Skip to main content

عد القتلى في بنغازي

القتل المتواصل جعل الليبيين في لهفة حول ما إذا كان أي أحد يمكنه جلب الأمن إلى بلدهم الذي مزقته الحرب.

نُشر في: Foreign Policy

عندما أفكر في بنغازي، ينشغل ذهني بعد الموتى: ما العدد اليوم، ما العدد في الأسبوع الماضي، ما هو العدد في هذا العام، وما هو العدد في 2011؟ وعلى مدار الثلاث سنوات التي قضيتها في ليبيا، فإن هذه هي واحدة من مهامي الأكثر إحباطا. يتزايد عدد من عمليات القتل غير القانونية باطراد، ووصل الآن إلى ما معدله عملية اغتيال واحدة في اليوم. كما تتزايد وحشية القتلة.

إن إخفاق السلطات في التعامل مع العنف يهدد الآن بإحداث انهيار تام للمؤسسات الرئيسية في ليبيا. في مايو/أيار، تولى الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الأمور بنفسه، وأطلق "عملية الكرامة" – وهي حملة مسلحة تهدف إلى محاربة "إرهابيي" الميليشيات الإسلامية، وبالتالي إنهاء إراقة الدماء. بدأت العملية في بنغازي وامتدت الى طرابلس وأماكن أخرى. قتل 75 شخصا على الأقل خلال اشتباكات الميليشيات في بنغازي في 16 و 17 مايو/أيار، وجرح 140. في 19 مايو/أيار، انضمت ميليشيات قيل إنها من غرب مدينة الزنتان إلى حملة حفتر وهاجمت مبنى البرلمان في طرابلس، ما أسفر على الأقل عن أربعة قتلى و90 جريحا.

لم يفعل رد فعل الحكومة – الذي تمثل بإعلان حملة "انقلابا" والدعوة إلى فرض منطقة حظر جوي فوق بنغازي – لم يفعل شيئا يذكر لإبطاء الأحداث. في 28 مايو/أيار، استهدفت القوات الجوية في بنغازي، والتي انضمت إلى حفتر، مرة أخرى مقر الميليشيات الإسلامية، بما في ذلك لواء 17 فبراير/شباط وأنصار الشريعة. جددت قوات حفتر ضرباتها الجوية لقواعد الميليشيا الإسلامية في 1 يونيو/حزيران، مما أثار اشتباكات وجرح العشرات، وأسفرت عن مقتل ثمانية أشخاص على الأقل.

هذه الموجة الأحدث من أعمال العنف ليست فريدة من نوعها. تتسم بنغازي بالاغتيالات شبه اليومية والهجمات على الجيش والمواقع الأمنية. وتشتهر المنطقة الشرقية، حول مدينة درنة، بانتشار الميليشيات الإسلامية.

لقد قوض العنف المتواصل على مدى السنوات الثلاث الماضية سلطة الحكومات المتعاقبة، ووضع الأساس لحملة حفتر. كانت الهجمات الأولى واضحة، واستهدفت قوات أمن الدولة عصر القذافي والقضاء. ولكن ذلك قد تغير الآن: من بين الضحايا الآن صحفيون ونشطاء عارضوا الديكتاتور السابق معمر القذافي خلال انتفاضة 2011، ولكنهم تجرأوا على انتقاد الميليشيات، وقادة ليبيا الجديدة.

سمعت العشرات من القضاة، والنشطاء، والصحفيين في بنغازي يعبرون عن شعورهم بقلة الحيلة وعن خوفهم من أن يكونوا االمستهدفين لاحقا. وفر العديد منهم نتيجة ذلك. وعبر البعض أيضا عن مخاوفهم من كون تقاعس السلطات قد يعني الإذعان. سألني قاض بارز سابق، "ماذا ينتظرون [الحكومة]؟هل يريدون أن نقتل جميعا قبل أن يردوا؟"

لم تؤد الاحتجاجات الشعبية ضد الميليشيات إلا إلى مزيد من سفك الدماء. في نوفمبر/تشرين الثاني، تحولت مظاهرة سلمية إلى حد كبير إلى العنف في طرابلس، حينما سار متظاهرون إلى حي تحتله إلى حد كبير ميليشيات من مصراتة وطلبوا منهم مغادرة العاصمة. وفقا لشهود عيان قابلتهم هيومن رايتس ووتش، كانت ميليشيات مصراتة أول من فتح النار على المتظاهرين العزل. قتل 48 شخصا على الأقل في الاشتباكات التي تلت ذلك، والتي لم تسفر لا عن تحقيق أو أي ملاحقات قضائية.

من الصعب الحصول على مجموع أرقام الضحايا في ظل وضع انعدام القانون الحالي. في يناير/كانون الثاني، رصد تقرير أعدته لجنة برلمانية ليبية 643 حالة اغتيال في عام 2013. وفي الشهر نفسه، قال لي المدعي العام في ليبيا إن مكتبه يتوفر على 206 ملفات قتل منذ نهاية انتفاضة 2011، ولكنه لم ينه التحقيقات. وألقى باللوم على افتقاد الشرطة ووزارة الداخلية للسلطة لإجراء اعتقالات من أجل مسار العدالة المتوقف، ولكنه أكد لنا أن التحقيقات "جارية".

وجدت هيومن رايتس ووتش في بنغازي ودرنة أن ما يقرب من 35 شخصا قتلوا في ما يبدو أنه عمليات اغتيال مستهدفة كل شهر، في المتوسط، ما بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار من هذا العام. وينتشر العنف أيضا: فقد شهدت العاصمة العديد من الاغتيالات والهجمات على قوات الأمن، في حين عصف العنف كذلك بمدينة سرت شمال شرقي البلاد.

في بنغازي، تم استهداف كبار مسؤولي الدولة الأمنيين والصحفيين والنشطاء المنتقدين بالموت. أصبح مفتاح أبو زيد، رئيس تحرير صحيفة بورنيق، المعروف بمعارضته العلنية للميليشيات الإسلامية، آخر ضحية مشهورة عندما أغتيل بالرصاص في 26 مايو/أيار. أما إبراهيم السنوسي عقيلة، رئيس الاستخبارات في المنطقة الشرقية، فقتل بالرصاص في سيارته يوم 8 مايو/أيار. وفي 26 يوليو/تموز 2013، اغتيل الناشط السياسي البارز عبد السلام المسماري، الذي كان قد أدان عمليات القتل وانتقد الجماعات الإسلامية قبل ثلاثة أيام خلال ظهوره في التلفزيون، بينما كان متوجها إلى منزله.

كما كان هناك ما لا يقل عن 12 هجمة ضد مقرات وسائل الإعلام في طرابلس، وبنغازي، ودرنة، بالإضافة إلى عشرات التهديدات، والاعتداءات، والاختطافات بحق الصحفيين هذا العام وحده. على سبيل المثال، نجا حسن الباكوش، الصحفي الشاب في محطة تلفزيونية محلية، من محاولتي اغتيال في بنغازي هذا الشهر.

ولم ينج الأجانب الذين يعيشون في ليبيا من العنف. فقد قتل معلم في مدرسة أمريكية، وسبعة أقباط مصريين، وزوجان من نيوزيلندا وبريطانيا، ومهندس فرنسي، قتلوا كلهم في بنغازي خلال الأشهر الستة الماضية.

وقد كان الدافع وراء الاغتيالات الانتقام، وتصفية الحسابات، والنزاعات القبلية، والخلافات الدينية والأعمال الإجرامية العادية. ومع ذلك، فإن أسر العديد من الضحايا، فضلا عن وسائل الإعلام والمعلقين، غالبا ما يشيرون بأصابع الاتهام إلى الميليشيات الاسلامية -- خاصة عندما يكون الضحايا من أفراد قوات أمن الدولة والقضاء.

ويتهم آخرون "الموالين" للقذافي بالمسؤولية. عندما التقيت وزير الداخلية آنذاك، عاشور شويل، في فبراير/شباط 2013، ألقى باللوم على الـ "الخلايا النائمة" الموالية للقذافي خارج ليبيا بإذكاء العنف. وقال إن الحكومة المؤقتة دخلت في مفاوضات مع "الجماعات الإسلامية" حول وجودها وأنشطتها في بنغازي. ومع ذلك، فإن المفاوضات، على ما كانت عليه، لم تبطئ القتل.

