Skip to main content

اليمن- عشرات السجناء بسبب الديون

احتجاز ما لا يقل عن 142 شخصا بسبب الديون أو الدية أو الغرامات

(صنعاء)قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن 142 شخصاً على الأقل يتم احتجازهم في سجن صنعاء المركزي في اليمن بسبب عجزهم عن سداد ديون أو غرامات مالية. يقول مدير السجن إنه يحتجز 142 شخصاً لهذه الأسباب، رغم أن السجناء يقولون إن هناك عدداً أكبر من هذا بكثير. على السلطات اليمنية أن تقوم بالإفراج عن السجناء المحبوسين لا لشيء سوى عجزهم عن سداد ديون أو غرامات ، بحسب هيومن رايتس ووتش.

من بين السجناء أُناس عاجزون عن سداد دين خاص، وأولئك المُطالبين بدفع الدية إلى عائلة أخرى بسبب ارتكاب جريمة، إضافة إلى المجرمين المُدانين الذين يستمر حبسهم بعد انقضاء مدة العقوبة لعجزهم عن سداد الغرامات المفروضة عليهم. لقد استمر حبس كثير من هؤلاء السجناء لمدة سنوات دون أي احتمال للإفراج عنهم.

قال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش "لن يجدي الإبقاء على شخص مُعسر في السجن بسبب غرامة نفعاً في استرداد المال. يجب أن يبقى السجن مقصورا على الأشخاص الذين يقضون عقوبات عن جرائم حقيقية".

أجرت هيومن رايتس ووتش مُقابلات مع 8 سجناء في سجن صنعاء المركزي، في العاصمة اليمنية. تم حبس 3 منهم بعد أن أدانتهم إحدى المحاكم لعجزهم عن سداد ديونهم. بينما استمر حبس الخمسة الآخرين بعد انقضاء فترة العقوبة لأنهم عجزوا عن سداد الغرامة الواردة في الحكم. ولا تزال سيدة محكوم عليها بالسجن لمدة 10 أشهر وغرامة مالية لاتهامها بالسرقة، في السجن منذ 4 سنوات.

يُتيح قانون المرافعات والتنفيذ اليمني للقاضي أن يُصدر حكماً بالسجن ضد من يمتنع عن تنفيذ حكم محكمة مثل سداد دين أوغرامة. وفي حين يُمكن للمحكمة أن تستثني من تراه مُعسراً، إلا أن العديد من السُجناء أخبروا هيومن رايتس ووتش أن المحكمة لم تضع وضعهم المالي في الاعتبار، أو تجاهلت التماسات تقدموا بها لإثبات أنهم مُعسرون، وهي مزاعم يدعمها مسؤولو السجن الذين تابعوا الحالات.

كما يُتيح قانون الجرائم والعقوبات اليمني للقضاة فرض غرامات، عادة ما تكون تعويضاً مالياً عن الخسائر التي لحقت بالضحية، بالإضافة إلى عقوبة الحبس أو بدلاً منها. على سبيل المثال، قد تقضي محكمة على قاتل مُدانبدفع الدية إلى عائلة الضحية، إلا أنها قد تأمر بحبسه لأجل غير مُسمى إن لم يدفع الدية. وتنص المادة 508 على عدم إطلاق سراح السجناء إلا بعد الوفاء بكافة التزاماتهم المالية، إلا إذا "توفر دليل على عجزهم عن الوفاء بتلك الالتزامات".

لكن القانون الدولي لحقوق الإنسان يحظر حرمان أي شخص من حريته بسبب إخفاقه في الوفاء بالتزام تعاقدي. كما يلزم الحكومات بسن قوانين تمنع حبس العاجزين عن سداد ديونهم. وعلاوة على ذلك، قد يواجه السجناء العاجزون عن سداد الديون أو الغرامات عقوبات بالسجن لأجل غير مُسمى، لا صلة لها بالأحكام الصادرة بحقهم، ولهذا فإن حبسهم قد يرقى إلى حد المعاملة القاسية واللاإنسانية ويُعد انتهاكاً لحظر القانون الدولي للأحكام غير المتناسبة.

