Skip to main content

لماذا ينبغي على فلسطين أن تلتمس العدالة في المحكمة الجنائية الدولية

 

على مدار ما يقرب من العام، منذ ترقية وضع فلسطين في الأمم المتحدة، كان لدى القيادة الفلسطينية في رام الله فرصة لكي تفتح الباب أمام العدالة تجاه الجرائم الدولية الخطيرة التي تم ارتكابها في الأراضي الفلسطينية.

يمكن للقيادة الفلسطينية أن تغتنم هذه الفرصة لردع الانتهاكات المستقبلية غدا بمنح الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية.

لقد تقدمت فلسطين بأول إعلان تطلب فيه منح الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية في أواخر يناير/كانون الثاني 2009، بعد النزاع المروع الذي استمر 22 يوما في غزة، والذي كان قد اندلع في ديسمبر/كانون الأول. وفي أبريل/نيسان 2012، أوقف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك النظر في الإعلان الفلسطيني، مشيرا إلى أنه لا يستطيع أن يقرر ما إذا كانت فلسطين "دولة"، وهو شرط ضروري للولاية القضائية.

لكن في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، حلت الجمعية العام للأمم المتحدة تلك المسألة من خلال التصويت على قبول فلسطين كـ"دولة مراقب غير عضو". وبعد فترة وجيزة من ترقية وضع فلسطين بالأمم المتحدة، قالت المدعية العامة الحالية للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، إن "الكرة الآن في ملعب فلسطين" لطلب الحصول على الولاية القضائية للمحكمة.

حثت جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية المدعية العامة للمحكمة  على اتخاذ إجراءات على أساس إعلان 2009، ولكن في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، نشر مكتبها تقريرا أغلق هذا الباب.

وضعت المدعية العامة على القادة الفلسطينيين مسؤولية  مواصلة السعي على نحو فعال لطلب الولاية القضائية من المحكمة من جديد، إما من خلال الحصول على عضوية المحكمة الجنائية الدولية أو التقدم بإعلان جديد للاعتراف بولاية المحكمة. يمكن لفلسلطين أن تلتمس الولاية القضائية بدءا من أي تاريخ منذ 2002، عندما فتحت المحكمة أبوابها.

لماذا لا تلقي فلسطين الكرة في ملعب لاهاي؟ من الممكن أن يكون أولئك المسؤولين عن إطلاق الصواريخ من قطاع غزة مستهدفين المراكز السكنية الإسرائيلية موضعا للمسائلة الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولكن ذلك ينبغي ألا يمنع القيادة الفلسطينية في رام الله من التماس الولاية القضائية للمحكمة، خاصة وأنها أعلنت أنها ضد مثل هذه الهجمات.

إن السبب الرئيسي، وفق ما يقوله المسؤولون الفلسطينيون الحاليون والسابقون، هو أن إسرائيل هددت بانتقام غير محدد إذا ما سعت القيادة الفسطينية للحصول على الولاية القضائية للمحكمة، وقد عززت الولايات المتحدة هذا التهديد. وكما أخبرني مستشار قانوني فلسطيني سابق، فإن "الولايات المتحدة قالت  لنا بوضوح، وهي تنقل إلينا الموقف الإسرائيلي، ’إياكم وهذه الخطوة‘". وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال جلسات الاستماع الخاصة بتأكيد تعيينه أمام مجلس الشيوخ إن الولايات المتحدة تقف "بقوة جدا جدا ضد" أي "محاولة لاستدعاء إسرائيل على سبيل المثال.. إلى المحكمة الجنائية الدولية".

وبدلا من هذا، فإن البلدان الأخرى التي يتعين عليها، من واقع عضويتها بالمحكمة الجنائية الدولية، أن تضغط من أجل التصديق العالمي على النظام الأساسي للمحكمة – بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا و كندا مؤخرا جدا – هذه البلدان مارست ضغوطا على فلسطين لئلا تلتمس العدالة عن طريق المحكمة الجنائية الدولية.

إن التهديدات الإسرائيلية والأمريكية لا يمكن الاستخفاف بها، بالنظر إلى سيطرة إسرائيل على حياة الفلسطينيين – عند نقاط التفتيش والمعابر الحدودية، وخلال عمليات المداهمة والاعتقالات من منازلهم – واعتماد الاقتصاد الفلسطيني الكبير على المنح الأجنبية، بما في ذلك من الولايات المتحدة.

ولكن العواقب ينبغي حسابها في مقابل الشيء البديل– وهو الإفلات من العقاب الذي يؤجج المزيد من الانتهاكات. إن من شأن الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية أن تغطي الجرائم الخطيرة بموجب القانون الدولي على الأراضي الفلسطينية، من قبل جميع الأطراف، مثل التعذيب على نطاق واسع، أو الهجمات العشوائية عديمة التمييز على المدنيين سواء تلك التي ارتكبت من قبل الجماعات الفلسطينية المسلحة أو الجيش الإسرائيلي.

جدير بالذكر، أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يصنف النقل "المباشر أو غير المباشر" للمدنيين عن طريق قوة احتلال إلى أرض محتلة – مثل نقل الحكومة الإسرائيلية للمواطنين اليهود إلى المستوطنات – يصنفه كجريمة حرب. كما يعد "النقل القسري" للناس المحميين في أرض محتلة إلى خارج أراضيهم، يعد جريمة حرب أخرى بموجب النظام الأساسي للمحكمة ، عن طريق هدم منازلهم ومنعهم من العودة على سبيل المثال.

وقد بدأت، منذ تولي رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو السلطة في عام 2009، أعمال البناء على 8 آلاف و575 وحدة سكنية استيطانية. وجعلت أعمال الهدم الإسرائيلية خلال نفس الفترة أكثر من 4 آلاف فلسطيني بلا مأوى. إن كلا الاتجاهين في تسارع، فقد تم بناء ألف و708 وحدة سكنية استيطانية في النصف الأول من عام 2013، بزيادة وصلت إلى 70% مقارنة بنفس الفترة من عام 2012، وخلفت أعمال الهدم 933 فلسطينيا بلا مأوى حتى الآن من هذا العام، مقارنة بـ 886 في عام 2012.

لقد قال القادة الفلسطينيون إنهم سيسعون لحصول المحكمة الجنائية الدولية على الولاية القضائية في الوقت الحاضر، إذا – وفقط على ما يبدو – ما قامت إسرائيل ببناء المستوطنات في المنطقة التي يطلق عليها "د1" شرقي القدس، والتي قال كثير من المحللين إنها تقسم فعليا الضفة الغربية إلى شطرين.

ولكن بناء المستوطنات لا يؤثر فقط على حل الدولتين في المستقبل، إنما يفرض حصيلة يومية مروعة على حياة الناس. وقد منحت إسرائيل المستوطنات الاختصاص على أكثر من 39% من الضفة الغربية بأكملها؛ ما يجعل تلك المناطق محظورة على الفلسطينيين الذين يملكون أراض هناك، أو اعتادوا الوصول إليها لوقت طويل للزراعة وتربية الماشية. وفي الوقت نفسه، أفادت منظمة حقوق إنسان إسرائيلية مؤخرا أن المنطقة المستخدمة في الزراعة الاستيطانية زادت بنسبة 35% منذ عام 1997 إلى 9 آلاف و300 هكتار. وليس أمام بعض المزارعين الفلسطينيين أي سبيل سوى استئجار الأراضي من المستوطنين، الذين حصلوا عليها من إسرائيل مجانا.

بررت إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما من البلدان، دعواتهم لفلسطين بعدم استخدام الوضع الجديد الذي حصلت عليه من الأمم المتحدة لطلب الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية من خلال الزعم أن هذا من شأنه أن يقوض مفاوضات السلام. ولكن خلال 20 عاما من استئناف وتوقف المفاوضات، تسبب الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان والمخالفات لقوانين الحرب في شحذ العداء وجعل عمل المفاوضين أكثر صعوبة. وليس ثمة ما يثبت أن غياب آليات المسآلة ذات المصداقية كان له أي ميزة في وضع نهاية للنزاع.

يمكن للمشاركة المحتملة للمحكمة الجنائية الدولية أن تغير من الحسابات السياسية للمسؤولين عن هذه الانتهاكات؛ عن طريق إرسال رسالة واضحة مفادها أن ارتكاب جرائم خطيرة سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة.

يتعرض القادة الفلسطينيون لضغوط، لكنهم لم يقاوموا هذه الضغوط علنا، أو يقدموا الحجة على أن سعيهم للولاية القضائية للمحكمة الجنائية سوف يحقق العدالة وربما يدعم محادثات السلام.  ولم يوضحوا حتى الآن السبب في أنهم يشعرون بالعجز حتى عن السعي على نحو فعال للحصول على الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية.

إذا ما حصلت المحكمة الجنائية الدولية على الولاية القضائية، يمكن للمدعية العامة أن تفتح تحقيقا من تلقاء نفسها، ولكن هذا يبدو مستبعدا جدا. ففي حال أصبحت فلسطين عضوا في المحكمة، فسيكون من المرجح بشكل أكبر أن تكون بحاجة إلى اتخاذ الخطوة الثانية وهي التقدم بطلب إلى المدعي العام للتحقيق. ولكن مازال من شأن الخطوة الأولى بالسعي للحصول على الولاية القضائية، أن تزيد الضغط ضد الإفلات من العقاب عن الجرائم الخطيرة.

لقد حان الوقت للقيادة الفلسطينية أن تطلع شعبها على كيفية حفاظها على السعي للمساءلة.

بيل فان إسفلد، باحث أول متخصص في الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.