المحتويات الفصل الأول: العدالة في الميزان: مقدمة || الفصل الثاني:السلوك المثلي والقانون: ظروف الحملة || الفصل الثالث: الفضيحة والعار: محاكمات "كوين بوت" || الفصل الرابع: في إثر "كوين بوت": التعدي علي الخصوصية و روابط الجماعة || الفصل الخامس: استغلال الوحدة والإيقاع فى الفخ عبر الإنترنت || الفصل السادس: المرآة المعيوبة: التحيز وإجراءات القانون || الفصل السابع: جسم الجريمة: دوافع التعذيب وجوانبه الطبية || الفصل الثامن: خاتمة || الملحق: القوانين المتعلقة بالسلوك المثلي في مصر || شكر وتوطئة || الهوامش

الفصل الثاني:السلوك المثلي والقانون: ظروف الحملة

أ. حكاية خالد:

لم تكن قضية "كوين بوت" بداية تحرش الشرطة بالرجال المشكوك في أنهم يمارسون سلوكا مثليا. فقد حكى "خالد" (25 عاما) قصته لهيومان رايتس ووتش، وهي قصة تدل على آليات القمع لدى الشرطة. قال خالد:
    كنت في رابعة جامعة. كنا في وقت الامتحانات، شهر 5 سنة 2000. نزلت ميدان التحرير ليلة الخميس، كنت واقف مستني تاكسي. مرة واحدة وقف البوكس قدام منِّي، عربية البوليس يعني. مليانة ظباط. نط واحد من العربية وقال لي :"بطاقتك". عرفت بعد كدة إن ده طه الإمبابي رئيس آداب القاهرة شخصيا، لكن ساعتها ما كنتش أعرف. كان لابس ملكي. وبعدين فيه ولد نزل من البوكس. اسمه مصطفى، وبيقولوا عليه ليلى علوي. [14] وهو "جاي"، بس هو مرشد. الظابط سأله عليَّا، ومصطفى –اللي هو ليلى علوي- قال "أيوه أعرفه".[15]

أبويا كان جاب واسطة علشان يحاول يطلعني، علشان طه الإمبابي كان شكله مش عاوز يخرجنا، مع إن وكيل النيابة كان أمر بإخلاء سبيلنا. كانوا حوالي سبعة منا عندنا وسايط بتسعى ورانا علشان يسيبونا. كان طه الإمبابي زعلان جدا … بدأ يتريأ [أي يتهكم] علينا إحنا السبعة ويلطشنا بالأقلام. وقال علينا حثالة، وإن إحنا سبة في جبين مصر و عار قدام ربنا، وإننا مش من حقنا نعيش، وبدأ يضربنا تاني على ضهرنا بالكرباج … أنا بجدّ حاسس إن الراجل طه الإمبابي ده مجنون. الراجل ده فيه حاجة مش طبيعية، هو خطير. مش بني آدم زي بقية البني آدمين. هو ضربني بالكرباج و الألم و الجروح ما راحتش قبل شهر.

وطبقا لرواية خالد، سأله طه الإمبابي: "إنت جاي؟":
    وقال كلمة "جاي" بالإنجليزي. قلت أنا مش فاهم الكلمة دي معناها إيه. وهو بيستخدم الكلمة دي لهدف، علشان عاوزك تكررها تاني في الرد. وانت لو عارف معناها، ولو نطقت الكلمة النطق الصح زي الإنجليزي، يبقى انت أكيد "جاي". للأسف أنا أعتبر وقعت في الفخ. أنا قلت له أنا مش عارف يعني إيه "جاي"، بس نطقت الكلمة صح بالنطق السليم. قاموا طلعوا العساكر اللي لابسين ملكي و جرجروني جوة البوكس زى أى قاتل أو تاجر مخدرات …
    البوكس كان جواه 6 أولاد، وبدأوا يلموا تاني. كان الظابط بيتأكد إنهم "جاي" عن طريق المرشد ده. وفي الآخر كان كل بوكس فيه حوالي 20 أو 125 واحد، وهم كانوا بوكسين. كان كل بوكس لما يتملي يروح القسم يودي الناس، وبعدين يطلّعوه يلم تاني".
وطبقا لأقوال خالد، كانت الشرطة تلقي القبض على الرجال أثناء دخولهم بار فندق هيلتون النيل، وهو مكان كان يرتاده المثليون، وكان رجال الشرطة يأخذون الرجال أيضا من مناطق بميدان التحرير يعتقدون أنها ملتقى للمثليين. يقول خالد:
    أخدونا قسم الأزبكية وطلعونا الدور التاني. أنا كان معايا موبايلي واتصلت بأهلي، قلت لهم أنا اتمسكت وموش عارف ليه. أمي وأبويا جُم. دي كانت من أسوأ لحظات حياتي … رئيس الآداب نده لي من الأوضة وواجهني بأبويا، وقال له: "إبنك ده خَوَل وبيِتناك". وقال له إنهم مسكوني متلبس، قال له: "حاورّيك الدليل". و خلاني أنَزِّل بنطلوني. و كانت صدفة –الحمد لله- إني كنت لابس غيار داخلي عادي، اللي هو الأبيض العادي ده اللي بيلبسه كل المصريين. وهو كان في رأيه إن أي حاجة داخلية ألوان دي معناها إنك مش بس "جاي"، لكن كمان "باسيف" يعني سلبي. وفي مصر دي كارثة إنه يتعرف إنك "جاي" وسلبي… طه الإمبابي اتغاظ و اتضايق قوي وقال: "مافيش مشكلة" … قال: "ماشي"، ممكن ما يكونش بيِتناك، بس هو برضه بينيك العيال و الخولات". والدي اتكهرب … سابني في القسم ورَوَّح.
    كان أي حد ييجي له حد قريبه في الليلة دي علشان يسأل عليه، كانوا قرايبه يسيبوه و يروحوا من الصدمة و الاشمئزاز، وطه الإمبابي و رجالته كانوا بيحاولوا فعلا يخلوهم يشمئزوا.
أعيد خالد إلى الغرفة، حيث كان رجال الشرطة يدوّنون أسماء المقبوض عليهم. يتذكر خالد: "كان العدد تقريبا فوق المية وخمسين. أنا بجد استغربت". ويضيف: طه الإمبابي كان مستغرب، حتى قال :" أنا ما كنتش فاكر إن مصر فيها خولات كتير كدة". وقال: "أنا لازم أتصرف. يا إما أموتكم كلكم، يا إما أخليكم تندموا على اليوم اللي اتولدتوا فيه". وكان بيطلّع الناس اللي لابسة لبس ممكن نقول عليه لبس فاجر في مصر – حد لابس زي الأجانب، أو لابس شيك زيادة عن اللزوم، أو لابس سلسلة أو إكسسوار، كدة.
كان فيه ولد لابس حلق وموّتوه من الضرب.
    وكان نازل شتيمة فينا. كان بيقول: "إنتوا بقى العيال اللي طلعتوا فجأة وعايزين تبوظوا البلد – شكلكوا بتتناكوا من اللي واقفين وراكم". وكان يسأل كل واحد اسمه، وبعدين يخليه يغيره يخليه اسم واحدة ست. وبعدين بدأ يضرب بالأقلام واللكاكيم في الوش، وشلاليت بالجزمة (البوت) بتاعته.
وبعد قضاء الليلة في زنزاتين، أُجبِر المحتجزون في الصباح على توقيع محاضر اعتقالهم. يصف خالد ما حدث:
    بدأوا يندهوا على كل واحد باسمه. واللي كان يرفض يمضي كان ينضرب جامد قوي. الضرب كان بالشومة وبالكرباج. واحد من الأولاد شتم ظابط، قاموا ربطوه من رجليه وعلقوه كده في السقف من رجليه. وبعدين مَدُّوه على رجليه. وبعد أول كام واحد ما انضربوا، معظم الباقيين كانوا بيمضوا وخلاص.
كنت أنا من الأواخر. رفضت. بدأوا يضربوني بالشومة و بالكرباج على ظهري. جه أمين شرطة وفي إيده سيخ حديد. ما قدرتش امسك دموعي، بس كنت رافض أصرخ بصوت. الظابط مسك السيخ الحديد وبدأ يضربني بيه. حاولت أصُد الضربات، بإيدي، و انضربت في إيدي، والضربة لسة مِعَلِّمة.[16] وفي الآخر كنت خلاص خلصت. وقعت ع الأرض وقلت لهم :"خلاص حامضي". كان كل جسمي متكسر من الضرب. مش عارف كنت باتضرب قد إيه، الضرب استمر لمدة 10 دقايق أو ربع ساعة.[17]
وفي صباح يوم الجمعة، أخذوا المحتجزين لنيابة الأزبكية.[18] يقول خالد:
    كان فيه عدد كبير من الأهالي متجمعين قدام النيابة … وتخيّل بقى إحساسنا وإحنا خارجين، والأهالي شافونا و احنا كلنا مِعَلِّم فينا الضرب، وبدأوا فعلا يصدقوا إننا الحكاية دي متلفقة لنا.
وجهت النيابة تهمة "اعتياد الفجور" للمحتجزين دون أن تستجوبهم، وأمرت بإخلاء سبيلهم إلى حين الجلسة. وبعدها، أُعيدوا للحجز في قسم الأزبكية. وعندما وصلوا –حسب ما قاله خالد: "كلنا اتضربنا بلا استثناء. ولسة عندي علامة فوق عيني الشمال". ويضيف:
    موش حانسى الليلة دي أبدا. ده كان في الدور الأول فوق الأرضي في قسم الأزبكية. وقفونا صف ومر علينا ظابط واحد واحد، يشتمنا، ويلطشنا بالأقلام، ويتف في وشوشنا. كان يسأل: "إنتِ شرموطة؟" كلنا قلنا لأ. قال هو: "إنتوا بتؤذوا نظري. إنتو باين عليكو إن إنتو شراميط". و ضربني بالقلم كذا مرة و تف في وشي. و طَّلَّعوا تاني الخمس ولاد اللي قالوا عليهم لابسين لبس مايص، وكل العساكر مع بعض قعدوا يضربوهم بالأقلام و باللكاكيم في وشهم وبطنهم.
بعد ذلك، أخذوهم لمكتب طه الإمبابي بقسم شرطة عابدين. يقول خالد:
    أبويا كان جاب واسطة علشان يحاول يطلعني، علشان طه الإمبابي كان شكله مش عاوز يخرجنا، مع إن وكيل النيابة كان أمر بإخلاء سبيلنا. كانوا حوالي سبعة منا عندنا وسايط بتسعى ورانا علشان يسيبونا. كان طه الإمبابي زعلان جدا … بدأ يتريأ [أي يتهكم] علينا إحنا السبعة ويلطشنا بالأقلام. وقال علينا حثالة، وإن إحنا سبة في جبين مصر و عار قدام ربنا، وإننا مش من حقنا نعيش، وبدأ يضربنا تاني على ضهرنا بالكرباج … أنا بجدّ حاسس إن الراجل طه الإمبابي ده مجنون. الراجل ده فيه حاجة مش طبيعية، هو خطير. مش بني آدم زي بقية البني آدمين. هو ضربني بالكرباج و الألم و الجروح ما راحتش قبل شهر.
ضَمِّنا على بقية الناس اللي فاضلين، وبعدين العساكر نزّلونا وسابونا … لما خرجنا من القسم كنا في حالة انهيار نفسي و جسماني كمان. كان فيه ناس منا يا دوبك واقفة بالعافية. كنت مكسوف إن أهلي وأصحابي يشوفوني بالصورة دي. كان شكلي زي الكلب المضروب علقة. قعدت أدعي انه يعين أي حد من أصحابي يكون في الموقف ده في المستقبل، أو أي بني آدم حظه الوِحِش يخليه في يوم يقف قدام طه الإمبابي.[19]

ب. تطور مفهوم "الفجور":

تشير قصة خالد –وهي قصة طالب وجد نفسه فجأة معتقلا في حملة شرطة- إلى مواضيع عدة سيتناولها هذا التقرير. تسفر هذه القصة عن أن قضية "كوين بوت" مستمدة من التصرفات المعتادة التي كانت موجودة بالفعل و تمارسها الشرطة، ومستمدة أيضا من حركة متزايدة نحو معاقبة السلوك الجنسي الموصوم.
والواقع أن الإطار القانوني للاضطهاد قد أرسيت دعائمه قبل تلك الواقعة بنحو خمسين عاما. فأول مسألة علينا أن نفحصها هي: أي قانون من القوانين أتى بخالد ليمثل أمام شرطة الآداب؟ كيف جرى تجريم العلاقات الجنسية ما بين الرجال في مصر؟
ما زالت السلطات المصرية مصرة منذ عام 2001 على الزعم بإنه لا وجود لأي قانون من هذا القبيل. فقد زعمت الحكومة مثلا، في رد لها على انتقادات وجهها خبير من الأمم المتحدة لقضية "كوين بوت"، أن قانونها لا يوجد فيه "أي نص يجرم الشذوذ الجنسي".[20] أما في عام 2003، قال رئيس مجلس الشعب أمام البرلمان الأوروبي إن: "القانون الجنائي المصري لا يتضمن أي عقاب للمثليين، حيث إن قانون البلد لا يتدخل بأي شكل في شئون الأفراد الخاصة".[21]

هذه المزاعم ليست صحيحة، فالقانون المصري يجرم السلوك المثلي فعليا منذ أكثر من خمسين عاما. و المادة التي تستخدم في تجريمه هي المادة 9/ج من مكافحة محاربة الدعارة (القانون 10 لعام 1961) الذي جرى سَنّه قبلها بعشر سنوات، وهو ينص على معاقبة "اعتياد" ممارسة الفجور و الدعارة بالسجن ثلاث سنوات بالإضافة للغرامة.[22] وتعني كلمة "دعارة" عموما الجنس التجاري، أما كلمة "فجور" فنطاقها أوسع من ذلك بكثير، وتشمل فكرة الفحشاء بشكل عام.

وسنرى في الملحق (ب) أن سن هذا القانون بلغته هذه جاء على عجالة لحماية الأخلاق في فترة انتهاء الاستعمار. ففي ذلك الحين، أراد البرلمان في عجالة أن يمنع الدعارة، حيث أنها كانت تمثل في نظر البرلمانيين الخضوع الثقافي إلى جانب ما فيها من خطيئة، وبالتالي سن البرلمان قانونا يمنع كمّا أكبر و أعم من الأفعال. وعندما احتار المشرعون بين معاقبة الدعارة و منع الزنا بشكل عام، قالوا إنهم يقصدون بكلمة "الدعارة" معاقبة فسق النساء، أما كلمة "الفجور" فأرادوا بها معاقبة فسق الرجال. بذلك أصبح مصطلح "الفجور" آداة للإدانة الأخلاقية أكثر منه مصطلح قانوني دقيق. وصارت للمصطلح استخدامات غير متوقعة، حيث أن المحاكم و النظام الجنائي هم الذين قرروا ما هو فسق الرجال، و ركزوا على السلوك المثلي بشكل خاص.

وفي العقود التي تلت تلك الفترة، كان يُطلب من محكمة النقض بشكل متكرر تعريف "الدعارة" و "الفجور"، وصلتهما بالبغاء (تقاضي مقابل مادي للعملية الجنسية) بمعناه الضيق.[23] وجاء أهم حكم في عام 1975: كانت شرطة الآداب قد داهمت منزلا خاصا، وضبطت رجلا متلبسا باختراق رجل آخر. وجهت النيابة تهمة الفجور إلى الطرف السلبي، الذي قال إنه قد اعتاد ممارسة الجنس مع الرجال، لكن دون مقابل مادي.[24] ورغم ذلك، قضت محكمة النقض بأن الرجل مذنب. وترتب على ذلك الحكم فصل "الفجور" قانونا عن "الدعارة "، وربطه بالسلوك المثلي ما بين الرجال:

صرح المُشَرِّع تحديدا بأن هذه الجريمة [اعتياد ممارسة الفجور] تقع عند ممارسة الفحشاء مع الناس بدون تمييز، وعند حدوث هذا اعتياديا. ولم يُلزِم لمثل هذه التهمة أن يكون ممارسة الفجور نظير مقابل مادي.[25]

وتشير أحكام المحاكم المصرية إلى ذلك الحكم مرارا و تكرارا لتبرير الحكم على الرجال بتهمة ممارسة الجنس مع الرجال بدون مقابل.

فالحكومة كانوا ياخدونا القسم ويقَعَّدونا ساعتين ويسيبونا. كانوا يخلونا نرقص لهم و نزغرط، كل واحدة لوحدها. كانوا بقى يضحكوا علينا ويتفرجوا علينا كدة. كانوا يقولوا: "لو عايزين تخرجوا لازم ترقصوا. ارقصوا يا خولات!" فكنا نرقص لهم كام ساعة.[41]

وبذلك، انفصل مصطلح "الفجور" عن مصطلح "الدعارة" في حد ذاتها، وأصبح يعني السلوك المثلي بين الرجال بدون مقابل. خلال تلك العملية اختلف القانون رقم 10 لسنة 1961 في تطبيقه على الرجال عن تطبيقه على النساء، بل إن التطبيق على الجنسين كان يسير في اتجاهين متناقضين تماما. تكررت احكام المحاكم القائلة بأنه لا عقاب.[26] للجنس بين المرأة و الرجل -حتى إذا كانت يمارس بشكل "اعتيادي" أما الجنس بين رجلين فيعاقب عليه القانون، حتى إذا كان بدون مقابل مادي.
أما مصير الشريك في العملية الجنسية فكان مختلفا هو الآخر تمام الاختلاف. تقع عقوبة الدعارة على البغي وحدها. فالقانون لا يعاقب إلا المرأة على ذلك. أما الرجل الذي يدفع أجرها فتعتبره المحكمة بريئا، و عادة ما يعود الرجل الذي يضبط متلبسا مع امرأة إلى بيته سالما بعد أن يشهد ضد المرأة التي كان يطارحها الجنس.[27]

ويبدو أن نفس النمط كان يطبق في قضايا "الفجور" أصلا، حيث كان الطرف "السلبي" يعتبر "فاجرا"، أما "الإيجابي" فكان يعتبر "راغبا في المتعة" وبريئا نسبيا. وفي قضية 1975 الوارد ذكرها سلفا، ضبطت الشرطة رجلين في حالة تلبس بالمعاشرة: زج بالشخص السلبي إلى المحكمة وحكم عليه بالحبس 6 أشهر بتهمة "الفجور"، بينما شهد ضده الرجل الايجابي الذي عاشره ثم عاد إلى بيته.

ومانراه في هذه الأحكام ليس فقط تأثير قضايا الدعارة، بل يظهر فيه أيضا تناول فكري للأدوار الجنسية، بحيث يزداد الدور(من حيث الاختراق) أهميةً عن نوع الطرف المختَرَق (من ذكر أو أنثى). فنوع الطرف المرغوب فيه من ذكر أو أنثى لا يهم، فالأهم هو ما إذا كان الشخص يمارس الاختراق (محتفظا بذلك بذكورته ورونقها) أم يخضع للاختراق (وبذلك يفقد صلاحياته و قوته بشكل رمزي و اجتماعي). لكن ما يحدث الآن في قضية تلو الأخرى هو الحكم على الرجال بتهمة الفجور إذا مارسوا الجنس مع الرجال، بصرف النظر عن دورهم في المعاشرة. وبذلك جرى تجريم الطرفين في عملية الجنس بين الرجال.

ان جذور هذه النقلة موضع نقاش، فهناك تغييرات تحدث تحت السطح في المفهوم الاجتماعي للجنس في مصر، ونشأت رؤية توحد بين الطرفين "السلبي" و "الإيجابي"، بحيث يشتركان في وصمة عار واحدة. وقد لعبت الأنماط الغربية دورا في نشأة هذه الرؤية بمصر. فهذه الأنماط الغربية تفضل تعريف الدور الاجتماعي للجنس بناء على نوع الشريك في العملية الجنسية، لا بناء على الدور في المعاشرة. لكن التغيير الذي طرأ على النظرة للجنس في مصر لا يمكن إرجاعه فقط لتأثير هذه الأنماط الغربية. و الحقيقة إن التطور القانوني هو التطور المنطقي الذي أدى لإلغاء العنصر التجاري –أي تقاضي مقابل مالي للجنس- الذي كان شرطا ضروريا في قضايا الفجور. أن دفع الأموال يحدد دورين مختلفين: البائع والمشتري –إلى جانب الأدوار الجنسية. ولما غاب هذا العنصر المالي، ازدادت قابلية سقوط الطرفين في هوة الاتهام بدون تمييز بينهما.

ببساطة: أصبحت كلمة "الفجور" في القانون المصري تدل على العلاقات المثلية ما بين الرجال بصرف النظر عما إذا كانت تجارية أم لا. و يتطلب القانون شرط "الاعتياد" – أي إن القانون يجرم ممارسة الفعلة لأكثر من مرة خلال ثلاث سنوات مع اكثر من شخص.

ويذكّرنا تطور تاريخ هذه المادة بقانون آخر لا تذكره كتب القانون: وهو قانون الحياة الذي يقول إن الأفعال قد تنتج عنها نتائج لم تكن في النية ولا الحسبان. فالمشرعون سنوا قوانين –خوفا من البغاء- أصبحت تستخدم بقسوتها و شمولها فى حالة ذعر أخلاقي جديد في ألفية جديدة. فاليوم، تشكل المادة 9/ج من القانون رقم 10 لسنة 1961 الأداة المصرية الرئيسية في معاقبة السلوك المثلي بين الرجال.

ج. "إرقصوا يا خولات!": تزايد التحرش ومخاطر الإحساس بترابط الجماعة:

نرى من قصة خالد أيضا تزايد اهتمام الشرطة بظاهرة موجودة في القاهرة، وهي أن عددا كبيرا من الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال كانوا قد بدأوا في تكوين ما يسمى بالثقافة الفرعية، أي صاروا يشعرون بالروابط فيما بينهم، وغالبا ما كانوا يطلقون على أنفسهم لفظة "جاي" الأجنبية. وبدأ ساعد هذه الثقافة الفرعية يشتد.

يتذكر كثير من المثليين في مصر السنوات التي سبقت عام 2001 على انها كانت فترة من الراحة تتسم بالتواصل و التحرر النسبي. وفي الواقع، لم يكن الأشخاص المثليون الذين يشعرون بترابط جماعى – وهو شعور نشأ في نهايات القرن الماضي في القاهرة- يجهرون بذلك الشعور. لم يبُح هؤلاء الرجال بهويتهم الجنسية لأصدقائهم من غير المثليين، ناهيك عن أسرهم، و المجالات المتاحة للمثليين للإفصاح عن رغباتهم لبعض الأشخاص الآخرين الذين يشاركونهم إياها اقتصرت على بعض الحفلات الخاصة والمقاهي التي تتقبلهم، وعدد بسيط من المراقص و البارات (مثلا مرقص "كوين بوت"، وبار هيلتون النيل) في أيام محددة من الأسبوع.

منذ زمن والقاهرة بها طرق وميادين بعينها يلتقي فيها الرجال الراغبين في أمثالهم من الرجال بشكل مستتر. وقد أتاح ظهور بعض الحفلات و الحانات في التسعينات –برغم هدوئها- المزيد من المساحة و الأمان الظاهر للحوار و تكوين الصداقات. وبدأ الناس وقتها في الشعور بهوية مشتركة، وكثيرا ما كانوا يعبرون عنها مستخدمين كلمة "جاي" الأجنبية. لم يقتصر الشعور بهذه الهوية على المرفهين، بل شعر بها ناس من طبقات اجتماعية متفاوتة، فنرى في قائمة المقبوض عليهم في مداهمة مرقص "كوين بوت" في مايو/آيار 2001 كل من الأطباء، والمعلمين، وأيضا سائقي سيارات النقل و عمال الكهرباء. وفي الواقع، تدل أبحاث هيومان رايتس ووتش على ان فكرة الهوية المثلية منتشرة بشكل واسع في المدن، حتى بين رجال الطبقة العاملة في المدن الصغيرة خارج القاهرة. و المثليون لا يترتادون نقاط الالتقاء هذه بحثا عن الحب أو الجنس فقط، لكن أملا في تكوين الصداقات، وهو أمل فردي ساهم في بناء بدايات الروابط بين الناس.
أما الشرطة، فكانت ترى ذلك المشهد بشكل مختلف تماما.
جاءتنا إخبارية بأن بعض الشباب من الشواذ يترددون على حانة التافيرن بفندق النيل هيلتون بحثا عن راغبي المتعة لممارسة الفجور معهم. اليوم أثناء تواجدنا داخل الحانة لملاحظة حالة الأخلاق العامة … رأينا شخصا يمشي وسط الموائد ويتصرف بشكل يجذب الانتباه ويسير بشكل يشبه النساء، وهو يلمس الرجال داخل الحانة. ورأيناه يسير خارج الحانة ويمشي في طرقات الفندق في محاولة للمس الرجال. ثم رأيناه يتهامس مع رجل، ثم خرجا معا. وأشارت تحرياتنا السرية إلى أن الشخص الأول موضع المراقبة شاذ جنسيا يمارس الفجور مع الرجال بدون تمييز، وكذلك الشخص الآخر. والأول سلبي بينما الثانى إيجابي. فاقتربنا منهما وكشفنا عن أشخاصنا. وتم اصطحابهما إلى مقر الإدارة.[28]

كان إسماعيل هو موضوع هذا المحضر، وكان في أوائل العشرينات من عمره عند القبض عليه عام 1988، وقد حكى لنا قصة إلقاء القبض عليه في أحد أيام الخميس:
    كنت واقف مستني واحد صاحبي دخل الحمام. و أنا واقف جاءوا لي في "اللوبي" و خدوا بطاقتي.
    نزلوني شرطة السياحة في بدروم الهيلتون. كان فيه بتاع 13-14 واحد كلهم بتهمة إنهم مارسوا مع بعض … الظباط كان معاهم واحد مصري، وهو كان بيقول لهم معلومات على الناس اللي داخلين الهيلتون.
بدأوا يخللونا مع بعض اتنين اتنين، يقولوا: "إنت مارست مع ده و انت مارست مع ده". حطوني مع واحد تاني من اللي اتقبض عليهم، و خدونا كلنا على المُجَمَّع.[29] ما كنتش أعرف الولد اللي حطوني معاه. هو مضى على الكلام اللي هم كتبوه له –إدوه بالأقلام لحد ما وافق. أنا بقى رفضت أمضي … فتلاتة ظباط بدأوا يضربوني بالأقلام و اللكاكيم والشلاليت. وبعدين جابوا كرباج و ضربوني بيه علشان أمضي. وفي الآخر مضيت. غير كدة كان جلدي كله حايروح.[30]
وكتبت الشرطة في محضر آخر عن "الشواذ":
جاءتنا إخبارية بأن بعض الشباب الشاذين جنسيا يترددون على ميدان رمسيس بحثا عن الزبائن من راغبي المتعة ممن يبحثون عن الرغبات المحرمة مع الرجال، لممارسة الفجور معهم. اليوم أثناء تواجدنا بالميدان، رأينا شخصا يجلس على محطة الأتوبيس. جلس بجوار شخص وتحدثا معا ثم وضع يده على فخذ الرجلوحاول الإمساك بقضيبه. لكن الرجل وقف ومشى بعيدا. اقتربنا من [الرجل الذي ابتعد] وكشفنا عن أنفسنا وعما رأيناه، وقال هو أن ذلك الشخص جلس بجواره وطلب منه رقم تليفونه وأنه أمسك بقضيبه وأن الشخص سار مبتعدا. فاقتربنا من الشخص، وكشفنا عن أنفسنا، وعما رأيناه وسمعناه من الشخص الآخر … وأخبرنا بأنه يعتاد ممارسة الفجور السلبي منذ طفولته … ورفض الشخص الآخر اصطحابنا أو الإفصاح عن اسمه حفاظا على سمعته.[31]

هذه الفقرة مأخوذة من محضر في قضية في عام 1997. وقد قص علينا "نبيل" موضوع المحضر وقصته (وكان في الثامنة و العشرين من عمره حين تحدث إلينا، في 2002):
كنت ماشي جنب محطة رمسيس، وقابلت ناس أصحابي "جاي" على قهوة اسمها شبكشي. دخلت أسلم عليهم. ومرة واحدة، لقينا نفسنا في وسط ظباط كتير لابسين ملكي، وقالوا: "بطايقكم". وقالوا لنا كلنا –كنا 12 واحد- نروح معاهم القسم.[32]

شهدت أواخر التسعينات من القرن الماضي زيادة اهتمام نيابة مكافحة جرائم الآداب بالقاهرة على الأخص بنقاط وظروف التقاء الرجال المثليين بأمثالهم. ويظهر ان رجال الشرطة كانوا يشعرون بضغوط "لتنظيف" الأماكن المتسببة في "الفجور". بل إن خالد يذكر أنه أثناء حبسه: "سمعت العساكر بيقولوا لبعض إن رئيس الآداب [طه الإمبابي] وعد وزير الداخلية إنه خلال سنة حاخلّصك من كل خولات وسط البلد".[33]

ولما كانت المواد القانونية التي تستخدمها شرطة الآداب نابعة من قوانين تجريم المتاجرة بالجنس، كانت أساليب رجال شرطة الآداب تتطور ومصدرها قضايا الدعارة . فأنماط محاضر الفجور المعتادة تذكر أن الرجل "كان يسير بطريقة ملفتة للانتباه [و] تثير الغرائز"، أو أنه "يحرك لسانه بشكل مغرٍ". وفي أحد المحاضر التي حررت في عام 1997، يجهر كاتبه بالتشبيه حيث يقول: "إن ازدياد عدد الشواذ جنسيا الذين يتصرفون مثل البغايا من النساء بشكل مثير يتناقض مع القيم الإسلامية".[34] ودائما ما تذكر المحاضر أن المتهم تعرض لشخص آخر يشهد عليه، ثم يجري الإفراج عنه دون الإفصاح عن هويته.

نسج ضباط الآداب أوهاما حول كيفية التعرف على "الخولات"، وشملت العلامات الدالة عليهم كل من الملابس الداخلية الملونة، والشعر الطويل، و الوشم. فكما قال أحد الضحايا عن شاب آخر اعتقلته الشرطة: "هم شافوا شعره غريب قالوا هو أكيد "جاي".[35]
ومع ذلك، لم يكن الرجال المثليون على هذه الدرجة من الوضوح التي زعمتها الشرطة، بل كانت شرطة الآداب تعتمد على شبكات من المخبرين للكشف عنهم. قال كمال، وهو ماسح أحذية أتى مقبوضا عليه في قضية "كوين بوت": "هم بيلموا لهم شوية "بنات" من اللي بيقفوا في رمسيس. وينزلوا الكداينة دول من البوكس … ويطلعوا ويشاوروا على ده خَوَل وده خَوَل. هم يروحوا يكلموا حد و الحكومة تروح تمسكه".[36]

يستخدم التعذيب أحيانا من أجل الحصول على الاعترافات. قال نبيل إن رجال الشرطة اعتدوا عليه بالضرب لإجباره على توقيع المحضر:
سألتهم مكتوب فيه إيه؟ لقيت اللكاكيم و الأقلام نازلة عليا من كل حتة. كان لازم أمضي في الآخر. ومسكوني من شعري، وشدوني يمين و شمال لغاية ما دُخت … كلهم كانوا بيتعاملوا معايا على إني مُقرف، ما استاهلش حتى إنهم يتفوا في وشي.[38]

بدأ رجال الشرطة أيضا في مداهمة البارات و المراقص، مستخدمين المرشدين في انتقاء الرجال المثليين الموجودين بالداخل. وكانت الشرطة قد داهمت باخرة "كوين بوت" عدة مرات قبل مايو/آيار 2001. و وصف أحد الرجال واقعة الاعتقالات الجماعية الشهيرة التي جرت في غارة من تلك الغارات في أوائل عام 2000 فقال:
    فجأة، سمعنا إن البوليس ع الباب … إحنا كنا سمعنا إن البوليس دخلها كتير. وكانوا بياخدوا الناس اللي باين عليهم إنهم كدة. وفيه ناس كتير اتاخدت في المركب قبل كدة. بس أنا وأصحابي كنا حاسين إنه مش باين علينا.
    بس وأنا ماشي، وقفوني شوية ظباط، وطلبوا بطاقتي … وفيه واحد قال :"ماشي، ماشي، أنا عارفك. تعال قدامي". و خدني. سألته: "تعرفني منين؟" ماردش … أخدني على ميكروباص كدة، فيه ناس كتير، 12 أو أكتر. وكان فيه واحد معاهم أعتقد إنه كان المرشد بتاعهم. وخدوه هو كمان، يمكن علشان يداروا على إنه هو بيرشد ….[37]
إن التعذيب الذي وصفه خالد أمر معتاد في قضايا الفجور. يستخدم التعذيب أحيانا من أجل الحصول على الاعترافات. قال نبيل إن رجال الشرطة اعتدوا عليه بالضرب لإجباره على توقيع المحضر:
    سألتهم مكتوب فيه إيه؟ لقيت اللكاكيم و الأقلام نازلة عليا من كل حتة. كان لازم أمضي في الآخر. ومسكوني من شعري، وشدوني يمين و شمال لغاية ما دُخت … كلهم كانوا بيتعاملوا معايا على إني مُقرف، ما استاهلش حتى إنهم يتفوا في وشي.[38]
لكن في أحيان أخرى، كان العنف يمارس –كما يبدو- للعقاب فقط. حكى مجدي لهيومان رايتس ووتش قصة القبض عليه –وقد تحدثنا معه في 2003 وكان عمره 22 عاما، أما اعتقاله فجرى في 1997 عندما كان عمره 17 عاما، وحكايته يشيب لها الولدان- بدأ مجدي بقوله: "كان شعري طويل، وشكوا في إني "جاي" … ويمضي قائلا:
    كنت ماشي عادي في الشارع. خدوني حطوني في عربية .. أخدوني قسم الأزبكية، قعدنا فيه حوالي 8 أيام. كنا حوالي 20 – 25 لمونا أول يوم، كلنا في سن قريبة، حوالي عشرينات. قالوا إنتوا متاخدين فجور … بس لو سألت ليه يقولوا "مش شغلك" ويضربوك …
    بعد كدة كانوا كل يوم ينزلوا يلموا ناس تاني، كل يوم خمسة أو عشرة أو حداشر، كله فجور. بعد 8 أيام كنا بقينا ييجي 80، 100. كانوا بيلموا لمة كبيرة للخولات في الأزبكية. مش الكل كان بيتعذب. هم كانوا بيركزوا على اللي اتاخدوا أول يوم ويعذبونا على طول.
    كانوا بيعذبونا بالكرباج. وحرقوا ناس كتير مننا. كانوا يقلعونا وبعدين كانوا بيربطوك في الحيط، كل إيد في ناحية وكل رجل في ناحية، يعني تبقى متعلق كدة ودراعاتك ورجليك مفتوحة في نص الأوضة. وبعدين كانوا يحرقونا بالولاعات. الكلام ده كان فوق، في أوضة مخصوص. كانوا ينقلونا فوق علشان يعملوا الحكاية دي، واحد واحد، وأحيانا اتنين اتنين. أنا رحت وأغمى عليا من الألم. ما حرقوش فيا غير دراعي، علشان كنت بعد كدة خلاص أغمى عليا.
وأشار مجدي إلى أثر حرق قطره 2.5 سم تركه الحرق بالولاعة، واستمر يحكي:
    لما جم يعملوا التاني ما عملوش، علشان أنا كنت خلاص أغمى عليا بعد دراعي. بس فيه ناس حرقوهم من ورا –فتحة الشرج يعني- أو من قدام –القضيب يعني، راسه أو جسمه. المدة كانت بتختلف على حسب ما الولاعة تخلص …
    لما لقوا إن الولاعة بتخلص بسرعة، كانوا يجيبوا شمع ويسيحوا شمع على الشرج و القضيب. كله كان بيغمى عليه في الآخر. كانوا يرجعونا الحجز تاني بعد التعذيب و إحنا مغمى علينا. كنت وانت قاعد تحت تبقى سامع الناس بتصرخ في الأوضة اللي فوق. كانت أعصابنا متحطمة، كان كل واحد مستني دوره. و اللي يرفض يطلع كانوا يجرجروه فوق.
    كان عندهم أنابيب بوتاجاز كبيرة. كانوا يربطوها في السقف بسلاسل، بعدين يعلقوك تحتها وانت إيديك ورجليك مربوطة من ورا. تبقى متعلق تحتها زي النجفة، ولو اتحركت جامد الأنبوبة ممكن تقع على ضهرك تموتك. وتقعد متعلق لك كدة ساعتين تلاتة، مش عارف أد إيه. الحكاية دى عملوها فيا، في كتير مننا.[39]
كانت نيابة آداب القاهرة هي القوة المحركة في الحملة ضد السلوك المثلي.[40] لكن بحلول أواخر التسعينات، كانت قوات الشرطة في بعض المدن الأخرى تشترك في التحرش بالمثليين. وقد تحدث كمال (ماسح الأحذية) عما كان يجري في المنصورة:
    هناك برضه كانوا يلمونا من الشوارع. كنا نبقى نازلين مجموعة أصحاب نتمشى بالليل. بس كنا نجري لما نشوف الحكومة، علشان كان فيه ناس تشاور للظباط و تقول لهم دول خولات. ناس عادية بيتضايقوا لما يشوفونا.
فالحكومة كانوا ياخدونا القسم ويقَعَّدونا ساعتين ويسيبونا. كانوا يخلونا نرقص لهم و نزغرط، كل واحدة لوحدها. كانوا بقى يضحكوا علينا ويتفرجوا علينا كدة. كانوا يقولوا: "لو عايزين تخرجوا لازم ترقصوا. ارقصوا يا خولات!" فكنا نرقص لهم كام ساعة.[41]
    ولما سألنا كمال عما إذا كان يرقص مرغما أم بإرادته، حيَّره معنى السؤال وقال: "كنا بنرقص علشان عايزينهم يسيبونا".
ومع ذلك كانت السلطات تتعامل مع المثلية في تلك السنوات على أنها جريمة فردية ومتقطعة الحدوث، وليس على إنها ظاهرة جماعية تهدد المجتمع. فبينما كانت الاعتقالات الجماعية توفر الدليل أمام الشرطة على وجود شعور جماعي متزايد بين المثليين، ظلت الشرطة توجه التهمة إلى المعتقلين بشكل فردي. كما أن الأحكام ظلت خفيفة، وكان القضاة يميلون إلى فرض أخف عقوبة. وكان المعتقلون كثيرا ما لا يصلون إلى النيابة، وكان الحبس لعدة أيام عقابا في حد ذاته.

أما العنصر الذي مكن من حدوث الحملة التي تفاقمت ابتداء من عام 2001، فهو النظرة للمثليين التي روجت لها وسائل الإعلام، والتي صورت المثليين كجماعة ذات أعداد ضخمة، تمثل خطرا محدقا يهدد الدولة ويتطلب إجراءات صارمة لمكافحته. أما السبب في هذه النظرة فكان الضجة الإعلامية التي ثارت حول قضية "كوين بوت".
<< السابق    الفهرس    التالي>>