Human Rights Watch
  • البيان صحفي
    محتويات التقرير
  • أولاً: ملخص
  • التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي والوطني
  • ثانياً: توصيات
  • الهوامش
  • تقارير أخرى بالانجليزية

    تقارير أخرى

  • قاصرون بلا حماية
  • نقض العهود
  • حماية الاطفال العاملين بالمزارع في الولايات المتحدة
  • ساهم في الدفاع عن حقوق الإنسان


    " مواطنون من الدرجة الثانية:
    التمييز ضد أطفال العرب الفلسطينيين في مدارس إسرائيل "

    أولاً: ملخص

    مبنى متهالك لمدرسة تحيط بها المياه والطين
    وهو مدرسة مازالت مستخدمة للتلاميذ العرب الفلسطينيين في اسرائيل
    يبلغ عدد الأطفال في سن المدرسة في إسرائيل 1.6 مليون طفل، يذهب ربعهم تقريباً إلى مدارس عامة منفصلة تماماً عن المدارس التي يتعلم فيها أبناء أغلبية السكان. هؤلاء الأطفال الذين يتعلمون في النظام المدرسي الموازي هم أبناء المواطنين الإسرائيليين ذوي الأصول العربية الفلسطينية. وهناك بون شاسع من حيث الجودة بين هذه المدارس وسائر المدارس العامة التي يذهب إليها أبناء اليهود الإسرائيليين الذي يشكلون أغلبية السكان في إسرائيل؛ فمدارس أطفال العرب الفلسطينيين كثيراً ما تكون مكتظة بالتلاميذ، وليس بها العدد الكافي من المدرسين، ومبانيها رديئة وتعاني من تردي مستوى الصيانة، إن وجد فيها أي نوع من الصيانة أصلاً، ولا توفر هذه المدارس من المرافق والفرص التعليمية ما توفره المدارس الأخرى للأطفال الإسرائيليين. ويتناول هذا التقرير التمييز الذي تمارسه إسرائيل ضد الأطفال العرب الفلسطينيين من مواطنيها فيما يتعلق بضمان الحق في التعليم.

    ينقسم نظام التعليم المدرسي الذي تديره الحكومة الإسرائيلية إلى شقين منفصلين، أحدهما للأطفال اليهود الإسرائيليين والآخر للأطفال العرب الفلسطينيين. ويتجلى التمييز ضد أطفال العرب الفلسطينيين في كل جانب من جوانب هذين النظامين؛ وقد أقرت سلطات وزارة التعليم بأن متوسط ما تنفقه الوزارة على التلميذ في المدارس العربية أقل من متوسط الإنفاق على التلميذ في المدارس اليهودية. كما أن مدارس الأغلبية تحصل على تمويل إضافي من الدولة ومن الجهات الخاصة بدعم من الدولة تحت بند الإنشاءات والبرامج الخاصة من خلال أجهزة حكومية أخرى. والخلاصة أن الفجوة هائلة حقاً بأي مقياس تضعه السلطات الإسرائيلية.
    ويتناول هذا التقرير أوجه التفاوت بين النظامين التي يتبين جانب منها من خلال الرجوع إلى الإحصائيات الرسمية؛ ثم يتحقق التقرير من سلامة هذه النتائج ويستكملها بمضاهاتها بنتائج الزيارات الميدانية التي قامت بها منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" لست وعشرين مدرسة من مدارس النظامين، والمقابلات التي أجريناها مع الطلبة والآباء والمدرسين والإداريين وسلطات التعليم الوطنية.
    تتسم الفصول في مدارس العرب الفلسطينيين بارتفاع أعداد التلاميذ وانخفاض أعداد المدرسين بالقياس إلى مدارس اليهود، بل إن بعض الأطفال العرب يضطرون للسفر لمسافات طويلة للوصول إلى أقرب مدرسة لبيوتهم. كما يوجد تباين صارخ بين مدارس العرب والنظام المدرسي السائد من حيث النقص الدائم في المرافق التعليمية الأساسية مثل المكتبات وأجهزة الكمبيوتر ومختبرات العلوم بل حتى المساحات المخصصة للأنشطة الترفيهية، فلم نجد مدرسة عربية واحدة بها مرافق متخصصة مثل معامل تركيب الأفلام أو قاعات المسارح التي وجدناها علامة مميزة في بعض المدارس اليهودية التي قمنا بزيارتها. ومن ناحية أخرى نجد أن الأطفال المعاقين من العرب الفلسطينيين يتعرضون للتهميش بشدة حيث لا يوجد غالباً مدرسون متخصصون في التربية الفكرية (أي تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة) ولا المرافق المطلوبة لهذا اللون من التعليم في مدارس العرب، على الرغم من وجود برامج خاصة للتربية الفكرية في غاية التطور في مدارس اليهود.

    وفي كثير من المجتمعات لا توجد مدارس للأطفال الذين يبلغ أعمارهم ثلاث وأربع سنوات على الرغم من وجود تشريعات تقضي بضرورة إنشاء مثل هذه المدارس وإلحاق الأطفال بها، وتنعكس هذه المشكلة في عدم كفاية إنشاء دور الحضانة لأطفال العرب الفلسطينيين في كثير من أنحاء إسرائيل، خصوصاً في النقب. وفي مقابلة أجريناها مع رجل من البدو في بلدة بدوية معترف بها قال الرجل "ابنتي عمرها خمس سنوات، وكنت أعتقد في العام الماضي بناء على وعد يوسي سريد (وزير التعليم السابق) أنها ستذهب إلى حضانة (حكومية)، ولكن لا توجد أي حضانة هنا".1
    ويمثل حظر إنشاء المدارس في بعض المجتمعات العربية الفلسطينية، الذي فرض في إطار السياسات الحكومية للضغط على السكان العرب الفلسطينيين لإجبارهم على مغادرة بعض المناطق، عقبة هائلة أمام الأسر التي لديها أطفال، بالإضافة إلى أنه يحرم العديد من الأطفال من حقهم في التعليم. كما تؤدي رداءة المرافق المدرسية والاضطرار إلى السفر مسافات طويلة للوصول للمدارس إلى تسرب الأطفال من النظام التعليمي نهائياً بمعدلات مرتفعة جداً.

    ويعطي النظام التعليمي أولوية متأخرة لتدريب المدرسين للعمل بالمدارس العربية، ويوفر قدراً محدوداً من البرامج التنشيطية للمدرسين الموجودين بها بالمقارنة بما يتم بصورة روتينية في النظام المدرسي الذي يخدم الأغلبية. ويتسم المدرسون العرب الفلسطينيون عموماً بانخفاض مؤهلاتهم ورواتبهم عن أقرانهم من غير العرب الفلسطينيين، كما أن الحوافز المالية المقدمة للمدرسين المعينين في المناطق الأكثر حرمانا، مثل بعض أجزاء النقب، أقل مما يقدم للمدرسين في المدارس اليهودية التي تصنف على أنها في مواقع تعاني من الصعاب، كما يتسم تدريب المدرسين في مجال التربية الخاصة للعمل بالمدارس العربية بالقصور إلى حد كبير.
    وعلى الرغم من ارتفاع معدلات الإعاقة بين العرب الفلسطينيين، فإن نسبة ما تنفقه وزارة التعليم في مجال التربية الخاصة على دمج التلاميذ ذوي المتطلبات التعليمية الخاصة مع باقي التلاميذ العاديين، وعلى خدمات التربية الخاصة ومدارسها من أجل أطفال العرب الفلسطينيين أقل مما تنفقه على أطفال اليهود. ويقول والد طفل معاق "لقد طالبنا بدعم خاص منذ سنوات طويلة، وكنا نذهب دائماً إلى وزارة التعليم فيخبرنا المسؤولون بأن نتوجه إلى السلطات البلدية المحلية، فإذا ذهبنا إليها لا نحصل على شيء".2 وتعاني مدارس التربية الخاصة العربية من ندرة الأخصائيين المدربين مثل الأخصائيين النفسيين وأخصائيي علاج عيوب النطق. وليس أمام الأطفال العرب الفلسطينيين الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المدارس العادية إلا الاختيار بين حفنة صغيرة من المدارس، وغالباً لا توجد إلا مدرسة عربية واحدة في البلد للأطفال المصابين بإعاقة معينة، فيضطر كثير من أولئك الأطفال إما إلى السفر مسافات طويلة كل يوم، وإما إلى الذهاب إلى مدرسة يهودية على مقربة من بيوتهم إذا كان ذلك متاحاً لهم. ولكن مدارس التربية الفكرية اليهودية ليست معدة لخدمة التلاميذ العرب الفلسطينيين، فعلى سبيل المثال نجد أن أخصائيي علاج عيوب النطق في بعض المدارس التي تضم تلاميذ فلسطينيين ويهوداً مصابين بإعاقات سمعية لا يتكلمون العربية، ومن ثم يصبح الخيار الوحيد أمام بعض الأسر هو أن يبقى أطفالهم المعاقون في البيت ولا يذهبون إلى أي مدرسة.
    ويدرس التلاميذ العرب الفلسطينيون مقررات عربية تضعها الحكومة عن طريق تعديل المقررات الموضوعة أصلاً للمدارس العبرية، بحيث أن الموضوعات المشتركة تعد دون مشاركة من الجانب العربي الفلسطيني أو بمشاركة محدودة جداً، وتترجم بعد نشر المادة باللغة العبرية بسنوات. وتخصص الحكومة موارد غير كافية لوضع مواد خاصة بالتعليم العربي وحده. وحتى عام 2000 لم يكن هناك أي مناهج عربية للتربية الخاصة، ولم تكن هذه المناهج موجودة في أي مدرسة من مدارس التربية الخاصة التي زارتها منظمة "مراقبة حقوق الإنسان". ويوضح أحد أخصائيي علاج عيوب النطق ذلك بقوله "إننا نعد منهجنا بتعديل المناهج الموجودة في المدارس العادية ونحاول أن نجعلها أسهل على التلاميذ".3 ويجد المدرسون العرب الفلسطينيون أن الخيار المتاح أمامهم فيما يتعلق بالكتب المدرسية والمواد التعليمية أقل بكثير مما هو متاح للمدرسين اليهود.
    ومن ناحية أخرى نجد أن محتوى المناهج كثيراً ما ينفِّر التلاميذ والمدرسين على حد سواء؛ ففي حصص اللغة العبرية، مثلاً، يطالب التلاميذ العرب الفلسطينيون بدراسة نصوص دينية يهودية تتضمن نصوصاً من كتابات علماء "التناخ" (الكتاب المقدس عند اليهود) وعلماء التلمود، وتأتي هذه المواد ضمن المقررات الإجبارية في امتحانات القبول في الجامعة التي تعقد في نهاية الدراسة الثانوية. وتصف إحدى مدرسات اللغة العبرية في مدرسة ثانوية عربية رد فعل تلاميذها بقولها: "بعض الأطفال يعتبرون المادة مفروضة عليهم، مما يصعب على المدرس أن يحفزهم على المذاكرة؛ فالمادة لا ترتبط بالطفل العربي عموماً... ولكن بسبب امتحان القبول في الجامعة يتعين علينا تغطية هذه المادة".4 كما عبر لنا التلاميذ والمدرسون العرب الفلسطينيون عن رغبتهم في دراسة المزيد من أعمال الكتاب الفلسطينيين والمزيد عن تاريخ فلسطين. وقد أدخلت وزارة التعليم مؤخراً بعض الإصلاحات الإيجابية على بعض المناهج العربية، منها مناهج التاريخ والجغرافيا والتربية المدنية، إلا أن الكثير من هذه التعديلات لم يتم تطبيقه بصورة كاملة بسبب نقص الكتب المدرسية وغيرها من المواد التعليمية.

    ويؤدي التمييز على كل المستويات في النظام التعليمي إلى استبعاد نسبة متزايدة باطراد من أطفال العرب الفلسطينيين خلال تدرجهم في المراحل الدراسية، أو إلى حرمان المثابرين منهم من فرص التعليم العالي. وتشبه العقبات التي تواجه الطلبة العرب الفلسطينيين منذ مرحلة الحضانة وحتى الجامعة سلسلة تشبه سلسلة من الغرابيل التي تزداد ثقوبها ضيقاً على نحو مطرد؛ ففي كل مرحلة يؤدي النظام التعليمي إلى استبعاد نسبة من الطلاب العرب الفلسطينيين تفوق نظيرها من الطلاب اليهود. فالأطفال الذين يحرمون من الالتحاق بالحضانة يكون مستواهم في المدرسة الابتدائية دون مستوى من ذهبوا للحضانات، كما ترتفع بشدة نسبة تسرب الأطفال من المدارس ذات الأبنية المتداعية والبعيدة عن بيوتهم والفقيرة في الموارد. وقد ذكر أحد مديري المدارس لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن الأطفال إذا اختاروا الاتجاه إلى برامج التأهيل المهني فعندئذ يقتصر إعدادهم على العمل في مهن "النجارة وتشغيل الماكينات وميكانيكا السيارات".5
    وكثير من الطلبة العرب الفلسطينيين الذين قد تكون عندهم طموحات أكاديمية ومهنية في غير هذه الظروف يحرمون من فرصة الالتحاق بالتعليم العالي بسبب نظام الامتحان الموضوع أساساً لمدارس الأغلبية اليهودية، والذي يمثل النقطة التي يلتقي عندها النظامان غير المتكافئين. فالطلبة العرب الفلسطينيون الذين يستمرون في الدراسة يكون أداؤهم أسوأ في الامتحانات العامة وخصوصاً في امتحانات القبول في الجامعات، وهي شرط الحصول على شهادة إتمام الدراسة الثانوية والتقدم للالتحاق بالجامعة. كما يُستبعد آخرون بسبب اختبار "القياس النفسي" الإجباري، المعروف عامة باختبار الاستعداد، والذي يصفه المعلمون العرب الفلسطينيون بأنه مثقل بالدلالات الثقافية باعتباره ترجمة للاختبار المطروح على الطلبة في المدارس اليهودية. ونتيجة لذلك فإن نسبة غير المقبولين من الطلبة العرب الفلسطينيين الذين يريدون الالتحاق بالجامعة تفوق بكثير نظيرها من الطلبة اليهود المتقدمين للجامعة. وفي العام الدراسي 1998-1999 كان جميع الطلبة الذين حصلوا على أولى شهاداتهم الجامعية من اليهود، عدا نسبة 5.7% فقط.
    وتطرح الحكومة الإسرائيلية تفسيرات أخرى مختلفة للتفاوت بين أداء الطلبة اليهود والطلبة العرب الفلسطينيين، منها الفقر والمواقف الثقافية خصوصاً فيما يتعلق بالفتيات. لكن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" وجدت أنه في ضوء الأمثلة الواضحة على التمييز الذي تمارسه الدولة، لا الفقر ولا المواقف الثقافية توضح بصورة كافية تلك الفجوة القائمة. بل إن البيانات كثيراً ما تتناقض بصورة مباشرة مع الادعاء بأن هذه العوامل وليس التمييز هي جذور المشكلة. كما أن التمييز في التعليم يأخذ صورة دائرية وتراكمية، فعندما تكون فرص التعليم المتاحة لجيل من الأجيال أقل وأضعف مما أُتيح لغيره من الأجيال، فإن أطفال هذا الجيل ينشؤون في كنف أسر أقل دخولاً، ويتلقون العلم على أيدي مدرسين أقل حظاً من التعليم الراقي.
    وعلى الرغم من أن أصحاب الدخول المنخفضة من الطلبة اليهود، وخصوصاً المهاجرين الجدد أو السفارد أو المزراحيين،6 يواجهون بعض التحديات التي تعترض الطلبة العرب الفلسطينيين فيما يتعلق بالفقر، فإن الحكومة تقدم للطلبة اليهود المحرومين مجموعة من الموارد الرامية لتحسين أدائهم الأكاديمي وحمايتهم من التسرب من الدراسة. وتتضمن الموارد العلاجية والتعزيزية التي تقدم للمدارس اليهودية ساعات دراسية إضافية وبرامج علاجية وإثرائية خلال ساعات الدراسة وبعدها، بالإضافة إلى تعيين أخصائيين مهمتهم التعامل مع مشاكل هروب التلاميذ من المدارس، والإرشاد، وتوفير فرص التعليم المهني.
    أما بالنسبة للطلبة العرب الفلسطينيين فإن وزارة التعليم تستخدم وسيلة مختلفة لقياس مدى حرمانهم عن الوسيلة التي تطبقها على الطلبة اليهود، فتقيس احتياجات الطلبة العرب بالمقارنة بغيرهم من الطلبة العرب الفلسطينيين لا الطلبة اليهود. ومن الطلبة العرب الفلسطينيين من يلتحقون ببعض برامج الإثراء والبرامج العلاجية، لكن الطلبة اليهود يتلقون نصيباً أكبر بكثير على الرغم من أن احتياج الطلبة العرب الفلسطينيين لهذه البرامج أشد. وفي عام 2000 أجرى مجموعة من أساتذة الجامعة العبرية دراسة خلصت إلى أن الطلبة اليهود يحصلون على خمسة أضعاف ما يحصل عليه الطلبة العرب الفلسطينيون من التعليم العلاجي.7 وهكذا على الرغم مما تقوله الحكومة الإسرائيلية من أن لديها سياسة تشتمل على إجراءات إيجابية للتعامل مع الطلبة المحتاجين، فإن هذه السياسة تستبعد الطلبة العرب الفلسطينيين وتتسم بالتمييز ضدهم.
    وقد اعترفت الحكومة الإسرائيلية إلى حد ما بأن نظام التعليم في المدارس العربية متدن بالقياس لنظام التعليم في المدارس اليهودية؛ فعلى سبيل المثال أبلغت الحكومة الإسرائيلية لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة في عام 2001 بما يلي:
      هناك قدر كبير من التفاوت بين الموارد المتاحة للتعليم في القطاع العربي في مقابل القطاع اليهودي. وينعكس هذا التفاوت في شتى جوانب التعليم في القطاع العربي مثل البنية الأساسية ومتوسط عدد الطلاب في الفصل الواحد وعدد ساعات الإثراء التعليمي، ومدى الخدمات المساعدة المقدمة لهم والمستوى التعليمي للمدرسين المهنيين.8
    كما أشارت الحكومة في عام 1991 إلى أن الاستثمارات الحكومية لكل تلميذ عربي فلسطيني تبلغ حوالي 60% من الاستثمارات المنفقة على التلميذ اليهودي. وفي العقد الماضي قامت الحكومة بتعيين لجان عديدة للنظر في الجوانب الإشكالية في التعليم، مثل تعليم البدو في منطقة النقب والتعليم الخاص؛ فوجدت هذه اللجان أن هناك فجوات مذهلة في الطريقة التي تعامل بها الحكومة الطلاب اليهود والطلاب العرب الفلسطينيين ووضعت توصيات لعلاج تلك المشكلة. كما رفعت "لجنة سد الفجوة" التي شكلتها وزارة التعليم تقريراً إلى قيادات الوزارة في ديسمبر/كانون الأول 2000 أشارت فيه إلى هذه الاختلافات الحادة، على الرغم من أن اختصاصاتها الأصلية كانت تنصب على دراسة الفجوات القائمة فيما بين الطلبة اليهود.
    وعلى الرغم من وجود هذه الأدلة الدامغة، فلم تغير الحكومة من الطريقة التمييزية التي تدير بها النظام التعليمي، بل إنها تقاعست إلى حد بعيد عن الوفاء بما وعدت به في العقد الماضي من اعتماد مخصصات مالية إجمالية، لا تكفي أصلاً لتحقيق المساواة بين النظامين. ولا يزال تمويل التعليم في المدارس العربية في معظم المناطق لا يتناسب حتى مع نسبة العرب الفلسطينيين بين مجموع السكان، فضلاً عن أن يعالج التمييز الذي ظل قائماً منذ سنوات طويلة.

    ويعكس هذا الإهمال الأولوية المتأخرة التي تعطيها الحكومة الإسرائيلية، بل والمسؤولون عن نظام التعليم في المدارس العربية، للطلبة العرب الفلسطينيين، ويبدو أن النظام ذاته لا يكاد يخطر على بال كبار مسؤولي التعليم في التصريحات العامة التي يدلون بها. فعلى سبيل المثال، يبدو أن وزيرة التعليم الجديدة ليمور ليفنات تجاهلت تماماً مسؤوليتها تجاه العرب الفلسطينيين عندما صرحت بأنها تود "ألا يكون هناك طفل واحد في إسرائيل لا يتعلم مبادئ المعارف والقيم اليهودية والصهيونية"، ثم عادت بعد فترة من إدلائها بهذا التصريح لتقول إنها لم تكن تقصد به الأطفال العرب الفلسطينيين.9
    والأسوأ من ذلك أن بعض مسؤولي التعليم الإسرائيليين تعرضوا للنقد في وسائل الإعلام بسبب تصريحاتهم العنصرية الصريحة؛ فقد ذكر رئيس الهيئة التعليمية للبدو موشي شوحات في حديث مع مجلة "الأسبوع اليهودي" (جويش ويك) أن البدو الذين يشكون من تردي مستويات المعيشة "بدو متعطشون للدماء يجمعون بين عدة زوجات وينجب الواحد منهم 30 طفلاً ويواصلون توسيع مستوطناتهم غير الشرعية بالاستيلاء على أراضي الدولة". وعندما سئل شوحات عن إدخال تركيبات السباكة الداخلية في مدارس البدو أجاب قائلاً "إن البدو وفقاً لثقافتهم يقضون حاجتهم في العراء. إنهم لا يعرفون حتى كيف يستعملون المرحاض".10
    وقد أشار بعض مسؤولي الحكومة الإسرائيلية في تصريحاتهم لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إلى التحسينات التي أدخلت على نظام التعليم في المدارس العربية على مدى ثلاثة وخمسين عاماً منذ نشأة دولة إسرائيل،11 حيث قال يائير ليفين نائب المدير العام ورئيس العلاقات الدولية بوزارة التعليم لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان": "لا أشك في أن الفجوتين - بين الأشكيناز والسفارد، وبين اليهود والعرب - سوف تتلاشيان في غضون ثلاثين أو أربعين عاماً، ومثل هذه الفترة لا تذكر على امتداد التاريخ".12
    ولكن الأطفال الذين سيتدرجون في مراحل النظام المدرسي في إسرائيل خلال الأعوام الأربعين القادمة يحتاجون إلى أكثر من ذلك حسبما يقضي القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ فالمعدلات الحالية لن تسمح لإسرائيل بسد الفجوة بين نظامي التعليم اليهودي والعربي حتى لو اعتمدت مخصصات مالية سنوية متساوية لمدارس النظامين. "وحتى لو حصل كل شخص على نفس النصيب تقريباً في المجتمع وتجاهلنا وجود الفجوة، فإنها لن تنتهي أبداً فيما يتعلق بالظروف المادية للمدارس وعدد الأطفال في الفصل ومهارات المدرسين وتدريبهم"، وذلك حسب قول د. دافنا جولان، رئيس "لجنة سد الفجوة" بالأمانة التربوية بوزارة التعليم، لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان".13 وعندما سألت المنظمة داليا سبرينزاك، التي تعمل بإدارة الاقتصاديات والموازنة بوزارة التعليم، إذا ما كانت ترى أن الفجوة بين التعليم في المدارس العربية والمدارس اليهودية يمكن أن تنتهي يوماً ما، أجابت بقولها "صعب جداً. كلا، لا أعتقد ذلك... لكن هذا هو الاتجاه الصحيح؛ إننا نغالي في توقعاتنا بأن بمقدورنا التقدم بسرعة كبيرة في هذا الاتجاه".14
    ويتطلب التعامل مع التأثير التراكمي لحرمان أجيال من المواطنين العرب الفلسطينيين من المزايا التعليمية في إسرائيل أن تتخذ الحكومة الإسرائيلية مبادرات كبرى جديدة. وجدير بالذكر أن مبادرات ضخ الأموال مرة واحدة لا تعدو أن تكون إجراءً علاجياً مؤقتاً، وليست علاجاً للمشكلة. كما أن مجرد المساواة في التمويل، حتى لو تحققت، لن تكفي للتغلب على تركة الماضي التي تخلفت عن عدم تقديم المرافق التعليمية المعاونة. إن سد الفجوة يتطلب التمويل، كما يتطلب الإرادة السياسية. وعلى إسرائيل أن تلتزم بتحقيق المساواة بين النظامين في كل جوانب التعليم، وأن تدخل التعديلات الهيكلية الضرورية لتنفيذ هذا الالتزام، وأن ترصد النظام التعليمي لضمان التحقق من ذلك. ومجمل القول إن على إسرائيل أن ترسي مبدأ المساواة ليصبح عرفاً راسخاً في مؤسسات التعليم.
    وما دامت الفجوة قائمة، فمن المستبعد أن يشعر العرب الفلسطينيون بشعور المواطنة الكاملة في إسرائيل، وهذا ما عبر عنه تلميذ بالصف الحادي عشر في المرحلة الثانوية إذ قال لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان": "لا يوجد توازن بين ما يمنح (للطلبة اليهود) وما يمنح لنا. لقد أرسلت إلى صديق لي في غزة خطاباً كتبت فيه إننا لكي نحلم ونعمل علينا أن ندفع الثمن، فمن الصعب أن نحقق أحلامنا في هذا البلد، لأنه لا يُعتبر بلدنا. إننا فيه كالضيوف، ولسنا حتى بالضيوف المرحب بهم".15
    ويمثل العرب الفلسطينيون أقلية يعتد بها بين المواطنين الإسرائيليين، حيث يشكلون 18.7% من تعداد سكان إسرائيل ويشكل أطفالهم حوالي ربع عدد الأطفال في سن المدرسة.16 وينقسم هؤلاء العرب إلى 80% من المسلمين، من ضمنهم البدو وعدد قليل من الشراكسة،17 وحوالي العشر من المسيحيين، إلى جانب قلة أصغر من الدروز وهم أتباع طائفة دينية موحِدة ظهرت في أواخر القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر الميلادي. 18

    الصفحة الرئيسية || حقوق الطفل || موضوعات عالمية || البريد اللإلكتروني