لم تكن هناك أي تحقيقات في جميع هذه الجرائم، أو اعتقالات معروفة (ما عدا رجل واحد، اولذي تمكن من الخروج من السجن في مايو/أيار 2013)، أو أي ملاحقات قضائية معروفة. وقد أدى انعدام الأمن أيضا إلى إغلاق المحاكم ومكاتب المدعين العامين في بنغازي ودرنة. ونتيجة لذلك، يترنح قطاع العدالة في ليبيا على حافة الانهيار. ويغذي الإفلات من العقاب المتنامي العنف فقط.

لقد أنهكت الفوضى الليبيين. قال لي سائق سيارة أجرة في طرابلس مؤخرا إنه "يكره القذافي"، لكنه يتمنى أن يعود القذافي لإعادة بعض النظام. هذا الحنين ليس فريدا من نوعه، ويمكنه أن يعرقل تقدم ليبيا.

فشلت الحكومة الليبية، منذ سقوط القذافي، في تمكين مواطنيها من الحماية والأمن الذي يستحقونه. عملت القوانين التي أقرها المؤتمر الوطنى العام، أول برلمان منتخب، على تأجيج مناخ سياسي متوتر: فبدلا من إصلاح مجموعة من قوانين حقبة القذافي التي تنتهك الحريات الأساسية لليبيين، دفع المؤتمر الوطني العام ببساطة بقانون العزل السياسي، الذي يعزز المزيد من الانقسامات من خلال معاييره الغامضة التي تقصي المسؤولين في عهد القذافي والموظفين الحكوميين من مناصبهم العامة. فشل المؤتمر الوطني العام أيضا في تغيير قانون 2012 الذي يمنح الحصانة من الملاحقة القضائية على أفعال "تعزيز أو حماية ثورة [2011]"، والذي نشر في الممارسة ثقافة الإفلات من العقاب والعدالة الانتقائية.

ولكن المجتمع الدولي - وبشكل خاص تلك الدول التي شاركت في الحملة الجوية التي قادها حلف شمال الأطلسي - أخفق كذلك في الوفاء بالوعود المتكررة لمساعدة الليبيين في إعادة بناء بلادهم. لقد صرح مجلس الأمن الدولي بالتدخل العسكري في ليبيا تحت مسمى مذهب "مسؤولية الحماية"، وبالتالي لديه مسؤولية خاصة لمواجهة الجرائم الخطيرة الجارية، بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية والقتل الجماعي غير المشروع. ولكن وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن الذي تعهد فيه بأن يظل "ملزما" بالوضع في ليبيا، فإنه فشل بشكل مأساوي في القيام بذلك. لإرسال إشارة لا لبس فيها، ينبغي أن يضيف المجلس المسؤولين الليبيين وقادة الميليشيات المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان إلى قائمة عقوبات الأمم المتحدة، على النحو المتوخى في قرار مجلس الأمن الدولي لعام 1970.

وبدلا من الربت على كتف حكومة ضعيفة، ينبغي للبلدان المعنية التركيز على قطاعي العدالة والأمن الممزقين في ليبيا. وسوف تحتاج هذه البلدان إلى رؤية أوسع مما هو عليه الحال حتى الآن: لا يمكن إصلاح الأزمة الحالية فقط بحصص بناء القدرات والتدريبات المعتادة في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع.

ليست هناك إجابة سهلة على ما سيحدث بعد ذلك، وليس ثمة عصا سحرية. وينبغي على المسؤولين الليبيين بذل كل جهد ممكن لدعم قطاع العدالة والحفاظ على مواصلة المحاكمات - وينبغي على المجتمع الدولي مساعدتهم. ولأن الأمن هو عامل أساسي، فمن الأهمية بمكان تعزيز الشرطة القضائية، المسؤولة عن حماية السجون وقاعات المحاكم. وبدون نظام قانوني فعال، فإن البيت الورقي الهش ، ألا وهو الدولة الليبية، سوف ينهار.

حنان صلاح، هي باحثة ليبيا في هيومن رايتس ووتش. على تويتر @hananHRW

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة