاتهم بمعلومات كافية عن ترحيلهم الوشيك.

وفي ثلاث حالات، قال بعض الشهود لهيومن رايتس ووتش إن الإيذاء البدني الذي أوقعته قوات الأمن الليبي بالمعتقلين الأجانب أودى بحياة أحدهم؛ وقال ثلاثة تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش أيضاً إن مسئولي الأمن هددوا المعتقلات بالاعتداء الجنسي عليهن. وبالرغم من أن تحسن الظروف في المعتقلات خلال السنوات الأخيرة، إلا أن ثمة أدلة توحي باستمرار الكثير من الانتهاكات.

وقال بعض من تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش أنهم شهدوا أو لمسوا بأنفسهم فساد الشرطة أثناء القبض أو الاحتجاز؛ فبعد تلقيهم رشوة، كان مسئولو الأمن يخلون سبيل المعتقلين أو يسمحون لهم بالفرار.

وتؤكد الحكومة الليبية ضرورة اعتقال الأجانب الذين لا يحملون الوثائق الرسمية اللازمة حفاظاً على النظام العام، وتقول إن قوات الأمن تقوم بهذه الاعتقالات وفقاً للقانون. وقال مسئولون حكوميون لهيومن رايتس ووتش إن بعض حراس الحدود وأفراد الشرطة استخدموا القوة المفرطة، ولكن هذه كانت حالات فردية عاقبت الدولة المسئولين عنها.

ووفقاً للإحصائيات الحكومية، فإن هناك زهاء 600 ألف أجنبي يعيشون ويعملون في ليبيا التي يبلغ تعدادها السكاني نحو 5,3 مليون نسمة، ولكن ثمة ما يترواح بين مليون و1,2 مليون أجنبي يقيمون في ليبيا بدون الوثائق القانونية الصحيحة، مما يلقي عبئاً على موارد الدولة وبنيتها الأساسية.

وهناك مشكلة عامة تتمثل في رفض ليبيا استحداث قانون أو إجراءات للجوء؛ فلم توقع ليبيا على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951، ولم تبذل الحكومة أي محاولة لتحديد اللاجئين أو غيرهم ممن يحتاجون للحماية الدولية. ورغم أن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين لديها مكتب في طرابلس، فليست هناك ترتيبات عملية رسمية بينها وبين الحكومة.

وقال بعض المسئولين الليبيين لهيومن رايتس ووتش إن ليبيا لا تمنح حق اللجوء لأن أحداً من الأجانب في هذا البلد ليس بحاجة للحماية؛ غير أن مسئولين آخرين كانوا أكثر صراحة من ذلك، إذ قالوا لهيومن رايتس ووتش إنهم يخشون منح اللجوء في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تقليل عدد الأجانب؛ بل إن أحد كبار المسئولين قال بصراحة مطلقة إنه لو أتاحت ليبيا فرصة اللجوء "لانقض الأجانب كالجراد".

وقال فريليك "إن الحكومة الليبية تقول إنها لا ترحل اللاجئين، ولكن بدون قانون أو إجراءات للجوء، كيف يمكن لأي شخص يخشى الاضطهاد أن يتقدم بطلب للجوء؟ ومن سينظر في هذا الطلب، وعلى أي أساس؟".

وفي سياق إعداد هذا التقرير، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 56 من المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين في كل من ليبيا وإيطاليا؛ وكان 17 من هؤلاء قد حصلوا على وضع اللاجئ قبل إجراء المقابلة، إما من مفوضية شؤون اللاجئين أو من الحكومة الإيطالية؛ وكان 13 آخرون لا يزالون في انتظار رد الحكومة الإيطالية على طلباتهم.

كما يوثق التقرير المعاملة التي يلقاها الأجانب في نظام القضاء الجنائي الليبي؛ فقد أشار الأجانب إلى العنف الذي تمارسه الشرطة، وانتهاكات تتعلق بإتباع الإجراءات والأصول القانونية الواجبة، بما في ذلك التعذيب والمحاكمات الجائرة. غير أن مواطني البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بوجه خاص يواجهون العداوة من جانب شعب مضيف يضمر كراهية للأجانب، تتمثل في وصمهم جميعاً بالإجرام، وفي توجيه الإهانات اللفظية لهم، والاعتداءات البدنية عليهم، ومضايقتهم، وابتزازهم. ويلقي كبار المسئولين الليبيين باللائمة على الأجانب ويحملونهم المسؤولية عن تصاعد معدلات الجريمة والمخاوف الصحية من تفشي الأمراض، مثل فيروس نقص المناعة البشرية ومرض نقص المناعة المكتسب "الإيدز".

ويتناول جزء كبير من التقرير سياسات الهجرة واللجوء لدى الاتحاد الأوروبي الذي يتعاون تعاوناً وثيقاً مع ليبيا بشأن مراقبة الهجرة، ولكنه لا يعير اهتماماً كافياً لحقوق المهاجرين أو ضرورة حماية اللاجئين وغيرهم من المعرضين لخطر الانتهاكات لدى عودتهم إلى أوطانهم.

أما إيطاليا، وهي أكثر البلدان تأثراً بالهجرة من ليبيا، فقد ارتكبت انتهاكات فادحة للقانون الدولي في ظل حكومة رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلسكوني، على نحو ما أوضحته هيومن رايتس ووتش في تقريرها. فخلال الفترة بين عامي 2004 و2005، قامت الحكومة بطرد أكثر من 2800 مهاجر – ومن المحتمل أن يكون من بينهم اللاجئون وغيرهم ممن هم بحاجة للحماية الدولية – وإعادتهم إلى ليبيا التي أعادتهم بدورها إلى أوطانهم الأصلية. وفي بعض الأحيان، قامت السلطات بطرد مجموعات كبيرة بالجملة بدون إتباع الإجراءات السليمة لفحص طلبات لجوئهم والتحقق من احتمال كونهم لاجئين.

ومنعت الحكومة الإيطالية هيومن رايتس ووتش من دخول مركز الاعتقال الرئيسي للأشخاص القادمين من ليبيا في جزيرة لامبيدوزا، ولكن شهود عيان أشاروا إلى سوء الأحوال الصحية في هذا المعتقل، وتكدس المعتقلين، وتعرضهم لسوء المعاملة البدنية على أيدي الحراس.

وفي تطور إيجابي، قالت حكومة رومانو برودي الحالية إنها لن تطرد الأفراد إلى بلدان لم توقع على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، ومن بينها ليبيا. وسُمح للمنظمات الدولية بزيارة معتقل لامبيدوزا بصفة منتظمة اعتباراً من هذا العام، وقامت الحكومة الحالية بتشكيل لجنة للتحقيق في أوضاع مراكز اعتقال المهاجرين في شتى أنحاء البلاد.

وقال فريليك "لقد اتخذت حكومة برودي خطوة جديرة بالترحيب إذ أوقفت الطرد الجماعي للمهاجرين، وأقرت بأن ليبيا ليست بلداً آمناً يمكن إعادتهم إليه؛ وحريٌّ بها الآن أن تكفل لكل شخص يصل إلى إيطاليا، أو يتم اعتراضه في عرض البحر، فرصةً كافية للتقدم بطلب اللجوء".

يمكن الإطلاع على التقرير "إيقاف التدفق: الانتهاكات ضد المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين" بالعربية على الموقع التالي:
https://www.hrw.org/arabic/reports/2006/libya0906/libya0906arweb.pdf

ويمكن الإطلاع على التقرير بالإنجليزية على الموقع التالي:
https://www.hrw.org/reports/2006/libya0906

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة