Skip to main content

ضرورة التحرك على المستوى الدولي لوضع حدّ للإفلات من العقاب في ليبيا

28 أكتوبر/تشرين الأول 2014

 

السيد برنادينو ليون

المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا

بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا

تونس العاصمة، تونس

 

ضرورة التحرك على المستوى الدولي لوضع حدّ للإفلات من العقاب في ليبيا

 

السيد ليون، الممثل الخاص للأمم المتحدة،

 

أبعث إليكم بهذه الرسالة في خضم تردّي الأوضاع الأمنية في ليبيا لأدعوكم إلى ممارسة مزيد من الضغط لضمان اتخاذ إجراءات دولية أكثر فاعلية في مواجهة ارتفاع وتيرة العنف والانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها المجموعات المسلحة التي تتصرف في إطار يتسم بالإفلات من العقاب وانعدام الخوف من المحاسبة. كما ندعوكم بشكل خاص إلى المطالبة بعقد جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان حول ليبيا، وبعث لجنة لتقصي الحقائق (أو آلية أخرى مماثلة)، ودفع بعثتكم إلى مزيد العمل من أجل إعداد تقارير عامة وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية، والدعوة إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2174.

 

في الوقت الذي تسعى فيه المجموعة الدولية إلى التوصل إلى حلّ سياسي يضع حدّ للعنف الدائر بين جميع الأطرف المشاركة في النزاعات المسلحة في شرق ليبيا وغربها، لم تُبذل جهود كبيرة من أجل محاسبة الجرائم الخطيرة التي استمرت منذ نهاية الثورة في 2011، ومنها الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاختفاء القسري وعمليات القتل غير القانونية. وحصلت عديد هذه الانتهاكات بشكل منظم وعلى نطاق واسع، ما يجعلها ترقى إلى مستوى جرائم ضدّ الإنسانية.

 

تسببت النزاعات المسلحة التي اندلعت شرق ليبيا في مايو/أيار، وغربها في يوليو/تموز، في تفاقم الأوضاع المتردية. فقد نفذت مجموعات مسلحة هجمات على ممتلكات مدنية، وقامت باحتجاز مدنيين، وارتكبت أعمال نهب وحرق وتدمير، في أعمال كانت أحيانا ترقى إلى مستوى جرائم حرب. ولكن السلطات الليبية لم تفتح تحقيقات في هذه الانتهاكات الخطيرة، ولم تقدّم الجناة إلى العدالة.

 

مازال آلاف الأشخاص رهن الاحتجاز التعسفي في كافة أنحاء ليبيا. واستنادا إلى تصريحات وزارة العدل في أبريل/نيسان، لا تتجاوز نسبة السجناء الذين يقضون عقوبات صادرة بقرارات قضائية في السجون التي تديرها الوزارة 10 بالمائة من حوالي ستة آلاف سجين في البلاد. ويقبع الآخرون في مراكز احتجاز قبل المحاكمة، ومنهم من بقي على هذا الحال منذ 2011. كما يوجد عدد غير معلوم من المحتجزين في مراكز احتجاز تابعة لمليشيات. يُذكر أن هيومن رايتس ووتش قامت بتوثيق انتهاكات خطيرة في حق المحتجزين، منها التعذيب وسوء المعاملة وعدم سلامة الإجراءات.

 

كما تم تعليق محاكمة 37 مسؤولا سابقا في نظام القذافي، من بينهم سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي، منذ يوليو/تموز، على أن تستأنف في نوفمبر/تشرين الثاني. وقد أكدنا عبر لقاءات خاصة أجريناها في وقت سابق هذه السنة أنه لم يتم احترام حقوق المتهمين في سلامة الإجراءات، بما في ذلك الاتصال بمحامين والإطلاع على أهم الأدلة المستخدمة ضدّهم. ونظرا إلى أن بعض هؤلاء يواجه عقوبة الإعدام، ندعوكم إلى الاستمرار في مراقبتهم وزياراتهم ونشر تقارير للعموم في شأنهم في ظل وجود خطر من أن تتحول محاكماتهم إلى محاكمات صورية.

 

ولا يسعنا إلا أن نعبر عن قلقنا بشأن تقارير تفيد بأن أطراف النزاع الحالي يحتجزون أشخاصا في مراكز غير خاضعة لسلطة الحكومة ومراقبتها، وهو ما يثير مخاوف حول سلامتهم. وندعوكم إلى التطرق إلى وضعية المحتجزين مع السلطات الليبية وأطراف النزاع الحالي لضمان عدم تعرضهم إلى التعذيب وغيره من الانتهاكات الأخرى، والضغط من أجل إطلاق سراح جميع المحتجزين الذين لم توجه إليهم أي تهم.

 

منذ أغسطس/آب 2011، تعرض أكثر من 40 ألف شخص من مدينة تاورغاء إلى التهجير القسري، ومنعوا من العودة إليها، من قبل قوات مسلحة من مصراتة. ويعيش المهجرون حاليا في مخيمات مؤقتة ومنازل خاصة في أماكن متعددة من ليبيا، وهم عرضة إلى الاعتقال والاحتجاز التعسفي، ويواجهون الهجمات والمضايقات. يرقى التهجير القسري لسكان تاورغاء، والعنف الذي تمارسه الميليشيات ضدّهم، إلى جريمة ضدّ الإنسانية، وتتحمل المجموعة الدولية مسؤولية القضاء على هذه الأعمال. ونحن ندعوكم إلى التطرق إلى محنة المهجرين داخل ليبيا مع السلطات الليبية وأطراف النزاع.

 

كما استمرت عمليات الاغتيال بدوافع سياسية بلا هوادة، وفشلت السلطات الليبية في فتح تحقيقات وفي محاكمة المسؤولين على ارتكاب اغتيالات منذ 2011. قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق ما لا يقل عن 250 عملية اغتيال في بنغازي ودرنة القريبة منها منذ بداية 2014 رغم أنه لم يتم تبنيها من قبل أي مجموعات أو أفراد، ولم نعلم باعتقال أي متورطين فيها. ويُساهم صمت السلطات إزاء هذه الانتهاكات الخطيرة في نشر ثقافة الإفلات من المحاسبة التي تتسبب في تكرارها.

 

تتمتع المحكمة الجنائية الدولية باختصاص النظر في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية التي ارتكبت في ليبيا منذ فبراير/شباط 2011. ولكن مدعي المحكمة الجنائية الدولية لم يتمكن من فتح أي تحقيقات جديدة منذ 2011 رغم تصاعد الانتهاكات التي أصبحت جرائم تدخل في اختصاص المحكمة، وعدم رغبة أو عدم قدرة السلطات الليبية على فتح تحقيقات ومحاسبة المسؤولين. وشهدت سنة 2014 انهيارا شبه تام لمنظومة العدالة في بنغازي ودرنة وسرت وسبها، وصارت توجد حاجة ماسة لتحرك دولي لمعالجة موضوع المحاسبة في ليبيا لمنع تدهور الأوضاع.

 

دعت هيومن رايتس ووتش، في بيان أصدرته في 27 سبتمبر/أيلول 2014، مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان إلى فتح تحقيق دولي في المسؤولية الجنائية الفردية والانتهاكات الخطيرة لقوانين حقوق الإنسان والقوانين الإنسانية من قبل جميع الأطراف الليبية. كما بعثت هيومن رايتس ووتش ومنظمات دولية وأخرى ليبية برسالة مشتركة إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول 2014 تدعوها فيها إلى عقد جلسة خاصة بـ ليبيا في مجلس حقوق الإنسان بهدف تكوين لجنة لتقصي الحقائق (أو آلية مماثلة) للتحقيق في الجرائم الدولية الخطيرة.

 

مع تضاؤل أمل العدالة في ليبيا، ومعه أمل التوصل إلى حلّ للأزمة الحالية، ندعوكم إلى دعم مقترحنا بعقد جلسة خاصة بـ ليبيا في مجلس حقوق الإنسان، وإنشاء آلية دولية لتقصي الحقائق تضمن عدم تسامح المجموعة الدولية مع الجرائم المرتكبة، واستمرار جهود تحقيق العدالة للضحايا.

 

وفي ظل عدم وجود منظومة قضائية فعالة في ليبيا، وفي إطار المسؤولية التي تقع على عاتق المجموعة الدولية من أجل تحقيق الاستقرار هناك، ندعوكم أيضا إلى الإسراع في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2174، الذي تم تبنيه في 27 أغسطس/آب 2014، والقاضي بمعاقبة المتورطين في جرائم خطيرة. كما ندعو قسم مراقبة حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا لتوسيع مجال تقاريره حول الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ترتكبها جميع الأطراف. لا يمكن ـ ولا يجب ـ التوصل إلى أي حل سياسي بين جميع أطراف النزاع في ليبيا دون المساءلة عن الجرائم ومعاقبة مرتكبيها.

 

أتطلع إلى استلام ردّكم، وأرجو أن نتفق على موعد لعقد اجتماع معكم في نيويورك أو في مكان آخر لمناقشة الأزمة الليبية بمزيد من التفصيل.

 

مع فائق الاحترام والتقدير،

 

سارة ليا ويتسن

المديرة التنفيذية

قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

هيومن رايتس ووتش        

 

 

 

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.