ويساهم حبس الغارمين في التكدس الهائل لسجن صنعاء المركزي، حيث أن قدرته الاستيعابية 1,200 سجين، إلا أنه يستوعب في الوقت الراهن ما يُقارب 2,500 سجين. قال صيفان الحجيري، مدير السجن لـ هيومن رايتس ووتش:

يجب ألا يكون هؤلاء السجناء هنا، فلدينا بالفعل ميزانية محدودة، وتكدس هائل. يجب الإفراج فوراً عن حسني السير والسلوك على الأقل. ومن ناحية أخرى، يحمي الدستور اليمني حقوق جميع المواطنين وإذا استحق أحد المُدعين تعويضاً، فيجب أن يدفع له شخص ما. ولكن إذا قمنا بالإفراج عن هؤلاء السجناء دون أن يحصل الضحايا على تعويضات، فإنهم قد يُطبقون العدالة بأيديهم ويقتلون المُفرج عنهم بدافع الانتقام.         

في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، سددت الحكومة اليمنيةالديونالمُستحقةعن 333سجينافي جميع أنحاء البلادمن خلالهيئةإعادة التأهيلوالإصلاح، من بينهم 102 من السجناء في سجن صنعاء المركزي. وتقوم السلطات بإعداد قائمة سنوية لتختار منها بعض السجناء غير القادرين، وتقوم الحكومة بسداد ديونهم وترتب للإفراج عنهم.

لا يسمح القانون اليمني بالحبس مدة إضافية بديلاً عن السداد إذا عجز الشخص عن السداد. إلا أن هناك من بين المحبوسين في سجن صنعاء المركزي من قضوا مدة العقوبة، إلا أنهم عاجزون عن سداد الغرامة المُقررة في الأحكام الصادرة ضدهم.

وفي بعض الحالات، يعوق النظام القضائي اليمني قدرة الأشخاص على سداد بقية ديونهم بإبقائهم في السجن بعد انقضاء مدة العقوبة. وعلى سبيل المثال، تعرض سمير محمد سنان الحيتامي، 39 عاماً، وهو رجل أعمال، تعرض للإفلاس، وصدر ضده حكم بالسجن لمدة 18 شهراً، وألزمته المحكمة بسداد 155 مليون ريال يمني (721,000 دولار أمريكي) للدائنين في عام 2008. كان بإمكانه سداد كامل المبلغ عدا 50 مليون ريال يمني (233,000 دولار أمريكي) وهو الآن في سجن صنعاء المركزي لأكثر من 4 سنوات، بعد انقضاء عقوبته الأصلية.

قال نديم حوري، "إن سداد ديون بعض السجناء مفيد، إلا أنه لا يحل مشكلة حبس الغارمين فعلياً، كما أن حبس الناس "لحمايتهم من الثأر" ليس مبرراً للحكم عليهم بالسجن لأجل غير مسمى".

القانون الدولي
يحظر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، واليمن دولة طرف فيه، يحظر في المادة 11 سجن أي شخص " لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي". كما يحظر الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي صادق عليه اليمن عام 2004، في المادة 18 " حبس شخص ثبت قضائياً إعساره عن الوفاء بدين ناتج عن التزام تعاقدي".

في الماضي، قامت دول عديدة في كافة أنحاء العالم بسجن الأشخاص لعدم سداد الديون. إلا أن الأمر اقتصر في الوقت الراهن على اعتبار ظروف محددة، تتعلق برفض الانصياع لحكم محكمة عمداً، مبرراً مُحتملاً للسجن، كأن يمتنع شخص عن سداد ما أقرته المحكمة وهو قادر على السداد.

وفي قضية شهيرة في جنوب أفريقيا عام 1995 ألغت ممارسة عقوبة حبس الغارمين، رأت المحكمة الدستورية أن "الزج بالناس إلى السجن لعجزهم عن سداد الديون" ليس مقبولاً، ولا مُبرراً، أو ضرورياً " في مجتمع ديمقراطي قائم على الحرية والمُساواة".

سجناء الديون
أنوار علي السيد، 35 عاماً، كانت سيدة أعمال لها استثمارات في مدينة حلب السورية، والعديد من المشروعات العقارية الحقيقية، من بينها قاعة زفاف في صنعاء. أثرت انتفاضات العالم العربي على استثماراتها بشكل كبير: فقد أجبرتها انتفاضة اليمن عام 2011 على إغلاق قاعة الزفاف، كما دمر هجوم بقنبلة مصنعها في سوريا في أواخر عام 2011. قام الدائنون برفع دعوى قضائية ضدها لاسترداد أموالهم، وأصدر أحد القضاة حكماً يُلزمها بسداد دين قدره 450 مليون ريال يمني (2,1 مليون دولار أمريكي). قامت ببيع كافة أصولها، كما قام بعض الدائنين بإعفائها من الديون، إلا أنها ظلت مدينة بمبلغ 50 مليون ريال يمني (233 ألف دولار أمريكي).

أمرها القاضي بسداد المبلغ، إلا أنها قضت في السجن عاماً و3 شهور لعجزها عن السداد. قالت إنها تقدمت بالتماس إلى القاضي ليسمح لها بإثبات أنها مُعسرة، إلا أن القاضي قال قد يمكن النظر في هذا الأمر في "المرة القادمة". كانت تتقدم بنفس الالتماس كلما ذهبت إلى المحكمة، إلا أنها كانت تتلقى نفس الرد في كل مرة.

قالت أنوار السيد لـ هيومن رايتس ووتش "أعتقد أن هذا النظام خاطيء. ما هي الجدوي من وضعي في السجن؟ إنه لا يفيد الحكومة ولا يفيدني. إذا أفرجوا عني قد أخدم الاقتصاد". وانفجرت في البكاء عند سؤالها عن تأثير السجن عليها، "لقد اعتادت بناتي على اعتباري مثلاً أعلى. ماذا يظنون بي الآن؟ ابنتي الصغرى، 5 سنوات، لديها "حصالة" بجوار سريرها، اعتادت على وضع العملات المعدنية فيها. سألها أفراد عائلتي عن الغرض من هذه "الحصالة" فأجابتهم "أنا أدخر النقود كي أطلق سراح أمي".

سمير محمد سنان الحطامي، 39 عاماً، يعمل في مغسلة السجن. كان عضواً في الغرفة التجارية اليمنية. أخبر هيومن رايتس ووتش إنه أفلس وانتهى به الأمر إلى الاستدانة بمبلغ 155 مليون ريال يمني (721 ألف دولار أمريكي) من رجال أعمال آخرين، قاموا بمُقاضاته في عام 2008، وقضت المحكمة بحبسه 18 شهراً لإصدار شيكات بدون رصيد، وألزمته برد المبلغ. قال إنه كان قادراً على سداد المبلغ بالكامل عدا 50 مليون ريال يمني (233 ألف دولار أمريكي) بعد أن باع كافة أصوله التجارية والخاصة.

لقد قضى في سجن صنعاء المركزي 5 سنوات و7 شهور. وقال إنه يتقدم بالتماس لإثبات إنه مُعسر كلما ذهب إلى المحكمة، إلا أنهم كانوا يخبرونه بإمكانية وجود فرصة لإثبات ذلك في "المرة القادمة"، ولم يسمحوا له بذلك أبداً. لديه زوجتان و9 أولاد، ويقول إنه يخشى البقاء هنا حتى يموت. قال الحطامي لـ هيومن رايتس ووتش، "لقد دُمرت حياتي اقتصادياً ومعنويا واجتماعياً، لقد فقدت الأمل في الحياة".

حسن محمد طلال بن حمدان، 40 عاماً، أردني الجنسية، عمل في السنوات القليلة الأخيرة مع السجناء صغار السن في وحدة الأحداث بالسجن، وكانت لديه استثمارات في العديد من المشروعات الطبية والنفطية. أخبر هيومن رايتس ووتش أنه أفلس، وقام الدائنون بمقاضاته في عام 2009. أدانه القاضي بتهمة إصدار شيكات بدون رصيد، وحكم عليه بالسجن لمدة 5 شهور، وألزمه برد مبلغ 343 ألف دولار أمريكي. وبعد مرو 5 سنوات و4 شهور، مازال في السجن. لديه زوجة وطفلان، عمرهما 11 و9 سنوات، عادوا إلى الأردن بعد حبسه. قال بن حمدان، "لا يعلم أطفالي بوجودي في السجن، فقد يتسبب ذلك في إحباطهم بشدة. لقد دمرتني هذه التجربة تماماً، ما هي الفائدة التي قد تعود على أي شخص من بقائي في السجن حتى أموت وأصير ترابا؟ ليس أمامي الآن سوى أحد حلين- أن يُحالفني الحظ ويقوم شخص ما بالسداد نيابة عني- أو الموت".

سجناء عاجزون عن سداد غرامات
لطيفة محمد على الفقيه، 34 عاماً، ربة منزل لديها ابن واحد. أدانتها محكمة جنائية بالسرقة وحكمت عليها بالحبس لمدة عام واحد، وألزمتها بسداد مبلغ 2 مليون ريال يمني (9 آلاف دولار أمريكي). قضت حتى الآن 3 سنوات في السجن لعجزها عن تدبير المبلغ. قالت الفقيه لـ هيومن رايتس ووتش، "النظام اليمني أسوأ من تمييزي؛ لأنه لا يساعد سوى الأثرياء. أُصيبت أمي بجلطة وماتت منذ دخلت السجن، وأصبح ابني، البالغ من العمر11 عماً، يتنقل للإقامة بين أقارب مختلفين ولذلك لا يذهب إلى المدرسة".

توفيق عبد الله محمد الفقيه، يقول إنه في أوائل العشرينيات من عمره، كان طالباً بكلية الصيدلة. أدانته محكمة جنائية بالسرقة في عام 2010، وأصدرت حكماً بقطع يده. وفي الاستئناف، بعد أن توصل إلى اتفاق مع المُدعين، تم تخفيف الحكم إلى إلزامه بدفع 67 جراماً من الذهب، و2000 درهم إماراتي (550 دولار أمريكي)، و4000 ريال يمني (250 دولار أمريكي) على سبيل التعويض للضحايا. قال الفقيه، "ينحاز هذا النظام ضدك إن لم يكن لك صلة بعائلة أو قبيلة المُدعي، أو أحد الأثرياء ليقوم بالسداد نيابة عنك. كان حبسي أمراً كارثياً بالنسبة لعائلتي. كانت صحة أمي على ما يرام، إلا أنني بالكاد أتعرف عليها حين أراها. لقد أصيبت بداء السكري، وضغط الدم، وتنخرط في البكاء في كل مرة تأتي فيها لزيارتي. أنا نادم أشد الندم على ما فعلت، وها أنا أفقد أفضل سنوات عمري.

لمياء (اسم مستعار)، 26 عاماً، كانت تعمل سكرتيرة في ويسترن يونيون حين ذهبت إلى المحكمة بسبب ادعاء أحد زملائها عليها بالسرقة. تصر على أنها بريئة، إلا أن القاضي أدانها وحكم عليها بالحبس لمدة 10 شهور، وغرامة قدرها 58 ألف دولار أمريكي.إلا أنها عجزت عن سداد المبلغ، وقضت في السجن 4 سنوات إلى الآن. وكانت قد أخبرت هيومن رايتس ووتش: "أمي مريضة، وقد تموت إن علمت بوجودي في السجن. لذلك أخبرها أفراد العائلة أنني أتم دراستي بالخارج في السنوات الأربع المُنصرمة".

معمر السقاف، 37 عاماً، كان يعمل مشرفاً في مصنع شيكولاتة عندما تمت إدانته بالنصب. وأصدرت محكمة جنائية حكماً ضده بالحبس لمدة 4 سنوات، وألزمته بسداد 23 مليون ريال يمني (107 ألف دولار أمريكي). ظل في السجن لمدة 6 سنوات وشهرين، لعجزه عن سداد قيمة الغرامة. قال إن له شريكا في الجريمة ينتمي إلى قبيلة ذات نفوذ واستطاع أن يجد لنفسه مخرجاً من الحكم بالحبس.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة