الولايات المتحدة الأمريكية
USA
Report

الولايات المتحدة


الجزء التالي
الجزء السابق
المحتويات
  

الولايات المتحدة الأمريكية:
"نحن لسنا العدو"
جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين ومن يُظَن أنهم من العرب أو المسلمين
بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول

الاتصالات بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول: عراقيل أمام الثقة

ظل الخوف العام من الحكومة في نفوس الجاليات العربة والمسلمة المهاجرة تحديا من أقوى التحديات التي تعترض إقامة العلاقات الفعالة مع هذه الجاليات بشأن قضايا جرائم الكراهية بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. فتقول ريتا زويدة إحدى أعضاء تحالف الجاليات العربية الأمريكية، وهي تنظيم عام يضم المنظمات العربية في غربي واشنطن، "في البلدان التي يكثر فيها المهاجرون العرب، تتسم الحكومة والشرطة بطابع القمع، فهم ليسوا أصدقاءنا".(215) وقد تفاقم هذا الخوف العام من الحكومة بسبب قيام الحكومة الفيدرالية باحتجاز وترحيل عدد من المسلمين والعرب بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وبسبب الخوف من أن يلفت الإبلاغ عن جرائم الكراهية الانتباه إلى غير المواطنين الذين تجاوزا فترة الإقامة المسموح لهم بها حسب تأشيراتهم.(216) وتحكي كريبا أوبادياي المنسقة المعنية بجرائم الكراهية بشبكة جنوبي آسيا عن تجربتها في تنظيم منتدى للجاليات عن قضايا الحقوق المدنية المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول، فتقول "دعونا كتب التحقيقات الفيدرالية وإدارة الهجرة والجنسية، وكان اجتماع مماثل له قد حضره 150 شخصا فيما سبق، أما هذه المرة فلم يحضر إلا 60 شخصا فقط. وفيما بعد عرفنا من الكثيرين [الذين لم يحضروا] أنهم كانوا يخشون أن تحتجزهم إدارة الهجرة والجنسية".(217) كذلك ذكر ستيفن ويسلر الذي يعمل بمركز منع العنف النابع من الكراهية في بورتلاند بولاية مين "إن أكثر ما أدهشني لم يكن الخوف من جرائم الكراهية [لدى الجالية المسلمة]، ولكنه الخوف من الحكومة الفيدرالية. لقد ظل الخوف من الاحتجاز أو الترحيل قائما حتى بعد انتهاء الخوف من جرائم الكراهية".(218)

القدرات الثقافية

القدرات الثقافية هي "مجموعة من المواقف التي تؤثر في ممارسات وسياسات الوكالات أو الجهات التي تقدم الخدمات المتخصصة، بما يمكنها من فهم المواقف العابرة للثقافات والتعامل معها على نحو فعال".(219) ونظرا لأن العديد من الأشخاص الذين أضيروا من رد الفعل العكسي المتولد عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ليسوا أمريكيي المولد فقد كان من الضروري إجراء تدريب متعلق بالقدرات الثقافية لضباط الشرطة وغيرهم من مسؤولي الحكومة الذين يتعاملون بصورة منتظمة مع العرب والمسلمين والسيخ أو أبناء جنوبي آسيا بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.(220)

وتؤكد شيلا بيل، مديرة الاتصالات باتحاد المسؤولين المسلمين المعنيين بتنفيذ القانون في مدينة نيويورك، على أهمية هذا التدريب حيث ذكرت على سبيل المثال أن ثقافة الشرق الأوسط تشجع على عدم النظر المباشر في عين أي شخص في موقع السلطة في أثناء الحديث معه على أساس أن هذا يعد علامة على عدم الاحترام، وأشارت إلى أن ضباط إدارة شرطة نيويورك فسروا ذلك خطأ على أنه محاولة لتضليلهم.(221) كذلك تحكي جورو روب كاور كالسا، التي تعمل في معبد للسيخ في فينيكس، عن حوار دار بينها وبين ضابط شرطة كان مكلفا هو ومجموعة من زملائه بحماية المعبد عقب مقتل بالبير سينغ سودهي، وهو الحادث الذي أشرنا إليه في الفصل الثالث.(222) فقال ضابط الشرطة لكالسا إن أفراد أسر الضباط "قلقون جدا" بشأن قيام الضباط بحماية المعبد لأنهم يعتقدون أن السيخ ربما يكونون متطرفين تابعين لأسامه بن لادن بسبب العمائم التي يرتدونها ولحاهم التي يطلقونها.(223) ولكن بعد التعامل مع السيخ في أثناء فترة حماية المعبد قال الضابط لكالسا إنهم يشعرون الآن بقدر أكبر من الارتياح في قيامهم بواجبهم لحماية السيخ.(224)

وعلى المستوى الفيدرالي، قامت إدارة علاقات الجاليات بتنظيم ورعاية العديد من جلسات التدريب الخاصة بالقدرات الثقافية في شتى أنحاء الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لمجموعة كبيرة من الموظفين الفيدراليين مثل العاملين بالكونغرس وعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالية والمسؤولين الفيدراليين المعنيين بالحقوق المدنية.(225) وتشتمل هذه المحافل عادة على قيام المسلمين والسيخ بعرض جوانب ديانتهم وثقافتهم التي قد تؤثر على عمل المسؤولين الفيدراليين، وتختتم الجلسات عادة بفترة مخصصة للأسئلة والأجوبة. أما على المستوى المحلي، فقد أجري التدريب على مسألة القدرات الثقافية جنبا إلى جنب مع سير العمل المعتاد، حيث بدأ مسؤولو الحكومة وضباط الشرطة يتعرفون على الخصائص الثقافية للجاليات المختلفة التي تعنيهم في عملهم في سياق تعاونهم معها بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.(226) ففي سياتل على سبيل المثال، لم يتلق ضباط الشرطة أي تدريب للتعرف على الممارسات الإسلامية، ولكن الضباط الذين يتعاملون مع هذه الجاليات بدأوا يتعرفون على المعتقدات الإسلامية الأساسية من خلال زيارتهم لمساجد المدينة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. (227)

حاجز اللغة

نظرا لأن الكثيرين من ضحايا رد الفعل العكسي على أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ليسوا أمريكيي المولد فإن عدم قدرتهم على التحدث بالإنجليزية أو فهمها يقف عائقا أمام التعامل الفعال مع المسؤولين الحكوميين. وتشير شيلا بل، التي تعمل باتحاد المسؤولين المسلمين المعنيين بتنفيذ القانون في مدينة نيويورك، إلى أن اللغة تمثل أيضا حاجزا أمام التعامل الفعال مع إدارة شرطة نيويورك لأن ضحايا الجريمة الذين يتصلون بالإدارة في حالات الطوارئ لا يستطيعون أحيانا التحدث بالإنجليزية بطريقة تفهم فهما سليما.(228) كما تمثل اللغة عائقا أمام منظمات المجتمع المحلي التي تنظم مناسبات الاتصال بين الجاليات والأجهزة الحكومية. فمثلا تشير ريتا زويدة التي تعمل بتحالف الجاليات العربية الأمريكية إلى أن ضباط إدارة شرطة سياتل، على الرغم من أنهم بدأوا يعقدون لقاءات للاتصال بالجاليات ويشتركون فيها في كل مسجد من مساجد سياتل بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، "فقد تعذر عليهم الفهم في بعض الأحوال بسبب عدم معرفة البعض بالإنجليزية".(229)

وقد تمكنت إدارة شرطة ديربورن من تخطي حاجز اللغة بتعيين ضابط شرطة مختص بالجاليات العربية يتحدث العربية.(230) وعلى المستوى الوطني، أجرت إدارة الحقوق المدنية جهودا منسقة لنشر كتيبات توضح سبل حماية الحقوق المدنية باللغات التي تتكلمها الجاليات المضارة من رد الفعل العكسي. وتم توزيع هذه الكتيبات التي صدرت بعدة لغات، مثل العربية والفارسية والبنجابية، على الجاليات العربية والمسلمة والسيخ والوافدين من جنوبي آسيا عن طريق إرسالها بالبريد إلى منظمات المجتمع المحلي ودور العبادة. وتقول إدارة الحقوق المدنية إنها بعثت الآلاف من هذه الكتيبات إلى منظمات الجاليات المضارة منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.(231) كما تتوافر هذه الإصدارات أيضا على موقع إدارة الحقوق المدنية على الإنترنت.

مراكز الاتصال بالجاليات

يعتبر إنشاء مراكز للاتصال بالجاليات، سواء عن طريق الأفراد أو اللجان، أداة فعالة تستخدمها بعض الحكومات للتعاون مع الجماعات المعرضة للأخطار.

فبعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول قامت إدارة علاقات الجاليات التابعة لوزارة العدل الأمريكية بدور بالغ الفائدة في تحديد القيادات والمنظمات المعنية بالحقوق المدنية من السيخ والجاليات الوافدة من جنوبي آسيا الذين يمكن أن تتعاون معهم فور ظهور ما يشير إلى احتمال تعرض هذه الجاليات للعنف الناجم عن رد الفعل العكسي.(232) وفيما يتعلق بالسيخ وجاليات جنوبي آسيا، كانت إدارة علاقات الجاليات في أحوال كثيرة هي أول جهاز حكومي فيدرالي يتصل بها على الإطلاق.(233) وقد عينت إدارة الحقوق المدنية أشخاصا محددين للاتصال بكل جالية من الجاليات المضارة. فكان هؤلاء الأشخاص يتلقون المكالمات من قيادات الجاليات، ويبعثون برسائل البريد الإلكتروني عن التقدم المحرز في المسائل المتعلقة برد الفعل العكسي إلى قوائم البريد الإلكتروني الخاصة بالجالية، إلى جانب قيامهم بالتحدث في ثمانية محافل خاصة بالجاليات تنظمها إدارة الحقوق المدنية في شتى أنحاء الولايات المتحدة حول قضايا الحقوق المدنية المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول.(234) وأفادت قيادات المنظمات الخاصة بالجاليات عن ارتياحها إلى حد كبير بشأن وجود إمكانية الاتصال والقدرة على مناقشة الأمور العاجلة.(235) والمعروف عن إدارة الحقوق المدنية أنها تتبع دائما "سياسة الباب المفتوح" التي تعني "إمكانية تنظيم اجتماع لرؤساء الإدارة في أي وقت يظهر فيه موضوع ذو أهمية ملحة".(236)

وفي سياتل أنشأ عمدة المدينة مجلسا استشاريا عربيا بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، كما نظمت إدارة شرطة سياتل ندوات عن موضوعات جرائم الكراهية في كل مسجد من مساجد سياتل الأحد عشر، مع بيان أسماء وأرقام الأشخاص الذين يمكن لأبناء الجاليات الاتصال بهم في حالة وقوع أي فرد ضحية لجريمة من جرائم الكراهية.(237) وفي شيكاغو كان لإنشاء مجلس استشاري معني بالجالية العربية منذ ثماني سنوات في مكتب عمدة شيكاغو أثر كبير في تسهيل التعامل بين مكتب العمدة ورئيس الشرطة والجالية العربية قبل الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وبعده.

وقد أعربت منظمات الجاليات في نيويورك، وخصوصا منظمات المسلمين والسيخ وأبناء جنوبي آسيا، عن شعورها بالإحباط من تدني مستوى التفاعل بين إدارة شرطة مدينة نيويورك والمسؤولين الآخرين بالمدينة الذين ربما كان في استطاعتهم تقديم شيء من العون بشأن قضايا جرائم الكراهية. فيذكر النشطاء في مجال الحقوق المدنية، خاصة من جاليات السيخ وجنوبي آسيا، أنه لم يكن في إدارة الشرطة بأكملها إلا ضابط واحد مختص بالجاليات ومكلف بالتعامل مع أبناء الجاليات الكبيرة من السيخ والوافدين من جنوبي آسيا.(238) كما ذكر زعماء السيخ وجاليات جنوبي آسيا أن الأجهزة الحكومية بصفة عامة لم تكن تنظم أي منتديات لتعريف أبناء الجاليات بسبل الحماية التي توفرها الشرطة من جرائم الكراهية، وأن أبناء الجاليات لا يعرفون بمن يتصلون إذا وقعوا ضحية لجريمة من جرائم الكراهية.(239)

إنشاء خطوط ساخنة مختصة بجرائم الكراهية

أنشأت بعض المدن والولايات وكذلك الحكومة الفيدرالية خطوطا ساخنة مختصة بجرائم الكراهية لتوفر لأبناء الجاليات المضارة حلقة وصل مع الحكومة في حالة وقوع جرائم من جرائم الكراهية في سياق رد الفعل العكسي. فقامت كل من سياتل وأريزونا وكاليفورنيا، وعلى المستوى الفيدرالي قامت اللجنة الأمريكية للحقوق المدنية، بإنشاء خطوط ساخنة مختصة بجرائم الكراهية المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول وأعلنت للجمهور عن إنشائها. وعبرت منظمات الجاليات المختلفة عموما عن رضاها عن هذه الخطوط الساخنة، مشيرة إلى أهميتها الكبيرة في تعريف الجاليات التي تقع ضحية لهذه الجرائم بأنها تستطيع الاتصال بالحكومة بسهولة.
وقد اعترضت صعوبات شديدة إنشاء أحد الخطوط الفيدرالية الساخنة المختصة بجرائم الكراهية بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. ففي 14 سبتمبر/أيلول 2001 أعلنت اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان عن إنشاء "خط وطني للشكاوى… لاستقبال وتسجيل شكاوى التمييز من الأمريكيين العرب والمسلمين".(240) وتم نشر رقم الخط عن طريق العديد من المنظمات العربية والإسلامية ومنظمات جنوبي آسيا باعتباره أداة للشكوى للحكومة الفيدرالية من جرائم الكراهية. إلا أن الرقم المسجل في البيان الصحفي لم يكن صحيحا، فكان طالب الرقم يجد نفسه يتصل بوكالة لترتيب اللقاءات الغرامية.(241) وفور إعلان اللجنة عن الرقم الصحيح بعد ذلك بثلاثة أيام، تلقت اللجنة 140 مكالمة تقريبا مرشحة لكونها جرائم كراهية من 17 سبتمبر/أيلول إلى 2 أكتوبر/تشرين الأول.(242) لكن الكثيرين ممن اتصلوا لم يفهموا أن شكاواهم لن ترفع إلى السلطات الفيدرالية المعنية بتنفيذ القانون. وعندما طلبت إدارة الحقوق المدنية من اللجنة أن تقدم لها أو لمكتب التحقيقات الفيدرالي تقريرا عن جرائم الكراهية، رفضت اللجنة الاستجابة لهذا الطلب، وقالت إنها بحاجة إلى حماية سرية أسماء المتصلين حتى لا يحجموا عن الاتصال بها، كما أصرت على أن الخط هو خدمة لجمع المعلومات وليس خدمة لرفع الشكاوى.(243)

حصر جرائم التحيز

بذلت الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والمدن جهودا متنوعة لحصر جرائم التحيز بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، فوضع الكثير من حكومات المدن تصنيفات منفصلة للجرائم المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول في محاولة لتتبع مسار التحقيقات وإطلاع الجمهور بصورة أوضح على هذه الجهود. ولكن في وقت كتابة هذا التقرير لم تكن هناك إحصائيات وطنية موثوق بها حول جرائم الكراهية المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول؛ لأن وزارة العدل الفيدرالية لم تكن بعد قد نشرت تقريرها السنوي لعام 2001 عن جرائم الكراهية.

الإحصائيات الفيدرالية عن جرائم الكراهية

ينص قانون إحصائيات جرائم الكراهية الصادر عام 1990 في الولايات المتحدة على ضرورة قيام وزارة العدل بجمع الإحصائيات عن جرائم الكراهية باستخدام النظام الموحد للإبلاغ عن الجرائم.(244) ويقول مايكل ليبرمان، الناشط منذ وقت طويل في مجال قضايا جرائم الكراهية باتحاد مناهضة التشهير، "إن لائحة الإبلاغ عن جرائم الكراهية [القانون الفيدرالي] هي أهم قانون فيدرالي يتناول جرائم الكراهية. فقد حثت المسؤولين عن تنفيذ القانون على تدريب ضباط الشرطة على اكتشاف دوافع التحيز الكامنة وراء الجرائم في المجتمعات المحلية... وأدت إلى تغيير ثوري في الوعي بقضايا جرائم الكراهية من خلال إرساء قدر من المحاسبة في المجتمعات المحلية".(245) وفي ظل النظام الموحد للإبلاغ عن الجرائم يجب على جميع السلطات المعنية بتنفيذ القانون في شتى أنحاء الولايات المتحدة حصر عدد حوادث جرائم الكراهية حسب نوعية الجريمة والأصل العرقي والوطني والديني أو الميل الجنسي للضحية كل ثلاثة أشهر، وإبلاغ مكتب التحقيقات الفيدرالي بالعدد الإجمالي لهذه الجرائم. ويقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي بجمع هذه التقارير المحلية، بينما يقوم مكتب إحصائيات وزارة العدل بنشرها سنويا في صورة بيانات مبسطة تبين عدد جرائم الكراهية المرتكبة كل عام في دوائر بعينها، وعدد جرائم الكراهية المرتكبة ضد النوعيات المختلفة من الضحايا في كل دائرة. ويعتبر مكتب إحصائيات وزارة العدل هو النافذة الوطنية الوحيدة التي فتحتها الحكومة للإطلال على جرائم الكراهية عاما بعد عام.

وعلى مدى السنوات الثماني الماضية، شجع مكتب التحقيقات الفيدرالي الدوائر المحلية على الإبلاغ عن حوادث الجرائم، ومن بينها جرائم الكراهية باستخدام النظام الوطني للإبلاغ عن الجرائم على أساس الحوادث الفردية، وهو النظام الذي يوفر حصرا موجزا بسيطا بعدد جرائم الكراهية المرتكبة في كل دائرة ونوعية الضحية. وفي ظل الإبلاغ على أساس الحوادث الفردية تقدم الأجهزة المحلية المعنية بتنفيذ القانون ملفا منفردا عن كل جريمة مبلغ عنها إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، وتتضمن التفاصيل الخاصة بكل حادثة معلومات تفصيلية عن نوعية المجرم والضحية والسلاح المستخدم وموقع الجريمة.

وتعتبر المشاركة في كلا النظامين للإبلاغ عن الجرائم مسألة طوعية. فعلى الرغم من أن معظم أجهزة الشرطة في الولايات المتحدة تقوم بالإبلاغ عن جرائم الكراهية إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن ذلك لا يشمل جميع هذه الأجهزة. كما أن الكثير من الأجهزة التي تبلغ عن جرائم الكراهية تعطي أرقاما تقل كثيرا عن المعدل الحقيقي لوقوع هذه الجرائم في دوائرها. وقد وجدت دراسة مولتها وزارة العدل أن 83% من الأجهزة المعنية بتنفيذ القانون التي شاركت في النظام الموحد للإبلاغ عن الجرائم والنظام الوطني للإبلاغ على أساس الحوادث الفردية تفيد بعدم وقوع جرائم كراهية في كل عام. (246) لكن الدراسة وجدت أن الكثير من هذه الدوائر وقعت بها جرائم كراهية لم يتم الإبلاغ عنها إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي.(247) ويلاحظ أن انتفاء البلاغات إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي يعد مؤشرا كاذبا إلى حد كبير، إذ تقدر الدراسة أن ستة آلاف جريمة كراهية، أي 75% تقريبا من إجمالي عدد جرائم الكراهية المبلغ عنها على مستوى الولايات المتحدة كل عام إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، لا تدرج في التقارير المقدمة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي.(248) ومما يزيد من تعقيد الأمور فيما يتعلق بتتبع العنف الموجه ضد العرب أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لا يحصر جرائم الكراهية النوعية ضد الجماعات العرقية، ولكنه يصنف عموما أي حوادث عنف ضد العرقيات المختلفة ضمن فئة واحدة تشمل جميع الجرائم العرقية.

حصر جرائم الكراهية في المدن والولايات

إلى جانب الجهود الفيدرالية لجمع البيانات عن جرائم الكراهية، تقوم مجموعة من الأجهزة على مستوى المدن والولايات في الولايات المتحدة بجمع ونشر إحصائيات خاصة بها عن جرائم الكراهية، وعلى رأسها كاليفورنيا وشيكاغو ومقاطعة لوس أنجيليس التي تنشر جميعا إحصائيات عن جرائم الكراهية كل عام.

وتشارك الأجهزة المعنية بتنفيذ القانون في المدن التي أجري البحث عليها في سياق إعداد هذا التقرير - وهي ديربورن وشيكاغو وسياتل ولوس أنجيليس وفينيكس ونيويورك - في النظام الموحد للإبلاغ عن الجرائم على المستوى الفيدرالي. كما تقوم بعض المدن والولايات، مثل كاليفورنيا وشيكاغو، بجمع ونشر إحصائيات خاصة عن جرائم التحيز المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول، على العكس من البعض الآخر منها مثل سياتل ونيويورك. ويعد مكتب النائب العام لكاليفورنيا هو أنشط الجهات التي قامت بجمع البيانات عن جرائم الكراهية المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول ونشرها على نطاق واسع. فقد أصدر المكتب تقريرين انتقاليين يسجلان عدد جرائم التحيز المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول ضد العرب والمسلمين ومن يتصور أنهم عرب أو مسلمون في ست مدن كبرى في كاليفورنيا. ونشر النائب العام هذه البيانات لاعتقاده أن المعلومات "عنصر محوري لوضع تدابير فعالة للتصدي لهذه الأفعال المقيتة".(249) وقد صدر التقرير الأول في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2001، فور ظهور أحداث رد الفعل العكسي على نطاق واسع في كاليفورنيا، حيث وصل عدد الحوادث إلى عشرة في اليوم الواحد، أما التقرير الثاني فصدر في 11 ديسمبر/كانون الأول 2001 بعد تقلص رد الفعل العكسي بدرجة ملحوظة إلى حادثة واحدة في اليوم.(250) وكان مكتب النائب العام لكاليفورنيا، على حد علمنا، هو الجهاز الحكومي الوحيد على المستوى المحلي ومستوى الولايات الذي نشر بيانات عن حوادث رد الفعل العكسي المتعلق بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول إبان وقوعها.

وبالإضافة إلى الجهود الخاصة المبذولة لحصر ونشر الجرائم المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول تنشر كاليفورنيا أيضا تقريرا سنويا عن جرائم الكراهية يتضمن بيانات إحصائية تفصيلية عن نوعية جرائم الكراهية التي تحدث وضحاياها ومرتكبيها وموقع الاعتداءات ومعدلات تحريك الدعوى القضائية. وتم نشر تقريرها السنوي لعام 2001 في 8 سبتمبر/أيلول 2002. وخلص التقرير إلى أن "العدد الإجمالي لجرائم الكراهية المبلغ عنها في العام الماضي فعلا كان بالإمكان أن ينخفض بنسبة 5% عن العام السابق لو لم تحدث الاعتداءات المدفوعة بالتحيز على سكان كاليفورنيا الذين وقعوا ضحية لكونهم مسلمين أو لأنهم يبدون من أصل شرق أوسطي".(251)

كما تنشر لجنة لوس أنجيليس للعلاقات الإنسانية تقريرا سنويا شاملا عن جرائم الكراهية يحتوي على إحصائيات تفصيلية عن جرائم الكراهية في مقاطعة لوس أنجيليس. ويقول المدير التنفيذي للجنة إن التقرير هو أقدم تقرير سنوي عن جرائم الكراهية يصدر عن أي دائرة في الولايات المتحدة حيث إنه ينشر منذ عام 1980.(252) ويتضمن هذا التقرير، مثل تقرير النائب العام لكاليفورنيا، البيانات الإحصائية التفصيلية عن جرائم الكراهية كل عام، ومن ضمنها معلومات عن نوعية الضحايا والمجرمين ومكان الاعتداءات ومعدلات تحريك الدعوى القضائية ونوعية جرائم الكراهية التي تقع. وقد نشرت اللجنة تقريرها السنوي لعام 2001 في 9 سبتمبر/أيلول 2002.(253)

كما تنشر إدارة شرطة شيكاغو تقريرا سنويا شاملا عن جرائم الكراهية منذ 1995. وفي 27 يونيو/حزيران 2002، أصدرت تقريرها السنوي بعنوان "تقرير جرائم الكراهية في شيكاغو".(254) وذكر التقرير أن شرطة شيكاغو حصرت جرائم الكراهية المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول بمعزل عن بقية الجرائم، وسجلت عدد جرائم الكراهية المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول في شيكاغو. وكما هي الحال في تقارير لجنة مقاطعة لوس أنجيليس للعلاقات الإنسانية ومكتب النائب العام لكاليفورنيا عن جرائم الكراهية، فإن تقرير إدارة شرطة شيكاغو يتضمن معلومات عن نوعية الضحايا والمجرمين وأماكن الاعتداءات ونوعية جرائم الكراهية التي تحدث، ولكنه لا يتضمن معلومات عن معدلات تحريك الدعوى القضائية.

ويعتبر التقرير السنوي لإدارة شرطة شيكاغو فريدا في أنه يسجل عدد "حوادث الكراهية"، وهذا التصنيف يشير إلى السلوك المدفوع بالتحيز الذي لا يبلغ حد خرق القوانين الجنائية.(255) وبفضل جمع الإحصائيات عن أحداث الحوادث الكراهية يتمكن المسؤولون عن تنفيذ القانون من العثور على خيوط تقودهم إلى المناطق التي توجد فيها التوترات العنصرية والعرقية في المدينة والتي يمكن أن تتفاقم لتصل إلى حد جرائم الكراهية.(256)

أما إدارة شرطة فينيكس فتكتفي بالإعلان عن عدد جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين على موقعها على الإنترنت، وهي الجرائم التي وقعت في فينيكس في عام 2001، مع وضع علامة (*) على جميع جرائم الكراهية التي وقعت ضد العرب في فينيكس بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.(257) ولكن مما يعيب الأرقام المنشورة أيضاً أنها تفصل الجرائم المرتكبة "ضد الإسلام" عن الجرائم المرتكبة "ضد المسلمين" على الرغم من أن المصطلحين مترادفان.

أما إدارة شرطة ديربورن فتضع جرائم الكراهية المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول في تصنيف منفصل، وتسجلها بغرض التحقيق فيها داخليا. إلا أن الإدارة لم تنشر إحصائيات عن جرائم الكراهية في الماضي،(258) ولكنها تنشر معلومات عن جرائم الكراهية في ديربورن كل عام في إطار تقديم إدارة شرطة ولاية ميشيغان بياناتها إلى برنامج نظام الإبلاغ الموحد بمكتب التحقيقات الفيدرالي.(259)

أما نيويورك وسياتل فلا تنشران بيانات سنوية عن جرائم الكراهية. لكن وحدة جرائم التحيز في إدارة شرطة مدينة نيويورك تحصر عدد جرائم الكراهية المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول بغرض إجراء التحقيقات الداخلية. أما سياتل فلم تجمع هذه البيانات، بل إنها على العكس من بقية المدن التي يغطيها هذا البحث، لم تحصر جرائم الكراهية المتعلقة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول على الإطلاق.(260) ولا تتعدى البيانات المنشورة عن جرائم الكراهية في نيويورك وسياتل ما ينشره مكتب التحقيقات الفيدرالي في تقريره السنوي عن جرائم الكراهية. وهذه البيانات مقتضبة كما أشرنا فيما تقدم، ولا تشير إلا إلى عدد جرائم الكراهية المرتكبة في كل عام ونوعية الضحايا المعتدي عليهم. أما المعلومات الخاصة بمرتكبي جرائم الكراهية ومكان الاعتداءات ونوعية الجرائم المرتكبة ومعدلات تحريك الدعاوى القضائية فلا تدرج ضمن النظام الموحد للإبلاغ عن الجرائم المتبع في كل من نيويورك وسياتل.


الجزء التالي
الجزء السابق
المحتويات