Skip to main content

لا يمكن لأحد أن يزعم أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يُخفي رؤيته المستهينة بحقوق الإنسان، فقد حذر المتظاهرين المحتملين، في خطاب له أمام جمهور من ضباط الشرطة في يناير/كانون الثاني، قائلا: "احذروا وأنتم تطالبون بحقوقكم، احذروا ألا تضيعونا معكم".

ثم مضي يقول: "لا أقول أن التظاهر مرفوض، لكن ماذا عن التسعين مليوناً الذين يريدون أن يأكلوا ويشربوا ويعيشوا ويشعروا بالأمن في مستقبلهم". وفي سياق نفس الملاحظات، في إشارة إلى العديد من الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان من جانب قوات الأمن، أضاف السيسي: "نحن لا نقرها، لكننا في مرحلة استثنائية من تاريخ مصر".

وقد تصاعدت عمليات الاعتقال التعسفية وذات الدوافع السياسية منذ استيلاء السيسي، وزير الدفاع آنذاك، على السلطة في يوليو/تموز 2013، من أول رئيس مصري ينتخب ديمقراطياً، محمد مرسي. واعترف أحد مسؤولي وزارة الداخلية في يوليو/تموز 2014 بأن السلطات اعتقلت 22 ألف شخص على مدار العام السابق. وقال المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي يقوم برصد مستقل للاعتقالات السياسية، أن العدد أقرب إلى 41 ألف معتقل أو متهم بتهم جنائية حتى مايو/أيار الماضي. ولا شك أن الإخوان المسلمين ومؤيدي مرسي المفترضين يشكلون القسم الأكبر ـ إذ قال قادة الإخوان أن 29 ألفاً من صفوفهم رهن الاحتجاز. لكن حملة الاعتقالات شملت العديد من النشطاء العلمانيين واليساريين أيضاً.

وهم يخضعون بطبيعة الحال، فور تعرضهم للاحتجاز، لنفس الإساءات والاكتظاظ الشديد. فبحسب تحقيق منشور في صحيفة "الوطن"، وهي صحيفة يومية مستقلة موالية للحكومة بصفة عامة، تحقيق استمد إحصاءاته من مصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل، توفي ما لا يقل عن 90 محتجزاً في عهدة الشرطة في محافظتي القاهرة والجيزة في أول 11 شهراً من 2014، بسبب الظروف اللاإنسانية ونقص الرعاية الصحية، والتعذيب في بعض الحالات.

وكانت الاعتقالات في أغلب الأحيان لخرق مرسوم بقانون (القانون 107) صدر في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 ويخول وزارة الداخلية سلطة حظر أية تجمع "ذي طابع عام" لأسباب غامضة من قبيل "التأثير في سير العدالة"، كما يبيح استخدام القوة لتفريق المظاهرات. وقد دعا علاء عبد الفتاح، ناشط المعارضة البارز الذي تردد على السجون منذ عهد رئاسة حسني مبارك، دعا إلى مظاهرة بعد يومين، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، احتجاجاً على استمرار المحاكمات العسكرية للمدنيين. فاستخدمت الشرطة مدافع المياه والعصي لتفريق ما بين 200 و300 متظاهر، واعتقلت العشرات، وبينهم الناشطات المعروفات منى سيف ونازلي حسين وسلمى سعيد، والمحامين الحقوقيين أحمد حشمت ومحمد عبد العزيز وأسامة المهدي، والصحفيين أحمد رجب ورشا عزب.

وأصدرت محكمة جنايات معقودة في سجن طرة سيء الصيت أحكام إدانة بحق عبد الفتاح و24 آخرين لخرق القانون 107، وحكمت عليهم بالسجن لمدة 15 عاماً وغرامات باهظة. وفي 23 فبراير/شباط 2015 تأيدت أحكام الإدانة في إجراءات الاستئناف إلا أن مدد السجن خفضت للمحتجزين ـ إلى 5 سنوات في حالة عبد الفتاح.

ولم ينفرد عبد الفتاح، ضمن النشطاء العلمانيين البارزين، بمواجهة السجن لخرق قانون التظاهر الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني، ففي 21 ديسمبر/كانون الأول 2013 حكمت إحدى المحاكم على أحمد ماهر ومحمد عادل، مؤسسي حركة شباب 6 أبريل التي ساعدت في إشعال شرارة انتفاضة 2011، وعلى رفيقهما الناشط أحمد دومة، بالسجن لمدة 3 سنوات وغرامات تزيد على 7 آلآف دولار لكل منهم. وتضمنت التهم خرق القانون 107. وكما في معظم الحالات، أضافت السلطات أيضاَ تهم "البلطجة" والاعتداء على رجال الشرطة، رغم أن الأدلة الوحيدة على تلك الادعاءات في الوقائع التي أمكن لـ هيومن رايتس ووتش رصدها وتوثيقها كانت فيما يبدو شهادات مسؤولي الشرطة.

لم يتحفظ ماهر في انتقاد "غباء" مرسي والإخوان المسلمين، و"غلطته" حينما أيد انقلاب السيسي. وخلُص إلى أن "كل ما ثرنا عليه في ثورة 25 يناير/كانون الثاني [2011] عاد بأسوأ مما كان".

ومن الضحايا البارزين الآخرين لعودة القمع على أشده في مصر، يارا سلّام الناشطة الحقوقية التي تبلغ من العمر 28 عاماً وتعمل في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إذ كانت بدورها ضحية لقانون التظاهر القمعي. وفي حالتها لم يتضح حتى ما إذا كانت تشارك في مظاهرة ـ فقد قبض عليها رجال بثياب مدنية وهي تشتري الماء من كشك. وفي حالتها أيضاً لا يبدو أن ثمة أساس لمزاعم الشرطة بأنها هي والمقبوض عليهم معها في نفس الواقعة في 21 يونيو/حزيران 2014 كان بحوزتهم أسلحة أو أية نية لارتكاب العنف.

قالت يارا: "العمل في منظمات حقوق الإنسان ليس قانونياً كما يظن الجميع في مصر، فالجميع في هذا المجال يعملون عالمين بإمكانية الاعتقال لأي سبب عشوائي". وتقضي يارا الآن عقوبة السجن لمدة عامين.

والصحفيون أيضاً ضمن صفوف المعتقلين بتهم ملفقة في أحسن حالاتها، فالكثيرون على دراية بمحنة صحفيي "الجزيرة إنجليش" الثلاثة ـ بيتر غريست، ومحمد فهمي، وباهر محمد ـ الذين غادروا السجن أخيراً (رغم أن فهمي ومحمد ما زالوا يواجهون محاكمة جديدة بنفس التهمة العجيبة، وهي تأييد تنظيم الإخوان المسلمين "الإرهابي").

لكن الحظ نفسه لم يحالف المصور الصحفي المستقل محمد أبو زيد المعروف باسم محمد شوكان. تم احتجاز شوكان، الذي نشرت أعماله في "التايم" و"دي تسايت" وغيرها من المنافذ الإعلامية، منذ 14 أغسطس/آب 2013 حين كان يغطي الفض العنيف للاعتصام المؤيد لمرسي في ميدان رابعة العدوية. قال شوكان: "أنا لا أنتمي إلى أي شيء سوى مهنتي، فأنا مجرد مصور صحفي".

والأرجح أن يتسع نطاق الزج بالمصريين في السجون لمجرد ممارسة حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي في ظل مرسوم "الكيانات الإرهابية" الجديد الصادر في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث أنه يعرّف "الإرهابي" بعبارات فضفاضة لدرجة استثنائية. فبالإضافة إلى ذكر العنف والتهديد به، يغطي القانون أية جريمة تشكل في نظر السلطات "مساساً بالوحدة الوطنية" أو البيئة أو الموارد الطبيعية، أو تعرقل عمل السلطات العامة أو تطبيق الدستور والقوانين. و"الإرهابي" هو أي شخص يؤيد كياناً كهذا ـ التأييد الذي قد يشمل "تقديم المعلومات". ولنا أن نتخيل [حجم] شبكة الصيد التي يمكن نشرها إذا كان "تقديم المعلومات" التي "تعرقل عمل السلطات العامة" أو "تطبيق الدستور" يشكل جريمة إرهابية.

وتعمل هذه القوانين الجديدة على استكمال مواد قانون العقوبات القائمة، مثل المادة 98(و) التي تنص على السجن والغرامة لـ"استغلال الدين" على أي نحو من شأنه "الترويج للأفكار المتطرفة" أو "إثارة الفتنة" أو "تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية" أو الإضرار "بالوحدة الوطنية". وقد نجحت تلك الأفكار مؤخراً في جلب ثلاث سنوات من السجن للطالب كريم أشرف محمد البنا، لتعليق على موقع فيسبوك، ضمن ما بدا وكأنه حملة قمعية حكومية منسقة على من يتم اعتبارهم ملحدين. ولطالما اعتمدت السلطات المصرية على المادة 98(و) لملاحقة الأقليات الدينية وأساتذة الجامعات المعارضين والفنانين الذين "ينشرون المعلومات لزعزعة النظام العام والإساءة إلى سمعة البلاد"، مثل المدون كريم عامر البالغ من العمر 22 عاماً في عهد مبارك.

لقد أقام الرئيس السيسي وحاشيته نظاماً شديد التقييد يعمل، بإحيائه للاعتقال التعسفي والتعذيب أثناء الاحتجاز والاستهانة بالحقوق المدنية والسياسية، وضيقه الشديد بالنقد العلني، على الإساءة إلى سمعة مصر أكثر من أي شيء غيره.

جو ستورك هو نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.